اسقاط المقاتلة الروسيه في تركيا والتداعيات الإستراتيجية

شكلت الأزمة السورية عنوانا لصراع القوي الدولية والإقليمية وتجاوزت منذ بداياتها الأولي كونها ثورة شعبية إندلعت من اجل التغيير و الحرية وإسقاط نظام بشار الأسد، تأسيا بالنموذج التونسي وثورة يناير المصرية. لكن سرعان ما تم إختطافها من قبل القوي الدولية والإقليمية، والتي وجدت في وضع سوريا الجيوسياسي النموذج الأمثل لتحقيق أهدافها الإستراتيجية. وتمت عسكرة الثورة السورية وتزويدها بالمقاتلين فأصبحت وبجدارة عنوانا لصراع الإستراتيجيات الكونية والتي تعمل علي صياغة ورسم خارطة جديدة للمنطقة عبر مفهوم الشرق الأوسط الجديد، وربما ولادة أقطاب دولية جديدة.
وعبر مفهوم صناعة الأزمات وإدارتها [وليس حلها] والذي برعت فيه القوي الكبري منذ الأزل، تم الايحاء لبعض دول الخليج بوجود فرصة لتغيير النظام وبالتالي ضرب تحالف إيران وسوريا وحزب الله لتحقيق مجموعة من الأهداف أهمها : عزل حزب الله وقطع الحبل السري الذي يمر عبر سوريا ، وكذلك تضييق المجال الحيوي الذي تتحرك فيه إيران وإقصائها عن أي تسوية أو عمل يتم في المنطقة.
هنالك أهداف فرعية لبعض الدول مثل قطر والتي عبرها يتحرك التنظيم الدولي للإخوان والذي راوده حلم وراثة الحكم بعد الاسد.
كل ماذكر من تلاقي مصالح أو إستخدام البعض لتنفيذ مصالح، لم يكن له سوي بوابة وحيدة هي القادرة علي إنجاح هذه الإستراتيجية ، ونعني بذلك تركيا الدولة وتركيا اردوغان.
هذا المخطط وجد هوي لدي القيادة التركية والتي وجدت فيه فرصة لإحياء المشروع العثماني السلجوقي القديم عبر الطمع في شمال سوريا. كذلك دعم الإستراتيجية الإخوانية باستلام السلطة في سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد الابن.
في المقابل كان الدب الروسي [الذي له علاقة إستراتيجية مع سوريا منذ أيام الاتحاد السوفيتي ] قد أستغل إرتفاع أسعار النفط والغاز لإقامة شراكات إقتصادية وتجارية مع أوروبا وأمريكا ودول أمريكا اللاتينية، شكلت قوة إقتصادية هائلة مقرونة بقاعدة عسكرية قوية ورث أساسها من الإتحاد السوفيتي، كل ذلك كان مدفوعا برؤية إستراتيجية واضحة لاستعادة دور الإتحاد السوفيتي القديم عبر قيادة رجل الاستخبارات السابق بوتين.
وعليه شكلت الازمة السورية مدخلا مناسبا لهذا التوجه الاستراتيجي بظهور روسيا كقطب جديد ـ قديم، وإيذانا بإنتهاء دور امريكا كقطب أوحد ، وذلك أستجابة لسنن كونية طالما حكمت العالم بقطبين أو أكثر….
ودشنت روسيا مرحلة التواجد كقطب قوي في العالم عبر إحتلالها لشبه جزيرة القرم وعدم التفاتها لصراخ اوروبا وامريكا وحلف الناتو…..
وأتخذت الخطوة الاستراتجية التالية بالدخول عسكريا وبشكل مباشر في سوريا تحت ذريعة محاربة داعش والإرهاب.
في ظل هذا التدخل الروسي المباشر، تم إستصحاب وقراءة ماحدث للإتحاد السوفيتي في أفغانستان، ولذلك كان علي روسيا خنق الميليشيات المسلحة بجميع توجهاتها وإرتباطاتها الخارجية عبر قطع الحبل السري المغذي لإستمراريه الصراع المسلح حتي تنجز المهمة بدون خسائر مؤثرة، وفي فترة محدودة لكي تتجنب الاستنزاف.
فكان ترتيب الحركة التالية والتي تمثلت في فخ إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية، و كانت تتويج لمحاولات استفزاز الاتراك لاتخاذ هذه الخطوة والانتقال للخطوة الاهم و التي تخدم كامل الاستراتيجية الروسية…
وبعد إسقاط المقاتلة الروسية وما اعقبها من تصريحات تركية عنترية علي شاكلة {لاتلعبو بالنار } و… و.. جاء رد الفعل الروسي قويا مستهدفا خلق التفاف شعبي تحت عنوان [استرداد الكرامة القومية لروسيا الجديدة ـ القديمة ]، لتشكيل ارادة يتم عبرها الضغط علي تركيا للمطالبة بالاعتذار اولا، ومن ثم يتم التفاهم او ترك الخيارات مفتوحة للرد، وهو ماوجد صدي عند الجانب التركي والذي بدأ بالتراجع والتحدث عن المصالح المشتركة وعلاقات الجوار وماشابه تمهيداً للاعتذار والذي سوف يستغله الروس لارغام تركيا علي تنفيذ كامل الخطة باخراجها من دائرة الصراع في سوريا ، وخاصة الغاء دورها كمركز لوجستي لدعم القوي والمليشيات المسلحة في سوريا، ومن ثم الانتقال للخطوة التالية والمتمثلة في انجاز الحل السياسي الذي يعترف بالوجود الروسي في سوريا بكامل عتاده البحري والجوي والارضي،
وكلاعب رئيسي واساسي في المنطقة، ولا يهم حينها إن كان الحاكم بشار أو غيره.. وبذلك نستطيع أن نقول أن العقل الأستراتيجي الروسي قد ضمن لها التواجد ضمن اللعبة الدولية وبقوة.

وفي المقابل نجد أن:

.تركيا والدول الخليجية قد منيت بخسارة استراتيجية،
سوف يبدأ صراع هدفه تكرار هزيمة الاتحاد السوفيتي السابقة في افغانستان، والذي في اعتقادي قد تحسب له الروس عبر قطع الدعم اللوجستي عن الميليشيات المقاتلة في سوريا مما سيكون له مردود ايجابي لروسيا.
.سوف تتمتن تحالفات روسيا وايران والصين ودول البريكس، وربما تنضم مصر السيسي لهذا التحالف لو استمر الضغط المستتر من دول الخليج علي مصر.
.غالبا سوف نشهد نشوء اقطاب متعددة في العالم
.علي العرب [وخاصة دول الخليج] وضع استراتيجية جديدة تتجاوز مهمتها الحفاظ علي الانظمة، والاستفادة من تعدد الأقطاب في توسيع هامش المناورة ولعب دور مؤثر في السياسة الدولية ينعكس بالإيجاب علي الأمن القومي العربي ومصلحة الشعب العربي في كل مكان.
.علي المقاومة العراقية ان تقرأ الموقف بعقل استراتيجي لتحديد خطواتها بشكل جيد لأنها تقف في مرمي النيران والتاثيرات المباشرة.
الخلاصة:
اي دولة، حزب، منظومة دولية أو إقليمية لاتحسن الحساب الإستراتيجي سوف تخسر وتجد نفسها خارج إطار التاثير الايجابي.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..