كليب سوداني

شاهدت قبل أسابيع واحد من أفلام الشباب التي تعرض كل خميس على إحدى الفضائيات السودانية وهو من إنتاج إحدى الفتيات .
أمر هذا الجيل لعجيب , فهو جيل لاهي وجاد في آن واحد . فهم في شارع الحوادث آخر الليل وفي الهجير يقدمون خدمات للمرضى الفقراء , وأيضا يقيمون حفلات التخرج بما فيها من حنة أحيانا وعادات غريبة , أيضا هم من قابل الرصاص الحي في سبتمبر من العام 2012م , هذا الجيل تنظر إليه فتستهين به وفي لحظة يريك مالا تتوقع من الأعمال الجليلة الطليعية . هذا هو الشباب مثل الريح لاتعرف متى تهب .
الفلم يتحدث عن عمالة الأطفال وتحديدا في المنطقة الممتدة غرب سوق ليبيا وأقصى غرب نهايات امتدادات ام مبدة . ام مبدة نمت من حارة لحارات ثم إدارية وأخيرا محلية كبيرة ويتوقع أن تصبح ولاية وربما دولة وذلك في حال استمرار الهجرة نحو العاصمة بهذه الوتيرة . الهجرة نحو العاصمة ناتجة عن تدهور بيئة
الريف والحروب والنزاعات وغياب الخدمات وهذه بدورها مستمرة مادام النظام موجود بحزبه وسياساته وأشخاصه .
( من المعلوم أن الهجرة نحو العاصمة ليست صناعة الانغاذ وحدها ,بوادرها قديمة ولكنها كانت اقل ) .
بدأت الهجرة الزائدة منذ العام 1984م بسبب الجفاف الذي ضرب كردفان ودارفور والى تشاد والنيجر ومالي (غالبية الهجرة تنتهي للعاصمة والأواسط) . بعد انتهاء موجة الجفاف لم تعمل معالجة لإرجاع هؤلاء السكان ( بإرادتهم ) لمناطق زراعتهم ومراعيهم ومدنهم . اعتقد آن كل هجرة من أطراف السودان الغربية والشرقية تقابلها هجرة من دول الجوار لتعويض العدد في عملية اقتصادية بيئية ليس لأحد التأثير عليها ( الحروب والنزاعات تزيدها)
ليس لدولة السودان إحصاءات دقيقة يعتمد عليها وحتى شهادة الجنسية فهي تقديرية مثل شهادة التسنين . نتيجة لتلك الظروف المذكورة أصبح الحزام الغربي في حالة افراغ وتعبئة مستمرة (من الأطراف نحو العاصمة ومن دول الجوار نحو الأطراف) , ننوه إلى أن الهجرة من تشاد ربما تكون في انحسار بسبب استقرار الأوضاع والتحسن الاقتصادي الذي بدا يتشكل . من ناحية الشرق ليس هناك افراغ وإنما تعبئة دائمة (هذا ما يمكن أن نسميه دولة الفشقة ,القضارف ,كسلا ) , هنا تحضرني رواية عبد العزيز بركة التي حكت الكثير عن شبه دولة لها قوانينها الاجتماعية والاقتصادية . الآن الهجرة ليست كلها مرتبطة بالنزاع الدائر في غرب السودان وإنما أصبحت ظاهرة عامة ومن ولايات تنعم بأمان كامل .
الكليب المعني عمل على استنطاق أطفال أعمارهم بين 7-14 عام . هؤلاء الأطفال يخرجون في مجموعات من المنازل في رحلة تسمى (الفرة ) وهي تعني أنهم يتحركون ويتجولون في مساحة واسعة من الأرض . الكبار منهم يحملون ( محافير , عزم ,طواري ) ليستخرجوا بعض قطع الحديد المدفونة , الصغار منهم يجمعون علب (الكرستالات ) التي كان يجب أن يستمتعوا بشربها ورمي الفارغ في النفايات . اعمل شاقة , خطر محدق , ساعات مدرسية مهدرة وكل ذلك مقابل عائد مادي ضعيف حيث هم عرضة للابتزاز والغش . قال احدهم مزهوا : بعت تسعة كيلو حديد بمبلغ تسع جنيهات . أقرانهم يدرسون في مدارس تشبه كليات لندن وليس كله من مال نظيف . إن قلت لي هذه سنة الحياة فيها الفقراء والأغنياء , أقول لك : هذه بدعة الانغاذ في الفساد ( فساد أصبح له ? بنوك ,شركات , وكلاء ووكالات , مقاولين ومتعهدين ) أيضا له عراب اقتصاديون تحت نظرية الاقتصاد الحر وله فقهاء تحت فقه السترة والتحلل والمتهم برئ .
أعداد الأطفال من هذه النوعية في أطراف العاصمة ربما بالمئات ومن المتوقع أن تصل للالاف في حال استمرار الحروب والنزاعات وإهمال الريف وسياسة البندول للألم والتصبيرة للجوع وسياسة بذل المال للمحاربين للدولة والمحاربين معها .
ماهو برنامج الأخ الرئيس وحزبه لهؤلاء الأطفال والذين يزداد عددهم كلما دخلت اسر جديدة لدائرة الفقر . من المؤكد أن الدولة هي المسئول الأول والأخير , المجتمع أيضا تقع عليه مسؤولية دينية وأخلاقية وطنية , أليس من الممكن أن يكون هؤلاء الصغار رصيد للأمة في حال أحسنا تعليمهم وتربيتهم , وأيضا معول هدم حال تركناهم لهكذا ظروف تتقاذفهم ليجد فيهم كل صاحب مشروع ضد الوطن ضالته .

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..