عمارة تحت الأرض!

المكان عبارة عن غرفة صغيرة، مفروشة بقطع بالية من الموكيت، توجد بها طاولة متهالكة ودفاتر مبعثرة وبعض أقلام قديمة، وكراسي بلاستيكية وبراد ماء، في حي شعبي بشرق الرياض يتخذها أحد سماسرة تحويل العملة مكتباً له. في تلك اللحظة كان بالغرفة عدد من الأشخاص بينما كان صاحب المحل منشغلاً بمكالمة هاتفية مطولة، كان صوته يعلو فيها وينخفض، وأحياناً يحلف بالطلاق مثلما يفعل تجار العملة عادة ليوهموا عملاءهم من الحاضرين بتذبذب الأسعار! دخل إلى تلك الغرفة رجل تبدو عليه سيما الذكاء والعبقرية، تكسو محياه الهيبة والوقار، ويخالط ذلك كله بعض علامات الأسى والحزن العميق. سلّم وجلس حيث انتهي به المجلس. وضع صاحب الدار سماعة الهاتف على الطاولة بعد أن أنهى مكالمته ثم التفت إلى ذلك الرجل مرحباً به فقال:
– معليش المكالمة شغلتني عنكم شوي.
– بسيطة يا سيد جلال.
– اسم الكريم منوه؟
– صابر.
– مرحباً يا باشمهندس صابر.
قال تلك العبارة ونهض من الطاولة ليصافح زبونه!
– في الواقع أنا من طرف صاحبك علي.
– نعم. أخونا علي راجل حبوب وهو فعلا اتصل علي وكلمني عنك يا مهندس صابر.
– الله يجزيه عنا ألف خير. وهو واعدني أننا نتقابل هنا!
– نعم اتصل عليْ وقال جاي.
– ما في مشكلة. ننتظر على بال ما تخلص مع الجماعة ديل.
التفت جلال إلى زبائنه وكأنه يقول لهم استعجلوا فلدي عميل مهم جداً الليلة. سلّم كل من الحضور ما لديه من مبلغ ودون جلال اسم وعنوان المستفيد في السودان وأنصرف الجميع إلا صابراً وشخصي. وصل السيد علي بعد ذلك بقليل. بدأ يتحدث عن أحوال السوق ويمزح مع جلال حتى ارتفعت أصواتهما بالضحك. ومن ثم قال علي :
-يا ريس زي ما كملتك في التلفون المهندس صابر دا عنده مبلغ كبير عاوز يحوله.
– جداً نحن حاضرين للخدمة.
– طيب يا أخ جلال دي أول مرة نتعامل فيها معاك وأنا في الحقيقة لا أعرف طريقة التحويل حقتكم كيف؟ هكذا سأل صابر.
– بسيطة جداً وسوف تجدنا عند حسن ظنك إن شاء الله.
– يا باشمهندس أخونا جلال دا زول ثقة ومعروف لدينا وعشان كدا ما تشيل هم واعتبر غرضك مقضي وعلى مسئوليتي.
– توكلنا على الله يا أبو علوة.
أخرج صابر عشرة رزم من الريالات من حقيبة صغيرة ووضعها على طاولة جلال. لم يكن الأخير يتوقع أن يكون المبلغ بهذه الضخامة فنظر إليه بشفق ودهشة. ثم قال:
– بالله يا علي عد المبلغ دا كم.
– مائة أـلف يا ريس.
-ربنا يزيد ويبارك يا باشمهندس.
– الله يجزيك خيراً. بس طريقة التسليم كيف؟
– إن شاء الله بعد يومين يمشي زولك الموكل في الخرطوم ويجد المبلغ جاهز عند أخوانا في السوق العربي. أطمئن يا زول ما في عوجة تب.
ودعنا صابر ثم أنصرف. التفت إلى علي وقلت:
– يا أخ علي ممكن أسألك؟
– تفضل!
– المهندس باين عليهو مغلوب على أمره.
اعتدل علي في جلسته وظهرت على وجهه مسحة من الحزن فقال بصوت مبحوح:
-تخرج المهندس جلال من كلية الهندسة بمرتبة الشرف في الهندسة المعمارية واختير معيداً في الكلية وبعدها تحصل على منحة مجانية من جامعة عريقة في ألمانيا حيث حصل على درجة الماجستير في تخصصه ثم عاد للعمل بالجامعة ولكن لم يمكث بها طويلاً لأنه تحصل على عقد للعمل لدى واحدة من كبريات الشركات الهندسية في الرياض بمخصصات عالية جداً. خلال العشرين سنة الماضية لم يكن صابر يستطيع دخول السودان؛ لأنه كان من المعارضين لحكومة مايو. اشترى المهندس صابر قطعة أرض متميزة في كافوري لأنه من سكان بحري وكلف إخوته، الذين أنفق على تعليمهم وتربيتهم حتى تخرجوا من الجامعة، بالإشراف على المباني. كان الإخوة من وقت لآخر يرسلون له صوراً للمنزل الذي أشرف على تصميمه بنفسه؛ فكان يقول لهم إن هذا الهيكل غير مطابق للتصميم فصاروا يوهمونه بأن البلدية قد طلبت إجراء بعض التغييرات. سقطت حكومة مايو وعاد صابر إلى السودان محملاً بالهدايا للأسرة والأصدقاء. وبعد يومين، ذهب ليتفقد منزله؛ فلم يجد سوى حفرة كبيرة في الموقع! في مساء ذلك اليوم استدعى إخوته بحضور والده وأحد المحامين ثم قال:
-أنا خسرت قطعة أرض ولكنكم خسرتم أخاكم الكبير. عموماً، أحمد الله على ما حصل وأريد منكم أن تحددوا واحداً منكم لأسجل له القطعة. نكسوا رؤوسهم خجلاً ولكن قال أوسطهم:
– سجله باسم معتز لأنه أصغرنا.
سألت علياً ولكن لماذا يحول هذا المبلغ:
فرد بقوله:
-لقد وجد عمارة شبه مكتملة عن طريق أحد أصدقائه وهو الآن بصدد شرائها.
قمت لأنصرف وقام علي ولكنه رجع من الباب قائلاً لجلال:
-حقنا يا ريس.

تعليق واحد

  1. والله دي ذكرتني بتاعة واحد تاني – بس دا عسكري في السعوديه ارسل ملايين لأخيه لشراء الارض فاوهمه اخيه انه اشترى الارض في موقع استراتيجي – ولكن الحقيقه انه اشترى الارض في منطقه عشوائيه بأقل من واحد على خمسين من المبلغ الذي ارسله اخيه المغترب – وتغول على باقي المبلغ – والاخ المغترب في اشد حالات الفرح والطرب لتملكه ارض بالخرطوم – وبعدها مباشره دخل مع اخيه في مسلسل البنيان فأرسل لهم مبالغ خرافيه على دفعات لبناء المنزل من كذا طابق وبمواصفات وحديقه وسور وغيره – الاخ تسلم زخات اخرى من ملايين اخيه المغترب واستعان بأحد البنائين العاديين فبنى له بيتاً غريب الشكل يعني مكعوج لانه بنى بدون مهندس الحيطان والسقف كله معكوج – واذا طلب من شخص ان يدخل هذا المنزل يخاف ان يقع عليه لأنه بنى بطريقه غريبه وقمة العشوائيه وكثير من الذين يدخلونه كانو يقرؤون الفاتحه غلى ارواحهم قبل الدخول فيه خشيه ان يقع عليهم ويهلكهم – وحين اتى الاخ محملاً بالهدايا والافراح وبعد الاستقبال طلب من اخيه ان يريه البيت وحين راي البيت الراجل انصدم اذ لم يرى بيتا بل خرابه – وقبل ان يفيق من صدمته علم ان اخيه قد قام بتسجيل هذه الخرابه باسمه فنصدم اشد من الاول واظلمت الدنيا في وجهه – وهو الآن مسكين لا يتكلم ولا يدلي بأي اقوال بل يهيم في الشوارع ويعمل اشارات بيديه في الهواء اثناء سيره كانه يرسم اشكال وقي بعض الاحيان كانه يكتب ثم يقوم بمسح ما كتبه ورسمه ليبدأ الرسم والكتابه من جديد – وحيث ما ادركه الليل ينام – بينما اسرته تعاني الامرين دون ان يرف جفن لأخيه العاق هذا عليه من الله ما يستحق …

  2. كما قال استاذنا الدكتور / محمد عبد الله الريح ( متعه الله بالصحة ) : ( إن المغترب يبني بيتاً ليشيع منه ) , فهو يهاجر في ريعان شبابه , ويرسل الريالات والدراهم والدولارات لمن يثق فيه من أخوته ويشرع في بناء البيت , وعندما يكتمل البيت يكون هو قد شاخ وهرم , ويأتي ليموت في ذلك البيت ويشيع منه .
    وتحضرني طرفة أن أحد المغتربين كان يرسل المال لأخوانه لبناء البيت وكل مرة يسألهم أين وصل البيت ,, وفي آخر مرة اتصل عليهم اين وصل البيت ؟ فقالوا له : عند عتب الشبابيك والأبواب . فقال لهم اسقفوا علي كده لأنو الكفيل عمل لي تأشيرة خروج نهائي.

  3. كما قال استاذنا الدكتور / محمد عبد الله الريح ( متعه الله بالصحة ) : ( إن المغترب يبني بيتاً ليشيع منه ) , فهو يهاجر في ريعان شبابه , ويرسل الريالات والدراهم والدولارات لمن يثق فيه من أخوته ويشرع في بناء البيت , وعندما يكتمل البيت يكون هو قد شاخ وهرم , ويأتي ليموت في ذلك البيت ويشيع منه .
    وتحضرني طرفة أن أحد المغتربين كان يرسل المال لأخوانه لبناء البيت وكل مرة يسألهم أين وصل البيت ,, وفي آخر مرة اتصل عليهم اين وصل البيت ؟ فقالوا له : عند عتب الشبابيك والأبواب . فقال لهم اسقفوا علي كده لأنو الكفيل عمل لي تأشيرة خروج نهائي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..