دار فوز الحقيقية

في حديثي مع صديقي وابن امدرمان معتصم قرشي ، عرفت ان هنالك حوار محتدم بين اولاد امدرمان عن موقع دار فوز . وافتي من لا يعرف ، ومن استقي معلموماته من من لا يعرف. وكالعادة لا يقول الناس ، لا اعرف . وهنالك من يجيد ,, اللفح ,, بدون تفكير .
منزل فوز كان في المنطقة بين الدايات والموردة . وتعرف المنطقة بكاس كومري . ومن معالم الحي مدرسة الموردة للبنات وجامع الادريسي . فوز سكنت في ما عرف بالسراية او الصراية ، لانها المبني الوحيد من طابقين . كانت توضع في شبابيكه قلل لحفظ الماء البارد . وكان يمكن مشاهدة القلل في نهاية الخمسينات وبداية الستينات .
بعد نهاية الحرب العالمية الاولي ذهب وفد من اعيان السودان الي انجلترة لتهنئة الملك بالنصر . وقدم السيد عبد الرحمن سيف والده كهدية للملك البريطاني . و البريطانيون يتشائمون من مثل هذه الهدايا ، فقام الملك برد السيف قائلا مامعناه,, انا اتقبل هديتك واقبل خضوعك وخضوع اتباعك . وارد اليك السيف لكي تدافع به عن ملكي وامبراطوريتي . ,,
وكان هنالك ما عرف بسفر الولاء فقد وقع زعماء واعيان السودان علي وثيقة تعلن الولاء لبريطانيا ومطالبتها بالانفراد بحكم السودان . وكانوا مدفوعين بالتقدم والرخاء والامن الذي حل بالبلاد بعد سنين الفوضي والظلم والمذابح التي عاشها السودان ودول الجوار بسبب اخطاء الخليفة . فلقد ادخلت الكهرباء ومصنعا للثلج ومستشفيات ومدارس وسكك حديدية وكوبري علي النيل الازرق . ربطت البلاد البريد والبرق وعبدت الطرق في عقد واحد بعد الادارة البريطانية . وتلك اشياء لم تكن لتحدث في زمن الخليفة .
واحبط الشباب الذي لم يعش سنين المهدية .وتخرج بعضهم من كلية غردون وصار لهم فهم للحرية والديمقراطية واطلعوا علي الادب الانجليزي وكتب الفلسفة والسياسة العالمية وتأثروا بالجرائد والكتب المصرية وكان بين البريطانيين بعض الاشتراكيين والامميين والشيوعيين وقاموا بتنوير السودانيين . والشباب لم يتقبلوا هزيمة تركيا المسلمة . وكتب الشيخ البوشي الذي كان شابا وقتها قصيدة نارية تناقلها الناس بسرعة ، منها علي ما اذكر.
ايا هند قولي واجيزي
رجال الشرع صاروا كالمعيز
ايا ليت اللحي صارت حشيشا
لتعلفها خيول الانجليز
وكتب ابراهيم بدري عدة مواضيع في جريدة الحضارة تحت عنوان نفثة مصدور . واتبعها صديقه وصفية وما عرف بتوئم الروح الشاعر توفيق صالح جبريل بقصيدة تحمل نفس العنوان موجودة في ديوانه افق وشفق ، باجزاءة الاربعة . ولابراهي بدري قصيدة بسبب الازمة الاقتصادية منها علي ما اذكر وكما اورد توئم روحه توفيق في بداية احدي قصائده مجاريا ابراهيم بدري .
اخرج الروض فضة ونضارا
لم يخشي اهل الرياض افتقار
وهذا اشارة للقطن ،الفضة والذهب الذي هو القمح .
ومن الادباء سليمان كشة الذي كانت له مجلة اسمها المرآة وله كتابات مثل سوق الذكريات ومصكوكات المهدية . وكان لصيقا بالمجموعة . وتمردوا علي المناصرين للبريطانيين . ودعوا للاتحاد مع مصر . بعض ابناء الخليفة ومنهم محمد المهدي شارك في انتفاضة 1924 . وحكم عليه بالسجن وتعرض للتعذيب والاهانة . وانضم الي المجموعة عبد السلام الخليفة . وكان صديقا لصيقا بابراهيم بدري وتوفيق . وحمل اسمه عبد السلام ابراهيم بدري.
ادان السيد عبد الرحمن والميرغني والهندي و35 من كبار السودانيين حركة 1924 . وكتب في الحضارة ان امة يقودها امثال ابناء الامة لهي امة وضيعة . وكانوا يشيرون لوالدة علي عبد اللطيف . وكان توقيع بابكر بدري ال25 من ال35 .
توفيق كان لطيفا خفيف الدم . وان كان صلبا في مواجهاته ولا يجامل . وهو ابو الوطنية السودانية . وهم الذي كان القوة الدافعة في تكوين جمعية الاتحاد , لانه مقبول من الجميع . والمؤسسون هم جمال ابو سيف وصالح عبد القادر ، ابراهيم بدري عبيد حاج الامين وتوفيق صالح جبريل . واتي ابراهيم بدري بصديقه عبد الله خليل الذي صار رئيسا للوزراء ومعاديا لسياسة مصر مثل الاغلبية التي صدمت بالخيانة المصرية في 1924 . ومن ابطال 24 العم المطبعجي الذي يظهر في الصورة مع علي عبد اللطيف . ولكن تجاهله الناس . . ثم اتي ابراهيم بدري باصدقائه الذين حمل ابناءه اسماءهم محمد علي شوقي ومحمد صالح الشنقيطي . والاثنان صارا من الكارهين للسياسة المصرية .
الاتحاد كان يدعو للاتحاد مع مصر والتخلص من السيطرة البريطانية . كما دعي للقومية السودانية . ولقد تأثروا بكمال اتاتورك وافكار تركيا الفتاة . وبعدها مصر الفتاة , واطلق ابراهيم بدري اسم كمال اتاتورك علي ابنه كمال ابراهيم بدري .
الجميع كانوا من سكان امدرمان . ولكن خليل فرح سكن في الخرطوم وعمل في الخرطوم وفي صيانة التلفونات في البريد والبرق. وارتبط بامدرمان بواسطة اهله آل كاشف منهم الشاعر والاديب والذي كان من المجموعة حسن عثمان بدري صاحب مكتبة الثقافة في وسط سوق امدرمان . ومؤلف اغنية الحقيبة مرضان باكي فاقد . وهنالك حي بين الدومة والركابية يعرف بزريبة الكاشف .
رفض الاتحاد التقسيم القبلي . وكانوا يقولون انهم سودانيون فقط . فالشنقيطي من شنقيط عاصمة موريتانيا . ومحمد علي شوقي من ما عرفوا بالمواليد وكان هذا ما يسحل في شهادة الميلاد وعبد الله خليل مولود في دراو في جنوب مصر . وعلي عبد اللطيف نوباوي دينكاوي وعبد الفضيل الماظ من النوبة المورو .
اتي اعضاء الاتحاد من اسر اصابت بعض الثراء . او حصلوا علي التعليم في كلية غردون .تحصلوا علي مرتبات جيدة ، وكان بين ايديهم المال . وتحمعوا في السراية او قلعة صالح جبريل في البداية . وكانت من افخم المنازل في امدرمان . وتقابلوا في منزل عبيد حاج الامين في حي الهاشماب بالقرب من دار فوز فيما بعد . وصالح عبد القادر سكن في ,, ابروف ,, واحتاجوا لمكان لكي يجتمعوا فية للسهر والطرب والشرب ومناقشة الادب والسياسة . وكان استئجار الدار التي ادارتها فوز . ابراهيم بدري كان يعمل بالتجارة مع يوسف بدري الكبير الذي عرف بخريف الناس . وكان بين يديه الكثير من المال . وتكفل بقدر كبيرمن المصروفات . وكانت تجارتهم مرتبطة باستيراد السكر وبعض البضائع الاوربية . ومركزهم كان كوستي والدويم وامدرمان التي كانت العاصمة الي 1910 قبل الانتقال الي الخرطوم . وابراهيم مولود في 1897 في ود نوباوي . ومنزل ميلاده لا يزال موجودا . وتوفيق سكن في القلعة بالقرب من ود نوباوي . ولد في 17 سبتمبر علي ما اذكر في جزيرة مقاصر في بلاد الدناقلة وهو كنزي . والكنوز والدناقلة لهم لغة مشتركة. ولقد كتبت عنه عدة مواضيع في سنه 1997 بمناسبة عيد ميلاده المئة . تحت عنوان توفيق صالح جبريل ابو الوطنية . واظن انها لفتت نظر البعض حتي افراد اسرته لسيرته العطرة . وتمكنت شقيقتي الهام بدري بعد مشقة ومعاكسات اطلاق اسم حديقة العشاق علي الساحة امام القلعة . وقبل شهور صدر كتاب عنه بعنوان شاعر الدهليز .
الصورة البيضاوية التي تمثل عبيد حاج الامين بالطربوش المصري ، لا تزال تزين صالون منزلنا في امدرمان. فعندما ارادت مجلة الحياة في الخمسينات ان تجد صورة لعبيد لم تتوفر الا عند صديقة ابراهيم بدري . ورثاه توفيق بقصيدة رائعة اذكر منها
مضيت لا تخشي الردي ليس بيني وبينك يا عبيد بعيد
سمعت ان ود الرضي الشاعر الذي كان يبيع القرع في سوق امدرمان وبعض الفنانين كان يتواجدون معهم . وان فكرة من الاسكلة وحلا اتت في احدي القعدات بعد رجوع ابراهيم بدري من الجنوب . ولكن هذا الكلام ليس بمؤكد . وفي نفس السنة التي ولد فيها ابراهيم بدري ولد صديقه خضر رحمة الله الياس عثمان المعروف بالحاوي لانه اول حاوي سوداني . ووالده رحمة الله الياس قتل في كرري . وتولي تربيته اعمامه وعمل بالتجارة في البداية . وكان هو وابراهيم صورة من بعضهما . حتي شلوخ الرباطاب كانت تبدو وكانها نسخة مطابقة . والاثنان تميزا بالشيب المبكر . وكان العم خضر يخفي شيبه تحت العمامة التي تميز بها مع البنطلون . والعم خضر موسيقار . وهو اول من عزف الاوكورديون . وله مقطوعات موسيقية . واظن ان الاغنية بيتكم بي وين يا عينيا …. بيتكم بي وين ؟؟ من الحانه . ابنه الموسيقار عبد اللطيف خضر تعلم الموسيقي من والده . المتعلمون والمتنورون لم يكونوا كثيرين ولهذا ارتبطوا ببعضهم .
اغلب الرافضين كانوا من من مواليد ، قبل سقوط امدرمان او من خريجي كلية غردون منهم التجاني ابو قرون الاداري الذي زامل ابراهيم بدري وتوفيق صالح جبريل في مدرسة الادارة ، والدرديري نقد وزين العابدين صالح وآخرين . ولقد ارتحل ابراهيم بدري الي زريبة الكاشف في الخمسينات ليكون قريبا من اصدقاءة التجاني ابو قرون وتوفيق صالح جبريل .
لقد ورد ذكر فوز في كتاب ملامح من المجتمع السوداني الذي كتبه الاستاذ حسن نجيلة ناظر مدرسة سنجة في بداية سنة 1950 ف. وحسن نجيلة مولود في سنة 1910 . لهذا لم يعش احداث 1924 او جمعية الاتحاد 1919. ولكن الكتاب كتب نقلا عن ابراهيم بدري الذي كان مفتشا في سنجة بين 1949 و1950 . ويقول حسن نجيلة . وقال لي الشيخ بعد ان اشعل غليونه . والشيخ هو ابراهيم بدري الذي كان في الثالثة والخمسين من عمره .ابراهيم بدري كذلك الجيل يكره الظهور .
وبعد نشاطات ادوارد عطية السوري رجل المخابرات البريطانية ووشاية احد اعضاء الاتحاد ، اراد البعض حل الاتحاد . وكان ابراهيم بدري وتوفيق بعيدين عن امدرمان. فارسل لبراهيم بدري قصيدة اذكر منها .
امن اجل فرد خائن تنوون حل الاتحاد
والمرء يقطع زنده خوف التعفن والفساد
وفي ديوان افق وشفق هنالك قصيدة من بيت واحد عبارة عن برقية ارسلها توفيق لحسن نجيلة في ديسمبر 1949

نجيلة ان هلالك صار بدرا ، يضيئ الخافقين فاين بدري ؟
فرد عليه ابراهيم الذي كان مريضا جدا علي ما اذكر ، بسبب مرض الرطوبة جراء السكن الطويل في الجنوب ،ببرقية منها .
يبشرني الطبيب بطول عمر
اذا هو الشقاء وطول عمر
ويذكر ابراهيم بدري في الملامح . ان فوز ارتبطت فيما بعد برجل فاضل تزوجها . واختفت عن الانظار . وسالت والدتي رحمة الله عليها عن فوز . وقالت انها كانت مرتبطة بوالدي ابراهيم بدري قديما . وكانت تسكن الموردة . ووالدي تزوج بوالدتي بعد عقدين من ايام دار فوز واعطته 15 من الذرية . وكان توفيق عندما يجالس والدي في الخمسينات يتطرق لدار فوز و ,, طرماج فوز ,, فلقد كانوا يأخذون الترام مع الفجر للذهاب الي منازلهم . وكان الخليل ياخذ الترام الي الخرطوم بعد تشييد الكوبري . وكان يحدث ان يتأخر من مواعيد عملة . وتعرض للمحاسبة عدة مرات . وهذا مدون في ملفه .ولكن لم يطرد من الخدمة بالرغم من انه كان يلهب شعور الشباب باغانية الوطنية . وكان يتغيب كذالك بسبب مرضه المتواصل . والخليل كان عفيفا وخجولا في معاملته مع المرأة .
هنالك ذكر لترماج فوز في حاشية في ديوان توفيق صالح جبريل افق وشفق . وليس هنالك ترام يذهب الي المسالمة . ومن الممكن ان فكرة دار فوز قد طبقت في اماكن كثيرة فيما بعد . ولكن لم تكن هنالك شلة اخري قديما سوي هذه الشلة . ولكن تبقي فوز هي ساكنة السراية في كاس كومري او الموردة .
هذه المعلومات من الذاكرة قد لا تكون دقيقة مئة في المئة خاصة في اوزان بيوت الشعر .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. العم العزيز:شـــــــــــــــــوقي بــــــــــــدري رمضان كريم وتصوم وتفطر علي خير
    ونرجو من الله في هذة السنة ان يوفقك زيارة بيتة الحرام وان يجعل بلدنا امنة وتنتهي الحروبات التي حصدت الاخضر واليابس ويوفق ولاة امورنا العدل والحكم الرشيد امييـــــــــــــن
    ويمد الله في عمرك

  2. انت والله زول سفسطائي وماعندك موضوع وطاشى شبكة وكتاباتك مملة وغير مستفاد منو شي
    ياخى الناس فى شنو وانت وين

  3. الأمدرماني…

    الرائع شوقي بدري…متعك الله بالصحة و العافية…

    مصطلح “دار فوز”…مستلف من الشعر العربي…حيث يشير إلى منزل الحبيبة…

    و يقال أن الشاعر توفيق صالح جبريل…هو من سمى تلك الدار بذلك الاسم…

    وللدار أسماء أخرى…منها الكشكول…و صالون محي الدين(أبو سيف)…الخ.

    أما المرأة التي عهد إليها الاعتناء بتلك الدار…فاسمها حلوة..وابنتها الشول

    و كانت مسؤولة عن هذه الدار المؤجرة لأعضاء جمعية اللواء الأبيض…

    هناك رواية أن هذه الدار…في حي المسالمة…شمال العدني..قريب من خلوة

    الشيخ…حسن البصري…

    و يقال أن حلوة كانت امرأة فاتنة الجمال…وصفها توفيق صالح جبريل

    وتدير الراس غانية حسنها كالبدر متسق
    حليها نفس مهذبة وشباب ريق لبق
    فاذا ما اسفرت سبحت نحوها الارواح تستبق
    او تفتت بيننا خشعت حولها الاذان والحدق
    ونجوم الليل ذاهلة كجفون هدها الارق

    و يقال أنها شامية…أو ذات جذور مصرية ….

    ما رأيك؟

  4. يا توأم الروح شوقى ابراهيم بدرى شقيق اخى الاكبر كمال ابراهيم بدرى الذى عرفت للتو ان والده اسماه كمالا تيمنا بكمال اتاتورك ح- ايه ياشوقى : انثر من فضلك ولا تتوقف لحظة فالعمر يأخذنا والمرض : واقول صباحك سعيد ورمضان كريم
    هذه الموائد الدسمة .تستوجب على قراء الموسوعة شوقى بدرى ان يعرفوا ان لى فيهااجر اامناولة – فلولا العبد الفقير الى رحمة ربه المدعو على حمد ابراهيم لما وجدوا هذه الدرر فى متناول ايديهم فى الراكوبة -لقد جررت صديقى شوقى الى العودة الى عالم الكتابة بعد طول انقطاع وتلك قصة يحكيها شوقى كثيرا وادعو كل الذين يبهرم شوقى بفتوحاته الثقافية والتاريخية والاجتماعية – ادعوهم ان يدعوا كلهم جميعا لاخيهم المريض بتمام العافية والتعافى – شكرا ياشوقى على هذا البوح المتنوع – وسلام رمضانى للاسرة

  5. ده كلام يا جون كندى

    على يقين بأنك لا تفهم معنى سفسطائى أهو لقطتها وقلت تعمل فيها مثقف.
    معاك لنهاية رمضان يا جون كينيدى وليس كندى بأن توضح لينا عبارة الناس فى شنو…بعدين يا اخى اذا انت مخك تخين وما مستفيد من
    كتابات استاذ شوقى غيرك مستفيد يا أخى….سطحيتك استوحيتها من مفردة طاشى شبكه التى استعملتها
    بعدين انت شخصيا يا سى جون ما هو الاثر الذى سوف تتركه لنا ليكون مناره للاجيال القادمه.

  6. يادار فوز ) شعر العباس بن الأحنف
    17-11-2010, 11:30 PM
    بسم الله الرحمن الرحيم
    عباس بن الأحنف , هو ( العباس أبو الفضل , بن الأحنف بن الأسود بن طلحة بن جدان بن كلدة , من بنى عدى بن حنيفة اليمامى ) هذه أشهر الروايات فى نسبه .
    وتقول أشهر الروايات أيضاً عن مولدة ووفاته : أنه ولد عام 103 هجرى وعاش أقل من ستين عام ( هذا ما ذكره صديقة الصولى ) .
    خالف العباس باقى شعراء عصرة إذ أوقف شعرة على الغزل والنسيب والوصف ولم يكتسب من وراء شعره ولم يتجاوزه إلى المديح والهجاء ,
    أشاد به كثير من الأدباء وعلماء اللغة والأدب العربى فقال عنه الجاحظ:
    (لولا أن العباس بن الأحنف أحذق الناس وأشعرهم وأوسعهم كلاماً وخاطراً , ماقدر أن يكثر شعره فى مذهب واحد لا يتجاوزه , لأنه لا يهجو ولا يمدح ولا يتكسب ولا يصرف , وما نعلم شاعراً لزم فناً واحداً فأحسن فيه وأكثر ).

    لقد كان شعر العباس إمتداداً للشعر العذرى الذى قاله قيس بن الملوح مجنون ليلى , وجميل بن معمر صاحب بثينة , وكثير صاحب عزة , وقيس بن زريح صاحب لبنى .

    ولكن اللافت لنا فى شعر العباس أنه لم يصرح باسم محبوبته وكان قد إختار لها إسماً من عنده حتى لا يعلم الناس شىء عن صفة هذه المحبوبة , هل هى جارية أم أميرة , هل هى قريبة أو بعيدة فقال بنفسة : كتمت اسمها كتمان من صان عرضه ……وحازر أن يفشو قبيح التسمع ……. فسميتها فوزاً , ولو بحت باسمها …….. لسميت باسم هائل الذكر أشنع .
    أى أنه أطلق عليها فى شعره اسم ( فوز) حتى لا يعلم الناس باسمها أو حقيقة أمرها .
    ولكن إستطاعت الشاعرة العراقية ( عاتقة الخزرجى ) فى رسالتها لنيل الدكتوراه أن تميط اللثام عن ( فوز ) وأن تثبت بالبراهين والأدلة والنصوص الشعرية أنها (علية بنت المهدى أخت الخليفة هارون الرشيد ) وهذه الحقيقة حالت بين العباس والتصريح باسمها فى شعره والأكتفاء بالإشاره إليها والرموز للإيهام دون تصريح , والإيحاء دون البوح .
    روى ( المسعود ) فى كتابه ( مروج الذهب ) عن وفاة العباس عن جماعة من أهل البصرة , قال :
    خرجنا نريد الحج , فلما كنا ببعض الطريق , إذا غلام واقف على المحجة وهو ينادى : أيها الناس , هل فيكم أحد من أهل البصرة ؟ قال : فعدلنا إليه , وقلنا له ما تريد ؟ قال : إن مولاى لما به يريد أن يوصيكم , فملنا معه فإذا بشخص ملقى على بعد تحت شجرة لا يحير جوابا , فجلسنا حوله فأحس بنا , فرفع رأسه وهو لا يكاد يرفعه ضعفاً وأنشأ يقول : ياغريب الدار عن وطنه …….. مفرداً يبكى على شجنه ……… كلما جد البكاء به ……… دبت الأسقام فى بدنه .
    ثم أغمى عليه طويلاً , فبينما نحن جلوس حوله , إذ أقبل طائر فوقع على الشجرة وجعل يغرد , ففتح عينيه , وجعل يسمع تغريد الطائر ثم أنشأ يقول : ولقد زاد الفؤاد شجا……. طائر يبكى على فننه …….. شفه ما شفنى فبكى ……… كلنا يبكى على سكنه !
    ثم تنفس نفساً فاضت نفسه منه , فلم نبرح من عنده حتى غسلناه وكفناه وتولينا الصلاة عليه , فلما فرغنا من دفنه سألنا الغلام عنه فقال : هذا العباس بن الأحنف .
    نحن إذاً أمام شاعر عاشق , عاشق فحسب , شهد له البحترى أنه أغزل الشعراء .
    ولنرى بعض من قصيدة رائعة أنشدها فى محبوته ( فوز ) .
    يادار فوز ٍ لقد أورثتنى دنفا
    وزادنى بعد دارى عنكم شغفا
    حتى متى أنا مكروب بذكركم
    أمسى وأصبح صباً هائماً دنفا
    لا أستريح ولا أنساكم أبداً
    ولا أرى كرب هذا الحب منكشفا
    ما ذقت بعدكم عيشاً سررت به
    ولا رأيت لكم عدلاً ولا نصفا
    إنى لأعجب من قلب يحبكم
    وما رأى منكم براً ولا لطفا
    لولا شقاوت جدى ما عرفتكم
    إن الشقى الذى يشقى بمن عرفا
    لازلت بعدكم أهذى بذكركم
    كأن ذكركم بالقلب قد رصفا
    ياليت شعرى, وما فى ليت من فرج ٍ
    هل ما مضى عائد منكم وما سلفا
    إصرف فؤادك ياعباس منصرفا ً
    عنها, يكن عنك كرب الحب منصرفا
    لو كان ينساهم قلبى نسيتهم
    لكن قلبى لهم والله قد ألفا
    أشكو إليك الذى بى يامعذبتى
    وما أقاسى وما أسطيع أن أصفا
    ياهم نفسى ويا سمعى ويا بصرى
    حتى متى حبكم بالقلب قد كلفا
    ما كنت أعلم ما هم وما جزع
    حتى شربت بكأس الحب مغترفا
    ثارت حرارتها فى الصدر فاشتعلت
    كأنما هى نار أطعمت سعفا
    طاف الهوى بعباد الله كلهم
    حتى إذا مر بى من بينهم وقفا
    إذا جحدت الهوى يوماً لأدفنه
    فى الصدر, نم على الدمع معترفا
    لم ألق ذا صفة للحب ينعته
    إلا وجدت الذى بى فوق ما وصفا
    يضحى فؤادى بهذا الحب ملتحما ً
    وقفا ً, ويمسى على الحب ملتحفا
    ما ظنكم بفتى ً طالت بليته
    مروع فى الهوى لا يأمن التلفا
    يافوز كيف بكم والدار قد شحطت
    بى عنكم , وخروج النفس قد أزفا
    قد قلت لما رأيت الموت يقصدنى
    وكاد يهتف بى داعيه أو هتفا:
    أموت شوقا ً ولا ألقاكم أبدا ؟
    ياحسرتا ثم ياشوقا ويا أسفا
    معانى الكلمات .
    الدنف = من دنف المريض ,أى ثقل مرضه ودنا من الموت
    العدل والنصفا = أى لم يجد عد ولا إنصاف
    أهذى = أتكلم بكلام غير معقول
    السعف = جريد النخل
    شحطت = بعدت
    أزفا = إقتربا

  7. أستاذنا الرائع شوقى بدرى رمضان كريم وكل سنة وإنت طيب ..متعك الله بالصحة والعافية مثلما تمتعنا بكتاباتك الثرة وحكاويك الرائعة والتى نتمنى أن نسمعها منك مباشرة فى سوداننا الحبيب بعد أن تنكشف الغمه وتزول الطغمة ونتمنى لك ولنا جميعا أن نصوم العام القادم رمضان بدون كيزان …

  8. كانت مرحلة من مراحل تطور المجتمع السوداني.
    بدأ ينعتق السودانيين وقته من حياة البداوة و التطلع إلي حياة جديدة.كان الجماعة يجتمعون في هذه الدار و يتطارحون الشعر و كان لديهم سيدة تخدمهم. إسمها فوز و هو إسم مستعار من الأدب العربي و لم يكن السودانيين يسمون بناتهم بهذا الإسم وقته.
    ثم تطورت هذه الجلسات الخاصة إلي الأندية العامة كما نشأ لاحقاً. و إستمر التطور الإجتماعي و الثقافي في حياة السودانيين إلي ما نعيشه اليوم.
    أسمع الناس من زمان يتجادلون عن دار فوز و من هي فوز هذه.
    الموضوع ليس في حاجة إلي كل هذا الحديث و التساؤل. ما يهم هو دراسة و معرفة أثر هذه التجمعات علي الحياة الإجتماعية و الثقافية في السودان. و كان الطيب محمد الطيب كتب كتاباً عن (الأنداية).
    و يمكن أن يبحث أي من طلاب الإجتماع و يعد رسالة جامعية عن هذه المسألة, ليفيد الناس بمعلومة بدل هذه الونسة بتاعت أولاد أم درمان.

  9. انت رائع يا استاذ شوقي لابد من التوثيق وهذا هو التوثيق مافي كلام متعك الله بالصحة والعافية

  10. الاستاذ شوقى الموقر
    تحية طيبة

    ارجو ان اساهم بتصحيح بعض المعلومات الواردة فى مقالكم الشيق :

    لااعتقد ان السيد على الميرغنى كان ضمن الموقعين على مذكرة اعيان السودان المعارضة

    لثوار 1924 , ويمكن الرجوع الى المذكرة والتى وردت فى كتاب :تيم نبلوك- صراع السلطة

    والثورة فى السودان -ترجمة الفاتح التيجانى ومحمد على جادين.

    لم يكن المطبعجى ضمن الصورة التاريخية لاعضاء جمعية اللواء الابيض حيث ضمت الصوره

    الاتية اسماءهم :

    على عبد اللطيف
    عبيد حاج الامين
    صالح عبد القادر
    حسن محمد شريف ( والذى امتد عمره حتى الستينات وهو من المواليد ولازال ابناءه فى

    الخرطوم بحرى )

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..