استمع لمناوي وليس الحزب البعث!

تلقت الساحة السودانية تصريحين في الأيام الماضية، كلاهما علي طرفي نقيض، وذلك على تداعيات الثورة السودانية بدارفور التي تكبر يوما بعد الآخر ضد نظام المؤتمر الوطني.. فهناك تصريح طائفي جهوي عنصري بامتياز، وهو تصريح المكتب السياسي لحزب البعث والذى هلك فى رأينا مع هلاك صدام حسين ونظامه في العراق، والتصريح الثاني الذي يمثل وجهة نظر رجل وطن وثورة هو تصريح السيد مني اركو مناوي رئيس حركة/جيش تحرير السودان، فلمن يجب أن يستمع السودانيون؟
بالطبع فإن التصريح الذي يجب أن يحظي بالاستماع، والاهتمام، هو تصريح مناوي الذي يهدف إلي تصحيح المسار السياسي، ووضع حد لانزلاق السودان ككل إلي أتون العنصرية والجهوية، والفشل السياسي وسط صراعات عطلت كل امكانيات البلاد جملة واحدة وألحقت الأذي بجميع مكوناتها. تصريح مناوي هو تصريح من يبحث عن مخرج للأزمة، ويقدم حلولا، أما تصريح حزب البعث فهو تصريح طائفي عنصري مقيت لا يقدم إلا الدمار والتمزيق للسودان. تصريح البعث وصفة خراب، أما تصريح مناوي فهو وصفة دواء، والفارق كبير.
وعليه، فإن أهل دارفور تحديدا، وعلي المستويات كافة، عليهم أن يتعلموا من أخطاء السنوات 26 الماضية بكل ما فيها، فالظلم لا يرفع بالقبلية، والطائفية، والعنف، والجهوية، ولو كان الخصم يمارس كل ذلك، ويتعنت به. صحيح أنها نصيحة قاسية، لكن لا بد أن يستمع له أهل دارفور اليوم، وخصوصا أنهم لا يقفون وحيدين أمام تصرفات الحكومة السودانية الحالية، بل إن هناك مجاميع عريضة في السودان تقف معهم، سواء من كردفان، أو النيل الأزرق، أو القوي المدنية السياسية، والتي يمثل تصريح مناوي مظلة لها، أما تصريح حزب البعث، وحديثه عن تقرير المصير لدارفور هو حل إنهزامي وزائف، فإنه سيعيد السودان كله إلي المهزلة، حيث يتحزب كل طرف لجماعته، أو طائفته، أو منطقته، وهذا خطأ قاتل.
المفروض علي جميع السودانيين، وتحديدا أهل دارفور الآن، الإستجابة لكل يد ممدودة للمساعدة علي خروج السودان من مأزقه، وتفويت الفرصة علي كل أعداء السودان، سواء الطائفيون والعنصريون والقبليون مثل حزب البعث، أو حزب المؤتمر الوطني وأتباعه، وذلك من أجل تصحيح مسار العملية السياسية، وتنقيتها من الطائفية والعنصرية والجهوية المقيتة، وإفشال مشروع الديكتاتورية في السودان اليوم. فطالما أن معظم القوي السياسية، رغم كل المأخذ عليها، في موضوع التطهير العرقي في دارفور، وقفت مع الثورة السودانية بدارفور، ومد اليد لهم لإفشال مشروع العنصرية والجهوية الجديدة، فالواجب، سياسيا، هو الرد علي التحية بأفضل منها، وهذا يعني مزيد من الوعي السياسي، فالدرس الذي لم يتعلم سوداننا كله، وليس دارفور وحده, للأسف، أنه في معركة التفتيت لم ينجح أحد. فلن ينجح أهل دارفور عن الانفصال، كما لم ينجح السودان من انفصال دارفور، وإنما سينجح الجميع عندما يتم بناء السودان واحد موحد لكل السودانيين، وبعدها فإن ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وإن أغضبت هذه العبارة الشتّيمة، بكل مستوياتهم، حيث إن الشتامين باتوا علي كل المستويات الآن في سوداننا.
وأفضل وسيلة لقطع الطريق علي الشتامين، وغيرهم، هي التصرف بوعي سياسي عقلاني بعيدا عن العنصرية، والعنصريين، وبعيدا عن الجهوية، والجهويين، وبعيدا عن القبلية، والقبليين، وهذا لا يتحقق إلا إذا تذكرنا أن تصريح حزب البعث هو وصفة خراب، بينما تصريح مناوي هو وصفة دواء!!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شتائمك للشهيد صدام حسين دليل على افلاسك الفكري بدلا من مناقشة الأفكار مقالاتكم شتائم وانهزامية .

  2. بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    حزب البعث العربي الاشتراكي – قطر السودان
    نظام الحكم السياسي والاداري في السودان

    كشفت تجربة الحكم في السودان ان الازمة الوطنية الشاملة التي تعيشها بلادنا الان لم تكن سوي ازمة النظام السياسي والاداري نفسه منذ فجر الاستقلال، وعدم قدرته علي الاستقرار وبناء جهاز الدولة ومؤسساتها المختلفة، وخلق اطر رضائية وديمقراطية جامعة للمشاركة وتحمل اعباء النهضة والتطور، ونظام عدالة اجتماعية يزيل الفوارق الطبقية، ويدير عمليات التنوع والتعدد في البلاد بعدالة وكفاءة. فلقد ظل النظام السياسي الذي خضع لدورات من التبادل الرتيب بين النظم الدكتاتورية والنظم الديمقراطية الليبرالية، حاملا للتناقضات ومفتقرا للاصلاح والتجديد الجدي المستهدف النهوض بالمجتمع وتكريس التداول السلمي الديمقراطي، ومتسما بالفشل الذريع في التخطيط التنموي وازالة الغبن الاجتماعي، بالرغم من الامكانات المادية والبشرية الهائلة التي يذخر بها المجتمع.
    ويعتبر موضوع الحكم والادارة من القضايا الرئيسية التي شغلت بال القوي السياسية حول امكانية الوصول الي نظام حكم فعال لادارة الدولة الحديثة ومتطلباتها، وبما يؤهلها الي حمل اعباء النهضة والتغيير، وذلك عبر زوايا النظر المختلفة للسودان وما يتميز به من تكوينات اجتماعية ومن تنوع ثقافي وتعدد لغوي وديني، وطبيعة التطور الاجتماعي والسياسي ونوعية مشكلاته وتباين ظروفه الجغرافية والتنموية. فلقد كانت القوي السياسية والاجتماعية التي تولت مقاليد الامور عشية الاستقلال مجابهة بجملة من التحديات الاساسية اهمها ما يلي:
    1. ارساء دعائم الوحدة الوطنية وحل قضية الجنوب سلميا.
    2. وضع دستور دائم للبلاد يحدد شكل الحكم ويستوعب واقع الوحدة والتنوع.
    3. المحافظة علي النظام الديمقراطي وتوطينه وتوسيع قاعدته واطلاق طاقات الجماهير وتحريرها لتساهم ايجابيا في تحديد مستقبل البلاد.
    4. احداث ثورة ثقافية للقضاء علي الامية وتحرير الجماهير من قيود التخلف واثاره وتعميق الشعور بالمواطنة وارتفاعها فوق الروابط العشائرية والقبلية والجهوية والطائفية.
    5. تحقيق الاستقلال الاقتصادي استكمالا للاستقلال السياسي.
    6. تحديد نهج وطريقة التطور الاقتصادي والاجتماعي وكيفية ارساء قواعد العدالة الاقتصادية والاجتماعية بتحقيق التنمية المستقلة والشاملة والمستدامة والمتوازنة والقضاء علي صور واشكال التطور غير المتكافئ بين اقاليم البلاد التي خلفها الاستعمار.
    7. التفاعل مع حركتي التحرر القومي والوطني العربي الافريقي كتعبير عن وحدة الامن الوطني والقومي وضمانا لامن السودان…الخ.
    الا ان سنوات ما بعد الاستقلال اثبتت عجز النهج الذي اتبعته هذه القوي في التصدي لهذه المهام وانجازها، الامر الذي ادي الي تكرار انهيار التجارب الديمقراطية وفتح الطريق امام الانقلابات العسكرية لا سيما في عهد الانقاذ، التي لم تعجز عن انجاز تلك المهام فحسب، بل لعبت دورا تخريبيا في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وفي التفريط في السيادة والوحدة الوطنية. فلقد شهد الوطن علي عهدها نوعا من التداعي والتمزق غير المسبوق، والشاهد علي ذلك انفصال الجنوب والحروب المتواصلة في ارجاء القطر وتفشي العصبية القبلية والجهوية والطائفية واتساع دائرة الفقر والتفاقم المتصاعد في الضائقة المعيشية والازمة الاقتصادية نتيجة سوء الحكم والادارة وافرازات تطبيقات نيفاشا لاحقا.

    لذلك فأننا وفي الوقت الذي ندرك فيه بان التركيبة الطبقية للسلطة ونهجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هو محور ولب الصراع السياسي في بلادنا، فاننا في الوقت ذاته ندرك ان معالجة هذا الامر لا تتم عبر العنف او التصالح السياسي الفوقي والحلول الجزئية والتوفيقية ولا بالوصاية الخارجية، وانما يتم بحسمه من خلال الصراع السياسي والاجتماعي السلمي وعبر الانتخابات والمؤتمرات العامة للوصول لصيغة الحكم الملائمة التي تستوعب ظروف البلاد ومعادلة الوحدة والتنوع والنظام الدستوري القادر علي المحافظة علي هذه المعادلة.
    وفيما يلي موجز للمستويات الرئيسية التي تشكل نظام الحكم والادارة المقترح لبناء الدولة السودانية الحديثة:
    اولا. دستور ديمقراطي يحتوي علي المبادئ التالية:
    1) المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز علي اساس الدين او الاقليم او القبيلة.
    2) النص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة مع احترام الديانات الاخري وحرية العقيدة، وان تتعهد الدولة برعاية المؤسسات الدينية ومساعدتها في اداء رسالاتها دون تفرقة بين دين و اخر.
    3) التاكيد بان السودان قطر عربي افريقي اسلامي وان اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة وان الحقوق الثقافية لاي مجموعة لديها لهجتها او لغتها الخاصة يجب ان تلقي الرعاية والاهتمام من قبل الدولة واجهزتها لتوفير الاجواء الصحية والملائمة لتطويرها ولخلق الحوار والتفاعل والتكامل الحضاري والثقافي بين ابناء الوطن.
    4) التاكيد بان الديمقراطية القائمة علي التعددية الحزبية وعلي التداول السلمي للسلطة هي الخيار الاوحد لشعب السودان.
    5) ضمان كافة الحريات الاساسية والعامة بما في ذلك حرية تكوين الاحزاب والراي والمعتقد والصحافة والبحث العلمي وبناء التنظيمات الديمقراطية النقابية والاجتماعية والغاء كافة القوانين المقيدة للحريات.
    6) قيام مؤسسات دستورية تقوم علي اساس الانتخاب الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
    7) تامين استقلال واستقرار القضاء وصيانة كرامة الجهاز القضائي وسيادة حكم القانون.
    8) توسيع قاعدة المشاركة الديمقراطية باعتماد صيغة التمثيل النسبي المطلق لانها اكثر ديمقراطية وقدرة علي تمثيل كافة وجهات النظر الفاعلة والاكثر تعبيرا عن الاعتراف بالتعددية الحزبية وتوفر الرقابة المطلوبة من موقع المشاركة.
    9) تاكيد التزام الدولة بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية من حيث الفرص المتساوية والعادلة في سبل كسب العيش والتعليم الالزامي والمجاني والعلاج المجاني والرعاية والضمان الاجتماعي.
    10) تكوين الية قومية مستقلة ذات صفة تحكيمية لفض النزاعات وتسوية الخلافات وتحقيق المصالحات والتراضي بين ابناء الوطن.
    11) الالتزام بميثاق حقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة وملاحقه الصادرة عنها وعن منظماتها المختلفة فيما لا يتعارض مع القيم الروحية لشعبنا.

    ثانيا. المفاضلة بين النظم السياسية (الرئاسية او النيبايبة) :
    ينطلق نظام الحكم من واقع وبيئة وتطور المجتمعات السياسي، بما يلائم حاجاتها وتراثها ويراعي تقاليدها وعاداتها.
    فاذا كانت النظم السائدة في دول الغرب عموما قد حققت حالة من الاستقرار، الا ان دول العالم النامي ومن بينها السودان لا تزال معركة الاتفاق علي نظام سياسي محتدمة، وذلك بفعل عجز الانظمة التعددية والانقلابات المتكررة التي تعيق تطوره واستقراره الطبيعي. ومن واقع التجربة فان السودان قد جرب نوعين من النظم السياسية في اطار الجمهورية (الرئاسية والبرلمانية) ولكل عيوبه واخفاقاته واثاره الخطيرة علي الواقع ومؤسسات الدولة وادارتها. ويرجع ذلك الي هشاشة هذه النظم وعدم استكمال مؤسساتها وترسيخها، والي هيمنة حزب السلطة الحاكم واقصاء الاخرين وتعطيل العمل بالدستور…الخ. ولكن وعلي الرغم من عيوب التجربة اجمالا والتشوهات التي رافقتها، الا ان المفاضلة في الاخذ باحد النظامين ترجح الانحياز للنظام الجمهوري البرلماني واستبعاد النظام الرئاسي وذلك للاسباب الاتية :
    1) رغبة الاغلبية الحزبية والجماهيرية في النظام النيابي لاتساقه مع حركة التطور الوطني الذي قادته الجمعيات والاحزاب وشكلت نواته الاولي.
    2) ولانه يضمن الفصل بين السلطات الثلاث وتكاملها.
    3) ولان مؤسسة السيادة في النظام البرلماني من الممكن ان تتكون بطريقة تحوز فيها علي الاجماع القومي او الاغلبية المطلقة لاصوات الناخبين بما يجسد قومية هذه المؤسسة ويجعلها رمزا للوحدة الوطنية وبالتالي القدرة علي استيعاب حالات التنوع الثقافي والديني.
    4) ولانها توفر الرقابة المتعددة والتقويم المستمر بما يساعد علي تطوير الاداء واستقرار المؤسسات.

    ومن جهة اخري فاننا نستبعد صيغة الجمهورية الرئاسية للاسباب الاتية :
    1- لانها تفتح الطريق للدكتاتورية وحكم الفرد من خلال الهيمنة علي كافة المفاصل الحيوية في الدولة وفرض رؤية احادية في التصورات والمنطلقات الفكرية.
    2- ولانها تقوم علي اساس المركزية ومركزة السلطات في يد رئيس الجمهورية بما يحد من المشاركة الديمقراطية ويحول دون تطبيق صيغة ديمقراطية ولا مركزية الحكم المحلي الامر الذي يعيد العصبية القبلية والجهوية الي الواجهة.
    3- ولان التجربة قد دلت علي عدم صلاحيتها من خلال الممارسات التي خلفتها وعدم قدرتها علي حيازة التوافق الوطني.
    4- ان الرئاسية في ظل وضع الدولة المستقر في المؤسسات والثوابت الوطنية والتداول السلمي للسلطة والتطور الطبيعي، تكون مفيدة ويكون المطلوب منها البحث عن زوايا الخلل ومعالجة الاخفاقات والنهوض بالبلاد، كما هو حاصل في البلدان المتقدمة، ولكن في بلادنا فاننا لا نزال نبحث عن بناء امتنا ومجتمعنا و عن الوحدة الوطنية المفقودة، لذلك فان الرئاسية في ظل هذه الاوضاع تسعي الي الاستفادة منها لتكريس حزب السلطة والتغلغل في المؤسسات الحيوية،حتي وان كان هذا الحزب حديث النشأة، لانه يعتمد علي مؤسسات الدولة المالية والاعلامية والامنية في النمو والانتشار، وليس علي توسيع قاعدته الجماهيرية بالبرنامج والحوار والحرص علي المؤسسات الديمقراطية.
    5- ان الرئاسية تحول دون استقرار الحكم اللامركزي واخذ دوره الطبيعي. بل وفي معركتها مع استحقاقات اللامركزية نجدها تفتح المجال لنمو المحسوبية والجهوية و القبلية، لان الرئاسية بالتجربة نجدها في الوقت الذي تمركز السلطة والمال بيدها، تسعي وبشكل محموم الي تقييد حركة ونشاط المجالس والمحليات بالتشريعات والقوانين المرتبطة برؤي النظام الحاكم وفلسفته، مما يقود الي مصادرة صلاحيتها من خلال التدخل والحل والالغاء، ومن خلال خلق واجهات للنظام (اللجان الشعبية، لجان الحزب…الخ) تشكل حالة ندية ولها نفس الصلاحيات، الامر الذي يجعلها مجرد هياكل لا مضمون لها. ولان هذه الاساليب تقود الي احتكارية العمل السياسي للحزب الواحد فانه يخلق بالضرورة البيئة الخصبة للمحسوبية والجهوية والقبلية.
    6- لا تصلح اساسا لادارة السودان، لكونها لا تستوعب معادلة الوحدة والتنوع اذ ان القناعة الراسخة هي ان تحقيق الوحدة في ظل واقع مملوء بالتنوع والتعدد يقتضي اتاحة المجال الواسع للتعبير عن هذه المكونات واستيعابها في سياق الضروب المختلفة للمجتمع وبما يحولها لعامل ثراء وخصب للمجتمع لا خصما عليه. ولما كانت الرئاسية تضيق الخناق علي هذه التنوعات من خلال المصادرة والكبت ومركزة السلطة تحت دعاوي الحفاظ علي الوحدة والسيادة وامن البلاد، الا انها عمليا تجرد شعار الوحدة من مضامينه وتكويناته المنضوية تحتها. وقد دلت التجربة ان مؤسسة الرئاسة ظلت تنظر الي هذه التكوينات علي انها خصما علي الوحدة بل عدوا لها، الامر الذي دفعها الي الانعزال خاصة اذا نظرنا لمجتمع السودان الذي لا يزال يعاني من بناء نفسه في اطار المشتركات والمبادئ الجامعة.

    ثالثا. موجز التجربة اللا مركزية في السودان :
    شهد السودان تطورا هائلا في مجال تطبيق اللامركزية بشقيها السياسي والاداري وارتبطت هذه التطبيقات بالتقلبات السياسية وطبيعة النظم الحاكمة. فهي وفي الوقت الذي ابقت فيه علي معظم الهياكل الادارية الموروثة من العهد الاستعماري سيما في الجانب البيروقراطي ومركزة السلطة والاستفادة من الادارة الاهلية بتغيير اهدافها ونوعية المهام التي اوكلت لها…الخ نجدها في الجانب الاخر قد ابتدعت من الصيغ والنماذج المتعددة والتي كان المراد منها بحسب مزاعم مشرعوها انها تلبية لاستيعاب واقع السودان المترامي الاطراف وحل مشكلاته المعقده والموروثه والمستحدثه واشراك المواطنين في صنع القرار وادارة وتاطير التنوع الثقافي وتحقيق الانسجام والتعايش السلمي والوحدة الوطنية ومعالجة اختلالات التفاوت الاقتصادي والتنمية غير المتوازنة وتقصير الظل الاداري…الخ، الا ان حصيلة هذه التجارب لم تكن خيرا محضا خاصة منذ فترة الحكم الاقليمي علي عهد النظام المايوي ونظام الانقاذ التي قفزت باللامركزية الي تبني وتطبيق الفدرالية بشكل مشوه. والحقيقة الماثلة هي ان سياسة القفز علي الواقع وحرق المراحل التي تمت في ظل احادية السلطة والقرارات المتسرعة والمتعجلة المرتبطة بمصالح النظام واركانه، قد اربكت التطور الطبيعي لللامركزية الامر الذي جعلها تتراجع باستمرار جراء سياسات النظام واتفاقاته التي صدعت اسس ومنطلقات الحكم اللامركزي بحيث كانت النتيجة النهائية ان وضعت (نيفاشا) انفصال الجنوب كحتمية ومقدمة لتفتيت السودان.

    وباستعراض موجز لهذه التطبيقات سوف نكتشف الاساليب والطرق والاختلافات والبنية الهيكلية التي قادت الي فشل كل واحدة منها وعدم استقرارها علي حال معين.
    أ- الادارة الاهلية (1921-1937) :
    هي نظام ابتدعته الادارة البريطانية للوصول الي المواطنين بطريق غير مباشر نتيجة لفشل سياستها المباشرة، وذلك باستخدام زعمائهم في الميدان الاداري المباشر بدلا من المدراء والمامير الانجليز وهي تمثل الشكل المتقدم للقبيلة والاطار التنظيمي لها والمتمثل في اعطاء السلطات لزعماء القبائل والعشائر من خلال المشايخ والعمد والنظار والمكوك والسلاطين وذلك للسيطرة تدريجيا علي السودان. وتبعا لذلك تكونت في المدن والمراكز الحضرية الكبيرة، مجالس استشارية يعين اعضاؤها بواسطة مدير المديرية، وذلك لدعم النظام الاداري، حيث جمعت القبائل في (نظارات) اوكلت اليها مهام ادارية ومالية وقضائية محدودة. وفيما بعد اتخذت طابعا سياسيا لمواجهة تحديات الثورة الوطنية الجديدة التي يقودها القطاع الحديث في المجتمع. وقد اصبحت بذلك جزءا من الهيكل الاداري والسياسي للدولة ولها سند قانوني واضح. الا ان هذه السياسة قد اصطدمت بالواقع السوداني ورافقتها الكثير من الاخطاء والعيوب والتي من بينها :
    1- انها قد رسمت نظريا وذلك لوجود عدة مديريات في الشمال والوسط لا توجد فيها مثل تلك التشكيلات القبلية لتنفيذ المطلوب.
    2- ان نظام القبيلة لا يصلح ان يكون وحدة لنظام الحكم المحلي لانه لا يعطي الكفاءات والمؤهلات الفردية فرصة الظهور لخدمة المجموعة.
    3- ولان سياسة تولية الحكم والادارة لزعماء العشائر قد خلقت منهم طبقة خاصة لها مصالحها واوضاعها التي تفصلها عن العامة.
    4- ولان المبالغة والحرص علي النظم الفرعية يناقض اهداف اللامركزية التي تتطلب نظما حديثة في البناء الهيكلي وفي الممارسة.
    بشكل عام فقد فشل الرهان علي النظام القبلي رغم اعطاءه صلاحيات مقننة، وعدم قدرته علي التحول ذاتيا الي الاشكال الاخري المتقدمة من نظم الحكم المحلي القادرة علي تحقيق التنمية.

    ب- الحكومة المحلية (1937-1951) :
    لقد ادركت الادارة البريطانية اهمية الشروع في بناء امة حديثة عن طريق التعاون مع المثقفين بدلا عن الادارة الاهلية لكونها نظام لا يتناسب والتطور المرجو للسودان. وكان من الواضح ان هذه السياسة الجديدة قد ادركت تصاعد الحركة الوطنية وتصديها لنظام الادارة الاهلية. وبموجب ذلك تم استبدال الادارة الاهلية بنظام للحكم المحلي وذلك باجازة ثلاثة قوانين لمجالس المدن والبلديات والارياف، وتلي ذلك انشاء مجالس المديريات في 1943 وقيام المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1944، والجمعية التشريعية 1948. الا ان هذه القوانين لم تستطع خلق حكومة محلية بالمعني المعروف وذات جدوي واثر فعال (رغم ان هذه الخطوات كانت مهمة في الاتجاه نحو اللامركزية) وذلك لكونها لم تختلف عن الادارة الاهلية في التقسيم الاداري الا في كونها قد انشئت علي اسس اقليمية لا قبلية، كما انها لم تقم علي اساس الانتخاب. هذا الي جانب ان الادارة الاهلية قد اخترقت هذا النظام لانها كانت لا تزال طليقة وتتمتع بالقوة والسلطان، كما ان جميع المجالس التي انشئت تم انشاؤها علي اسس قبلية.

    ج- الحكم المحلي (1951-1969) :
    لقد خطت البلاد خطوات نحو اللامركزية بعد اجازة التقرير الذي اعده الخبير البريطاني (مارشال) والذي يقوم علي ضمان استقلالية الادارات المحلية عن المركز ورفض صيغة النظام الهرمي وذلك لضمان الاستقرار، وان تقوم المجالس علي معايير جغرافية تعتمد علي التدرج في انشاءها من الريف الي المديريات. وبموجب ذلك تم تقسيم السودان الي 84 منطقة محلية، اسندت الي مجالس تمثيلية ذات سلطات متعددة الاغراض وذات شخصية اعتبارية وصلاحية تقديم الخدمات. كما تم اجازة المجالس الفرعية والاخذ بنظام اللجان ذات الصفة الاستشارية. وقد خول وزير الحكومة المحلية لهذه المجالس سلطة الاشراف والرقابة ووضع اللوائح. ويذكر ان السودان في هذه الفترة كان مقسما الي 9 مديريات علي راس كل مديرية مدير يعينه الحاكم العام ومسؤولا عن القضاء والتشريع والامن والادارة ومهمات الحكومة في المديرية. الا ان قانون (1951) لم يتعرض لنظام المديرية لانها كانت تدار بواسطة المديرين البريطانيين. ولذلك ظل نظام المديرية والمركز كما هو علي الرغم من انشاء نظام للحكم علي مستوي القطر، الامر الذي اوجد جهازان يقومان بعمل متماثل علي مستوي المديريات والمراكز تحت اشراف مديري المديريات.
    وبعد الاستقلال عكفت الحكومة المحلية علي دراسة النظام الاداري للمديريات الذي استمر كما هو بعد الجلاء. وكان الغرض هو مواكبة التعديلات الدستورية والديمقراطية التي شملت البلاد، ومعالجة التناقضات بين نظام ديمقراطي في المناطق ونظام ديمقراطي في الوسط يضع كل السلطات في يد مدير المديرية، الي جانب فض النزاع المحتدم بين مدراء المديريات والموظفين الذين انقسم ولاءهم بين المديرية التي يعملون بها والوزارة التي ينتمون اليها.

    د? قانون ادارة المديريات (1960) :
    في اعقاب انقلاب عبود 1958 الذي حل الاحزاب والمؤسسات السياسية وحظر نشاطه، اعلن عن تكوين لجنة برئاسة ابو رنات (رئيس القضاء انذاك) لوضع السبل لضمان المشاركة الشعبية في شؤون الحكم المحلي وتنسيق العلاقة بين الحكومة والمحليات. وقد تقدمت هذه اللجنة بتقريرها الذي كان من نتائجه صدور قانون ادارة المديريات لسنة 1960. وقد خلصت اللجنة الي ضرورة اعادة النظر في وجود مفتشي المراكز بجانب المجالس المحلية، لان ذلك يمثل ازدواجية في العمل وتكرارا يؤدي الي اهدار المال والجهد. وقد اوصت اللجنة بالغاء منصبي مدير المديرية و مفتشي المراكز والاستعاضة عن ذلك بنظام موحد، وذلك بخلق وحدات علي مستوي المديرية تتكون من : الحاكم العسكري ? المجلس التنفيذي ? مجلس المديرية، الي جانب انشاء المجلس المركزي، ليصبح النظام الاداري هرما يمثل قمته المجلس المركزي وقاعدته المجالس المحلية.الا ان هذا النظام باء بالفشل لعدم قدرته علي خلق قاعدة من التاييد الشعبي عندما قاطع المواطنون انتخابات المجالس المحلية (القاعدة) والمجلس المركزي (القمة) والتي كانت انتخاباته تجري بطريقة غير مباشرة، اي بواسطة انتخابات المجالس المحلية. وفي اعقاب ثورة اكتوبر 1964 تم الغاء منصب الحاكم العسكري في المديريات ومنصب رئيس المجلس التنفيذي للمديرية، واعيد منصب مدير المديرية (المحافظ) الذي اصبح بحكم منصبه رئيسا للمجلس التنفيذي. اما مجالس المديريات وادارتها والمجالس المحلية فلم تتعرض للتغيير.

    ه- الحكم الشعبي المحلي 1971 (ونظام الحكم الاقليمي 1980) :
    بعد انقلاب مايو 1969 وحل الاحزاب السياسية، اعلن قادة الانقلاب عن اهداف حركتهم في (تحرير ارادة الشعب من اشكال الاستغلال الاقتصادي والقبلي والطائفي والاداري والفكري) وقد تحددت ممارسات (الديمقراطية الجديدة) عن طريق جهازين هما : الاتحاد الاشتراكي السوداني ? والحكم الشعبي المحلي، وفي سبيل تحقيق ذلك كان اول ما تم القيام به هو الغاء نظام الادارة الاهلية وعقد مؤتمر تاسيسي للحكم المحلي تمخض عنه صدور قانون الحكم الشعبي المحلي لسنة 1971، الذي استهدف قاعدة المشاركة الشعبية في السلطة. فقد خول القانون المجالس الشعبية التنفيذية للمديريات انشاء مجالس شعبية محلية في المناطق. وبموجب ذلك فقد ارتفعت وحدات الحكم الشعبي المحلي من 84 وحدة الي 5138 وحدة. ومن جهة اخري فقد اهتم دستور (1973) الدائم بتقنين الحكم الشعبي المحلي من خلال ثلاثة مواد تضمنت ان السلطة التنفيذية تنشئ باوامر تاسيسية في كل مديرية مجلسا محليا شعبيا تنفيذيا له شخصية اعتبارية. كما تقرر ان يكون لمجلس الشعب التنفيذي للمديرية مجالس شعبية محلية علي جميع المستويات ويفوض لها ما يري من سلطات. كما اوضح الدستور بان مجالس الحكم الشعبي المحلي في مديريات الاقليم الجنوبي تختص بكونها قواعد لتنظيم الحكم الذاتي الاقليمي الذي يكفله الدستور لهذه المديريات وذلك وفقا لقانون الحكم الذاتي الاقليمي للمديريات الجنوبية الصادر في 1972. وتماشيا مع ذلك فقد جاء في قانون الحكم الشعبي المحلي بانه يقوم علي مستوي واحد من الوحدات المحلية هي المديريات التي يعترف القانون بمجالسها وبشخصيتها الاعتبارية. ويقسم اقليم الدولة الي 9 مديريات منها 6 في الشمال و 3 في الجنوب. كما اجاز القانون تقسيم المديرية الي مناطق ادارية بناء علي توصية المجلس الشعبي التنفيذي في المديرية. وبموجب ذلك تصبح هذه المناطق الادارية نواة لتكوين مديريات جديدة متي اكتملت مقومات نشأتها. وتشكل هذه المجالس عن طريق الانتخاب من الادني الي الاعلي وفق هيكل هرمي قمته مجالس المديريات التنفيذية وقاعدته مجالس الاحياء والقري والفرقان وبينهما تتوسط مجالس المناطق والمجالس الريفية و مجالس المدن.
    وفي عام 1980 تم تعديل دستور السودان الدائم لعام 1973 بعد صدور عدد من القوانين لتلائم ادخال الحكم الاقليي الي المديريات الشمالية بعد ان كان معمولا به في الجنوب فقط في اعقاب التوقيع علي اتفاقية اديس اببا 1972 والتي وحدت المديريات الجنوبية الثلاث في اقليم واحد ومنحته الحكم الذاتي الاقليمي في اطار وحدة السودان. وقد حدد قانون الحكم الاقليمي لسنة 1980 حدود الاقاليم الجديدة في الشرقي ? الشمالي ? الاوسط – كردفان – واقليم دارفور. ومن ذلك نري ان قانون الحكم الاقليمي لم يقم باعادة توزيع في المديريات بل قام بدمج المديريات فيما بينها واقامة ادارة اقليمية تشرف علي الوضع الجديد للاقاليم القائمة. ويتكون الهيكل التنظيمي للسلطات الاقليمية من السلطة التنفيذية والتي يمثلها حاكم الاقليم ونائبه، ومجلس وزراء الاقليم، ومن السلطات التشريعية التي يمثلها مجلسي الحكم الاقليمي والحكم المحلي. ويعين الحاكم بواسطة رئيس الجمهورية الذي يعين نسبة 10 % من اعضاء مجلس الشعب الاقليمي.
    وبقيام الحكم الاقليمي تم الغاء الحكم الشعبي المحلي لسنة 1971 واستبدل بقانون الحكم الشعبي المحلي سنة 1981 ليتناسب مع الوضع الجديد. فقد الت سلطة تاسيسه والاشراف عليه الي الحكومة الاقليمية بدلا عن الحكومة المركزية. وقد هدف القانون الجديد الي الغاء المزج بين العنصرين الشعبي والديواني، اذ تركزت السلطة التشريعية بموجبه علي العنصر الشعبي، والسلطة التنفيذية علي العنصر الديواني وذلك لضمان التجانس في اداء المجلس. كما اضفي علي مجالس المناطق الشخصية الاعتبارية القانونية والمالية التي كانت تتمتع بها المجالس الشعبية التنفيذية فقط، وفي ذات الوقت اعطت سلطة تاسيس مجالس محلية لمستويات ادني.
    عموما فان تجربة الحكم الاقليمي لا تختلف عن سابقاتها اذ ان مفهوم المشاركة الشعبية الذي يعد عصب فكرة الحكم الاقليمي قد فقد شرطه الاساسي منذ البداية وذلك عندما ينظر اليه في اطار احتكارية العمل السياسي المقننه دستوريا وذلك من خلال تمركز السلطات في يد رئيس الجمهورية الذي بيده التعيين والحل والرفض والقبول. كما جاء الحكم الاقليمي تفصيلا للجمهورية الرئاسية وامتداد الحكم الفردي واحكاما لقبضته ويتضح ذلك من خلال كيفية تعيين حاكم الاقليم والذي يعتبر ممثلا للرئيس، وبالتالي ليس لمجلس الشعب الاقليمي الحق في محاسبته او عزله، كما برهنت التجربة عن الضعف العضوي في تركيب الحكم الاقليمي اذ كانت مجرد هياكل هشة ليس لها جذور تواجه بها قرارات الحل والضغوط السياسية التي ظل يمارسها رئيس الجمهورية وحكام الاقاليم. لذلك فان انعدام الديمقراطية واختلال معايير توزيع السلطة، واحتكار العمل السياسي في اطار الحزب الواحد وفشل السياسات الاقتصادية كلها كانت سببا في فشل تجربتي الحكم الذاتي الاقليمي في الجنوب والحكم الاقليمي في بقية اجزاء البلاد، ذلك الفشل الذي قاد لانهيار الحل السلمي لقضية الجنوب وعودة الحرب الاهلية واستشراء الصراعات القبلية في اقاليم اخري بالاضافة الي ما احدثه من تضخم كبير في جهاز الدولة في شكل الاجهزة الاقليمية المستحدثة (حكام ووزراء ومجالس اقليمية وشعبية ومجالس حكم محلي) والتي لم تقم باي انجازعلي صعيد التنمية بل كانت مدخلا للفساد اسوة باجهزة الدولة الاخري.

    و- الحكم الاتحادي الفدرالي (1989) :
    في اعقاب انقلاب يونيو 89 تبنت الانقاذ نظام الحكم الفدرالي كاساس لحكم السودان متجاوزة بذلك ما استقرت عليه دوافع وغايات الاخذ بهكذا نظام، ومدي حاجة المجتمع الفعلية له كانعكاس طبيعي لتطوره وتلبية لحاجاته. الامر الذي اعاد الي الاذهان عدم صلاحية النظام الفدرالي اساسا لادارة السودان لانه يفتقد للمبررات الموضوعية التي تدعم قيامه. فمثلا فان دولة الاتحاد الفدرالي عادة ما تتكون من عدة دويلات مستقلة دفعتها ظروف محددة كالشعور بالخطر لتكوين هذا الاتحاد او لمجابهة حالات تداعي واضمحلال بدات تنتاب اقاليمها التي كانت قد اندمجت في السابق، وكان الدافع من كل ذلك هو تكوين جسم قوي موحد سياسي واقتصادي. ولكن في واقع السودان جاءت العملية عكسية، فبدلا من السعي نحو الوحدة اتجهت بالبلاد نحو التشطير والانفصال. ولان المتتبع لتكوين الدولة السودانية ونشأة نظمها السياسية والادارية لا يري اي مبرر للاخذ بالنظام الفدرالي، لان الدولة السودانية بدات موحدة ولم تصل الي مرحلة الاضمحلال والتفكك التي وصلتها بعض الدول، علي الرغم من حالة الجنوب، بل ان القضايا المحورية التي شكلت لب الصراع هي قضايا الديمقراطية والتنمية التي تتاسس عليها الوحدة الوطنية. لذلك فان الفدرالية التي تم التنظير لها واخذت طريقها نحو التطبيق عبر تقسيم السودان الي 26 ولاية اتحادية ولكل منها والي وحكومة ومجلس تشريعي وسلطات قضائية ودستور ومجالس للحكم المحلي، وفق معايير غير موضوعية افتقرت لللعمق والشمول والاتزان، الي جانب المظاهر المصاحبة للتطبيق من تضخم للاجهزة الادارية والتنفيذية بشكل غير مبرر وما يتبع ذلك من استنزاف للموارد وصرف بذخي في غير مواعينه الاساسية، علاوة علي تشكيل الحكم المحلي علي اسس ومعايير جهوية وقبلية وترضيات كرست لمزيد من التنافر خاصة بعد احياء الادارة الاهلية واعطائها دور سياسي موالي للنظام عبر سيطرة الحزب الواحد علي مفاصل الدولة ومراكزها الحيوية. لذلك لم تمنع الفدرالية رفع السلاح والتمرد علي السلطة المركزية، ولم تقلل كذلك من النزوح والهجرة الي الداخل والخارج مما جعلها محض مناورة سياسية تم تطبيقها بشكل مشوه، بحيث ظلت الولايات ومحافظاتها اسيرة لتوجيهات وقرارات المركز من خلال احكام السيطرة عليها والتدخل في شؤونها الداخلية، الامر الذي افقدها دورها السياسي لتصبح في نهاية المطاف مجرد عبء اثقل كاهل المواطن بالجبايات والرسوم والضرائب.
    عموما فقد عكست الممارسة العملية لتجربة الحكم اللامركزي في السودان نوع من الاضطراب وعدم تطابق مع التوجهات والدوافع والغايات، وذلك نتيجة للهيمنة السياسية لا سيما سنوات الحكم العسكري، بما جعل اجهزتها جزء لا يتجزأ من هياكل السلطة الحاكمة، الامر الذي اثر سلبا علي الوحدة الوطنية والانصهار القومي.

    رابعا : السمات العامة للحكم اللامركزي في السودان :
    لقد عكست هذه التجربة الطويله سمات عامة ظلت تتمظهر وتتقولب داخل هذه الاجهزة من دون التخلص منها كليا والاستقرار علي نمط محدد لمستقبل الدولة واتجاهات واولويات الصراع فيها ومن ابرز هذه السمات :
    1. انه نظام لا يزال يعاني من موروثات العهد الاستعماري في نظم الحكم المحلي والادارة الاهلية وبيروقراطية الدولة واجهزتها التي تكرس لحماية النظام أولا.
    2. انه نظام ظل في حالة انتقالية علي الدوام وذلك لما ظل يعتمده من صور النقل والتجريب والتغيير المستمر في التشريعات والهياكل الادراية.
    3. ان نظام اللامركزية ظل لصيق بالنظام السياسي، يتغير بمشيئته ويخدم اغراضه، لذلك تكرست فيه المركزية والمحسوبية والبيروقراطية والجهوية والقبلية والاقليمية.
    4. ليس له جذور عميقة في الواقع السوداني من حيث الملامح الحضارية والثقافية والارث التاريخي والاعراق والتقاليد الحية، بما يشكل حماية وسياج منيع لهذه المؤسسات من حالات التبدل والتغير السريع ومواجهة حالات الطوارئ والتحولات الداخلية والخارجية.
    5. تاثره بالحالة الدولية والمتغيرات الاقليمية، ويرجع ذلك لارتباطات النظام السياسي في معظم اوقاته بالالتزامات والاستجابة للضغوط الدولية وفتح الطريق للبحث عن حلول من الخارج. الامر الذي شجع بعض المجموعات المسيسة الي طرح مطالبهم خارج منظومة الوحدة الوطنية بطرحها في المحافل الدولية ومحاولة ايجاد راي عام دولي بشأنها، خاصة في المرحلة الدولية الراهنة.
    6. ان تجربة الحكم اللامركزي ولارتباطها وتبعيتها للنظام السياسي، لم تقدم اية تنمية او نهضة مشهودة وبخاصة في تلك المناطق الطرفية، ولا علي صعيد االوحدة الوطنية، رغم ان الدافع لانشائها كان تحقيق هذه المقاصد في المقام الاول.
    7. انه نظام يبدو للعيان كما لو انه يبحث علي الدوام عن الجديد ولا يقبل التراجع، اي ان الناس وبحكم البيئة التي لم تحدث اي تغيير جدي في حياتهم وفي واقع مجتمعاتهم، اصبحت ماخوذة بالبحث عن بدائل لمعالجة مشكلاتهم المستمرة، لا سيما تلك المجموعات الطرفية والاثنية التي ساعدها فشل النظم القمعية بعدم الثقة فيها، لذلك نجدها حتي عندما طرحت الانقاذ الفدرالية التي كانت في وقت سابق تمثل ذروة مطالب الجنوب وينظر لها بالمقابل في الشمال علي انها كفر وخروج عن المألوف، لم تمثل لهذه المجموعات عند طرحها اي ردة فعل ايجابية، بل تم طرح الانفصال باوسع ابوابه بما سمي حق تقرير المصير.

    خامسا : اللامركزية المطلوبة لاقاليم السودان :
    ان تطبيق سياسة اللامركزية في ظروف الدولة الموحدة يرتكز علي اسس ومبادئ ومنطلقات تختلف عن تلك التي ترتكز عليها الدولة الفدرالية في تجزئة وتقسيم السلطة بين الحكومة الفدرالية وبين الولايات المكونة لها. ومن هذا المنطلق فان اللامركزية في ظل الدولة الموحدة هي بمثابة استراتيجية سياسية وادارية تتوخي مواءمة وموازنة العلاقة بين المركز والاقاليم او المحليات بما يكفل ويحقق المحافظة علي الوحدة الوطنية. عليه وانطلاقا مما تقدم طرحه وفي ظل الدولة ذات الدستور الديمقراطي والذي لا يفرق بين المواطنين بسبب الدين او المعتقد ااو الاقليم او القبيلة، نري ان النظام الامثل للسودان خاصة بعد انفصال الجنوب هو : الدولة السودانية الموحدة لان السودان ظل يحكم كقطر الي ما يربو المائة وخمسون عاما، حرصت معظم دساتيره وعهوده المختلفة الي الحفا ظ علي وحدة السودان وتماسكه. ونظام اللامركزية ذو الطبيعة الادارية لاقاليم السودان، الذي يحقق التنمية وتعبئة الموارد ويحقق المشاركة الشعبية ويحافظ علي وحدة البلاد من التمزق ويقلل من النفقات مقارنة بالصيغ الاخري. ولتحقيق ذلك علينا الاسترشاد بالاتي :
    أ- الاهداف والمبادئ : ان اللامركزية المطلوبة تنطلق من اهداف ومبادئ تقتضي الالتزام والتطبيق وكما يلي:
    1- أن الاساس في اي صيغة من صيغ الحكم اللامركزي هي ان تكون الديمقراطية والانتخاب والتعددية السياسية العمود الفقري لهذه الصيغ في المركز والاقاليم، التي يناط بها التشريع والتخطيط والرقابة.
    2- اشراك الجماهير في مواقعها في سلطة اتخاذ القرار وتنفيذه والاشراف علي ذلك في كل ما يتعلق بشؤونها المحلية، مع المحافظة علي معادلة مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ، القائم علي التنمية المتوازنة والتنوع في اطار الوحدة.
    3- ان يضمن ذلك النظام الحفاظ علي الوحدة الوطنية، وان يهيئ مناخا للتفاعل الحضاري بين مكونات البلاد المختلفة.
    4- ان يكون هذا النظام قادرا بموارده الذاتية علي الاعتماد علي نفسه وعدم ارهاق كاهل الحكومة المركزية بسداد التزاماته المالية وعلي ان يكن قادرا علي تنمية الموارد المحلية، بما يتيح له توفير الاموال اللازمة لتقديم افضل الخدمات، مع خلق التوازن بدعم السلطات و المحليات الاكثر فقرا.
    5- اللا تكون مجالس الحكم المحلي متشابهة في الشكل والمضمون والسلطات علي الرغم من ان الهيكل الاساسي واحدفي كل القطر، اي ان تكون هناك مرونة لاستيعاب الظروف والتطورات المتباينة في السودان. مع منح اجهزة الحكم المحلي سلطات جديدة متي برهنت علي كفاءتها وقدرتها علي تحمل اعباء اضافية.
    6- يجب ان تكون وحدات الحكم المحلي مستقرة وقادرة علي جذب الملاكات الادارية المشهود لها بالكفاءة للعمل بها.
    7- ضرورة ان تقسم البلاد الي وحدات حكم علي اسس ومعايير موضوعية لا علي اساس قبلي او طائفي او جهوي، والمتمثلة في :
    – المعيار الاقتصادي : حيث ان بعض الاقاليم الحالية غير قادرة من الناحية الموضوعية علي الاعتماد علي نفسها من حيث الموارد المالية نتيجة لسياسات التنمية غير المتوازنة لا سيما في عهدي مايو والانقاذ، وان استيعاب هذه الحقيقة مهم وذلك اما لاعادة النظر في ترسيم حدود بعض هذه الاقاليم والمحليات او الغاء ودمج بعضها، او عند تحديد اسس تمويل الخدمات ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
    – المعيار الاجتماعي : حدث تطور غير متوازن اجتماعيا بين اقاليم السودان فبعضها تطور، بينما البعض الاخر لا يزال يعاني من الركود والتخلف الاجتماعي. وما نقصده بالتطور الاجتماعي هنا هو الدخول في دائرة الانتاج الاقتصادي الحديث وتطور التعليم والخدمات الاخري، وما ينتج عن ذلك من تطور في البني الاجتماعية بالاقليم المعين، وينعكس هذا التطور في تحديد شكل و صيغة الحكم اللامركزي حيث ان المناطق المتطوره تلائمها صيغة المجالس المنتخبه، بينما المناطق الاكثر تخلفا تحتاج للمزج بين مبدأ الانتخاب وبعض اشكال الادارة الاهلية.

    ب- الشكل الهرمي لنظام اللامركزية المطلوب : ان هذه الوثيقة حول رؤية حزب البعث لنظام الحكم اللامركزي، قد حددت المبادئ والسياقات العامة والجوهرية التي تعالج مسألة اللامركزية ومتطلباتها الاساسية من خلال القراءة النقدية لتطبيقات الحكم اللامركزي في السودان، وتعكس مضاميبن هذه الوثيقة ابعاد البناء الهيكلي المطلوب للمرحلة المقبلة والقادرة علي النهوض بالاعباء الادارية والتنفيذية والتشريعية والتنموية للبلاد. ولكن لمزيد من تكامل الرؤية لاكثر القضايا حساسية يمكن تاجيل موضوع الشكل النهائي (للمؤتمرنظام الحكم الاداري والسياسي) المقترح وما يمكن ان يتمخض عنه من نتائج تشكل حالة توافق لجميع القوي السياسية والاجتماعية في البلاد. وحتي ذلك الحين نري انه لابد من الاخذ في الاعتبار الاسس والالتزامات والمقترحات التالية :
    ? اننا ما زلنا في مرحلة بناء المرحلة الوطنية ومعالجة مخلفات واثار الماضي والحاضر، وهي مرحلة تحتاج مركز قوي يعمل الي استعادة حقيقة الوطن والشعب من خلال التمسك بثوابته ومكتسباته التي ضحي ن اجلها ومن خلال الانطلاق من القضايا المشتركة الموحدة لغالب الشعب والمحققه لوحدته وتطلعاته.
    ? خاصة وان السودان مواجه بمخططات التفتيت والتقسيم وتدويل قضاياه والاستهداف المستمر له بشكل لم يسبق له مثيل، فبعد انسلاخ الجنوب بتدبير وتخطيط بدأت تنتقل الي المناطق الاخري الملتهبة في دارفور والنيل الازرق وجبال النوبة، حيث بدأت سلسلة من الاحداث والطروحات التي تطرح ذات الاليات والصيغ التي تقود الي مزيد من التفتيت، واضعين في الاعتبار متغيرات ما بعد الحرب الباردة التي تعلي من شأن اللامركزية السياسية وفي اتباع نهج سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد والانحياز لطروحات الاقليات في الدعوة للحكم الذاتي او الانفصال، وهذا مما يضيف عبئا كبيرا علي الحركة السياسية في امكانية مجابهة هذه المخططات.
    ? السودان بلد متخلف يحتاج لتنمية شاملة مما يتطلب تحشيد الامكانات المادية والبشرية وتوجيهها لاحداث تنمية متوازنة قطاعيا واجتماعيا وجهويا، بينما الحكم الفدرالي و شعارات توزيع السلطة والثروة تعني تفتيت وتشتيت الامكانات بحيث تعجز عن التنمية وتضعف الموارد والمنصرفات. لذلك فأن المرحلة القادمة تقتضي التقشف في الصرف وضغط الاتفاق علي الجهاز الحكومي لتوفير فوائض للخدمات والتنمية وذلك من خلال اعادة النظر في الجهاز الاداري المتضخم والمترهل اصلا، مع اعتماد العمل الطوعي في مشاركة الشعبيين في مؤسسات الحكم اللامركزي.
    ? وفي ذات الوقت فأن اللامركزية سواء بمفهومها التفويضي او التخويلي لا يجب ان تعني بديلا او نقيضا للمركزية كما هو متعارف نظريا او تقليديا، اي لابد من توخي ومواءمة وموازنة العلاقة بين المركز وبين المحليات او الاقاليم بما يكفل ويحقق المحافظة علي الوحدة الوطنية. ان ذلك يتطلب اعادة النظر في الصيغ الادارية القائمة والتي تقوم علي اسس ومعايير غير موضوعية.
    ? وانطلاقا مما تقدم فاننا نقدم صيغة المقترح التالي لادارة الدولة في المرحلة الانتقالية:
    1- الابقاء علي الشكل الرهان للحكم اللامركزي والولايات القائمة في المرحلة الانتقالية وذلك لحين التوافق علي اسس لنظام الحكم واجراء الانتخابات المحلية العامة.
    2- يتولي (الاداريين) في هذه الفترة مسؤولية الجهاز التنفيذي الذي يعين من قبل قوي الاجماع الوطني من الاشخاص المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والعفة.
    3- تتولي قوي الاجماع الوطني المسؤولية التشريعية والرقابة علي اداء الجهاز التنفيذي.
    4- تحدد قوي الاجماع الوطني التي تتحول الي هيئة تشريعية الفترة الانتقالية ومهامها والتي من ضمنها اجتثاث الفساد ورد المال العام المنهوب واستعادة مؤسسات الدولة، والاعداد للمؤتمر الاداري، والانتخابات العامة والمحلية.
    2013

  3. شتائمك للشهيد صدام حسين دليل على افلاسك الفكري بدلا من مناقشة الأفكار مقالاتكم شتائم وانهزامية .

  4. بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    حزب البعث العربي الاشتراكي – قطر السودان
    نظام الحكم السياسي والاداري في السودان

    كشفت تجربة الحكم في السودان ان الازمة الوطنية الشاملة التي تعيشها بلادنا الان لم تكن سوي ازمة النظام السياسي والاداري نفسه منذ فجر الاستقلال، وعدم قدرته علي الاستقرار وبناء جهاز الدولة ومؤسساتها المختلفة، وخلق اطر رضائية وديمقراطية جامعة للمشاركة وتحمل اعباء النهضة والتطور، ونظام عدالة اجتماعية يزيل الفوارق الطبقية، ويدير عمليات التنوع والتعدد في البلاد بعدالة وكفاءة. فلقد ظل النظام السياسي الذي خضع لدورات من التبادل الرتيب بين النظم الدكتاتورية والنظم الديمقراطية الليبرالية، حاملا للتناقضات ومفتقرا للاصلاح والتجديد الجدي المستهدف النهوض بالمجتمع وتكريس التداول السلمي الديمقراطي، ومتسما بالفشل الذريع في التخطيط التنموي وازالة الغبن الاجتماعي، بالرغم من الامكانات المادية والبشرية الهائلة التي يذخر بها المجتمع.
    ويعتبر موضوع الحكم والادارة من القضايا الرئيسية التي شغلت بال القوي السياسية حول امكانية الوصول الي نظام حكم فعال لادارة الدولة الحديثة ومتطلباتها، وبما يؤهلها الي حمل اعباء النهضة والتغيير، وذلك عبر زوايا النظر المختلفة للسودان وما يتميز به من تكوينات اجتماعية ومن تنوع ثقافي وتعدد لغوي وديني، وطبيعة التطور الاجتماعي والسياسي ونوعية مشكلاته وتباين ظروفه الجغرافية والتنموية. فلقد كانت القوي السياسية والاجتماعية التي تولت مقاليد الامور عشية الاستقلال مجابهة بجملة من التحديات الاساسية اهمها ما يلي:
    1. ارساء دعائم الوحدة الوطنية وحل قضية الجنوب سلميا.
    2. وضع دستور دائم للبلاد يحدد شكل الحكم ويستوعب واقع الوحدة والتنوع.
    3. المحافظة علي النظام الديمقراطي وتوطينه وتوسيع قاعدته واطلاق طاقات الجماهير وتحريرها لتساهم ايجابيا في تحديد مستقبل البلاد.
    4. احداث ثورة ثقافية للقضاء علي الامية وتحرير الجماهير من قيود التخلف واثاره وتعميق الشعور بالمواطنة وارتفاعها فوق الروابط العشائرية والقبلية والجهوية والطائفية.
    5. تحقيق الاستقلال الاقتصادي استكمالا للاستقلال السياسي.
    6. تحديد نهج وطريقة التطور الاقتصادي والاجتماعي وكيفية ارساء قواعد العدالة الاقتصادية والاجتماعية بتحقيق التنمية المستقلة والشاملة والمستدامة والمتوازنة والقضاء علي صور واشكال التطور غير المتكافئ بين اقاليم البلاد التي خلفها الاستعمار.
    7. التفاعل مع حركتي التحرر القومي والوطني العربي الافريقي كتعبير عن وحدة الامن الوطني والقومي وضمانا لامن السودان…الخ.
    الا ان سنوات ما بعد الاستقلال اثبتت عجز النهج الذي اتبعته هذه القوي في التصدي لهذه المهام وانجازها، الامر الذي ادي الي تكرار انهيار التجارب الديمقراطية وفتح الطريق امام الانقلابات العسكرية لا سيما في عهد الانقاذ، التي لم تعجز عن انجاز تلك المهام فحسب، بل لعبت دورا تخريبيا في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وفي التفريط في السيادة والوحدة الوطنية. فلقد شهد الوطن علي عهدها نوعا من التداعي والتمزق غير المسبوق، والشاهد علي ذلك انفصال الجنوب والحروب المتواصلة في ارجاء القطر وتفشي العصبية القبلية والجهوية والطائفية واتساع دائرة الفقر والتفاقم المتصاعد في الضائقة المعيشية والازمة الاقتصادية نتيجة سوء الحكم والادارة وافرازات تطبيقات نيفاشا لاحقا.

    لذلك فأننا وفي الوقت الذي ندرك فيه بان التركيبة الطبقية للسلطة ونهجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هو محور ولب الصراع السياسي في بلادنا، فاننا في الوقت ذاته ندرك ان معالجة هذا الامر لا تتم عبر العنف او التصالح السياسي الفوقي والحلول الجزئية والتوفيقية ولا بالوصاية الخارجية، وانما يتم بحسمه من خلال الصراع السياسي والاجتماعي السلمي وعبر الانتخابات والمؤتمرات العامة للوصول لصيغة الحكم الملائمة التي تستوعب ظروف البلاد ومعادلة الوحدة والتنوع والنظام الدستوري القادر علي المحافظة علي هذه المعادلة.
    وفيما يلي موجز للمستويات الرئيسية التي تشكل نظام الحكم والادارة المقترح لبناء الدولة السودانية الحديثة:
    اولا. دستور ديمقراطي يحتوي علي المبادئ التالية:
    1) المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز علي اساس الدين او الاقليم او القبيلة.
    2) النص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة مع احترام الديانات الاخري وحرية العقيدة، وان تتعهد الدولة برعاية المؤسسات الدينية ومساعدتها في اداء رسالاتها دون تفرقة بين دين و اخر.
    3) التاكيد بان السودان قطر عربي افريقي اسلامي وان اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة وان الحقوق الثقافية لاي مجموعة لديها لهجتها او لغتها الخاصة يجب ان تلقي الرعاية والاهتمام من قبل الدولة واجهزتها لتوفير الاجواء الصحية والملائمة لتطويرها ولخلق الحوار والتفاعل والتكامل الحضاري والثقافي بين ابناء الوطن.
    4) التاكيد بان الديمقراطية القائمة علي التعددية الحزبية وعلي التداول السلمي للسلطة هي الخيار الاوحد لشعب السودان.
    5) ضمان كافة الحريات الاساسية والعامة بما في ذلك حرية تكوين الاحزاب والراي والمعتقد والصحافة والبحث العلمي وبناء التنظيمات الديمقراطية النقابية والاجتماعية والغاء كافة القوانين المقيدة للحريات.
    6) قيام مؤسسات دستورية تقوم علي اساس الانتخاب الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
    7) تامين استقلال واستقرار القضاء وصيانة كرامة الجهاز القضائي وسيادة حكم القانون.
    8) توسيع قاعدة المشاركة الديمقراطية باعتماد صيغة التمثيل النسبي المطلق لانها اكثر ديمقراطية وقدرة علي تمثيل كافة وجهات النظر الفاعلة والاكثر تعبيرا عن الاعتراف بالتعددية الحزبية وتوفر الرقابة المطلوبة من موقع المشاركة.
    9) تاكيد التزام الدولة بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية من حيث الفرص المتساوية والعادلة في سبل كسب العيش والتعليم الالزامي والمجاني والعلاج المجاني والرعاية والضمان الاجتماعي.
    10) تكوين الية قومية مستقلة ذات صفة تحكيمية لفض النزاعات وتسوية الخلافات وتحقيق المصالحات والتراضي بين ابناء الوطن.
    11) الالتزام بميثاق حقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة وملاحقه الصادرة عنها وعن منظماتها المختلفة فيما لا يتعارض مع القيم الروحية لشعبنا.

    ثانيا. المفاضلة بين النظم السياسية (الرئاسية او النيبايبة) :
    ينطلق نظام الحكم من واقع وبيئة وتطور المجتمعات السياسي، بما يلائم حاجاتها وتراثها ويراعي تقاليدها وعاداتها.
    فاذا كانت النظم السائدة في دول الغرب عموما قد حققت حالة من الاستقرار، الا ان دول العالم النامي ومن بينها السودان لا تزال معركة الاتفاق علي نظام سياسي محتدمة، وذلك بفعل عجز الانظمة التعددية والانقلابات المتكررة التي تعيق تطوره واستقراره الطبيعي. ومن واقع التجربة فان السودان قد جرب نوعين من النظم السياسية في اطار الجمهورية (الرئاسية والبرلمانية) ولكل عيوبه واخفاقاته واثاره الخطيرة علي الواقع ومؤسسات الدولة وادارتها. ويرجع ذلك الي هشاشة هذه النظم وعدم استكمال مؤسساتها وترسيخها، والي هيمنة حزب السلطة الحاكم واقصاء الاخرين وتعطيل العمل بالدستور…الخ. ولكن وعلي الرغم من عيوب التجربة اجمالا والتشوهات التي رافقتها، الا ان المفاضلة في الاخذ باحد النظامين ترجح الانحياز للنظام الجمهوري البرلماني واستبعاد النظام الرئاسي وذلك للاسباب الاتية :
    1) رغبة الاغلبية الحزبية والجماهيرية في النظام النيابي لاتساقه مع حركة التطور الوطني الذي قادته الجمعيات والاحزاب وشكلت نواته الاولي.
    2) ولانه يضمن الفصل بين السلطات الثلاث وتكاملها.
    3) ولان مؤسسة السيادة في النظام البرلماني من الممكن ان تتكون بطريقة تحوز فيها علي الاجماع القومي او الاغلبية المطلقة لاصوات الناخبين بما يجسد قومية هذه المؤسسة ويجعلها رمزا للوحدة الوطنية وبالتالي القدرة علي استيعاب حالات التنوع الثقافي والديني.
    4) ولانها توفر الرقابة المتعددة والتقويم المستمر بما يساعد علي تطوير الاداء واستقرار المؤسسات.

    ومن جهة اخري فاننا نستبعد صيغة الجمهورية الرئاسية للاسباب الاتية :
    1- لانها تفتح الطريق للدكتاتورية وحكم الفرد من خلال الهيمنة علي كافة المفاصل الحيوية في الدولة وفرض رؤية احادية في التصورات والمنطلقات الفكرية.
    2- ولانها تقوم علي اساس المركزية ومركزة السلطات في يد رئيس الجمهورية بما يحد من المشاركة الديمقراطية ويحول دون تطبيق صيغة ديمقراطية ولا مركزية الحكم المحلي الامر الذي يعيد العصبية القبلية والجهوية الي الواجهة.
    3- ولان التجربة قد دلت علي عدم صلاحيتها من خلال الممارسات التي خلفتها وعدم قدرتها علي حيازة التوافق الوطني.
    4- ان الرئاسية في ظل وضع الدولة المستقر في المؤسسات والثوابت الوطنية والتداول السلمي للسلطة والتطور الطبيعي، تكون مفيدة ويكون المطلوب منها البحث عن زوايا الخلل ومعالجة الاخفاقات والنهوض بالبلاد، كما هو حاصل في البلدان المتقدمة، ولكن في بلادنا فاننا لا نزال نبحث عن بناء امتنا ومجتمعنا و عن الوحدة الوطنية المفقودة، لذلك فان الرئاسية في ظل هذه الاوضاع تسعي الي الاستفادة منها لتكريس حزب السلطة والتغلغل في المؤسسات الحيوية،حتي وان كان هذا الحزب حديث النشأة، لانه يعتمد علي مؤسسات الدولة المالية والاعلامية والامنية في النمو والانتشار، وليس علي توسيع قاعدته الجماهيرية بالبرنامج والحوار والحرص علي المؤسسات الديمقراطية.
    5- ان الرئاسية تحول دون استقرار الحكم اللامركزي واخذ دوره الطبيعي. بل وفي معركتها مع استحقاقات اللامركزية نجدها تفتح المجال لنمو المحسوبية والجهوية و القبلية، لان الرئاسية بالتجربة نجدها في الوقت الذي تمركز السلطة والمال بيدها، تسعي وبشكل محموم الي تقييد حركة ونشاط المجالس والمحليات بالتشريعات والقوانين المرتبطة برؤي النظام الحاكم وفلسفته، مما يقود الي مصادرة صلاحيتها من خلال التدخل والحل والالغاء، ومن خلال خلق واجهات للنظام (اللجان الشعبية، لجان الحزب…الخ) تشكل حالة ندية ولها نفس الصلاحيات، الامر الذي يجعلها مجرد هياكل لا مضمون لها. ولان هذه الاساليب تقود الي احتكارية العمل السياسي للحزب الواحد فانه يخلق بالضرورة البيئة الخصبة للمحسوبية والجهوية والقبلية.
    6- لا تصلح اساسا لادارة السودان، لكونها لا تستوعب معادلة الوحدة والتنوع اذ ان القناعة الراسخة هي ان تحقيق الوحدة في ظل واقع مملوء بالتنوع والتعدد يقتضي اتاحة المجال الواسع للتعبير عن هذه المكونات واستيعابها في سياق الضروب المختلفة للمجتمع وبما يحولها لعامل ثراء وخصب للمجتمع لا خصما عليه. ولما كانت الرئاسية تضيق الخناق علي هذه التنوعات من خلال المصادرة والكبت ومركزة السلطة تحت دعاوي الحفاظ علي الوحدة والسيادة وامن البلاد، الا انها عمليا تجرد شعار الوحدة من مضامينه وتكويناته المنضوية تحتها. وقد دلت التجربة ان مؤسسة الرئاسة ظلت تنظر الي هذه التكوينات علي انها خصما علي الوحدة بل عدوا لها، الامر الذي دفعها الي الانعزال خاصة اذا نظرنا لمجتمع السودان الذي لا يزال يعاني من بناء نفسه في اطار المشتركات والمبادئ الجامعة.

    ثالثا. موجز التجربة اللا مركزية في السودان :
    شهد السودان تطورا هائلا في مجال تطبيق اللامركزية بشقيها السياسي والاداري وارتبطت هذه التطبيقات بالتقلبات السياسية وطبيعة النظم الحاكمة. فهي وفي الوقت الذي ابقت فيه علي معظم الهياكل الادارية الموروثة من العهد الاستعماري سيما في الجانب البيروقراطي ومركزة السلطة والاستفادة من الادارة الاهلية بتغيير اهدافها ونوعية المهام التي اوكلت لها…الخ نجدها في الجانب الاخر قد ابتدعت من الصيغ والنماذج المتعددة والتي كان المراد منها بحسب مزاعم مشرعوها انها تلبية لاستيعاب واقع السودان المترامي الاطراف وحل مشكلاته المعقده والموروثه والمستحدثه واشراك المواطنين في صنع القرار وادارة وتاطير التنوع الثقافي وتحقيق الانسجام والتعايش السلمي والوحدة الوطنية ومعالجة اختلالات التفاوت الاقتصادي والتنمية غير المتوازنة وتقصير الظل الاداري…الخ، الا ان حصيلة هذه التجارب لم تكن خيرا محضا خاصة منذ فترة الحكم الاقليمي علي عهد النظام المايوي ونظام الانقاذ التي قفزت باللامركزية الي تبني وتطبيق الفدرالية بشكل مشوه. والحقيقة الماثلة هي ان سياسة القفز علي الواقع وحرق المراحل التي تمت في ظل احادية السلطة والقرارات المتسرعة والمتعجلة المرتبطة بمصالح النظام واركانه، قد اربكت التطور الطبيعي لللامركزية الامر الذي جعلها تتراجع باستمرار جراء سياسات النظام واتفاقاته التي صدعت اسس ومنطلقات الحكم اللامركزي بحيث كانت النتيجة النهائية ان وضعت (نيفاشا) انفصال الجنوب كحتمية ومقدمة لتفتيت السودان.

    وباستعراض موجز لهذه التطبيقات سوف نكتشف الاساليب والطرق والاختلافات والبنية الهيكلية التي قادت الي فشل كل واحدة منها وعدم استقرارها علي حال معين.
    أ- الادارة الاهلية (1921-1937) :
    هي نظام ابتدعته الادارة البريطانية للوصول الي المواطنين بطريق غير مباشر نتيجة لفشل سياستها المباشرة، وذلك باستخدام زعمائهم في الميدان الاداري المباشر بدلا من المدراء والمامير الانجليز وهي تمثل الشكل المتقدم للقبيلة والاطار التنظيمي لها والمتمثل في اعطاء السلطات لزعماء القبائل والعشائر من خلال المشايخ والعمد والنظار والمكوك والسلاطين وذلك للسيطرة تدريجيا علي السودان. وتبعا لذلك تكونت في المدن والمراكز الحضرية الكبيرة، مجالس استشارية يعين اعضاؤها بواسطة مدير المديرية، وذلك لدعم النظام الاداري، حيث جمعت القبائل في (نظارات) اوكلت اليها مهام ادارية ومالية وقضائية محدودة. وفيما بعد اتخذت طابعا سياسيا لمواجهة تحديات الثورة الوطنية الجديدة التي يقودها القطاع الحديث في المجتمع. وقد اصبحت بذلك جزءا من الهيكل الاداري والسياسي للدولة ولها سند قانوني واضح. الا ان هذه السياسة قد اصطدمت بالواقع السوداني ورافقتها الكثير من الاخطاء والعيوب والتي من بينها :
    1- انها قد رسمت نظريا وذلك لوجود عدة مديريات في الشمال والوسط لا توجد فيها مثل تلك التشكيلات القبلية لتنفيذ المطلوب.
    2- ان نظام القبيلة لا يصلح ان يكون وحدة لنظام الحكم المحلي لانه لا يعطي الكفاءات والمؤهلات الفردية فرصة الظهور لخدمة المجموعة.
    3- ولان سياسة تولية الحكم والادارة لزعماء العشائر قد خلقت منهم طبقة خاصة لها مصالحها واوضاعها التي تفصلها عن العامة.
    4- ولان المبالغة والحرص علي النظم الفرعية يناقض اهداف اللامركزية التي تتطلب نظما حديثة في البناء الهيكلي وفي الممارسة.
    بشكل عام فقد فشل الرهان علي النظام القبلي رغم اعطاءه صلاحيات مقننة، وعدم قدرته علي التحول ذاتيا الي الاشكال الاخري المتقدمة من نظم الحكم المحلي القادرة علي تحقيق التنمية.

    ب- الحكومة المحلية (1937-1951) :
    لقد ادركت الادارة البريطانية اهمية الشروع في بناء امة حديثة عن طريق التعاون مع المثقفين بدلا عن الادارة الاهلية لكونها نظام لا يتناسب والتطور المرجو للسودان. وكان من الواضح ان هذه السياسة الجديدة قد ادركت تصاعد الحركة الوطنية وتصديها لنظام الادارة الاهلية. وبموجب ذلك تم استبدال الادارة الاهلية بنظام للحكم المحلي وذلك باجازة ثلاثة قوانين لمجالس المدن والبلديات والارياف، وتلي ذلك انشاء مجالس المديريات في 1943 وقيام المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1944، والجمعية التشريعية 1948. الا ان هذه القوانين لم تستطع خلق حكومة محلية بالمعني المعروف وذات جدوي واثر فعال (رغم ان هذه الخطوات كانت مهمة في الاتجاه نحو اللامركزية) وذلك لكونها لم تختلف عن الادارة الاهلية في التقسيم الاداري الا في كونها قد انشئت علي اسس اقليمية لا قبلية، كما انها لم تقم علي اساس الانتخاب. هذا الي جانب ان الادارة الاهلية قد اخترقت هذا النظام لانها كانت لا تزال طليقة وتتمتع بالقوة والسلطان، كما ان جميع المجالس التي انشئت تم انشاؤها علي اسس قبلية.

    ج- الحكم المحلي (1951-1969) :
    لقد خطت البلاد خطوات نحو اللامركزية بعد اجازة التقرير الذي اعده الخبير البريطاني (مارشال) والذي يقوم علي ضمان استقلالية الادارات المحلية عن المركز ورفض صيغة النظام الهرمي وذلك لضمان الاستقرار، وان تقوم المجالس علي معايير جغرافية تعتمد علي التدرج في انشاءها من الريف الي المديريات. وبموجب ذلك تم تقسيم السودان الي 84 منطقة محلية، اسندت الي مجالس تمثيلية ذات سلطات متعددة الاغراض وذات شخصية اعتبارية وصلاحية تقديم الخدمات. كما تم اجازة المجالس الفرعية والاخذ بنظام اللجان ذات الصفة الاستشارية. وقد خول وزير الحكومة المحلية لهذه المجالس سلطة الاشراف والرقابة ووضع اللوائح. ويذكر ان السودان في هذه الفترة كان مقسما الي 9 مديريات علي راس كل مديرية مدير يعينه الحاكم العام ومسؤولا عن القضاء والتشريع والامن والادارة ومهمات الحكومة في المديرية. الا ان قانون (1951) لم يتعرض لنظام المديرية لانها كانت تدار بواسطة المديرين البريطانيين. ولذلك ظل نظام المديرية والمركز كما هو علي الرغم من انشاء نظام للحكم علي مستوي القطر، الامر الذي اوجد جهازان يقومان بعمل متماثل علي مستوي المديريات والمراكز تحت اشراف مديري المديريات.
    وبعد الاستقلال عكفت الحكومة المحلية علي دراسة النظام الاداري للمديريات الذي استمر كما هو بعد الجلاء. وكان الغرض هو مواكبة التعديلات الدستورية والديمقراطية التي شملت البلاد، ومعالجة التناقضات بين نظام ديمقراطي في المناطق ونظام ديمقراطي في الوسط يضع كل السلطات في يد مدير المديرية، الي جانب فض النزاع المحتدم بين مدراء المديريات والموظفين الذين انقسم ولاءهم بين المديرية التي يعملون بها والوزارة التي ينتمون اليها.

    د? قانون ادارة المديريات (1960) :
    في اعقاب انقلاب عبود 1958 الذي حل الاحزاب والمؤسسات السياسية وحظر نشاطه، اعلن عن تكوين لجنة برئاسة ابو رنات (رئيس القضاء انذاك) لوضع السبل لضمان المشاركة الشعبية في شؤون الحكم المحلي وتنسيق العلاقة بين الحكومة والمحليات. وقد تقدمت هذه اللجنة بتقريرها الذي كان من نتائجه صدور قانون ادارة المديريات لسنة 1960. وقد خلصت اللجنة الي ضرورة اعادة النظر في وجود مفتشي المراكز بجانب المجالس المحلية، لان ذلك يمثل ازدواجية في العمل وتكرارا يؤدي الي اهدار المال والجهد. وقد اوصت اللجنة بالغاء منصبي مدير المديرية و مفتشي المراكز والاستعاضة عن ذلك بنظام موحد، وذلك بخلق وحدات علي مستوي المديرية تتكون من : الحاكم العسكري ? المجلس التنفيذي ? مجلس المديرية، الي جانب انشاء المجلس المركزي، ليصبح النظام الاداري هرما يمثل قمته المجلس المركزي وقاعدته المجالس المحلية.الا ان هذا النظام باء بالفشل لعدم قدرته علي خلق قاعدة من التاييد الشعبي عندما قاطع المواطنون انتخابات المجالس المحلية (القاعدة) والمجلس المركزي (القمة) والتي كانت انتخاباته تجري بطريقة غير مباشرة، اي بواسطة انتخابات المجالس المحلية. وفي اعقاب ثورة اكتوبر 1964 تم الغاء منصب الحاكم العسكري في المديريات ومنصب رئيس المجلس التنفيذي للمديرية، واعيد منصب مدير المديرية (المحافظ) الذي اصبح بحكم منصبه رئيسا للمجلس التنفيذي. اما مجالس المديريات وادارتها والمجالس المحلية فلم تتعرض للتغيير.

    ه- الحكم الشعبي المحلي 1971 (ونظام الحكم الاقليمي 1980) :
    بعد انقلاب مايو 1969 وحل الاحزاب السياسية، اعلن قادة الانقلاب عن اهداف حركتهم في (تحرير ارادة الشعب من اشكال الاستغلال الاقتصادي والقبلي والطائفي والاداري والفكري) وقد تحددت ممارسات (الديمقراطية الجديدة) عن طريق جهازين هما : الاتحاد الاشتراكي السوداني ? والحكم الشعبي المحلي، وفي سبيل تحقيق ذلك كان اول ما تم القيام به هو الغاء نظام الادارة الاهلية وعقد مؤتمر تاسيسي للحكم المحلي تمخض عنه صدور قانون الحكم الشعبي المحلي لسنة 1971، الذي استهدف قاعدة المشاركة الشعبية في السلطة. فقد خول القانون المجالس الشعبية التنفيذية للمديريات انشاء مجالس شعبية محلية في المناطق. وبموجب ذلك فقد ارتفعت وحدات الحكم الشعبي المحلي من 84 وحدة الي 5138 وحدة. ومن جهة اخري فقد اهتم دستور (1973) الدائم بتقنين الحكم الشعبي المحلي من خلال ثلاثة مواد تضمنت ان السلطة التنفيذية تنشئ باوامر تاسيسية في كل مديرية مجلسا محليا شعبيا تنفيذيا له شخصية اعتبارية. كما تقرر ان يكون لمجلس الشعب التنفيذي للمديرية مجالس شعبية محلية علي جميع المستويات ويفوض لها ما يري من سلطات. كما اوضح الدستور بان مجالس الحكم الشعبي المحلي في مديريات الاقليم الجنوبي تختص بكونها قواعد لتنظيم الحكم الذاتي الاقليمي الذي يكفله الدستور لهذه المديريات وذلك وفقا لقانون الحكم الذاتي الاقليمي للمديريات الجنوبية الصادر في 1972. وتماشيا مع ذلك فقد جاء في قانون الحكم الشعبي المحلي بانه يقوم علي مستوي واحد من الوحدات المحلية هي المديريات التي يعترف القانون بمجالسها وبشخصيتها الاعتبارية. ويقسم اقليم الدولة الي 9 مديريات منها 6 في الشمال و 3 في الجنوب. كما اجاز القانون تقسيم المديرية الي مناطق ادارية بناء علي توصية المجلس الشعبي التنفيذي في المديرية. وبموجب ذلك تصبح هذه المناطق الادارية نواة لتكوين مديريات جديدة متي اكتملت مقومات نشأتها. وتشكل هذه المجالس عن طريق الانتخاب من الادني الي الاعلي وفق هيكل هرمي قمته مجالس المديريات التنفيذية وقاعدته مجالس الاحياء والقري والفرقان وبينهما تتوسط مجالس المناطق والمجالس الريفية و مجالس المدن.
    وفي عام 1980 تم تعديل دستور السودان الدائم لعام 1973 بعد صدور عدد من القوانين لتلائم ادخال الحكم الاقليي الي المديريات الشمالية بعد ان كان معمولا به في الجنوب فقط في اعقاب التوقيع علي اتفاقية اديس اببا 1972 والتي وحدت المديريات الجنوبية الثلاث في اقليم واحد ومنحته الحكم الذاتي الاقليمي في اطار وحدة السودان. وقد حدد قانون الحكم الاقليمي لسنة 1980 حدود الاقاليم الجديدة في الشرقي ? الشمالي ? الاوسط – كردفان – واقليم دارفور. ومن ذلك نري ان قانون الحكم الاقليمي لم يقم باعادة توزيع في المديريات بل قام بدمج المديريات فيما بينها واقامة ادارة اقليمية تشرف علي الوضع الجديد للاقاليم القائمة. ويتكون الهيكل التنظيمي للسلطات الاقليمية من السلطة التنفيذية والتي يمثلها حاكم الاقليم ونائبه، ومجلس وزراء الاقليم، ومن السلطات التشريعية التي يمثلها مجلسي الحكم الاقليمي والحكم المحلي. ويعين الحاكم بواسطة رئيس الجمهورية الذي يعين نسبة 10 % من اعضاء مجلس الشعب الاقليمي.
    وبقيام الحكم الاقليمي تم الغاء الحكم الشعبي المحلي لسنة 1971 واستبدل بقانون الحكم الشعبي المحلي سنة 1981 ليتناسب مع الوضع الجديد. فقد الت سلطة تاسيسه والاشراف عليه الي الحكومة الاقليمية بدلا عن الحكومة المركزية. وقد هدف القانون الجديد الي الغاء المزج بين العنصرين الشعبي والديواني، اذ تركزت السلطة التشريعية بموجبه علي العنصر الشعبي، والسلطة التنفيذية علي العنصر الديواني وذلك لضمان التجانس في اداء المجلس. كما اضفي علي مجالس المناطق الشخصية الاعتبارية القانونية والمالية التي كانت تتمتع بها المجالس الشعبية التنفيذية فقط، وفي ذات الوقت اعطت سلطة تاسيس مجالس محلية لمستويات ادني.
    عموما فان تجربة الحكم الاقليمي لا تختلف عن سابقاتها اذ ان مفهوم المشاركة الشعبية الذي يعد عصب فكرة الحكم الاقليمي قد فقد شرطه الاساسي منذ البداية وذلك عندما ينظر اليه في اطار احتكارية العمل السياسي المقننه دستوريا وذلك من خلال تمركز السلطات في يد رئيس الجمهورية الذي بيده التعيين والحل والرفض والقبول. كما جاء الحكم الاقليمي تفصيلا للجمهورية الرئاسية وامتداد الحكم الفردي واحكاما لقبضته ويتضح ذلك من خلال كيفية تعيين حاكم الاقليم والذي يعتبر ممثلا للرئيس، وبالتالي ليس لمجلس الشعب الاقليمي الحق في محاسبته او عزله، كما برهنت التجربة عن الضعف العضوي في تركيب الحكم الاقليمي اذ كانت مجرد هياكل هشة ليس لها جذور تواجه بها قرارات الحل والضغوط السياسية التي ظل يمارسها رئيس الجمهورية وحكام الاقاليم. لذلك فان انعدام الديمقراطية واختلال معايير توزيع السلطة، واحتكار العمل السياسي في اطار الحزب الواحد وفشل السياسات الاقتصادية كلها كانت سببا في فشل تجربتي الحكم الذاتي الاقليمي في الجنوب والحكم الاقليمي في بقية اجزاء البلاد، ذلك الفشل الذي قاد لانهيار الحل السلمي لقضية الجنوب وعودة الحرب الاهلية واستشراء الصراعات القبلية في اقاليم اخري بالاضافة الي ما احدثه من تضخم كبير في جهاز الدولة في شكل الاجهزة الاقليمية المستحدثة (حكام ووزراء ومجالس اقليمية وشعبية ومجالس حكم محلي) والتي لم تقم باي انجازعلي صعيد التنمية بل كانت مدخلا للفساد اسوة باجهزة الدولة الاخري.

    و- الحكم الاتحادي الفدرالي (1989) :
    في اعقاب انقلاب يونيو 89 تبنت الانقاذ نظام الحكم الفدرالي كاساس لحكم السودان متجاوزة بذلك ما استقرت عليه دوافع وغايات الاخذ بهكذا نظام، ومدي حاجة المجتمع الفعلية له كانعكاس طبيعي لتطوره وتلبية لحاجاته. الامر الذي اعاد الي الاذهان عدم صلاحية النظام الفدرالي اساسا لادارة السودان لانه يفتقد للمبررات الموضوعية التي تدعم قيامه. فمثلا فان دولة الاتحاد الفدرالي عادة ما تتكون من عدة دويلات مستقلة دفعتها ظروف محددة كالشعور بالخطر لتكوين هذا الاتحاد او لمجابهة حالات تداعي واضمحلال بدات تنتاب اقاليمها التي كانت قد اندمجت في السابق، وكان الدافع من كل ذلك هو تكوين جسم قوي موحد سياسي واقتصادي. ولكن في واقع السودان جاءت العملية عكسية، فبدلا من السعي نحو الوحدة اتجهت بالبلاد نحو التشطير والانفصال. ولان المتتبع لتكوين الدولة السودانية ونشأة نظمها السياسية والادارية لا يري اي مبرر للاخذ بالنظام الفدرالي، لان الدولة السودانية بدات موحدة ولم تصل الي مرحلة الاضمحلال والتفكك التي وصلتها بعض الدول، علي الرغم من حالة الجنوب، بل ان القضايا المحورية التي شكلت لب الصراع هي قضايا الديمقراطية والتنمية التي تتاسس عليها الوحدة الوطنية. لذلك فان الفدرالية التي تم التنظير لها واخذت طريقها نحو التطبيق عبر تقسيم السودان الي 26 ولاية اتحادية ولكل منها والي وحكومة ومجلس تشريعي وسلطات قضائية ودستور ومجالس للحكم المحلي، وفق معايير غير موضوعية افتقرت لللعمق والشمول والاتزان، الي جانب المظاهر المصاحبة للتطبيق من تضخم للاجهزة الادارية والتنفيذية بشكل غير مبرر وما يتبع ذلك من استنزاف للموارد وصرف بذخي في غير مواعينه الاساسية، علاوة علي تشكيل الحكم المحلي علي اسس ومعايير جهوية وقبلية وترضيات كرست لمزيد من التنافر خاصة بعد احياء الادارة الاهلية واعطائها دور سياسي موالي للنظام عبر سيطرة الحزب الواحد علي مفاصل الدولة ومراكزها الحيوية. لذلك لم تمنع الفدرالية رفع السلاح والتمرد علي السلطة المركزية، ولم تقلل كذلك من النزوح والهجرة الي الداخل والخارج مما جعلها محض مناورة سياسية تم تطبيقها بشكل مشوه، بحيث ظلت الولايات ومحافظاتها اسيرة لتوجيهات وقرارات المركز من خلال احكام السيطرة عليها والتدخل في شؤونها الداخلية، الامر الذي افقدها دورها السياسي لتصبح في نهاية المطاف مجرد عبء اثقل كاهل المواطن بالجبايات والرسوم والضرائب.
    عموما فقد عكست الممارسة العملية لتجربة الحكم اللامركزي في السودان نوع من الاضطراب وعدم تطابق مع التوجهات والدوافع والغايات، وذلك نتيجة للهيمنة السياسية لا سيما سنوات الحكم العسكري، بما جعل اجهزتها جزء لا يتجزأ من هياكل السلطة الحاكمة، الامر الذي اثر سلبا علي الوحدة الوطنية والانصهار القومي.

    رابعا : السمات العامة للحكم اللامركزي في السودان :
    لقد عكست هذه التجربة الطويله سمات عامة ظلت تتمظهر وتتقولب داخل هذه الاجهزة من دون التخلص منها كليا والاستقرار علي نمط محدد لمستقبل الدولة واتجاهات واولويات الصراع فيها ومن ابرز هذه السمات :
    1. انه نظام لا يزال يعاني من موروثات العهد الاستعماري في نظم الحكم المحلي والادارة الاهلية وبيروقراطية الدولة واجهزتها التي تكرس لحماية النظام أولا.
    2. انه نظام ظل في حالة انتقالية علي الدوام وذلك لما ظل يعتمده من صور النقل والتجريب والتغيير المستمر في التشريعات والهياكل الادراية.
    3. ان نظام اللامركزية ظل لصيق بالنظام السياسي، يتغير بمشيئته ويخدم اغراضه، لذلك تكرست فيه المركزية والمحسوبية والبيروقراطية والجهوية والقبلية والاقليمية.
    4. ليس له جذور عميقة في الواقع السوداني من حيث الملامح الحضارية والثقافية والارث التاريخي والاعراق والتقاليد الحية، بما يشكل حماية وسياج منيع لهذه المؤسسات من حالات التبدل والتغير السريع ومواجهة حالات الطوارئ والتحولات الداخلية والخارجية.
    5. تاثره بالحالة الدولية والمتغيرات الاقليمية، ويرجع ذلك لارتباطات النظام السياسي في معظم اوقاته بالالتزامات والاستجابة للضغوط الدولية وفتح الطريق للبحث عن حلول من الخارج. الامر الذي شجع بعض المجموعات المسيسة الي طرح مطالبهم خارج منظومة الوحدة الوطنية بطرحها في المحافل الدولية ومحاولة ايجاد راي عام دولي بشأنها، خاصة في المرحلة الدولية الراهنة.
    6. ان تجربة الحكم اللامركزي ولارتباطها وتبعيتها للنظام السياسي، لم تقدم اية تنمية او نهضة مشهودة وبخاصة في تلك المناطق الطرفية، ولا علي صعيد االوحدة الوطنية، رغم ان الدافع لانشائها كان تحقيق هذه المقاصد في المقام الاول.
    7. انه نظام يبدو للعيان كما لو انه يبحث علي الدوام عن الجديد ولا يقبل التراجع، اي ان الناس وبحكم البيئة التي لم تحدث اي تغيير جدي في حياتهم وفي واقع مجتمعاتهم، اصبحت ماخوذة بالبحث عن بدائل لمعالجة مشكلاتهم المستمرة، لا سيما تلك المجموعات الطرفية والاثنية التي ساعدها فشل النظم القمعية بعدم الثقة فيها، لذلك نجدها حتي عندما طرحت الانقاذ الفدرالية التي كانت في وقت سابق تمثل ذروة مطالب الجنوب وينظر لها بالمقابل في الشمال علي انها كفر وخروج عن المألوف، لم تمثل لهذه المجموعات عند طرحها اي ردة فعل ايجابية، بل تم طرح الانفصال باوسع ابوابه بما سمي حق تقرير المصير.

    خامسا : اللامركزية المطلوبة لاقاليم السودان :
    ان تطبيق سياسة اللامركزية في ظروف الدولة الموحدة يرتكز علي اسس ومبادئ ومنطلقات تختلف عن تلك التي ترتكز عليها الدولة الفدرالية في تجزئة وتقسيم السلطة بين الحكومة الفدرالية وبين الولايات المكونة لها. ومن هذا المنطلق فان اللامركزية في ظل الدولة الموحدة هي بمثابة استراتيجية سياسية وادارية تتوخي مواءمة وموازنة العلاقة بين المركز والاقاليم او المحليات بما يكفل ويحقق المحافظة علي الوحدة الوطنية. عليه وانطلاقا مما تقدم طرحه وفي ظل الدولة ذات الدستور الديمقراطي والذي لا يفرق بين المواطنين بسبب الدين او المعتقد ااو الاقليم او القبيلة، نري ان النظام الامثل للسودان خاصة بعد انفصال الجنوب هو : الدولة السودانية الموحدة لان السودان ظل يحكم كقطر الي ما يربو المائة وخمسون عاما، حرصت معظم دساتيره وعهوده المختلفة الي الحفا ظ علي وحدة السودان وتماسكه. ونظام اللامركزية ذو الطبيعة الادارية لاقاليم السودان، الذي يحقق التنمية وتعبئة الموارد ويحقق المشاركة الشعبية ويحافظ علي وحدة البلاد من التمزق ويقلل من النفقات مقارنة بالصيغ الاخري. ولتحقيق ذلك علينا الاسترشاد بالاتي :
    أ- الاهداف والمبادئ : ان اللامركزية المطلوبة تنطلق من اهداف ومبادئ تقتضي الالتزام والتطبيق وكما يلي:
    1- أن الاساس في اي صيغة من صيغ الحكم اللامركزي هي ان تكون الديمقراطية والانتخاب والتعددية السياسية العمود الفقري لهذه الصيغ في المركز والاقاليم، التي يناط بها التشريع والتخطيط والرقابة.
    2- اشراك الجماهير في مواقعها في سلطة اتخاذ القرار وتنفيذه والاشراف علي ذلك في كل ما يتعلق بشؤونها المحلية، مع المحافظة علي معادلة مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ، القائم علي التنمية المتوازنة والتنوع في اطار الوحدة.
    3- ان يضمن ذلك النظام الحفاظ علي الوحدة الوطنية، وان يهيئ مناخا للتفاعل الحضاري بين مكونات البلاد المختلفة.
    4- ان يكون هذا النظام قادرا بموارده الذاتية علي الاعتماد علي نفسه وعدم ارهاق كاهل الحكومة المركزية بسداد التزاماته المالية وعلي ان يكن قادرا علي تنمية الموارد المحلية، بما يتيح له توفير الاموال اللازمة لتقديم افضل الخدمات، مع خلق التوازن بدعم السلطات و المحليات الاكثر فقرا.
    5- اللا تكون مجالس الحكم المحلي متشابهة في الشكل والمضمون والسلطات علي الرغم من ان الهيكل الاساسي واحدفي كل القطر، اي ان تكون هناك مرونة لاستيعاب الظروف والتطورات المتباينة في السودان. مع منح اجهزة الحكم المحلي سلطات جديدة متي برهنت علي كفاءتها وقدرتها علي تحمل اعباء اضافية.
    6- يجب ان تكون وحدات الحكم المحلي مستقرة وقادرة علي جذب الملاكات الادارية المشهود لها بالكفاءة للعمل بها.
    7- ضرورة ان تقسم البلاد الي وحدات حكم علي اسس ومعايير موضوعية لا علي اساس قبلي او طائفي او جهوي، والمتمثلة في :
    – المعيار الاقتصادي : حيث ان بعض الاقاليم الحالية غير قادرة من الناحية الموضوعية علي الاعتماد علي نفسها من حيث الموارد المالية نتيجة لسياسات التنمية غير المتوازنة لا سيما في عهدي مايو والانقاذ، وان استيعاب هذه الحقيقة مهم وذلك اما لاعادة النظر في ترسيم حدود بعض هذه الاقاليم والمحليات او الغاء ودمج بعضها، او عند تحديد اسس تمويل الخدمات ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
    – المعيار الاجتماعي : حدث تطور غير متوازن اجتماعيا بين اقاليم السودان فبعضها تطور، بينما البعض الاخر لا يزال يعاني من الركود والتخلف الاجتماعي. وما نقصده بالتطور الاجتماعي هنا هو الدخول في دائرة الانتاج الاقتصادي الحديث وتطور التعليم والخدمات الاخري، وما ينتج عن ذلك من تطور في البني الاجتماعية بالاقليم المعين، وينعكس هذا التطور في تحديد شكل و صيغة الحكم اللامركزي حيث ان المناطق المتطوره تلائمها صيغة المجالس المنتخبه، بينما المناطق الاكثر تخلفا تحتاج للمزج بين مبدأ الانتخاب وبعض اشكال الادارة الاهلية.

    ب- الشكل الهرمي لنظام اللامركزية المطلوب : ان هذه الوثيقة حول رؤية حزب البعث لنظام الحكم اللامركزي، قد حددت المبادئ والسياقات العامة والجوهرية التي تعالج مسألة اللامركزية ومتطلباتها الاساسية من خلال القراءة النقدية لتطبيقات الحكم اللامركزي في السودان، وتعكس مضاميبن هذه الوثيقة ابعاد البناء الهيكلي المطلوب للمرحلة المقبلة والقادرة علي النهوض بالاعباء الادارية والتنفيذية والتشريعية والتنموية للبلاد. ولكن لمزيد من تكامل الرؤية لاكثر القضايا حساسية يمكن تاجيل موضوع الشكل النهائي (للمؤتمرنظام الحكم الاداري والسياسي) المقترح وما يمكن ان يتمخض عنه من نتائج تشكل حالة توافق لجميع القوي السياسية والاجتماعية في البلاد. وحتي ذلك الحين نري انه لابد من الاخذ في الاعتبار الاسس والالتزامات والمقترحات التالية :
    ? اننا ما زلنا في مرحلة بناء المرحلة الوطنية ومعالجة مخلفات واثار الماضي والحاضر، وهي مرحلة تحتاج مركز قوي يعمل الي استعادة حقيقة الوطن والشعب من خلال التمسك بثوابته ومكتسباته التي ضحي ن اجلها ومن خلال الانطلاق من القضايا المشتركة الموحدة لغالب الشعب والمحققه لوحدته وتطلعاته.
    ? خاصة وان السودان مواجه بمخططات التفتيت والتقسيم وتدويل قضاياه والاستهداف المستمر له بشكل لم يسبق له مثيل، فبعد انسلاخ الجنوب بتدبير وتخطيط بدأت تنتقل الي المناطق الاخري الملتهبة في دارفور والنيل الازرق وجبال النوبة، حيث بدأت سلسلة من الاحداث والطروحات التي تطرح ذات الاليات والصيغ التي تقود الي مزيد من التفتيت، واضعين في الاعتبار متغيرات ما بعد الحرب الباردة التي تعلي من شأن اللامركزية السياسية وفي اتباع نهج سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد والانحياز لطروحات الاقليات في الدعوة للحكم الذاتي او الانفصال، وهذا مما يضيف عبئا كبيرا علي الحركة السياسية في امكانية مجابهة هذه المخططات.
    ? السودان بلد متخلف يحتاج لتنمية شاملة مما يتطلب تحشيد الامكانات المادية والبشرية وتوجيهها لاحداث تنمية متوازنة قطاعيا واجتماعيا وجهويا، بينما الحكم الفدرالي و شعارات توزيع السلطة والثروة تعني تفتيت وتشتيت الامكانات بحيث تعجز عن التنمية وتضعف الموارد والمنصرفات. لذلك فأن المرحلة القادمة تقتضي التقشف في الصرف وضغط الاتفاق علي الجهاز الحكومي لتوفير فوائض للخدمات والتنمية وذلك من خلال اعادة النظر في الجهاز الاداري المتضخم والمترهل اصلا، مع اعتماد العمل الطوعي في مشاركة الشعبيين في مؤسسات الحكم اللامركزي.
    ? وفي ذات الوقت فأن اللامركزية سواء بمفهومها التفويضي او التخويلي لا يجب ان تعني بديلا او نقيضا للمركزية كما هو متعارف نظريا او تقليديا، اي لابد من توخي ومواءمة وموازنة العلاقة بين المركز وبين المحليات او الاقاليم بما يكفل ويحقق المحافظة علي الوحدة الوطنية. ان ذلك يتطلب اعادة النظر في الصيغ الادارية القائمة والتي تقوم علي اسس ومعايير غير موضوعية.
    ? وانطلاقا مما تقدم فاننا نقدم صيغة المقترح التالي لادارة الدولة في المرحلة الانتقالية:
    1- الابقاء علي الشكل الرهان للحكم اللامركزي والولايات القائمة في المرحلة الانتقالية وذلك لحين التوافق علي اسس لنظام الحكم واجراء الانتخابات المحلية العامة.
    2- يتولي (الاداريين) في هذه الفترة مسؤولية الجهاز التنفيذي الذي يعين من قبل قوي الاجماع الوطني من الاشخاص المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والعفة.
    3- تتولي قوي الاجماع الوطني المسؤولية التشريعية والرقابة علي اداء الجهاز التنفيذي.
    4- تحدد قوي الاجماع الوطني التي تتحول الي هيئة تشريعية الفترة الانتقالية ومهامها والتي من ضمنها اجتثاث الفساد ورد المال العام المنهوب واستعادة مؤسسات الدولة، والاعداد للمؤتمر الاداري، والانتخابات العامة والمحلية.
    2013

  5. القواقع البشرية التي تدير خراباً سياسياً ما يطلق عليه حزب (العبث) العربي عليها ان تعلم ان السودان دولة افريقية, لذا عليهم ان يذهبوا الي اسيادهم الي العراق ويقدموا طاعة الهوس العروبي.

  6. استفرب جدا عندما اسمع بان هناك من يعتقد بان ما قام به مني لم يكن من دواعي العنصرية واهداف جهوية خاصة بشريحة معينة . كل الاعال التي قاموا بها تثبت ذلك زمنها مثل تخريب بلاد الغير نهب ممتلكات الاخرين وتهجيرهم واقصائهم وكان واضحا اثناء وصولهم للقصر والوظائف والتعامل.
    نحن لانرجو منه الصلاح والاندماج بل الحسن منها المؤتمر الوطني بكل سلبياتها قد يتعايش الناس معها
    هذا المقال رخيص جدا يهدف لغسل الماضيولكن الماضي قد تغير فسيولوجيا قد لا يرجغ كما كان لان الناس قد عرف نواياهم والكل يخم الاخر لكي يذيد في اسهمه
    اللهم ولي من يصلح

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..