الصراعات القبلية في ولاية غرب كردفان الأسباب و الحلول

مقدمة ..
تعتبر ولاية غرب كردفان العائدة بعد زوال ولاية ذات أهمية كبرى في السودان ، لأنها دعامة الاقتصاد السوداني لما تختزنه أرضها من موارد متنوعة بشرية و غابية و معدنية و حيوانية و بترولية ، فهي الولاية التي تختزن 85% من البترول السوداني الذي تعتمد عليه كثيراً خزينة الدولة المنهكة من الصرف ، فضلاً عن أنها تساهم في ميزان الصادرات السوداني بنسبة كبيرة من المحاصيل الأخرى مثل الصمغ العربي و الثروة الحيوانية .
عانت هذه الولاية منذ عودتها كثيراً من الصراعات القبلية فيما بين مكوناتها الاجتماعية مما عطل حركة التنمية و استنزفت كل الجهود في درء الصراعات و تحقيق الأمن ، و قد شهدت ساحتها صراعات عدة في مناطق حدود ولاية جنوب دارفور بين المعاليا / الرزيقات ، المعاليا / الحمر ، الرزيقات / المسيرية و صراعات بطون المسيرية فيما بينها كصراع أولاد سرور و المتانين من ناحية و أولاد هيبان من ناحية أخرى و أخيراً صراع الزيود و أولاد عمران هذا الصراع الدموي الذي ظهرت فيه عوامل أخرى دخيلة على مجتمع السودان و مكوناته مما يدق ناقوس الخطر بالقادم الأسوأ إن لم يتم التدارك و الحل الجذري .
فما هي الأسباب المحركة لهذه الصراعات؟ و ما هي تأثيراتها على الأمن القومي السوداني ؟ و ما هي الحلول الممكنة في ظل الواقع الراهن؟
أسباب الصراع :
لكي نصل إلى تشخيص دقيق لأسباب الصراع لابد لنا من نظرة فاحصة للصراعات التي شهدتها ولاية غرب كردفان مستصحبين الزمان و المكان معاً ، فالمعلوم أن كل هذه الصراعات وقعت في الفترة من العام 2011 و حتى العام 2014م و معرفة هذا التوقيت من الأهمية بمكان لتشخيص الأسباب ، فهذا التاريخ يؤرخ لفترة زمنية جديدة في تاريخ السودان أولى معالمها هي انفصال دولة الجنوب ليأخذ السودان شكل خارطته الحالية التي شكلت فيها غرب كردفان ولاية حدودية للدولة الجديدة ( جنوب السودان) و هي بذلك تؤثر و تتأثر بما يجري في الجوار و كذا أنها تجاور إقليم دارفور المشتعل بحروب الحركات المسلحة .ثم أن الولاية أصبحت مستودع البترول الذي يغذي الخزينة المركزية بالعملات الصعبة هذا البترول الذي خلق حالة جديدة في الحراك و النسيج المجتمعي للولاية من الناحية السكانية و السلوكية .
1. الفاقد التربوي
في العام 1992 و ضمن سياسة الدولة التعليم تم إلغاء الداخليات في المدارس و قد أدى ذلك إلى إبتعاد الكثير من الأطفال عن التعليم بسبب عدم وجود المأوى لترحل أهاليهم و تنقلهم في رحلتي الشتاء و الصيف ، و زامن ذلك تصاعد التعبئة لمواجهة الحركة الشعبية في الجنوب مما جعل الكثيرون ينخرطون في مؤسسات الدفاع الشعبي فتربوا تربية عسكرية قتالية و حينما جاءت إتفاقية السلام وجد هؤلاء أنفسهم خارج مؤسسات الخدمة التي كانوا قد ألفوها و لم يعرفوا غيرها و لم تشملهم عمليات التسريح و النزع السلاح و الدمج و بلا عمل .
2. إنتشار السلاح بدون ضوابط :
بحكم التربية العسكرية و مواجهة حرب الجنوب فقد انتشر عدد كبير من الأسلحة أبان الصراع مع الحركة الشعبية حيث عمدت الدولة لترك الغنائم التي يغتنمها المقاتلون في الدفاع الشعبي مكافأة لهم ، بل شجعتهم على ذلك باستبدال الأسلحة الثقيلة بأسلحة خفيفة و مكافآت مالية مغرية ، فضلاً عن ما تم توزيعه أخيراً من سلاح و دراجات بخارية أبان إحتلال هجليج ، كما أن تواجد الحركات المسلحة و إنخراط بعض من أبناء المسيرية فيها قد أدخل العديد من الأسلحة التي لم تكن للمنطقة معرفة بها يدعم كل ذلك المخاطر التي تهدد السكان و ممتلكاتهم في ظل غياب الحماية الحكومية ، فقد شهدت المنطقة وجود العربات الرباعية الدفع المحملة بالرشاشات و المدافع من شاكلة ( B 10, SBG 9 ) في أيدي المدنيين .
3. سياسات تعويضات البترول :
هذا العامل يعتبر العامل الأبرز في تأجيج الصراعات في المنطقة فلو تابعنا كل هذه الصراعات التي نشبت نجد أن السبب الرئيس فيها هو الصراع في الأرض ، و كل الصراعات كان في الأراضي التي شملها المسح الزلزالي للتنقيب عن البترول و هذا بسبب الأطماع في نيل التعويضات عن الأرض مكان التنقيب ، فسياسة وزارة النفط في التعويض تتبنى التعويض الفردي لا توفير الخدمات مما ولد غُبن بين العامة في بيئة فقيرة و طاردة .
4. التوزيع القبلي للمحليات :
و يبرز هذا جلياً في ديار المسيرية حيث ان كل محليات الولاية الجنوبية قُسمت على أساس قبلي فمثلاً محلية أبيي سابقاً قد تم تقسيمها لثلاث محليات هي محلية أبيي
( المجلد) لقبيلتي المزاغنة و أولاد كامل ، محلية الدبب لأولاد عمران و محلية الميرم للفيارين و يُعتمد ذلك في تعيين المعتمدين و الكادر الوظيفي و هناك قرى ضمن حدود هذه المحليات جغرافيا لكن قد يكون أغلبية ساكنيها من قبيلة أخرى يتم إلحاقها إدارياً بالمحليات التي بها قبيلتهم.
5. ضعف الإدارات الأهلية :
كان الإدارة الأهلية هي الضامن الحقيقي للأمن و حسم المشكلات في ظل ضعف سيطرة الدولة في مجتمع متنقل و لكن ما تم من تفتيت لها و التعيين السياسي لقياداتها مع عدم تمكينهم أدى إلى إنفصام ما بين قادتها و المجتمع مما قلص دورهم في التأثير و على سبيل المثال الآن عدد أمراء المسيرية قد بلغ (18) أميراً و قد كان لهذه القبيلة أميراً واحداً (ناظر) يعاونه ثلاثة آخرين في بطون المسيرية الثلاثة ( الزُرق ، العجايرة و الفلايته) .
6. الصراع السياسي بين قيادات المؤتمر الوطني من أبناء الولاية :
إن الصراع السياسي بين قيادات المؤتمر الوطني من أبناء الولاية و التقاطعات بين مجموعاتهم المتنازعة شكل عاملاً رئيسا في تغذية الصراعات و هو يمثل سياسة ضرب أسفل الحزام لتحقيق مكاسب و نقاط تفوق ضد بعضهم بخلق مشاكل أمنية حتى لو كان الثمن أرواح بريئة من أهليهم .
7. الغياب الحكومي و هيبة السلطة :
يتمثل ذلك في غياب الفعل الحكومي لا غياب عناصر الحكومة ، حيث أن ممثلي المنطقة في البرلمان و الدولة لا علاقة لهم بالمنطقة إلا في مراحل الإنتخابات التي توصلهم لكرسي البرلمان ليجلسوا في منازلهم بالخرطوم و ممارسة أعمالهم التجارية ، و لم نسمع منهم كلمة في البرلمان عن معاناة المنطقة و مشاكلها و بالتالي يكون المواطن غير موجود في خارطة الدولة السياسية و التنفيذية و لكم أن تعلموا أن ممثلينا في البرلمان هم من بطني الزيود و أولاد عمران طرفي الصراع الأخير.
كما أن هناك وجود كثيف من القوات النظامية ( شرطة ، أمن ، جيش) بالمنطقة لكن كل مهامهم مرتبطة بحماية شركات البترول و آلياتها و موظفيها و لا علاقة لها بمواطن يُقتل أمامها ، مما جعل هذه القوات تفتقد هيبتها و احترامها ، و قد سبب هذا غُبن على شركات البترول حيث أن هذه السياسة جعلت المواطن يفكر أن هذه الدولة لا يهمها من المنطقة سوى ما في باطنها من بترول خاصة في ظل التردي الخدمي و الصحي الذي سببته عمليات التنقيب بلا مقابل خدمي يقلل مخاطرها .
خلاصة :
مما تقدم نلاحظ أن المنطقة تقف على بحيرة من البارود قابلة لإنفجار أوسع قد يهدد الأمن القومي السوداني و أن صراعات غرب كردفان الحالية هي نسخة متطورة من صراعات دارفور و لكنها أكثر خطورة بحكم قربها من المركز و أنها خزينة اقتصاد البلاد لو لم نعط أهمية للمكون البشري ، و عليه فإننا نرى أن النقاط التالية ستساهم في إيجاد الحل و هي:
1. إعادة النظر في سياسة تعويضات البترول المتخذة من قبل وزارة الطاقة لتكون موجهة للخدمات العامة بدلاً عن التعويض الفردي فيما يتعلق بالأراضي البور و أن يعوض الأفراد في خسائرهم المباشرة كالزراعة المصطلحة و المنازل المملوكة قانوناً .
2. التشديد في سياسات مسح الأراضي التي تمارس الآن بصورة فيها شُبة الفساد الإداري واضحة بتجاوز كافة الإجراءات القانونية و الإدارية فيها.
3. إعادة النظر في المحليات الحالية و إعادة رسمها وفقاً للمعيار الجغرافي مع ضرورة مطابقة ذلك للقانون الذي يحدد المعايير و الأسس لها.
4. إعادة النظر في الهيكل الإداري للقبائل و تقنين الإدارة الأهلية بما يؤهلها للقيام بدورها الإداري على الوجه الأمثل و حسم الفوضى في منح الأمارات تجاوزاً للقانون و نوصي بعودة الهيكل الإداري القديم للمسيرية إسوة بكافة قبائل السودان .
5. ضرورة تفعيل برنامج التسريح و نزع السلاح و إعادة الدمج بالولاية و بصورة حقيقية لإستيعاب منتسبي مؤسسة الدفاع الشعبي و توفير مصادر عمل تساعد على دمج في المجتمع و الإستفادة من إمكاناتهم في المؤسسات المدنية.
6. ضرورة قيام الدولة بالسيطرة على السلاح المنتشر بدون ضوابط و رخص و نزع كافة الأسلحة الثقيلة المنتشرة بين المدنيين ، مع فرض هيبة الدولة و توفير الحماية للسكان و هي أولى واجبات الدولة .
7. ضرورة الإهتمام بالدراسات و تفعيل و تنشيط مراكز دراسات ثقافة السلام المنتشرة في الجامعات و دعم الدراسات الاجتماعية في هذا المجال مع تطبيق نتائجها .
8. ضرورة أن يهتم الشباب من أبناء المنطقة بما يجري و العمل على وضع برامج توعية و مبادرات يتم فيها إشراك مؤسسات التعليم و الإعلام لبيان مخاطر الصراعات على الاستقرار و حياة الناس.
9. إن تقوم الدولة بتطبيق القانون و محاسبة المعتدين ، و أن تكون مؤتمرات الصُلح جانب مكمل لعملية المحاسبة مع ضرورة تنفيذ مقررات هذه المؤتمرات.
10. ضرورة أن تكبح الدولة جماح سياسيها و صراعاتهم التي ساهمت في عدم الاستقرار مع ضرورة المحاسبة وفقاً للحقيقة .

أمبدي يحيى كباشي حمدوك
[email][email protected][/email]

‫2 تعليقات

  1. الاعتراف بسبب المشكلة جزء من الحل في المسيرية رضت ان تستخدمها الحكومة ان تكون مخلب قط فاذا استخدم المسيرية ضد الجنوبيين في الوقت الذي كان الجنوبيين فيه مواطنيين سودانيين مثلهم فاكيد نفس النظام سيستخدم المسيرية ضد بعضهم البعض اذا الحل الوحيد هو رفض المسيرية للتبعية ان يكون لهم شخصية مستقلة لا تجري مع التيار بل تعرف ان من حفر حفرة لاخيه وقع فيه.

    1. الان ذهبت الانقاذ بقضها وقضيضها وتقلصت ادارة المسيرية الاهلية الى ثلاثة نظارات كما هو فى السابق اذا صرفنا النظر عن وجود السير ولكن ماهى النتيجة ؟ مازال الموت والقتل سمة مستمرة بينهم مع ملاحظة تقلصها الى الصورة الفردية والتى تنجب بدورها العقاب الجماعى ممثلا فى عرف الصف تصديقا لقول الشاعر :
      جرم جره سفهاء قوم __ وحل بغير جارمه العذاب
      معضلة المسيرية تتمثل فى الوفاء للتاريخ والعيش على صدى العظيم منه بالرغم من غياب العظماء الذين صنعوه وعجز الحاضرين عن اعادته ان الركون للماضى دون نقد والتسليم به وجعله مفخرة وفزاعة اعتزاز نستدعيها لساحة الحاضر هو وحده الذى يؤكد اننا عرب ومسلمون كل ما هو جميل لدين فى خزانة الماضى ….فهل يعود الماضى ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..