هل ماتت احلام السودان الجديد

خريطة السودان تغيرت شكلا و مضمونا بعد انفصال جنوب السودان فلم يعد السودان اكبر دولة في افريقيا و لم يعد جنوب السودان يرسم ملتصق في خريطة العالم العربي و بين هذا و ذاك شمال السودان تحارب مع متمردين في ثلاثة اقاليم و جنوب السودان تتحارب مع متمردين في ثلاثة ولايات انها قصة اتفاقية السلام الشامل التي لم تجلب السلام الى كل من جنوب السودان و شمال السودان رغم ان الهدف من توقيع تلك الاتفاقية كان حقنا للدماء و جلب ثمار السلام الى الشعب في الدولتين.
لقد عاش السودان الموحد في حالة من التناقض فترة من الزمن منذ توحيده ككيان واحد ابان الحكم الانجليزي و اخطر ابعاد تلك التناقض هو التوجه العنصر العربي في السودان الى فرض العروبة على السودانيين الاخرين الذين لم يرضو بالتخلى عن ثقافاتهم و القبول انهم عرب رغم انهم لم يكونوا كذلك و في المقابل قاومت السودانيين الاخرين فكرة العروبة بالافريقانية المضادة و علت الاصوات التي تدعو ان السودان افريقية و ليست عربية و مما زادت الامور تعقيدا هو خلط العروبة بالاسلام من قبل العنصر العربي الذي كان يسيطر على الحكم في السودان فحاولت ان تجعل الناس تفهم ان العروبة هي الاسلام و الاسلام هو العروبة … و هنا وجد السودانيين الافارقة المسلمين انفسهم تايهين بين المعسكرين معسكر يدعو الى العروبة و اخر يدعو الى الافريقانية فهم مسلمين و يحملون ثقافة عربية بحكم الدين و كذلك هم افارقة من حيث العرق و يحملون ثقافة افريقية من حيث العرق فاذا كانت العروبة ملتصقة بالدين فكيف لهم التخلى عنها بهذه البساطة؟ و اذا كانت الافريقانية ملتصقة بعرقهم فكيف لهم التخلى عن اصلهم الافريقية؟ و كانت النتيجة واضحة و ضوح الشمس فالشعوب السودانية في دارفور و جبال النوبة و النيل الازرق لم تختار ان تكون جزء من جنوب السودان رغم ايمانهم التام ان الحكومات التي كانت تتلون بصبغة العروبة قد مارست ضدهم العنصرية و الظلم لكن الانضمام الى دولة جنوب السودان التي ازالت صبغة العروبة عن جبينها لم تكن تحقق كل احلامهم و رغم بقاءهم في الشمال لم يقبلوا بالاندماج في الكيان العربي في شمال السودان بل انهم اختاروا الصعب و قرروا خوض حرب اخر لازالة كل اشكال الظلم التي تفرضها الحكومة في الخرطوم انهم يحاربون من اجل السودان الجديد السودان الذي لا يميز فيه الانسان بسبب الدين و العرق و اللون و الثقافة السودان الذي يقبل بالتنوع دون الغاء الاخر ان الحكومة في شمال لا تتوقف عن التمييز رغم وجود الدين كعامل مشترك بين الانسان السودان العربي و الانسان السوداني الافريقي في بقية الاقاليم الملتهبة كالنيل الازرق و دارفور و جبال النوبة الا ان الحكومة في السودان لا تزال مستمرة في السياسة التي نتج عنها نفور الجنوبيين و بالتالي انفصالهم ان السودان الشمالى.
السودان الجديد هي فلسفة اختلقتها القائد جون قرنق دي مبيور و تقوم هذه الفكرة على تاسيس دولة في السودان تتساوي فيها الجميع في السودان بغض النظر عن الدين و العرق و اللون او اي سبب اخر و لكن شاءت الاقدار و مات صاحب الفكرة دون ان يشهد التطورات التي قادت الى انفصال الجنوب عن الشمال اثناء الاستفتاء و في الحقيقة انفصال الجنوب كانت نتيجة طبيعية لصراع طويل بين اصحاب مشروع الاسلام السياسي ذات التوجه العربي و بين اصحاب مشروع السودان الجديد التي كانت ذات توجه قومي شامل و لقد تساوت القوتان و لم تسفر الصراع عن منتصر فرض رايه على الاخر فانفصل الجنوب اما الصراع الحالى الدائر في السودان الشمالي فهي امتداد لنفس الصراع و مهما طالت تلك الصراع فان نتيجتها لن تخرج عن اطار اربع احتمالات وهي:
الاحتمال الاول: انتصار اهل الاسلام السياسي و بالتالي فرض عروبة السودان على بقية القوميات السودانية الاخري من غير العرب.
الاحتمال الثاني: انتصار القوميات الغير العربية و بالتالي فرض افريقانية السودان على العرب السودانيين.
الاحتمال الثالث: اتفاق اطراف الصراع على ان السودان بلد متعدد الثقافات و الاثنيات و بالتالي خلق دولة تقبل بالجميع دون تمييز.
الاحتمال الرابع: انفصال الاقاليم التي تدور فيها النزاع الان عن دولة السودان في حالة توازن القوة و عدم وجود منتصر يحسم الامر.
بالنسبة للجنوبيين مشروع السودان الجديد مات بانفصال الجنوب وهذا يفسر الصعوبات التي تمر بها الدولة في الوقت الحالى فقد حاربت الحركة الشعبية واحد و عشرين عام لتحقيق مشروع السودان الجديد في سودان موحد و لم تتحسب بما يكفي لادارة دولة منفصلة فكانت الانفصال غير متوقعة بالنسبة للجنوبيين رغم ان فترة ستة السنوت تعتبر طويلة الى حد ما فقد مرت تلك المدة و الحكومتان في الجنوب و الشمال منشغلتان بتنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل و التي لم تتم تنفيذ جزء كبير منها الى يومنا هذا بسبب الاختلافات بين طرفي الاتفاق حول عدة مواضيع مثل عدم الاتفاق على اجراء استفتاء منطقة ا ابيي و عدم ترسيم الحدود بين الدولتين و النزاع حول عدة مناطق حدودية و مواضيع اخرى جعلت الاحتقان بين الشمال و جنوب السودان سيد الموقف.
لكن الدولتان بحكم الجوار ووجود روابط تجارية و مصالح مشتركة في حاجة الى العمل سويا لتخطى الصعاب و الوصول الى مرحلة تطبيع العلاقات و ذلك بترجمة اتفاقية التعاون المشتركة الى واقع معاش يستفيد منها الشعبين.
و مهما تكن هنالك خصوصيات تميز الدولتان عن بعضهما البعض الا ان وجود النزاعات المسلحة يعتبر عامل مشترك و بطريقة او اخرى تتاثر الدولة الاخرى بالنزاع الدائر في كلتيهما و الدليل على ذلك الاتهامات المتبادلة بشان الدعم و الملاذ التي توفرها كل من الدولتين للمناوئيين لحكم كل منهما مما صعب وجود مناخ من الثقة و هذا بدورها يصعب التعاون بين الدولتين.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الطرفين قتلا السودان الجديد ولم تصمد القوى المنادية به فى وجه اصحاب فكر الانفصال بين الطرفين وسرع وجود النفط فى الجنوب الى الاسراع بالانفصال ظنا من اخوتنا الجنوبيين انه سيخلق دولة ونسى العداء القبلى المزمن والامية والفقر وطمع المتعلمين فى السلطة والثروة لذلك سوف تستمر الحرب الاهلية طويلا ولا نتمنى ذلك اعتقد ان التفكير بهدؤ من كافة الاطراف والعودة للوطن الواحد وبناء الانسان السودانى بعيدا عن الفكر العنصرى ولاتنسوا حلايب سودانية

  2. انا افريقي ومسلم بالميلاد لكن الان بعد ان تلخبط الاسلام
    بالعروبة وهو اصلا اي الاسلام لم يكن سوي عادات وتقاليد
    عربية فتجدني الان مطلقا للإسلام وهوسه وعروبته بالتلاتة.

  3. الاستاذ ماقويك نعم الانفصال كان نتيجة طبيعية لتطورات الاحداث حينها ووفق تخطيط معد مسبقا من دول كان هدفها هذا الانفصال .. انتم في الجنوب كنتم ترون في الانفصال (ليس هدفا ونحن نشهد) بل حسما لسنين من الحروب كنتم اكثر المتأثرين بها وعيونكم على التنمية والتطور ونحن كذلك ارتضينا به لأنه تم باستفتاء نزيه وكان هذا خياركم، نعم آلمنا ان ترحلوا عنا وصدقني ان اغلب السودانيين الشماليين حسوا بمرارة الانفصال حينها ولكن ذاك ما حدث . الدول كانت توعدنا بأن الانصال مقابل السلام والتنمية للطرفين، شعب السودان شماله وجنوبه لم يكن يبحث عن السلام في هذا الاتجاه ولكن يوجد متطرفين بالحركة الشعبية وآخرين بالحركة الاسلامية كان هم هاتين الجماعتين ان يتم الانفصال وقد كان ولكن لم نذق لا سلاما ولا تنمية في السودانين عليه يجب الآن من شعبي السودان (اكرر شعوب – وليس حكومات) التفكير الجدي في التراجع عن تلك الاتفاقية التي دفعنا ثمنها ولم نقبض مقابل ذاك الثمن شيئا . ومنطقيا تعد لاغية حيث أن الهدف من الانفصال كان السلام ثم السلام فالتنمية ولكن لم يتحقق من ذلك شيئا لأن اهداف التنمية تتعارض مع اطماع القادة هناك وهنا فمن حقنا التنصل منها (الاتفاقية) على الاقل نبدأ بالمناداه بإلغائها ويعود السودان كما كان ( كان يملؤنا فخرا مجرد كلمة اكبر دولة افريقية ومليون ميل التي كانت وحدها تملأ فيه ناطقها) صدقني تبدأ فكرة تنتهي فعلا وواقعا ، يعني بالواضح كده نخرخر وننكر القصة دي من اولها ..ولا الراي شنو ؟؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..