عقدة التماهي

أزمة الهوية في السودان قد دار حولها جدل كثير وسط المثقفين السودانيين، خاصة بعد وصول الاسلامويين للسلطة و محاولتهم فرض نموذج أحادي للهوية. و قد اختلف حولها المثقفون اختلافا بينا، خاصة فيما يتعلق بصلتها بالأزمة السياسية في السودان. فبينما يرى أستاذ علم الإجتماع الدكتور/ حيدر إبراهيم أن موضوعة الهوية وهم أو ترف ذهني خلقه المثقفون، باعتبار أن المدخل لمعالجة الأزمة السودانية هو حقوق الانسان، و ليس الهوية، يرى الدكتور/ الباقر العفيف أن معالجة موضوعة الهوية هي الأساس في حل المشكل السوداني، و سوف تراوح الأزمة السودانية مكانها حتى لو حلت مشكلة التهميش، و لم تحل مشكلة الهوية.
و بينما تناولت أغلب، إن لم يكن جل، الدراسات أزمة الهوية في السودان من منظور عام، فإن دراسة الدكتور/ الباقر العفيف “متاهة قوم سود ذو ثقافة بيضاء”، تعتبر هي الدراسة الرائدة و الوحيدة التي انفردت بتناول مشكلة الهوية في الشمال النيلي ? الجيلي و حلفا ? على وجه الحصر. و يرى الباقر العفيف أن الهوية السودانية “هوية مأزومة”، و أن هناك أسطورة و حقيقة فيما يتعلق بالهوية في الشمال. “الأسطورة هي أن الشماليين عرب، أما الحقيقة فهي أنهم مستعربون. الأسطورة هي أن الشماليين تحدروا من أب عربي و أم نوبية، الحقيقة هي أنهم في غالبهم الأعم نوبة عرقيا، أبوهم و أمهم نوبة، بيد أنهم خضعوا لعملية استعراب و أسلمة فقدت معها مجموعات منهم لغاتها الأصلية. فالشماليون يبنون حياتهم كلها على الأسطورة، و هذا مكمن أزمة هويتهم.” من نحن؟ هل من تفسير سايكلوجي للحرب الأهلية: الباقر العفيف.
و يدور حديث كثير وسط السودانيين عن رفض العرب لانضمام السودان إلى الجامعة العربية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، إذ رفض اللبنانيون، و الأردنيون، و العراقيون، و غيرهم رفضاً مطلقاً أن يكون هؤلاء “الزنج” عرباً، و يجلسون معهم تحت سقف واحد. فظل المحجوب المهووس بالعروبة، و معه الأزهري وقوفاً لأيام أمام بوابة الجامعة العربية، لكي يسمح لهم بالدخول، و الذي لم يكن ليحدث إلا بعد ضغط عنيف من الرئيس المصري/ جمال عبد الناصر، ذي النفوذ الكبير وسط العرب حينذاك. و قد شاعت النكتة حينها عن السودان، من أن العرب في الخليج و الصحراء العربية كانوا يقولون” جامعة الدول العربية و السودان.”
قاد انضمام السودان إلى الجامعة العربية، و وصف السودانيين بأنهم عرب إلى ما أطلق عليه هنا “عقدة التماهي” مع العرب، خاصة وسط النخبة الشمالية المهيمنة على مسار السلطة و الثروة في السودان في دولة ما بعد الاستعمار. و سحبت النخبة الشمالية السودان كله لوهم العروبة هذا. لذلك يتناول هذا المقال “عقدة التماهي” مع العرب عند الشماليين، و انعكاسات تلك العقدة على سلوكهم و فهمهم لأنفسهم، و طريقة تعاملهم مع بقية مساكنيهم في الدولة التي تسمى السودان.
و التماهي لغة يعرف بأنه “التقمص للآخر”، أو “التوحد معه”. و يعرف في السايكلوجيا بأنه “حالة سيرورة نفسية في تكوين الذات، تبدأ من المحاكاة الشعورية، و اللاشعورية، و تتلاحق بالتمثيل ثم التقمص للنموذج.” و يعرفه الدكتور/ مصطفى حجازي في كتابه: سايكلوجية الانسان المقهور، بأنه استلاب الانسان المقهور الذي يهرب من عالمه، لكي يذوب في عالم المتسلط، أملاً في الخلاص. و يرى حجازي أن أقصى حالات التماهي تأخذ شكل الاستلاب التي تأخذ شكل تمثل كامل لقيم و صورة النموذج. و لذلك فالتماهي بهذا التعريف يصل أقصى مراحله في شكل تماثل و تطابق كامل مع النموذج إلى درجة تغييب العقل، و ممارسة الكذب و النفاق.
لذلك فباستقلال السودان، و دخوله النادي العربي، بدأت طاحونة التماهي عند الشماليين مع مثالهم العربي في الدوران بلا نهاية. و أخذ هذا التماهي أشكال عديدة: ظاهرة انتحال الأنساب إلى العرب، و إنكار الحقيقة، و تبييض البشرة، و …..إلخ. فالشماليون مثلاً في كل أرجاء الدنيا يوصفون بأنهم سود، لكنهم في الداخل لا يقبلون بوصفهم بالسواد، باعتبار أن ذلك هو لون “العبيد”، و إنما هم “خدر”. و هذه كما ذكرت في مقالات سابقة لي مجرد تحايل لفظي، و عملية مغالطة كما وصف ذلك الصحفي/ فتحي الضو في إحدى مقالاته. لقد ذكرنا أن حسن مكي في أحد اللقاءات الصحفية وصف حركة التحرير الجنوبية، و بقية حركات الهامش بمصطلح “الكتلة السوداء”، مما يعني أنه ليس أسوداً. و أن الخرطوم بعد نزوح الدار فوريين إليها قد أصبحت عاصمة أفريقية، مما يعني أنه ليس أفريقياً. هذا هو حسن مكي الأنجلو ساكسون الأبيض البشرة، الأشقر الشعر، المعقوف الأنف، الرفيع الشفاه.
و بحسب الباقر العفيف، و بغرض التماهي مع المثال العربي، أصبح اللون الأسود بالنسبة لغالبية، إن لم يكن كل، الشماليين عبء أنثربولوجي يجب التخلص منه بأي طريقة. و بدأت هذه الظاهرة من رفض وصف الشمالي بأنه أسود، ثم امتدت إلى مجالات أخرى. و كما ذكر العفيف أيضاً أن هناك مجال للتعويض أو التخلص من ذلك السواد عن طريق الزواج. لذلك يصبح الشمالي الأسود منذ لحظة الميلاد، و حتى سن النضج يفكر في الزواج من امرأة بيضاء لكي ينجب أبناء بيض بغرض التعويض. لذلك ذكرت في مقالة سابقة بأن كل الحلب الذين دخلوا السودان قد صاهرهم الشماليين تحديداً. و ترى كثير من الشماليين يمازحون الأسود منهم عندما يفكر في الزواج، “بشوف لك واحدة لونها فاتح”. لذلك يصبح الزواج هو معضلة الشمالي. لذلك عندما يجد واحدة بيضاء، يبذل كل ما في وسعه لكي يفوز بها.
و لا تقف مشكلة الشمالي مع اللون الأسود عند الزواج بامرأة بيضاء، بل يتعداها إلى مدى أبعد من ذلك. فعندما تكون زوجته حامل، يكون هو في حالة هستيرية من أن هل المولود يصير أبيض مثل أمه، أم يصير أسود مثله. و لذلك يكون في غاية السعادة عندما تنجب له زوجته مولود أبيض مثلها، عندها يشعر شعور عميق بالارتياح من تخلصه من لونه الأسود في ذريته. و بلا شك سوف يكون غير سعيد بالمقابل إذا صار المولود أسود، لكنه مع ذلك لا يعترف بهذه الحقيقة.
و تستمر ظاهرة تماهي الانسان الشمالي مع المثال العربي، إلى مجالات أخرى: ظاهرة إنكار النسب مع المجموعات الزنجية الأخرى. فكثير من الشماليين لهم مصاهرة مع القبائل الزنجية الأخرى في السودان، لكنهم كثيراً ما يخفون الأصول الحقيقة حتى لا يتهم أحدهم بأن فيه عرق. لذك في إحدى الإجتماعات في أسمرا أن قال الراحل الخاتم عدلان للمعارضين الشماليين أتحداكم أن تذكروا أنسابكم الحقيقية.
ذكر الدكتور/ حيدر إبراهيم في المقال الأول من “خسرنا الجنوب و لم نكسب العرب”: هذه هي الهوية- الأيديولوجيا التي اخترعتها النخب الشمالية العربية المسلمة، و لكنها لم تكن محكمة و مقنعة خاصة حين اعتمدت على العرق أو الدم. فقد حدث تمازج أضاع بعض السمات الفيزيقية العربية مثل اللون. و هذا ما جعل سودانياً ينتمي إلى أسرة “العباسي” يندهش، يبحث عن الأعذار، حين خذله لونه، فقد صدته فتاة عربية “بيضاء” إذ يبدو أنه أبدى الإعجاب، أو أراد التقرب، فقال في انكسار:
“ألا أن السواد يغمرني ليس لي فيه يا فتاة يد ….”
و هكذا تستمر المأساة من أجل التماهي مع السيد العربي. و ظاهرة كريمات تبييض البشرة المنتشرة هذه الأيام تدخل كلها في نفس خط سير التماهي مع المثال العربي.
و يتواصل الكلام.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ياخى خليك موضوعى …و بطل عقد و شعور بالدونية ..حتى الجنوبيين بيتزوجوا امراة بيضاء اذا وجدوا الى ذلك سبيلا ..والبيتزوجوا سمراء يكونوا (( مضطرين ساااااااى )) ..اما كريمات التبييض فاكثر مبيعاتها فى دول غرب و جنوب افريقيا…انت الظاهر عليك ميت كمد فى اللون الابيض ..

  2. (لقد ذكرنا أن حسن مكي في أحد اللقاءات الصحفية وصف حركة التحرير الجنوبية، و بقية حركات الهامش بمصطلح “الكتلة السوداء”)

    بماذا يسمى الدكتور حسن مكى هؤلاء الشعراء:
    السر دوليب , الكتيابى , سيف الدين الدسوقى , ازهرى محمد على , التجاتى الحاج موسى , الجيلى محمد صالح , محمد عبدالله الامى , عبدالقادر تلودى , التنقارى , خليل فرح , محمد بشير عتيق , الجاغريو , محمد عثمان كجراى , ابوامنة حامد , السر قدور , مرسى صالح سراج . الفيتورى …………؟؟؟؟
    هل يسميهم (الكتلة السوداء) عندما يكون الحديث عن الشعراء؟؟

  3. تحية عطرة اليك ياابو المناصير واسال الله لك ولنا النصر القريب واتسال اين اختفى منصور السنارى منذ كتاباته افصلو الشمالية والله يا سمى انك اصبحت الهاجس الاكبر للطغمة التى ذكرتها واصبح الكثير منهم يعرفون منصور السنارى لمجرد تردد اسمك في مجالسهم واصبح اسمك عقدة لهم حيث اجادتك واطلاعك وجراتك في فضحهم وفضح مشروعهم المخزى الذى لم يجد السودان اﻻ المزيد من الاحتقار والله يا منصور اصبحت تؤرقهم حتى فى غربتهم انا طبعا اقيم في جدة في المملكة العربية السعودية وانا من متابعى مقالاتك وكتاباتك الشيقة لايصال الحق والحقيقة المغيبة من قبل هؤﻻء المحتقرون من شعوبهم وتخيل يا اخى منصور صدمت عندما قلت لاحد الاخوة الشماليين الذين يعيشون تحت اوهام العروبة باننى اتابع مقالات وكتابات شخص في موقع الركوبة اسمه منصور السنارى تخيل بمجرد نطقى باسمك حتى قام مفجوعا وبدء بكيل سيل من الشتائم والاساءة والامتعاض والغضب فقلت له يا هذا هل تعرف منصور السنارى هذا فقال نعم انه الد اعداء السودان والسودانيين وانه يكره الشماليين والقبائل الشمالية اعتقد انه عبد من عبيدنا واﻻ كيف يكرهنا كل هذا الكره فقلت له والله اننى ﻻاعرف منصور ولكننى من اشد المعجبين بكتاباته ومن بعدها قطعنى هذا الاخ ويتجنبنى وﻻ يرد السلام على ولم اهتم بعدها به منا مشى في حال سبيله وعموما اهلا بعودتك ونضم صوتنا الى صوتك وقلمنا الى قلمك حتى ينجلى عن السودان هذا الكابوس المزعج وان شاء الله كلها مسئلة وقت ليس اﻻ وسيرفع كل سودانى راسه عاليا مفتخرا بافريقيته مثله مثل الافارقة ،،،،،،، كل التجارب التى ذكرتها اسهمت في توضيح وازاحة الغشاء الذي غطى اعينهم في ابصار الحقيقة وحتى بروفسور الجهل والمعرفة (الخيشة) الذي قيل انه هو ووزير خارجية الغفلة على كرتى كانا يخدمون كطباخين او قهوجية في قصر الملك فهد بالرياض في بداية حياتهم اى قبل دخولهم عالم المال والاعمال الغير مشروعة والثراء الحرام وهذا طبعا باعتراف الوزير بنفسه وانا شخصيا لم اجد اى غرابة فى ذلك ﻻنها اصلا وظائف آباءهم واجدادهم بداية من عهد اتفاقية البقط التى تنص على تسليم ابناءهم للعرب كعبيد وجوارى بعدد360 عبدا وجارية في العام الواحد مقابل حصولهم على الطعام والمؤن ومرورا بهروب بجدهم الجبان المك نمر الذي قيل انه هرب وترك الفتيات لجنود كانو في معسكرات فترات طويلة وكان الواحد منهم يتمنى ان يرى جلباب امراة ﻻ ان يلمسها فكيف بجمع من الجوارى الجميلات ووصولا الى عهد الراقص ابو الجعبات الكبيرة فضيحة السودان الاولى وللحديث بقية ان شاءالله ولك تحياتى الحارة واتمنى التوفيق للجميع،،،،،،

  4. تناول سطحي للموضوع لعقد خاصة بالكاتب يبدو أنه سيموت بها من قوله بأنه سيواصل ،، الأصل في الدولة السودانية أن تكون دولة مساواة أمام القانون وعدالة اجتماعية وبعد ذلك فليعتقد من يعتقد ويتزوج من يتزوج فنحن نتعامل مع الدولة وللمجتمع أن يتطور تطوروه الطبيعي ويتزوحج من يشاء من يريد ويرفض من يرفض فهذه تداعيات اجتماعية تحدث لسبب أو آخر بأي مجتمع ولا تتوقف الحياه متىما كان الفيصل في أي نزاع هو القانون ،، يلا بلا لمة ووهم وسراب تضيع به نفسك وتركسها للفسفطة،،

  5. منصور الهوساوى من المؤسف انك تكتب بلغة تعلمتها ممن تحقد عليهم وتكتب باللغة التى ترفضها اكتبها بالهوسا يا منصور ستجد من يترجم . لماذا تكتب بالعربية وانت ترفضها ابناء الشمال لا يدعون انهم عرب ولا ينفون تاثيرهم باللغة العربية المكتسبة بفضل الجيرة وبفضل كتاب الله المنزل عليهم وعلى الامه. ابناء الشمال بفتخرون بانهم نوبة اصيلين متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم الموروثة . ابناء النوبة يفضلون بنات جنسهم على الاخريات ويرفضون تزويج بناتهم بمثل منصور السنارى حتى لا ينتمى اليهم ويستبدل السنارى بالنوبى.
    لا احد من ابناء الشمال يهمه ما تكتب ومهما كتبت لن تغير على الواقع شيى الاصيل اصيل فابحث ان اصلك
    اتق الله واترك مسببات الفتن . حتى لا تحاسب امام الله بكل لفظ يكتبه اى معلق او قارئ . اتق الله فى نفسك حتى لا تجد صحيفتك ملئية بما لم تتوقع من ذنوب

  6. ليست بباكين ولا علامه لكن هذا المقال فيه الكثير مما يجافي الحقيقه. نعم نحن لساننا نوبي ويفتخر اهلنا بانهم( جبروركي) ان جدهم جابر الأنصاري !!! لا ادري الحقيقه ولكن كنا وما زالو يتزاوجون من بعض لا مجال للحلبه بينهم، قاتل الله العنصريه. ما أردت ان أقوله اننا في السودان كل زول بيعتزبقيبلته ان كان من الشمال ولا الغرب ولا الأربع جهات ويفتكر الاخر فيهو عرق علي قولك.(انا خلقناكم شعوباً وقبائله لتعلمنو ان تفضلكم عند الله اتقاكم) صدق الله العظيم وجعلنا من السودانيين المتقيين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..