مقالات سياسية

نصان من كردفان

نصان من كردفان
Two Texts from Kordofan
آر دي و اس. اتش R. D. and S. H.
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

مقدمة: نشر هذا المقال في العدد الثالث عشر مجلة “السودان في مذكرات ومدونات Sudan Notes and Records” الصادر في عام 1930م. وأشار المؤلفان في مقالهما لإسميهما بالأحرف الأولى لسبب ما ، وهذا أمر غير معهود في المجلات المحكمة.
وقد جئنا بالنص العربي في المقال كما أورده الكاتبان تماما دون تعديل.
المترجم

********** ********** ***********

تحصلنا على هذين النصين من أحد أعيان النهود، والذي كان يحفظهما عن ظهر قلب، وقام بإملائهما علينا. والنصان يعدان جزءا من التراث والتقاليد الشفاهية التي سجلت تاريخ الصراع بين قبيلتي الكبابيش والحمر، منذ ذلك الزمان الذي انتثلت فيه القبيلة الأخيرة من دارفور إلى كردفان في بداية القرن الماضي، وحتى ظهور المهدية، والتي أتت على ما عند القبيلتين معا من قوة ونفوذ، وبددت ثرواتهما. وحدثت المواجهة العلنية الأخيرة بين القبيلتين عقب سقوط الخليفة عندما استولى رجال الكبابيش على ما بقي عند الحمر من إبل. غير أن الحكومة الحالية أفلحت، منذ ذلك التاريخ، في كبح الصراع بين القبيلتين.
ويدور النص الأول حول الفخر والتباهي لشيخ من شيوخ الكبابيش هو شيخ فضل الله ود سالم، وعزمه على بسط سيطرته المطلقة على إحدى آبار الحمر المهمة. بينما يدور النص الثاني حول رد الحمر، في شكل رسالة مفتوحة من شيخ مكي ود منعم شيخ فرع العساكرة الحمر إلى شيخ فضل الله ود سالم. وقيل إن شيخ مكي عرض جائزة قيمة لمن يصوغ أبلغ وأقوى رد على ما أتى به شيخ الكبابيش. وكان النص الثاني في هذا المقال هو الرسالة التي أقرها شيخ مكي وظفر مؤلفها بالجائزة.
لا شك في أن النصين الواردان في هذا المقال كانا قد وضعا في حوالي عام 1850م، حين كان الأشخاص المذكورين في النص الثاني في عز مجدهم.
ونحسب أن النص الثاني يتميز بشكل لغوي مثير للاهتمام، إذ قلما يرى المرء نصا مكتوبا باللغة العامية الدارجة. وصحيح أن النص الذي بين أيدينا الآن هو تراث شفاهي متوارث عبر نحو ثمانين عاما، إلا أنه ما من دليل على أنه قد تعرض لكثير تعديل أو تحريف. وعلى الرغم من أن النص قد صيغ على شكل رسالة، إلا أنه ربما كان معدا ليلقى على مسامع جمع من الناس في صورة سجع بالغ الزخرفة، وذلك ضرب معروف من الخطابة القبلية tribal oratory. ولهذا الضرب من الخطابة شبيه في كثير من مناطق السودان، وله نظير أيضا عند بدو الحجاز، حين يقوم المتخاصمان أمام القاضي في المحكمة القبلية بعرض دعوتيهما سجعا، ويعلن القاضي عن حكمه بذات الشكل اللغوي.
وفي ترجمتنا للنصين حاولنا الحفاظ بقدر الإمكان على الأسلوب البلاغي rhetorical style ، حتى بالنسبة لمن ليست له كبير معرفة باللهجة المستخدمة.

النص الأول
في فوجا أم خباره
عاوز له دماره
كان حاوطوك حمر يدس فيهم حماره
أغر وبكداره
بشويشك لهم ناس العيش برد
لا يشيلوا كنجاره

النص الثاني

ابتدآء جواب الشيخ مكي ود منعم ردا لجواب الشيخ فضل الله ود سالم
وكاتب الجواب الفكي أحمد ود عيسى ابو اما جابت
قال فيه
ارسل جوابه. الى اليرضى واليابى. اللهم يا مسبب الاسباب. ويا مجري السحاب. من الشيخ جقجوق ساري الدواب. يا موصل الجواب.
سلم على الشيخ فضل الله ود سالمين. انت ولدنا وابيك اخينا. لا تسمع قول الخاربين. كسارين كتب المدين. جليداتن وهبانين لا عاشوا فيك ولا ربيو فينا
الشيخ مكي قوم لك الجيوش الحاشده. ما ناشده
من ورا شحت ومن وسط انفرزت ومن قدام مزنا مجرف قام.
وان سألت عن الفرسان. منهم سالم ابو ركوه فارس الرحمن. ومنهم دلم ود عشاي ابو قلبا حجر ملان. ومنهم قريب ود مروه النمر البطال الخمجان. ومنهم عيسى ود النشيو وبليلة درب التج والشيخ سالم ابو دقل ببندقو الرطان. والشيخ مكي ابو المليح الزي جبل لبنان. يتلحظ يمين وشمال يفقد الفرسان، ان كان واحد فيهم غاب يكون ندمان.
والجيوش من قبيلة حمر العساكر فيهم عيال طراد شايلين السيوف السلحت الصحابة. وفيهم غشيمات مكربين الصعابة. وفيهم بني بدر مشددين في هذه الحرابة. وفيهم دقاقيما قدر الترابا.
عدد المطر ورطين العجام. جيوشا في جيوش ما ليهم قيام. زي دار قريس ودار سلام. والشيخ مكي العزيز بايده قام. سلا السيف وقبض اللجام. وفي الوقت الشيخ فضل الله ود سالم هرب زي النعام. خلا بمبم بعياله نام، وخلا بيت شقاق مستر باكمام. وفي بطنه عروس زي الحمام. وخلا نحاسه يبكي زام. وخلا الصفير يجري في برامه
(زي مشي حرابه)
إلا الشيخ مكي العزيز عاوز يعدل حد بلاده. إن سألت عن حد بلاده بالكايلو والو درق وريح كجمر وغريبة الحرازة عاوز منهم فطرة وزكوات وخشم ودم واسبار وعادة. وان مكذب في هذه الافادة. اسأل دار حامد ام سنعير قوم الفساده.

وانت ما تنظر في هذه الخسايل. نحن قتلنا ام بده يوم جانا صايل. وقتلنا بخيت ولد قيله بكينا أخته ام شوايل. وقتلنا كسارخاينا ربطه في سرواله سايل.
انت خاطي لا لقيت ابيا ارشدك ولا اخيا هداك. شن جاب للذيب وراك. بايده اللطمك رماك. لا كدمك ولا عضاك.
انت ما تقدر تلاطم الفيال اذا حاولت الفيال تبقى رمايهم. ولد سالم هرب خلا البيت مايمهم.

انتهى

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مجرد سؤال! ما العبرة والهدف من ايراد هذين النصين الملغومين؟ نحن ما ناقصين فتن ومافي داعي. فلندع هذه الالغام في اضابير التاريخ. وارجو أن ننتقي من ماضينا ما يصلح حاضرنا كشعب موحد الوجدان. لا أتهم نوايا الكاتب، لكن ليس كل ما يعلم يصلح للنشر، وبالذات مثل هذه الاقاويل ضعيفة السند، والتي سقطت من الذاكرة الجماعية لهذه القبائل التي تعيش الآن في سلام ووئام، ولا تحتاج الى قدح زناد الفتنة.

  2. مجرد سؤال! ما العبرة والهدف من ايراد هذين النصين الملغومين؟ نحن ما ناقصين فتن ومافي داعي. فلندع هذه الالغام في اضابير التاريخ. وارجو أن ننتقي من ماضينا ما يصلح حاضرنا كشعب موحد الوجدان. لا أتهم نوايا الكاتب، لكن ليس كل ما يعلم يصلح للنشر، وبالذات مثل هذه الاقاويل ضعيفة السند، والتي سقطت من الذاكرة الجماعية لهذه القبائل التي تعيش الآن في سلام ووئام، ولا تحتاج الى قدح زناد الفتنة.

  3. من قاريء
    ——-
    “شكرا للنص الطريف وبأمثاله قام للأمم تاريخ ، (وإن كان جله من الاساطير كما فى الالياذة والاوديسة وكوميديا دانتى الالهية ..الخ) ، وعلوم اجتماع! ومن المحزن أننا لاندرس أمثال هذه النصوص رغم أنها ربما كانت أصدق من حوادث التاريخ المدونة لمباشرتها وتلقائيتها وطلاقتها وتعبيرها عن الأطراف المتنازعة ومادة الصراع دون مواربة! ………..

    وقول الفكي (اليرضى واليابى) ذكرنى بقول الفرزدق :
    ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الاصيل ولا ذى الرأى والجدل !!
    و (ال) لاتدخل على الفعل فهى هنا ضرورة قبيحة كما قال النحاة ، وذهب الجرجانى إلى أن ذلك خطأ بإجماع فى النثر”.

  4. شكراً لك على هذا العمل الهام.

    لي تساؤل هل الاسم ينطق “جقجوق” أم “جكجوك”؟

    مع تحيّاتي.

  5. النصين ديل يعني هم نقلوها كدة زي ما هي وانت جبت لينا صادة ما احتاجت منك لي ترجمة ولا كيف؟

  6. بدر الدين حامد الهاشمي
    رائع كعهدك فى البحث .
    تري تظرية اللعب انه حتي الحروب القاسية الدامية كانت ضربا من اللعب. ربما نستخلص ان النزاع بين الفريقين الذي اخذ شكل هذا التساجع اتي, ولا مناص , كاللعب.

  7. من قاريء
    ——–
    تعليقا على خطاب الشيخ مكي ابو المليح للشيخ فضل الله ودسالم الكباشي
    لست ادري عما اذا نظرت في بعض القراءات الاخرى والتعليقات حول نص خطاب الشيخ مكي ابوالمليح الذي اثار منذ نشره ( 1930 ) الكثير من الجدل حول المفردات والجمل والصياغات ذات العدد؟ واهمها قراءة الدكتور الحاج سالم مصطفى( دار حمر مركز عبدالكريم ميرغني 2014 ) اذ اشار الى كتلة ابوتابر التي تمثل خلفية معركة العقال التي وقعت عام (1850 ) وقد اشار د- الحاج الى نسخ اخرى لخطاب الشيخ مكي المليح وردت في كتاب محمد احمد البارودي ملامح من تراث حمر الشعبي ( 1971 ) وقد اشار ايضا الى نسخة منشورة بموقع النهود الالكتروني من اعداد جمعة حامد احمد ( 2005 )
    ومهما يكن من أمر يضئ الخطاب المسجوع للشيخ مكي ابو المليح بن الحاج منعم فضاءات واسعة من ارض وسماء شمال وجنوب شرق دارفور وغرب وشرق وشمال كردفان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ( ابان حكم السلطان ابراهيم حسين المشهور بابراهيم قرض الذي قتل في معركة منواشي 1874 ) وعلى وجة الدقة الوشائج والنزاعات القبلية والاقليمية بين قبيلة حمر ودار حامد والزيادية والمعاليا والكباييش في اقليمي كردفان ودارفور، وقد وردت اسماء ابطال حمر ومن فتكوا بهم من فرسان خصومهم من القبائل على الطرف الاخرمن ميادين القتال( أم بدة سيماوي زعيم دارحامد -بخيت ود قبلة شيخ الزيادية -كسارة شيخ المعاليا ).
    ومن المفارقات غير السارة ان لم تخبو نيرات تلك النزاعات رغم مر ما يقارب 175 عاما على تلك المنافرة التي تجسدت في سجع ذلك الخطاب.
    لكل ذلك … فإن للنصين اهمية بالغة اذ تضيف الى مساهمات ابراهيم منعم منصور والبارودي وجمعة محمد احمد والحاج سالم مصطفى في هذا الشان زخما حيويا يدفع بالحماس في اوردة وشرايين اللغويين والانتروبولجيين والمؤرخين لقراءة تاريخ غرب السودان ونزاعاته تحت اضواء جديدة .
    **

  8. بدر الدين حامد الهاشمي
    رائع كعهدك فى البحث .
    تري تظرية اللعب انه حتي الحروب القاسية الدامية كانت ضربا من اللعب. ربما نستخلص ان النزاع بين الفريقين الذي اخذ شكل هذا التساجع اتي, ولا مناص , كاللعب.

  9. من قاريء
    ——–
    تعليقا على خطاب الشيخ مكي ابو المليح للشيخ فضل الله ودسالم الكباشي
    لست ادري عما اذا نظرت في بعض القراءات الاخرى والتعليقات حول نص خطاب الشيخ مكي ابوالمليح الذي اثار منذ نشره ( 1930 ) الكثير من الجدل حول المفردات والجمل والصياغات ذات العدد؟ واهمها قراءة الدكتور الحاج سالم مصطفى( دار حمر مركز عبدالكريم ميرغني 2014 ) اذ اشار الى كتلة ابوتابر التي تمثل خلفية معركة العقال التي وقعت عام (1850 ) وقد اشار د- الحاج الى نسخ اخرى لخطاب الشيخ مكي المليح وردت في كتاب محمد احمد البارودي ملامح من تراث حمر الشعبي ( 1971 ) وقد اشار ايضا الى نسخة منشورة بموقع النهود الالكتروني من اعداد جمعة حامد احمد ( 2005 )
    ومهما يكن من أمر يضئ الخطاب المسجوع للشيخ مكي ابو المليح بن الحاج منعم فضاءات واسعة من ارض وسماء شمال وجنوب شرق دارفور وغرب وشرق وشمال كردفان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ( ابان حكم السلطان ابراهيم حسين المشهور بابراهيم قرض الذي قتل في معركة منواشي 1874 ) وعلى وجة الدقة الوشائج والنزاعات القبلية والاقليمية بين قبيلة حمر ودار حامد والزيادية والمعاليا والكباييش في اقليمي كردفان ودارفور، وقد وردت اسماء ابطال حمر ومن فتكوا بهم من فرسان خصومهم من القبائل على الطرف الاخرمن ميادين القتال( أم بدة سيماوي زعيم دارحامد -بخيت ود قبلة شيخ الزيادية -كسارة شيخ المعاليا ).
    ومن المفارقات غير السارة ان لم تخبو نيرات تلك النزاعات رغم مر ما يقارب 175 عاما على تلك المنافرة التي تجسدت في سجع ذلك الخطاب.
    لكل ذلك … فإن للنصين اهمية بالغة اذ تضيف الى مساهمات ابراهيم منعم منصور والبارودي وجمعة محمد احمد والحاج سالم مصطفى في هذا الشان زخما حيويا يدفع بالحماس في اوردة وشرايين اللغويين والانتروبولجيين والمؤرخين لقراءة تاريخ غرب السودان ونزاعاته تحت اضواء جديدة .
    **

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..