رسالة مفتوحة الى زملائي ضباط الشرطة السودانية

طارق محيسي

الزملاء الأعزاء ضباط الشرطة السودانية بمختلف الرتب والمواقع ، اكتب اليكم هذه الرسالة وبلادنا تمر بمنعطف خطير ، بعد أن أشعل نظام الانقاذ الحروب في طول البلاد وعرضها ، وصادر الحريات العامة وكمم الأفواه وأغلق الصحف ومنع الصحفيين من الكتابة ، وأفقر وأذل الشعب السوداني العزيز الكريم ، وإستشرى الفساد والمحسوبية ، ثم أصدر النظام قراراته الإقتصادية الأخيرة التي يريد بها أن يحمل الفقراء عبء الصرف على حروبه وحماقاته السياسية ، وعلى آلته الأمنيه التي يعتمد عليها في البقاء في السلطة ، وفي سبيل ذلك خصّص لها جل ميزانية البلاد ، مما أدى الي اندلاع الثورة والتظاهرات في شتى أنحاء البلاد ، ليتذكركم النظام ويلتفت إليكم ، فقد حانت لحظة إحتياجه الحقيقية لمقدراتكم وخبراتكم ، لإنقاذه من غضب الجماهير الذي شاهد نتائجه في البلدان من حوله ، فالنظام يعلم بأن كل أجهزته الموازية التي أنشأها لا تمتلك المهنية الكافية لإخراجه من هذا الموقف .
أكتب إليكم هذه الرسالة لأذكركم بأنكم تخرجتم من كلية الشرطة السودانية تلك المؤسسة العريقة التي يمتلكها الشعب السوداني ، ولم تتخرجوا من المركز العام للمؤتمر الوطني ، ولأذكركم أيضاً بأنكم أقسمتم بأن تنذروا حياتكم للوطن وخدمة الشعب في صدق وأمانة ، وليس المؤتمر الوطني أو أي جهة سياسية أخرى ، والتزامكم في هذا القسم بخدمة الشعب يحتم عليكم الإنحياز اليه وعدم قمع ثورته ، أوإطلاق النار على المتظاهرين السلميين العزّل .
أنتم إخوتي لم تهبطوا من السماء ، ولم تنبتوا (بروس) ، فأنتم أبناء هذا الشعب الجائع الفقير الثائر ، وهؤلاء المتظاهرين هم آبائكم وأمهاتكم ، وإخواتكم وإخوانكم ، وبناتكم وأبنائكم ، وأخوالكم وأعمامكم ، وخالاتكم وعماتكم ، وأصهاركم وجيرانكم وزملائكم ، فلا تقمعوهم فهم يعبرون عنكم قبل أن يعبروا عن أنفسهم ، فالغلاء يطحنكم ويطحنهم ، والظلم يطالكم ويطالهم .
أعزائي إن التاريخ له ذاكرة لا تصدأ ويحفظ للشرطة السودانية الكثير من المواقف المشرقة ، فلا تجعلوا نظام الإنقاذ وهو يعيش في أيامه الأخيرة يقودكم الى مواقف لن تسامحكم عليها الأجيال القادمة وستبقى وصمة عار في جبينكم وجبين الشرطة الى الأبد.
فالشرطة السودانية رغم بعض التجاوزات لا زالت هي الأفضل في التعامل مع المواطن بالمقارنة مع بعض دول الجوار والتي وصل بها الحال بأن يكون الدخول لقسم الشرطة أشبه بالدخول لمباني جهاز الأمن والمخابرات في السودان ، فالشرطة السودانية لم تسجل ضدها الكثير من التجاوزات ، ولكن أكثر ما أضر بسمعتها هو إستخدام نظام الإنقاذ لشرطة الإحتياطي المركزي ، وشرطة النجدة والعمليات بالولايات في قمع معارضيه وفي حروبه التي أشعلها ضد مواطنيه ، وإستخدامه لشرطة النظام العام في إذلال المواطنين ومصادرة الحريات وفقاً لرؤيته ، ومن هنا نناشد الكثير من الضباط الوطنيين داخل هذه الإدارات الشرطية ، بأن لا يطلقوا النار على المتظاهرين مطلقاً ، حتى لو أدى الأمر الى فصلهم من الخدمة ، وليعلموا بأن الثورة ستنتصر في النهاية ، وسيعودون الى خدمتهم أبطالاً وهم أكثر عزة و أعلى هامة .
أعزائي وزملائي إن أعظم وأكبر سقوط للأجهزة الأمنية على الإطلاق هو السقوط في امتحان العلاقة مع الجمهور ، فالعلاقة مع الجمهور مادة أساسية تم تدريسها لكم بكلية الشرطة في عهودها الخضراء ، أيام العظماء من الرعيل الأول من التعلمجية أمثال المرحوم تاج السر الباترا ، وكوة حسب النبي المي ، ومحمد سلمى عطرون ، وحسن تية شوكة حسكنيت وغيرهم من عظماء التعلمجية .
ولكم إخوتي أن تخلقوا علاقة جيدة مع مواطنيكم وتحافظوا عليها ، وأن تتعظوا بما حدث في في الدول من حولنا ، وكيف إنتصرت الثورة وسقطت الأنظمة الدكتاتورية التي كانت تصدر أوامر القمع ، تاركة الشرطة من خلفها خجلة ، منكسرة ، منكسة الرأس وذليلة ، يحميها الجيش من غضب الجماهير التي تحاصر مباني وزارتها ، واغلقت بالسواتر الأسمنتية كل الشوارع المؤدية الي مقر قيادتها ، ولا زالت السلطة السياسية حائرة في الكيفية التي تعيد بها للشرطة إحترامها ومكانتها .
كما عليكم إخوتي بأن تأخذوا العبرة من هذه الثورات لتعلموا بأن الأنظمة الدكتاتورية حتماً ستسقط ، وإرادة الجماهير ستنتصر مهما بلغت حدة التصدي الأمني لها ، ولا يفوت عليكم المقارنة بين الكيفية التي إستقبل بها الثوار في تلك الدول لجنود الجيش حين قابلوهم بالورود والعناق والقبلات ، وبالمقابل كيف عامل الثوار الشرطة بقسوة بمحاصرة وإحراق أقسامها ، لأنهم لم يروا فيها الاّ رمزاً لإزلالهم وإهدار كرامتهم . والمثل السوداني يقول (السعيد يشوف في غيره والشقي يشوف في نفسه) .
في ختام هذه الرسالة أدعوكم زملائي الى أن تتخيلوا السودان بدون هيمنة وسيطرة المؤتمر الوطني ، وبالتالي تكون الشرطة دون هيمنته وسيطرته ، وبذلك تنامون مرتاحي البال لا يطاردكم هاجس الإحالة الى التقاعد في ما يسمى بالحركة السنوية ، التي أحيل عن طريقها للتقاعد الكثير من الكفاءات وهم في ريعان شبابهم وقادرين على العطاء لسنوات قادمة ، لكم ان تتخيلوا زملائي الشرطة بدون هيمنة الضباط (المنظمين) المنعمين ، يكون فيها المعيار الأساسي للتقييم والتنقلات والترقيات هو الكفاءة والأداء . لكم ان تتخيلوا أعزائي شرطة لا يحصي فيها أمن الشرطة عليكم أنفاسكم ويتتبع خصوصياتكم ويتجاهل أدائكم ، لكم ان تتخيلوا زملائي شرطة يقودها واحد منكم تعلمون دفعته وتشهدون بأقدميته وكفاءته ، لا يقودها ضابط فني كل مؤهلاته هي انتمائه للمؤتمر الوطني ، ويهيئ نفسه للإستمرار طويلاً في المنصب بإحالة كل المؤهلين منكم لخلافته الى التقاعد ، أمثال الفريق شرطة كمال جعفر واللواء شرطة عابدين الطاهر وغيرهم من الكفاءات التي تمت إحالتها .
أعزائي وزملائي ضباط الشرطة السودانية هذه الثورة التي انتظمت كل مدن وقرى البلاد هي ثورتكم وتعبر عنكم ، ويقوم بها أهلكم من أجل الوطن ومن أجلكم فلا تقمعوها ، وأعلموا بأن انتصارها هو إنتصاركم وهزيمتها هي هزيمتكم .
وختاماَ
من الشعب ألف تحية لرجال الشرطة السودانية
مع شكــري
طارق محيســـي

‫13 تعليقات

  1. ولا تنسى ياسعادتك ود ملازم ….. يمكن ان يعطي او يخوف عقيد او عميد لانه من الجماعه الطيبين فكيف يرضى ضباط الشرطه بهذا الهوان وملازمين يهددون كبار الضباط بل يسلبونهم صلاحياتهم

  2. رجال الشرطة الاوفياء نشاهدهم كثيرا وهم يقتاتون معنا فى مطاعم البوش ويشتهون وجبة السخينه مثلناولا يجدوها .. هم بشر لهم احلامهم وطموحاتهم .. ويعلمون الا مستقبل لهم مع سلطة عصابة اللصوص التى تستهلك شبابهم وقوتهم وتلفظهم لتأتى بآخرين . هم يعرفون عدوهم تماما .. اليس هم الشرطة ؟ حانت لحظة الاجهاز على عصابة الانقاذ .الاخوة المتظاهرون لا تؤذوا رجال الشرطة .. هم نحن ونحن هم .. كلنا على الباغى يد واحده .

  3. مشكور وده موقف وطني اصيل
    والان تتمايز الصفوف
    فليتحسس كل سوداني موطئ قدمه
    فمن كان يقف علي ارض هش مصيره الي زوال
    ومن يقف علي ارض صلبه يساند الشعب ويسنده مصيره الي خلود
    لان ارادة الشعوب هي من ينتصر في اي صراع بين السلطه والشعب

  4. طارق محيسي دا قسم اذفت ظابط مر بتاريخ السودان مفصول من الشرطه من 6 سنه حركه شعبيه ساكن مدني حي البطري انفصل بسبب اهانتو للمواطنيين وعنتريته الفشنك

  5. التحيه لك أيها الاخ العظيم لهذه العبارات الوطنية من هنا ادعوا كل الوطنين من قوات الشرطة للوقوف مع ثورة الشعب المنتصرة بإذن الله قريبا

  6. وماذا يسيئه اذا كان حركة شعبية ؟ هذه الكلمات لا تصدر الا من وطني غيور صادق يستحق منا ان نقف له اجلالا واحتراما بل من يدرينا ربما تكون انت عميل السلطة المتجبرة المنتفع من بقائها يا ود مدني . اخجل مدينتك انتفضت عن بكرة ابيها وانت لسه متمترس خلف صنمك الموتمر اللا وطني

  7. التعرض للمتظاهرين حرام كما افتى الشيخ القرضاوي – وان كل شرطي عليه ان لا يطيع الاوامر في هذه الحالة – واشهد للتاريخ يا اخ طارق وانا من ثوار ابريل 1985 ان بطل الثورة الحقيقي هم افراد الشرطة الذين تركوا لنا الحبل على الغارب حتى نجحت الانتفاضة – وباسم الشرفاء سوف نقوم بتكريم كل فرد اوضابط يقوم بفصله الكيزان لعدم تصديه للمتظاهرين ، وسوف نعيده للخدمة مكرما ومترقيا – وكل من يفعل غير ذلك سوف نقوم بفصله ومحاكمته – وعلى كل فرد وضابط في الشرطة او الامن ان يختار (معهم او معنا) فنحن نعرف بعض – وهناك من يرصد ويصور موقف ضباط الشرطة والامن – اتمنى ان يحكم كل فرد من الشرطة عقله وضميره ويعرف الحق وينحاز اليه –

  8. نرجو من كل الشرفاء طباعة هذه الرسالة و عمل عدة نسخ منها و توزيعها علي المتظاهرين الشرفاء ليرموا بها لرجال الشرطة و لكم التحية و الثورة انطلقت و لن تنتهي الا بزوال تجار الدين.

  9. الكيزان يرصدون كل تحركات الضباط والجنود الذين يقومون بقمع المظاهرات يعني في النهاية إنتو خسرانيين إسرعو باالانضمام الينا

  10. طارق محيسي دفعتنا من أكثر الضباط كفاءه وحب الوطن والمواطن وتحديد انسان مدني هو رجل شجاع لا يخشي في الحق لومة لائم الي الامام ايها الرجل النزيه انت من رحم كليه الشرطه عهدناك شجاع مصادم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..