أخبار السودان

الأستاذ الجامعي.. الهجرة لأجل المعيشة

الخرطوم: أحمد حمدان

(ع، ج) أستاذ بجامعة أم درمان الإسلامية، في ذات الوقت لديه جدول محاضرات ثابت في إحدى كليات جامعة السودان للعلوم والتكنوليجيا، بجانب إحدى الكليات الجامعية الخاصة.. لم يكن لديه مكتب مستقر يمكنك أن تجده فيه إذا ما أردته. مكتبه عبارة عن حقيبة يحملها متنقلاً بين الجامعات والكليات محاضراً طلابها مقابل ثلاثين جنيهاً لكل محاضرة، فهو لديه ثلاث محاضرات خلال الاسبوع في تلك الجامعات والكليات بخلاف جامعته الأم التي يعمل بها وفق أجر ثابت.
يقول (ع، ج) والذي يعمل مساعد تدريس إن راتبه بالجامعة سبعمائة جنيه، وبالتالي لا يمكنه الاعتماد عليه ما يجعله يتنقل بين الجامعات والكليات للتدريس بغرض كسب مال إضافي يعينه على توفير احتياجاته الاساسية، ويرى نفسه متوفقاً كونه حصل على فرصة التدريس في ثلاث جامعات في وقت واحد رغم انه حديث عهد بالتدريس ولا يحمل من الدرجات العلمية سوى الماجستير، لكنه في ذات الوقت يقدم مبرراً لهذا التوفيق؛ مبرراً يبدو صادماً في حقيقته، وهو أن معظم الاستاذة الذين يحملون درجة الدكتوراة في مجاله لا يتواجدون بالسودان، بعدما هاجروا خارج البلاد بحثاً عن واقع معيشي أفضل، ثم شرع يعدد لي عدد الاساتذة الذين تتلمذ على أيديهم وكانوا من الذين يشار اليهم بالبنان في كلياتهم ليؤكد أنهم الآن جميعهم خارج البلاد، كان آخرهم الدكتور جلال الدين زيادة أستاذ الإعلام بالجامعات السودانية الذي ظل متواجداً بالسودان مدرساً ومشرفاً على العديد من البحوث العلمية، لكنه في الآخر حزم حقائبة وتوجه صوب المملكة العربية السعودية بعدما توفرت له وظيفة بامتيازات أكبر، رأى أنها ستضمن له حياة كريمة، فمضى وفي نفسه عدم الرضى على مآل الحال. وحالة الأستاذ الجامعي السابق ذكرها انما تنطبق على كثيرين من أمثاله، يحملون حقائبهم متنقلين بين الجامعات بغرض التدريس لكسب أموال إضافية تعينهم على مواجهة متطلبات الحياة التي أصبحت مكلفة.
الوضع المزري في الجامعات السودانية لم يعد خافياً على أحد، وبخلاف الهجرات المتصاعدة للاساتذة فإن نتائجه باتت تظهر في مخرجات التعليم الجامعي، حيث ان خريجي الجامعات يظهرون بمستويات متواضعة في العمل بالمؤسسات التي يلتحقون بها عقب التخرج، أضف إلى ذلك فإن كثييرين ممن يتخرجون حديثاً يلتحقون بمؤسسات أخرى بغرض التدريب والتأهيل قبل الالتحاق بالعمل، لجهة ان ما نالوه بالجامعات لم يكن كافياً لصقلهم وتأهيلهم. ولعل ذلك راجع إلى إهمال الدولة للتعليم وضعف الموارد التي ترصد له، ومعلوم ان أضعف الميزانيات المرصودة من الدولة هي ميزانية التعليم بجانب الصحة، حيث ان ميزانية التعليم في آخر موازنة للدولة بلغت (2,5%) من الصرف العام للدولة، في وقت تتمتع المؤسسات الامنية والعسكرية بالنصيب الاكبر من موارد الدولة، والاسبوع الماضي استنجدت وزارة التعليم العالي بالبرلمان لمساعدتها في حث الدولة على الاهتمام بالتعليم العالي وتوفير الدعم المطلوب للحد من تدهور البنية التحتية للجامعات بجانب وقف هجرة أساتذتها، وطالبت الوزارة البرلمان بإصدار تشريع لدعم التعليم حتى لو كان رسماً في الضرائب، وحذرت من انهيار العملية التعليمية حال استمرار الدولة في تحجيم ميزانية التعليم في نسبة (2,5%)، وأكد وزير الدولة بالتعليم أحمد الطيب أمام البرلمان ان المالية تعطي الوزارة منحة تقدر بـ (625) مليون جنيه يتم توزيعها على الجامعات حيث إنها بالكاد تستطيع تغطية المرتبات، وقال ان التمويل يقف حجر عثرة أمام تقدم العملية التعليمية بالبلاد، وأردف مخاطباً نواب البرلمان «يجب ان تساعدونا في دفع الدولة للاهتمام بالتعليم وتحسين وضع الأساتذة»، واشتكى الطيب من هجرة الأساتذة التي أصبحت تشكل هاجساً للقائمين على أمر التعليم، وأشار إلى ان الجامعات باتت تعاني الهجرة الجماعية لأساتذتها سعياً لتحسين أوضاعهم المعيشية. وكشف الطيب عن هجرة (180) أستاذاً جامعياً خلال الشهر الماضي استوعبتهم جامعة سعودية خلال أسبوع واحد، بينما بلغت حصيلة المهاجرين للعام الماضي (625) أستاذاً جامعياً بعدما تركوا العمل بالجامعات السودانية بغرض تحسين أوضاعهم المعيشية، وتابع «هذا السيل لن يتوقف، ان لم يحسن أوضاع المعلم بالداخل، رغم ارتفاع تكلفة المعيشة إلا ان مرتب الاستاذ الجامعي ظل دون تعديل منذ 2007 ولم تدفع المبالغ المستحقة من البديل النقدي للاجازة وتذاكر السفر، الأمر الذي يتطلب تدخل الدولة لتحسين أوضاع أساتذة الجامعات حتى لا تفقد البلاد خيرة علمائها الذين أنفقت أموالاً طائلة على تأهيلهم». وبحسب بيان وزارة التعليم العالي المقدم أمام البرلمان الاسبوع الماضي فإن التمويل يشكل العقبة الاساسية التي تجابه مؤسسات التعليم العالي، ورغم التوسع الكبير في التعليم العالي وإنشاء العديد من الجامعات والكليات الجديدة إلا ان الدعم الحكومي ظل يراوح مكانه عاما بعد آخر، ففي العام الماضي بلغ الدعم الحكومي لمؤسسات التعليم العالي(617) مليون جنيه بزيادة 2% عن العام الذي سبقه، في حين ان اعتمادات تعويضات العاملين تدفع كامله إلا أن بند السلع والخدمات التي تعتمد عليها الجامعات في مصروفات التسيير لا تتجاوز تغذيتها الـ (50 ـ 60%) من المصدقة، وكشف البيان أن منحة الدولة للتعليم المقدرة بـ (2.5%) من الانفاق العام للدولة و 0,37% من الناتج المحلي الاجمالي تعتبر متواضعة جداً مقارنة بالنسب الاقليمة والعالمية. وكان أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم والنائب البرلماني عن المؤتمر الشعبي الدكتور إسماعيل حسين فضل قال إن الأساتذة الذين غادروا البلاد لم تنقصهم الوطنية لكنهم هربوا بجلودهم لتحسين أوضاعهم المعيشية، وطالب الدولة بأن تضع موارد البلاد في موضعها الصحيح وصرفها على العملية التعليمية التي بدونها لن يكون هنالك نهضة ومستقبل مشرق حسبما تعلنه الدولة من شعارات، في وقت وصفت الدكتورة سعاد الفاتح أركان التعليم الاساسية المتمثلة في الاستاذ والمنهج والبنية التعليمية بالمتدهورة والمنهارة، وقالت إن الاستاذ الجامعي أضحى يتنقل ما بين ثلاث جامعات وأكثر ليدرس بها سعياً وراء تحسين أوضاعه المعيشية، فيما لا توجد أي فكرة جديدة في المنهج، بينما وصفت وضع التجهيزات التعليمية بأنها عملية مؤلمة.
في مؤتمر التعليم الذي درجت وزارة التعليم على إقامته سنوياً لتقييم الاوضاع التعليمية بالبلاد، شهد المؤتمر الذي أقيم أواخر العام الماضي انتقادات حادة من أساتذة الجامعات إلى الاوضاع التعليمية، وأرجعوا هجرة أكثر من 600 أستاذ جامعي من حملة الدكتوراة بمختلف الجامعات السودانية حسبما كشف عن ذلك المؤتمر، إلى الظروف الاقتصادية الطاحنة والبحث عن فرص عيش أفضل، بجانب أن أكثرهم فقد الأمل في إحداث تغيير على الصعيد الجامعي والمجتمع ككل. وبحسب أساتذة جامعيين أن العمل في الجامعات في ظل الترهل الكبير الذي شهدته أصبح فيه مشقة وأن الأساتذة الذين هاجروا يرغبون في وضع مادي وأكاديمي ومعنوي مريح، خاصة وأن هنالك قناعة بصعوبة تغيير مفاهيم المجتمع. وكانت الدولة قد حددت سن المعاش للاستاذ الجامعي بـ (65) عاماً، يترجل بعدها عن العمل بالتدريس، وهي الخطوة التي لاقت الكثير من الانتقادات سيما من قبل أساتذة الجامعة والاكاديميين عموماً، بحيث ان الاستاذ الجامعي يمكن ان يكون في قمة عطائه في تلك السن بعدما تتراكم لديه عوامل الخبرة والتجربة الطويلة، وكانوا يعتبرون الخطوة بأن بها ظلم كبير يقع على الاستاذ الجامعي في المقام الأول، وعلى الدولة التي تحتاج إلى خبرات وكفاءات قديمة لتدريب النشء وتحريك عجلة التنمية.. لخص بيان وزارة التعليم العالي امام البرلمان القضايا التي تجابه التعليم العالي في بضع نقاط بينها، محدودية التمويل، وتحسين أوضاع الاساتذة والتاهيل والتدريب، بجانب توفير احتياجات العملية التعليمية وتهيئة البيئة الجامعية ومعينات البحث العلمي، ثم استعطف البرلمان دعم الوزارة ووضع التعليم في قمة أولويات الدولة، واختتم بالعبارة الآتية «لا نهضة ولا تنمية بدون تعليم عال جيد».

الاحداث

تعليق واحد

  1. ما قدرت اكمل المقال .لكن تذكرت قرار اعادة الطلاب من الخارج من اجل الدولار.ارجو الا تكون هجرة الدكاتره الان من اجل توفير الدولار الذي ينفق علي لاعبي كرة القدم.يا رب يا رب بلغ كلماتي هذه واوصلها لعمر البشير فان اعاد النظر في التجنيس واوقف تعاقد النوادي مع اللعبين الاجانب واتاح الفرصه للدراسه بالخارج دون حصر او محسوبيه فوفقه .وان اتبع هواه فابعده عن الدنيا عاجلا غير اجل يا من لا اله الا هو يا حي ياقيوم ولا تولي علينا الا تقيا يا حي يا قيوم يا حكم يا عدل يا من لا اله الا هو .

  2. أرى أنه لا داعي لإثارة موضوع مثل هذا!!!!!!!!!
    لأنه قد يؤثر على هروب الأساتذة لتحسين أوضاعهم!!!!
    بالإضافة إلى أنه قد يرفع من عائد الضرايب للدولة!!!!!
    يعني الدولة ذاتها بهجرة الأساتذة حتكوووووووووووون مستفيدة من الضرائب!!!!!
    ولا رااااااااااااااايكم شنو؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    تصحيح ماورد في مقالك(إن من يحمل درجة الماجستير درجته محاضراً وليس مساعد تدريس كما ذكرت)

    وبعدين يا(أحمد حمدان) خلى الناس تهاجر!!!!!!!!!!!!!!

  3. عصابة أخوان الشيطان يأأخ حمدان خلت البلد كلها مزرية …لكن هم لا …يعبثون في البلاد ويعذبون ويضربون ويقتلون أهلها بإسم الإسلام وهم يبتسمون … أصبحنا مشردين في العالم من أجل لقمة العيش لكن هذا أفضل من أن نعيش مشردين ومبوذين في وطننا ومعرضين للتعذيب في بيوت الأشباح والسجون والقتل. رحم الله أهل السودان وأزال عنهم البلاء الذي يسمي الإنقاذ ولكن في الأصل هم قتلة سفلة مجرمين لأ يخافون الله ورسولة …لعنة الله عليهم أصحاب الوجوه السوداء القتلة التي تطاير من عيونهم الشيطانية الشر والفسق

  4. ابشري ياحكومه الانقاذ ,,, وابشري بهؤلاء الهاربون الجدد من جحيمك بعدما ضاقت بهم الارض بمارحبت ,,, صفوه شباب السودان وسواعده الفتيه,,
    فاليلحقوا بنا في الغربه التى اتينا اليها مكرهين مجبرين ولينضموا الى جيوش الناقمين والغاضبين عليكي ,,,

    واكاد اجزم ان اول شعور يخالج احاسيسهم هم ويتوجهون الى باب الطائرة و يغادرون ارض الوطن هي الشعور بالخنق الشديد والظلم والغبن من هذا النظام الذي حرمهم من العيش الكريم في احضان وطنهم والمساهمه في بناءه ورفاهيته
    وهذا النظام الذي سيحرمهم من احبابهم واعز اصدقاءهم لسنين قادمه وربما تطول وتطول ليذوقوا مرارة الحرمان والشعور بالوحدة ,, في الغربه القاسيه التى لاترحم,,

    وهذا النظام الذي خدعهم طوال 23سنه ماضيه وروج لهم الأكاذيب بأنقاذ البلاد,, فأكتشفوا بأنهم كان يسوق لهم الوهم والسراب فقط ,,, هؤلاء اللصوص ,, الذين نهبوه ,, وسلبوه,, وقسمهوه الى اجزاء ودويلات ,,وافقروه ,, وهو جنه الله في الارض ,,
    فهنيئا لك يا حكومه الانقاذ مؤقتا( بالجبايات والضرائب المنتظرنها منهم والماشه الى جيوبكم ومخصاصاتكم الدستوريه والغير دستوريه والبدلات لمنسوبينكم والسبعه وسبعين وزير الضاربين الطراوه في القاعات المكيفه ونايمين من شدة التخمه ,,,, و باقي الشعب المسكين جيعان !!) ولكن استعدوا لهؤلاء المغتربون الجدد,,, استعدوا لهم جيدا,,, فهم المنضمون الجدد الى صفوف المعارضه… و المعروف ان 99.9% من السودانيين المقيمين بالخارج يمقتون هذا النظام ويعارضونه ,,, ولنفس الاسباب السابقه ,, ولايفكرون بالعوده النهائيه في وقت قريب ,, اما الباقي .01% هم من اعضاء سفارات المؤتمر الوطني او من اذلام النظام من النفعيين المتسلقين..بالخارج …

  5. (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اْلأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)

  6. طبعا لايخفي علي احد كثرة اعداد السودوانين في كل المهاجر مرة كتب د.عبدالمنعم ارتولي عن الهجرة وكثرت الاستاذة الجامعين ورد عليه د.اسامة علي يسين ان العدد ما مخيف دا ما المهم المهم ان د.اسامة هذا الذي هو نفسه في المهجر يعمل بالمملكة ولايري ان ههنالك حطر

  7. اعتبر نفسي احد الفارين من السودان حيث كنت استاذا مساعدا بام الجامعات واتنقل بين جامعات خمسة اخري بالعاصمة وسادسة بالولايات حاملا حقيبتي واللاب توب ويا دوب اقدر اعيش وعيالي ولا مجال للتوفير ولا للاجتماعيات ولدرجة أحيانا لا التقي فيها عيالي الا الجمعات.
    كان الله في عون الاساتذة والشعب السوداني قاطية وسهل امر الجميع.
    الحمد لله الان الوضع بعد ان غادرت مرغما البلاد قد تغير فصرت اجد قوت عيالي واوفر وذلك من جامعة واحدة ودون اللجوء الي دروس اضافية فهنالك راحة بال ولا جري ولا ارهاق كالذي كان؟ وصارت رحلة المتاعب من الذكريات المؤلمةواللطيفة (في وقت معا) الي النفس وما قادر اصدق ما كنت افعله من مجهود ولو عدت ما ستطعت علي ذلك ابدا!
    الشيء الأهم هو هل الهروب حل للمشكلة / سيقول البعض حل مؤقت لحدي ما تعمل بيت وتشرط فاتورة الايجار وتعمل دابة ولابد من نقاطة فوق ذلك كي تستطيع وعيالك العيش الكريم
    ماذا عن الوطن وابناء الوطن وحق الوطن؟؟؟؟ كل ذلك في وجداننا نعتصره فللاوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق. الحمد لله بندفع ما علينا من مستحقات وزكاة وضرائب (بعضها نشعر انه من غير وجه حق وهل يعود ما ندفعه للمواطن والوطن ام الي من لا يستحق)؟؟؟؟
    لابد من التغيير وعودة الطيور المهاجرة ولو بعد حين
    وفي امان الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..