سؤال البديل بين المجتمعات والنخب ومأساة الإجابة

التغيير في السودان:
لازال التغيير في السودان حلم بعيد المنال، فرغم استمرار حكم الحركة الإسلامية الجائر منذ القرن الماضي إلا ان إرادة التغيير لازالت تراوح مكانها، بين مجتمع اعياه سؤال البديل وبين نخب تستهلك في اجابات معلبة لا تفيد المجتمع بشيء، وبين هذا وذلك يستمر الجرح النازف من الحروب والفقر والجوع.

سؤال البديل المجتمعي:
ذكرنا سابقا ان سؤال البديل الذي يأتي من جانب المجتمع لا يعني الشخص البديل فقط ولكن يعني الشخص الممثل لفكرة محددة مطبقة ذاتيا، فالمجتمعات لا تفصل بين الفكر والفرد، فالإنسان العادي لا يدرك مفهوم الفكر المجرد ولكن يتعامل مع الفكر والنخبوي كحاجة واحدة، ولان كل النخب السياسية والاحزاب قد تم تجريبها في مرحلة من مراحل تاريخ السودان منذ الاستقلال ولم تضف جديدا لذلك ظل سؤال البديل منذ بداية حكم الحركة الاسلامية هو السؤال المحوري بالنسبة للمجتمع في مواجهة النخب. ولم تشبع اجابة انت البديل المجتمع لأنها لا تحمل فكرة محددة عن البديل التي ينتظرها الجميع، ولذلك انصرف الجميع الى حياتهم اليومية الى ان تحين الاشتراطات الضرورية للتغيير بقيادة النخب او بدونها.

فلا يعد ذلك استسلام من جانب المجتمعات أو انهزام امام قوة الدولة فالمجتمع اقوى من الدولة لكل من درس التاريخ، ولكنه استسلام من جانب النخب التي ارادت تغيير دون ان تدفع ثمنه فكرا وذلك بالبحث عن اجابة تدفع بها المجتمع نحو التغيير، فالسودان يمتلك انسان ومجتمع متميز جدا عن بقية المجتمعات ومترابط رغم التشرذم الظاهر على السطح، فعلى النخب ترك المجتمع فهو يجتهد من خلال قيمه الذاتية في محاولة المحافظة على ذاته واصلاح ما تفسده نخب اليمين واليسار، فكل تلك النخب تسعي الى غاية واحدة وهي قولبة المجتمع داخل فكرة مستوردة من الخارج اذا كان الفكر الغربي او الفكر العربي.

النخب الانهزامية ونظرية المؤامرة:
سعت النخب السودانية التابعة للفكر الغربي والعربي الى ادلجة المجتمع السوداني حتى يصبح مماثل او شبيه بتلك المجتمعات من حيث قيمها وعاداتها وحتى طريقة تفكيرها، وعندما استعصي عليها المجتمع نتيجة لقوانين التحولات الاجتماعية اصبحت تصفه بالعجز والانهزامية والاستسلام، ولكن في الحقيقة نجد ان من انهزم هي النخب التي لم تستطيع ان تستوعب الاختلاف بين تحولات المجتمعات الاخرى والمجتمع السوداني، فكل ما تعجز النخب عن تحليل الواقع تلجا الى نظرية المؤامرة باعتبار ان فكرها حقيقي ولكن ما هو غير حقيقي يتمثل في المجتمع والواقع الرافض للصياغة النخبوية.
وهنا نجد ان الانسان السوداني العادي متقدم على النخب في استيعاب الواقع والتعامل معه مباشرتا، عكس النخب التي تحيل الواقع اولا الى فكر الاخر وتحليله ثم تحاول استيعابه من خلال ذلك التحليل الذي لا يمت الى الواقع بصلة. ولذلك رغم قصور رؤية الانسان العادي الكلية الا انه يستفيد من التماهي مع الواقع ودراية التاريخ الذاتي، ومن خلال ذلك توصل الى ان كل النخب تسعي الى قولبته وتحويله الى دمية ترضي فكرها فقط دون محاولة لاستيعابه كما هو.

حلم الثورة السودانية:
رغم قولنا ان الطريق الذي تسير به النخب لا يشجع المجتمعات بالتوحد في اتجاه الثورة، ولكن ذلك لا يعني انطفاء الثورة السودانية باي حال من الاحوال، ولكنه يعني ان هذا الطريق يبعد النخب عن الاستيعاب الحقيقي للواقع وللإنسان السوداني والدفع به حتى يسعي الى ايجاد افضل الطرق لممارسة حياته الانسانية، اي ان الهروب من جانب النخب والاحتماء بالفكر العربي والغربي لن يفيد الا بإقصاء النخبوي عن المشاركة الفاعلة داخل المجتمعات وسيظل النخبوي غريبا عن مجتمعه وكذلك المجتمع بعيدا عن نخبها.

إذا تحتاج الثورة أول شيء إلى الفكر، أي إلى إيجاد رؤية كلية مركزها الواقع والإنسان السوداني والتاريخ الإنساني، تستوعب تلك الرؤية الفكر العربي والغربي كما هو كفكر نابع من ظروف تاريخية محددة لتحولات تلك المجتمعات، وذلك بتفكيك الفكر العربي المتمركز داخل الارشاد الإلهي والفكر الغربي المحتمي بالعلوم الطبيعية، فالفصل بين الإرشاد الإلهي والفكر العربي ضرورة واستيعاب ذلك الإرشاد بعيدا عن اسقاطات المجتمعات والنخب العربية، وكذلك الفصل بين العلوم الطبيعية وبين التحولات الاجتماعية لثقافة ما، اما استغلال مفاهيم الغير من جانب النخب السودانية مثل ديمقراطية واسلام وغيرها كما هي داخل تلك المجتمعات سيؤدي الى مزيد من التمزيق للثقافة السودانية والإنسان السوداني ليس الا.

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..