الإبداع بين الشهرة والنجومية

*(الكُتّاب شهود هذا العالم
لا موظفوه!..).
-ألبير كامو-
.. الشهرة محرقة والتعظيم عزاء…
متى يعلم بعضهم أنّ عربة المجد والشهرة لا تقلّ اللاّهثين خلفها.. ولا حتى الذين ينتظرونها على أبرد من قلوبهم.
إنها مثل عربات الأساطير المسافرة إلى السماء، لا يهتمّ راكبوها ولا يعلمون بأنّها تقلّهم أصلاً وهي التي سعت إليهم ولم يسعوا إليها.
أمّا الهوس بالشهرة الزائفة فقديم قدم الإعجاب والهتاف، وهو الذي جعل (ايروسترات) يقدم على حرق المعبد اليوناني فيحرمنا -هذا الفتى الأهوج- من التمتّع بأجمل وأنفس رائعة معمارية في التاريخ القديم .
استجاب التاريخ لرغبته في الشهرة وحفظ الناس اسم (ايروسترات)- للأسف الشديد- حتى كادوا أن ينسوا أو يتناسوا اسم الفنّان المهندس الذي بنى ذاك المعبد من عرق الروح والعقل والساعد .
الهدم سهل ويبدو ممتعاً مثل ألعاب (الأتاري) هو كالنميمة والشتيمة والمعارضة في الأزمات، أمّا الإبداع فلا يقوى عليه إلاّ المبدعون، وهم فئة قليلة في كل زمان ومكان أمام تلك الفئة الكبيرة التي تجيد الضجيج والتشهير والإستقواء عليك بما ترفّعت عنه.
الفرق واضح وجليّ بين من يكرّم أعلى غرائزه التوّاقة إلى متعة التفوّق عبر حب الإتقان وألق التفرّد وبين من يلبّي أدناها الآمرة بالسطو على متاع الآخرين ومن ثمّ شتمهم لإبعاد الشبهة… بين ضوء حرّ بلا ظلال وبين ثوب فوسفوريّ لا يلمع إلاّ تحت أنوار الآخرين.
ترى ما سرّ هذا الهوس بالنجوميّة وجلب الأنظار؟! الغريب أنّ بعضهم يسعى إلى نجوميّة عبر مرافقة (نجم) أشطر منه في تقليد (نجم) آخر..! إنهم ببساطة مساكين، تجوز عليهم الشفقة والدعاء بتثبيت العقل الآفل.
وعلى ذكر(تثبيت العقل الآفل) يذكر التاريخ أنّ الإمبراطور الروماني (المصروع) (كاليغولا) كان قد بعث جنده سرّاً إلى اليونان كي يأتوا له بجثّة التمثال الأعجوبة العملاق (ديوس) بعد أن يقطعوا رأسه ليثبّت على كتفيه رأسه هوّ, انكشف أمر الجند، ففرّوا تحت جنح الظلام عائدين إلى روما ومن حسن حظّهم أنّهم وجدوا (كاليغولا) قد مات.. مات مقتولاً على يد أشدّ المقرّبين والمعجبين بفلسفته.
لعلّ هذه الحادثة تحاول الإجابة عن التساؤل الذي سبقها، فلقد عاش (كاليغولا) حياة مضطربة نتيجة طفولة قاسية وأحداث مفجعة أدّت به إلى السعي لامتلاك القمر كرغبة في نجوميّة مطلقة رست به عند شواطئ الجنون… ولكن، هل يصنع الحرمان كل هذا الهوس بالنجوميّة؟
قد تبدو المقاربة غريبة وشاذة بين نموذج في الفن والثقافة وآخر في الحرب والسياسة, أزعم أن لا فرق.. فلو امتلك أحد المزيّفين في الأدب والفنّ عصا السلطة لقصم بها ظهور من حكمهم قبل غيره.. ألم يكن هتلر شبه رسّام ونيرون شبه عازف.. وحتّى في التاريخ العربي؟! ألم يكن (يزيد بن عبد الملك) (رقيقاً) في شعره وكذلك كان المأمون المعتزلي وباعث دار الحكمة الشهيرة عالماً رحب الصدر… مع من وافقه الرأي طبعاً ؟!.
اسمحوا لي بالهمس في أذن منتظري (غودو الشهرة)، من المشرئبّة أعناقهم والطامعين في العسل من أعشاش الدبابير: إن كنتم مستعجلين فسيروا ببطء كما يقول المثل الروسي.. إن ّ تلك النجوم التي تتلألأ في السماء قد ولدت وعاشت وانطفأت منذ ملايين السنين…أفلا تتعظون …أم أنّ على قلوبكم غشاوة وفي رؤوسكم أسمك وأكثر من نقاب؟!.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرا دكتور نائل على هذه التحفة الذهنية بالغة المنفعة. منذ وقت طويل، لم أقرأ مقالا بمثل هذا الوضوح في الرؤية عوضا عن فرادة الأسلوب وعمق المعرفة. لقد بلغتَ لعمري ذروة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..