أخبار السودان

سنة العجز عن صنع الفرح

بالنسبة لمواطني السودان عامّة، فإنه لم يكن عام 2014 عامًا تنسّموا فيه مقدار خردلة من فرح حتى ليقارنوه بسرمد أحزانهم التالدة، بل ولم تكن هذي السنة الآيلة للأفول ترسم علامة اختلاف فارقة عن سابقاتها ليتوقف المرء عندها لعقد المقارنة!
فعلى المستوى الإنساني، ظل المكتوون بالحروب في أماكنهم المؤقتة: أعشاش، جحور، خيران، وديان وكراكير إن لم يُزحزحوا إلى أسوأ منها، لم يحلموا بالنوم طيلة 365 يومًا مضت، ولم يفكروا بالرجوع إلى قراهم التي أصبحت أثافي بعد أن حُرقت بمن فيها بشرًا ودوابًا وهوام الأرض، ولم يعثروا على ذويهم الذين فقدوا أو نفقوا جراء الحرب، بل ولا أظنهم قد حلموا بكوابيس سلام لعامهم القادم. بالرغم من أن جهات خارجية وداخلية رسمية وشعبية فرادى وجماعات ما زالت تلوّح بلافتات مكتوب عليها بحبر الغضب: أن معسكرات النازحين تعاني من الهلاك والاغتصاب الجماعي معًا وأن أطفال ونساء جبال النوبة في الكراكير يموتون يوميًا بفعل القنابل والحصر وأن سكان النيل الأزرق مشردون ومسحوقون بالحرب اللعينة على مدار الساعة، وأن جنوب الوطن كله دخل في نفق مجاعة مفتوحة الطرفين على الحروب البينية الضروس، والتي حتى الآن لم يتحمّل أي طرفٍ من مشعلوها بعضًا من وزرها.
أما على مستوى المواطن الذي يتاخم حلبات الحروب ومضامير الوغى، فإنه لم يكن أسعد حالاً من أخيه الذي في دائرة اللهب، مات الكثير منهم بسبب الإهمال الشامل والأمراض غير المستعصية وندرة العلاج. شرب الناس ماء الصرف غير الصحي والربوب، وجاع الناس جوعًا حتى أكلوا لحوم الحمير والفطيس والكلاب والقطط وسجوق الضفادع وما لم يرد ذكره في الفيسبوك، ويممت الطبقة الوسطى عن بكرة أبيها شطر الكوش والتنادل بحثًا عن فضلة مزرنخة لوقف المسغبة، تكرارً لسنة ستة الشهيرة التي ماثلتها في كل شئ، من نعمة التظلل بأفياء الشريعة السمحاء إلى المُلك القبَلي العضوض والجوع الكافر والموت الزؤام. وللأمانة تفوقت سنة ستة على هذه السنة بأن مؤرخين شهود عيان شاهدوا في تلك السنة وفي قلب العاصمة أم درمان بعض النساء يبعن أطفالهن والبعض أهدى أولاده ومنهم من أكل حتى فلذات أكباده!
أما في هذه السنة، ازدادت إصابات الكثير من الناس بالجنون، إذ هالهم الانهيار المريع في كل مناح الحياة والمعيشة وفارقوا الأمل، كما ومر عليهم مرور الكرام ولم يمس فيهم بشعرة انهيار بورصات الأخلاق والأمانة والمروءة والرحمة وارتفاع مؤشر الأطفال اللقطاء وشيوع زنا الشوارع و المحارم والخمور والمخدرات وانعدام قيمة الجنيه الأخضر، وأمّا من به قليل من نبض حياة فرَّ صوب الصحراء وصوب البحر وصوب الجحيم لعلهم ينجون بجلودهم، ولم يصمد منهم في داخل سجن الوطن إلا الميتون والعجزة والأطفال الرُّضع ومن تناسوا هذه المأساة العظمى بالولوج في أعناق القوارير، قوارير الكحول والخمور البلدية.
إنها لسنة ستة في كامل أبُّهتها،
سائلاً المولى اللطيف أن يجنّب الوطن والمواطن مثيليهما.

آدم صيام
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..