هل الحال في الإتحادي والأمة..إنعكاس لحال الطبقة الوسطى؟

بسم الله الرحمن الرحيم

يحلو للبعض تسمية الحزب الاتحادي الديمقراطي بحزب الطبقة الوسطى..في تخصيص متجاهل لموقع بقية الأحزاب السودانية ..ويأتي هذا نتيجة التباس المفهوم الذي يأخذ مواقع مختلفة حسب الواقع التاريخي لبيئة اجتماعية محددة..ففي أوربا كان وجود طبقة عليا من النبلاء وطبقة من المسحوقين يبرز طبقة هي أقل من النبلاء والملاك وأعلى من العمال ..وامتازت بالاهتمام بالعلم وبالثقافة والابداع في خروج من سيطرة تحالف الدين والملاك..وكانت وقود التغيير الذي أثمر المجتمعات الأوربية الحديثة نتاج الثورة الصناعية وما تبعها..
الواقع السوداني بعد الاستقلال والسودنة ..أعطى كبار الموظفين والعسكريين والتجار ..وضعاً جعلهم في مقام الطبقة الوسطى أدنى من وضع البيوتات الطائفية وكبار التجار الذين أفادوا من تمييز الاستعمار ..واستطاعت أن تحافظ على مكتسباتها الوظيفية عبر سيطرتها على مفاصل اتخاذ القرار ..ونشأت النقابيات التي نشطت فيها التيارات اليسارية كثيراً مما كان له أثره في إحراز مكتسبات لصغار الموظفين والعمال..حتى ارتبطت الوظيفة العامة في السودان في مخيلة المجتمع بالاستقرار الاقتصادي .. وتم التعبير عن ذلك في المأثور الشعبي ( كان فاتك الميري اتمرمغ في ترابه).. ونشأت معادلة ( تعليم = وظيفة عامة= وضع اقتصادي = مظلة تامين لأسرة ) وما زالت هذه المعادلة تسيطر على تفكير المجتمع ..وخلل المجتمع من خللها..وحيث أن النقابات لم تكن حكراً على العمال ..فإن جميع المنتمين إلى الوظائف العام غير العسكريين بالطبع .. كانت لهم فرصهم في الضغط عبرها لزيادة المكتسبات ..وقد ارتبط هؤلاء بالعلم والثقافة والإبداع كذلك ..وعليه لم يكن غريباً انتاجها لاكبر ثورتين شعبيتين أطاحتا بنظم ديكتاتورية عسكرية..عبر الاضراب السياسي ..ولكن السياسة ..تاهت عنها في سبيل المكاسب المرجوة..ما يفسر كثرة الاضرابات المطلبية التي أضعفت للمفارقة حكومات ما بعد الثورتين خاصة انتفاضة ابريل..أما العسكريون فكانوا مطية سهلة لمن يضرب على وتر إهمالهم في الديمقراطية..فيردوا بانقلاب.
والكل يعرف الخطوط البيانية للصراع ثم التحالف السياسي للمنتمين لهذه الطبقة مع الطائفية ..حتى انحاز معظمهم إلى حزبي الاتحادي والأمة كنتيجة نهائية..ولكن ذلك لم يمنع انتماء فئات مقدرة منهم لليسار..فلم تكن الشيوعية منتشرة بين العمال وحدهم..ولكن معظم قادتها ومناضليها كانوا من منسوبي هذه الطبقة..وكذا التيار الإسلاموي..ويبدو أن احتكار الاتحادي والأمة ..لنتائج الانتخابات خاصة الاتحادي في مفاصل معينة ..قد أجرى القول على ألسنتنا بأنه حزب الطبقة الوسطى..لكن الثابت كما أسلفنا ..أن ما من حزب لم يكن افراده المؤثرين منتمين لهذه الطبقة ..وربما كان تاريخ المهدية بدولتها ..هو ما جعل حزب الأمة بأنصاره يصنف عند البعض خارج التسمية التى أجريت على الاتحادي كونه لم تكن له دولة مماثلة سابقة..لذلك يتحسر من يرى وضع الأخير على حزب الطبقة الوسطى .. لكن الأقرب في اعتقادي .. تسمية حزبي الوسط..وإن حمل حزب الأمة تاريخ المهدية المتشدد..يمكن تقبل أن يكون للاتحادي حزب الوسط..
كل ذلك ليس ذي بال إلا في سياق محاولة قراءة الراهن..في يوم الناس هذا..
فهل ما زالت الطبقة الوسطى .بنفس خارطة انتماءاتها؟ وهل هي موجودة اصلاً أم انهارت..؟ وهل هي محتفظة مقوتها ام خارت قواها ؟
الواقع أن الشعار الاسلاموي ..قد أوقع المنتمين إلى الحزبين الكبيرين من هذه الطبقة في مأزق.. فمنذ تحالف الجبهة الوطنية ضد تظام مايو..حدث تقارب حتمي بينها والإخوان المسلمين ..واستسلم الحزبان لابتزاز الجبهة الاسلامية بعد الانتفاضة بالشعار الاسلامي..وأقصى مواقف الميرغني وحزبة كانت الدعوة إلى تجميد قوانين سبتمبر في اتفاقه مع قرنق..أما الأمة فلم يتمكن من تغيير شئ رغم أن رئيسه قد وصفها إبان الحملة الانتخابية بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به ..ما ادى إلى صراع داخلي بين تياري التفكير الليبرالي والاسلاموي في الحزبين أثر في انجرار زعيمي الطائفتين ..والكل يذكر كيف تلكأ المهدي في قبول اتفاقية الميرغني قرنق تحت تأثير رفض الجبهة ومتعاطفي حزبه معها تجميد قوانين سبتمبر.. وكانت بقايا شعارات الانتفاضة ..تصعد من الرموز الليبرالية داخل الحزبين ..ما جعل الجبهة تعجل بانقلابها لقطع الطريق أمامها.. ذلك الانقلاب الذي عمل في القطاع الحكومي تشريداً وإحالة وفق مصطلح الصالح العام ..ثم تمكيناً..فهل صمد المنتمين للحزبين في مواقعهم ؟ من الطبيعي هجرة المتعاطفين للفكر الاسلاموي إلى النظام خاصة بعد تيقنهم من تثبيت النظام لدعائمه..ومن لم ينتم تحالف معه بعد الانشقاق بجزء من حزبه في لعبة المصالح..وما زال حزب النظام يحتفل بانضمام مئات من حزب الأمة له..
والوضع كذلك أصبح المناوئون إما خارج اللعبة ..أو أضعف من المقدرة على التاثير حتى داخل أحزابهم..ما يفسر سيطرة زعيمي الحزبين على مفاصل القرار فيهما..واستوى من كان مفكراً فيهما بمن كان هو بلا اهتمام بالفكر والثقافة ..فلم تشفع مؤلفات وفكر المهدي له عند بروز الحديث عن سيطرة الأسره..فذهب عبد الرحمن للقصر مساعداً كما وجعفر..وفي الطريق محمد الحسن نائباً..وكان بشرى منتمياً للأمن.ولو ان الميرغني لم يهتم بتغطية ذقنه ما دام راقصاً مع النظام.
أما الأحزاب الأخرى ..فأضعف تأثيرها بالتشريد والقمع..وقانون نقابة المنشأة..حتى تبجح النظام بأن قوى التحالف قد عجزت عن تنظيم مسيرة احتجاج لإطلاق رئيسها..والخلاصة أن أوراق اللعب قد تحركت بعيداً عن أيدي الأحزاب التي تكونت وفق المعادلة الوطنية بعيد الإستقلال..وصار التحرك الفعلي..للحركات المسلحة..والعزوف عن الجميع للحواته..
ومقبل الفعل لهما . والبقية مساعدون.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ليست هنالك طبقة وسطى كما ليست هنالك منطقة وسطى ما بين الجنة والنار هنالك الان طبقتان طبقة الموعودين بالجنة وهم اصحاب الحظوة فى الدنيا واصحاب الحظوة فى الاخرى فى الجنة والطبقة الاخرى الطالعين كيت من هنا ومن هناك اليسوا هم اصحاب القلم ؟ شطبوا الطبقة الوسطى وحلوا محلها برفع المصاحف على اسنة الرماح00عندما يصبح الارهاب هو الوسيلة لا مكان للمشاعر والاشواق الطبقية 00 هل سادت دكاتورية البروليتاريا فى عهد بيريا وستالين ؟ مثلهم جاءوا بان الحاكمية لله بدون طبقة عمالية او وسطى او نبلاء واستبدلوا بحاكمية اللصوص والقراصنة والنهابة 00 الذين كانوا بمثلون الطبقة الوسطى او كماسماهم الماركسيون بالبرجوازية الصغيرة وهم الراسماليون الوطنيون انضموا الى عصبة الحاكمين بالارهاب خوفا على ممتلكاتهم والموظفين والضباط تم طردهم من وظيفة الميرى 00 اصبح الحزبان باعضاء مطرودين من الوظيفة ومن السوق وحلت النقابات وانهارت القواعد التى يعتمد عليها الحزبان 00 والوضع لم يعد مستقيما لحزب او لغير الحزب 00 لابد وان طال السفر ان ياتى وقت مستقيم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..