نصيحة، وآخرها قلّة أدب!

*(فلا تعطين الرأي من لا يريده…
فلا أنت محمود ولا الرأي نافع..).
– حكيم-

.. قال الكندي المكنّى بفيلسوف العرب ينصح ابنه: “يا بني، الأب ربّ والأخ فخّ والعمّ غمّ والخال وبال والأقارب عقارب وقول “لا” يزيل البلاء، وقول ” نعم” يصرّف النّعم “.
هكذا، وبكلّ سلاطة ينسف الكندي مفهوم العائلة ومبدأ صلة الأرحام ليبقي على سطوة الأب وحدها? في حين تسعى كل الإبداعات الإنسانية عبر التاريخ إلى ” قتله” بالمفهوم المعرفي والثقافي، كما أنّه ينظّر من خلال هذه النصيحة اللغم إلى سيادة البخل والبخلاء، فلا عجب أن يصنّفه الجاحظ من أبطاله في كتابه الشهير، رغم أنه العربي الصرف، نسباً وانتماء، والوحيد بين الفرس والعجم من سكّان “مرو” الذين تصدّروا بطولة البخل في كتاب الرجل الذي ردّ على النزعات الشعوبيّة بشراسة وتهكّم قلّ مثيله.
قد يكون هذا النموذج مثالاً راقياً وممتعاً في “أدب النصيحة” مقارنة بتلك الكتب الصفراء والرخيصة التي تعجّ بها الأرصفة والمحطّات الفضائية والشبكات العنكبوتيّة على شاكلة: “كيف تكون مليونيراً في عام واحد “وعازفاً في شهر وبلبل لغات في عشرة أيام ورياضيّاً في خمسة أيام وشاعراً في يومين وعبقريّاً بين عشيّة وضحاها.
الذين يبيعون النصيحة ويسوّقونها يشبهون قارئات الأكفّ والفناجين وكاشفات البخت والسحر والضاربات في الرمل والودع والمندل وغيرهنّ من بائعي الوهم والضاحكين على الذقون المحلوقة والممشوطة في شارعنا السوداني البائس.
قديماً كانت النصيحة بسفينة صحراء لدى العرب في دروب التيه والعطش والموت المقنّع بالسراب ثمّ صارت بالدولارات في عالم المال والأعمال عند المستشارين.. لكنها ? على عكس ما يشاع ? لم تصبح مجّانيّة أبداً.. حتى لدى أقرب المقرّبين إليك .
العائلة تنصح ابنها الطالب بضرورة طاعتها في أن يصبح طبيباً أو مهندساً ليحلّ مشاكلها المادية، وربّ العمل ينصح العامل بضرورة الاجتهاد والتفاني في الوظيفة سعياً لوفرة الربح، الصديق ينصح صديقه بـ”الوفاء” لعلّه يحتاجه يوماً، العدو ينصح ضحيته بالسير في الطريق التي يراها آمنة وغانمة لمآربه، والواعظ ينصح الرعايا بالتزام التعاليم التي يراها مقدّسة كي لا تبور تجارته والزوجة تنصح زوجها بالابتعاد عن رفاق السوء كي يتفرّغ لها وحدها.
النصيحة “مصادرة ناعمة” لإرادة الآخر وكبح “حنون” للرغبات وشهوة المغامرة.. كما أنها سلعة لا رأسمال لها غير رأس مدبّرة ومحنّكة تعيد تغليف التجربة الفرديّة لتبيعها للأغرار والمغفّلين.
الوصايا لا تأتي إلاّ في صيغة الأمر سلباً أو إيجاباً.. وما على الجالس أمامه أو تحت منبره إلاّ تنفيذ ما يقوله دون نقاش، فإن خاب مسعاك فيما ذهبت إليه قال لك الناصح: “إنك لم تتبع المعلومات بشكل جيّد? والبضاعة التي تباع لا تسترجع? لكنها قد تستبدل”.
يتميّز الناصح بكثير من الجرأة – كي لا نقول “الوقاحة”- فتراه يكيل الوصفات بعينين مغمضتين مثل متطبّب مشعوذ ويوجّه الانتقادات دون رأفة مثل جبان أمام فارس .
لماذا نطلب النصيحة ونسعى إليها إذن، ولماذا يمارس المنصوح عادة مهنة الناصح؟ إنها الأدوار التي نتقمّصها منذ ألعاب الطفولة الأولى? والحقيقة التي تشبه مكعّباً حمّال أوجه? وهي في صيغتها الايجابية والبريئة: غريزة الإفادة والاستفادة وحب التألّق والنجاح بالفطرة حتى لدى “دعاة الفشل” من الوجوديين والفوضويين.

كلمة في الختام :
قالت فيفي عبدو لنجيب محفوظ حين شاهدته يركب سيارة متواضعة قبل أن تفوز به نوبل :
– بصُّ الأدب عمل فيك ازّاي يا نجيب
– الحق معاك يا أستاذة فيفي.. “بصُّي قلّة الأدب عملت فيكِ إيه”.. وهو يشير إلى سيارتها الفخمة .
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تربت يداك ايها الرائع دوما ، انك كحامل المسك ، اما نفهم ما ترمي اليه واما ان تضوع بين حروفك الثقافة والبلاغة والعبارة الأنيقة ، وكم كنت مبهرا” عندما قلت عن نجيب محفوظ ( عندما فازت به نوبل )، واستميحك عذرا” في اعادة صياغة طرفة فيفي عبده التي قالتها لنجيب محفوظ تلخيصا” لذلك المشهد : ( شفت الفرق بين الأدب وقلة الأدب )،، لك احترامي ومودتي .

  2. “النصيحة “مصادرة ناعمة” لإرادة الآخر وكبح “حنون” للرغبات وشهوة المغامرة.. كما أنها سلعة لا رأسمال لها غير رأس مدبّرة ومحنّكة تعيد تغليف التجربة الفرديّة لتبيعها للأغرار والمغفّلين.”

    أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (الأعراف 68)

    “(فلا تعطين الرأي من لا يريده…فلا أنت محمود ولا الرأي نافع..).”
    “(فلا تعطين الرأي من لا يريده…فلا أنت محمود ولا الرأي نافع..).”
    “(فلا تعطين الرأي من لا يريده…فلا أنت محمود ولا الرأي نافع..).”

    مع خالص شكري و تقديري

  3. الكندي فوق بخله كان (كسار تلج) في نظر الكثيرين لانه هو الذي قاطع ابا تمام حين مدح الخليفة ببيته الذائع الصيت :
    اقدام عمو في سماحة حاتم …… في حلم احنف في ذكاء اياس
    ققال الكندي : هذا لاشيئ فالخليفة فوق هؤلاء جميعا
    وحينما احني راسه برهة قليلة وانشد :
    لاتنكروا ضربي له من دونه …… مثلا شرودا في الندي والباس
    فالله فد ضرب الاقل لنوره …….. مثلا من المشكاة والنبراس
    قال الكندي ان هذا الفتي لن يعيش طويلا ! قال المرحوم د. عبدالله الطيب ان عين الكندي قد اصابت ابا تمام لانه مات ولما يتجاوز الاربعين . مسكين الكندي جعلوه بخيلا و( سحارا) ينهي اعمارا هي بيد الله ! ما اصدق نصيحته عن الاقارب خاصة في زمننا الاغبر هذا

  4. الفاتنة التى ( كعبلتني)
    01-12-2015 11:46 AM

    كانت اكثر دفئا ، رغم أن المطر مازال يغازل أرضها، ويرسل قبلاته مع حبيباته الصغيرة ، كان سكانها مازالوا على جهدهم ، وحراكهم ، لم يؤثر عليهم برودة مارس ولا دفء يونيو هذا ، أما زهني أنا فلم تكن صافية ، بل كانت تحاكي ازدحام هذه الطرقات التى تستقبلني عند مخرج المطار.

    تايوان ، هذا البلد النائي الجميل ، الملتحف الخضرة ، والمتوشح بالنشاط ، اكتشفت فيه أشياء كثيرة مهمة ، منها ضرورة أن يكون لي (كردت كارد) ، فقد ظللت طوال سنوات غربتي أحرص على ان لا قروض من البنوك ، ولا كردت كارت ولكنني في تايوان فقط اكتشفت اننـي مخطئ ..

    ففي زيارتي الاولى لها ، وقد كانت على عجل ، وعند استقبال فندق الـ( فور بوينت باي شيراتون) قلت لموظفة الاستقبال انا لا احمل بطاقة ائتمان ولكنني بالطبع احمل فاتورة حجز الفندق ، كما يمكنني ان اودع مبلغا نقديا كضمان ، وقدمت لها الفاتورة وقد الحقتها بالمبلغ النقدي ، ولكنها قالت لي : لاباس بالفاتورة يا سيدي ، غير أنني لا استطيع قبول هذه الفئة من أوراق المائة دولار ، بنك تايوان المركزي يحتم عدم قبول فئات المائة دولار التى تبدا أرقامها بحرف الاتش بي ، أوالسي اف ، واوراقك النقدية كلها من هذه الفئات ، ولذلك ياسيدي يجب ان تقدم لنا معلومات بطاقتك الائتمانية قبل ان اكمل لك اجراءات التسجيل كي تستمتع بغرفتك .

    واسقط في يدي …

    ولكن من الجيد في بعض الاحيان أن تفكر بما تمليه عليه مهنتك ، فقد اقترحت على موظفة الاستقبال شكل آخر من اشكال الضمان مع تأكيد بانني سوف اتصل حالا بمكتبي بدبي كي اطلب تحويلا لصالح الفندق عبر(الويسترن يونيون) وعلى ذلك يجب أن تمنحيني مفتاح غرفتي ، وبعد خمس ساعات ان لم يصلك التحويل سوف اتدبر امرا اخرا أو اعود الى بلدي ، وقد كان ، ووصل التحويل في وقته وصارت موظفة الاستقبال صديقتي التى تحترمني وتحييني لانها تحترم الالتزام وتقدر الشخص المؤتمن .

    لذلك في زيارتي الثانية …

    وانا اخرج من المطار ، بذهني المكدود المزدحم ، كنت أدخل يدي في جيبي واخرج محفظتي لاتأكد من بطاقة الائتمان الجديدة خاصتي ، وتذكرة العودة ، وحجز الفندق ثم تقدمت لاستعير تاكسيا من تكاسيهم الانيقة ، والنظيفة ، بالوانها الصفراء المنعشة مثل هذا الجو الصباحي بحبيبات أمطاره التى تحمل قبلات المطر الى الارض ، ولعلها خطاءا ، أو قدرا ، أومعبرا تسقط على زجاج نافذاتي عند مقعدي الخلفي من السيارة فأحس بجمال عطاء السماء ، وانطلق في دفء نحو الفندق ، بعد رهق رحلة امتدت طويلا فيما بين مطار ابوظبي ومطار تايبيه الدولي على الطيران الصيني الانيق .

    نعم ان الفتاة الفاتنة توقعك في الغرام و( تكعبلك) دون ارادة منك ، ولكنني وفي كل مكان فان فتاتي الفاتنة التى ( تكعلبني ) هي النظافة ، والدقة ، والنظام مع اناس يوظفون عقولهم ويحرصون على احترام الانسان من حيث كونه انسان .

    في تايوان يجب ان تحمل مظلتك معك باستمرار خاصة في شهور البرد فقد تمطر في اي وقت ، كما وانك عند تجوالك في اسواقهم فعليك الانتباه فقد تندهش في اي وقت لرؤيتك لمنتج جديد او هو طبق الاصل للجديد ، أو قد تندهش للتفاني الذي يبزله العامل والفني او الموظف في عمله ، وان اتصلت بصديق ما وقال لك انه في العمل ( آت ذي ورك ) فيجب ان لاتندهش ولا تغضب ، بل تنهي مكالمتك معتذرا واعدا بالاتصال في وقت لاحق .. انهم ليسو مثلنا ، فمن يقول ذلك عندنا لابد انه سيوصف بكونه متكبرا ، او قاسيا ، او انه لايحترم الناس رغم اننا في الاصل اصحاب هذه القيمة ، قيمة احترام العمل واحترام الخصوصية ، نحن اصحابها منذ اكثر من الفي عام ولكننا لانطبقها او نتجاهلها ، ولكننا في تايوان لا نستطيع تجاهل ذلك ولا تجاهل هذا النظام والانسياب الهادئ للسيارات رغم كثرتها وكثرة السيكلات المنتشرة في الطرقات مثل الزنابير ..

    فمن شرفة غرفتي صن ورلد دينستي في الطابق الخامس كنت ارى جسور وطرقات من طابقين وبعدد من الممرات المتداخلة والمتقاطعة ، ولكن كل السيارات تنساب فيها دون كلاكسات أو مزامير ، فابدلت ملابسي متمنيا لذهني هذا الانسياب بعد نومة لن تكون طويلة بكل تأكيد .

    في المساء كنت اتمشى في الطرقات المجاورة للفندق فلفت نظري انتشار عدد كبير من الفتيات صغيرات السن ، وقد اكتفين بلبس القليل وترك الكثير ، كن يجلسن عند مداخل كثير من المحلات التجارية وعلى كراسي عالية والى جوارهن طاولة صغيره عليها حبات خضار، الواحدة منها مثل النبقة الخضراء لدينا ، وجميعهن انعكفن على العمل بجد واجتهاد لشق هذه الثمرة أو النبقة الخضراء وحشوها بالشكولاته ، فدفعني الفضول للوقوف على طاولة احداهن كي اسالها ما هذا الذي تبيعين ؟ ولكن الفتاة لم تستطع الابانة لعدم معرفتها الانجليزية فاستعانت باخر ، ثم اخر ، ثم اخيرا بهذه الموظفة التى يشير مظهرها الى أنها تتبع للبلدية ، أو مكان حكومي ما ، فقد كانت تحمل اوراقا وقلما وتسجل ارقام المباني التى عليها المحلات التحارية ، ولكن حتى هذه الموظفة لم تستطع الشرح بل فعلت شئ ادهدشني ، اذا انها اخرجت جوالها واستاذنتي لتجري اتصالا هاتفيا ثم سلمتني جوالها وعبره صوت شخص يتحدث معي بانجليزية بسيطة وواضحة ويخبرني بان الشئ الذي سالت عنه هو مادة نباتية للكيف لديهم وهي منتشرة كثيرا وقد قال لي انه مثل (الغات ) في اليمن و( النسوار ) عند البتان ، فانهيت مكالمتي شاكرا له ولهذه الموظفة الوطنية، وعدت مرة اخرى الى البائعة والنبق الاخضر المحشو بالشكولاته ، حملت بعضه بيدي وانا اتسال مانوع هذا الكيف ياترى ؟ ، أهو فعلا مثل ما قال لي ذلك المثقف العـالمي الذي يعرف (النسوار ) الباكستاني و(الغات) اليمني أم انه أمر اخر ؟ بالطبع لم تسعفني معلوماتي ، واحسست بالذنب المعرفي ، كيف انني لا اعرف شئ عن هذا العالم .. وعن كيف عقولهم التى صدرت لنا الكثير مما استهلكناه ، في الوقت الذي هم يعرفون فيه عننا كل شئ .. نعم كل شئ حتى كيفنا ، ومشاكلنا ، وخيباتنا . نحن لا ننتج ، ولا نقراء التاريخ ، ولا نتأمل الحاضر ، نحن شعوب مازلنا نجهل الكثير رغم علمنا .

    انهيت تساولاتي بشراء علبة من هذا الكيف ، العلبة صغيرة وتحتوي على اثني عشر حبه منه ، ثم فقدت الرغبة بعدها في مواصلة تجوالي الليلي ، ورغبت بالعودة الى الفندق ولكنني في طريق عودتي للفندق القيت علبة هذا الكيف في احدى صناديق النفايات ، فانا لا استطيع أن اتذوقها لعدم يقيني بتاثيرها ، ولا استطيع ان احملها معي عائدا الى دبي فانا لا اعرف القانون الذي يحكمها او يصنفها هناك فقد تكون مخدرا فيقودني الفضول الى سجن دبي المركزي .. لذلك القيت العلبة التى اشتريتها بحر مالي وحملت جهلي معي الى الفندق .
    أمضيت ايامي في تايوان كعادتي مستمتعا بكل شئ الا الطعام ، فطوال ايامي في تايوان لا اتذوق سوى طبق من الفاكهة الطازجة ، او خبزا اسمرا خاليا من الاضافات الزيتية ، وعندما احس بالانهاك اطلب من مطعم الفندق بيضا مسلوقا ، ولكنك بقرب الحبيبة الفاتنة تحس بالاشباع ، وتنسى مطالب بطنك وكثيرا من همومك الشخصية واذدحاماتك الفكرية .

    [email protected]

  5. انعشتنا انعش الله روحك دوما تفتح مسارات في الروح ومسارب لضوء الشمس الحقيقة من رطوبة الغربه وجاليات التنافس الاخرق علي الرزق وجريان النيل العذب جداول تروينا علي امل الرجعه المستحيل لرمل ناعم وانس بسيط وصحن بين الاخلاء بامان لا يعرف الامنجية …….بلادنا كانت وستظل روحا لا يفارقنا وان فالاقته مادة الجسد كما قال المنفي الفيلسوف ومنذ متي فارقتها ……………..تربت يداك تسعدني باليقظةالمستنيرة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..