العيد و منافذ مشرقة بالأمل

كل عام و الأمة الإسلامية في أفضل حال، و الأمة السودانية علي وجه الخصوص مفعمة بالأمل و الحياة، و قادرة علي تجاوز تحدياتها و محنها و أزماتها، و رغم إن العيد هو فرحة الصائم بأداء ركن مهم من أركان الإسلام، و تجديد عهد بين المسلم و ربه، مواصلة للسير علي الصراط المستقيم، و أيضا هو بناء عهد بين الإنسان و إخوته في الوطن، أن يكون الحب و الود هو العهد الرابط بينهم، فالعيد ليس كما درج الناس غير المتفائلين بالقول ” بأي حال عدت يا عيد” فالعيد يجب أن يكون كما درجنا أن نلبس أولادنا و أنفسنا كل جديد، و الجديد هو تجديد للحياة و إقبال عليها بأفق واسع، و عقول مفتوحة، و صدور رحبة، و العيد يجئ بعد شعيرة فيها من الجهد النفسي و الجسدي، فلابد أن تحمل جديدا، و كما قال الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام ( تفاءلوا خيرا تجده) و التفاؤل هو معقود بالإيمان بالله، لأنه هو وحده القادر علي أن يقول للشيء كن فيكون، فالأمل معلق بما نقدم و نبذل من العمل لفعل الخير، و تحقيق السلام، و هو بأيدينا، إذا كنا فعلا مقبلين علي الله، من أجل التمسك بتعاليمه و فروضه علينا، أما إذا كان إقبالنا علي الصيام مباهاة و من منٌ و أذي، فلا يحمل العيد جديدا، و يعود كما كل مرة، لآن العيب فينا و ليس في العيد، هذا مثل الذي غشي في الامتحان و نجح، و من اجتهد أيضا و نجح، فأي منهما تكون فرحته أكبر، و إقباله علي التعليم يكون أوسع و أرحب، الذي اجتهد و نجح لآن النجاح نظير جهده الذي يساعده علي بناء الحياة الكريمة المباركة من الله، و الذي غش و نحج سوف يبني حياته كله علي الغش.
فالانتهاء من شعيرة الصوم، و إقبالنا علي الحياة، يعتمد علي المخزون الروحي، الذي كسبناه من مجهود الصوم، و بقدر هذا المجهود تكون فرحتنا بالعيد، و يكون إقبالنا علي مواجهة تحدياتنا، فنحن أمة لم تكتمل أركان وحدتها، ليس الجغرافية، و لكن الثقافية و الوجدانية، لذلك النزاعات و المشاكل و الحروب تآكل من رصيد هذه الوحدة الوجدانية، و الجنوح للعنف أصبح ميول العديد من النخب، و هي تعطيل للعقل، و إذا استخدم العقل عند البعض، يكون بهدف خدمة مصالح خاصة دون العامة، فالنظر دائما يكون تحت الأقدام، لذلك تأتي أجيال بعد أجيال و ترث ذات المشاكل و التحديات، و ترفع ذات الشعارات وتتبادل المواقع و لكن ” محلك سر” و كل ذلك نتيجة لأفعالنا و ما جنته أيدينا، نحن محتاجين لكي نغير طريقة تفكيرنا، و تغيير مناهجنا، بعد ما ثبت إنها عقيمة لا تساعدنا علي تجاوز عتبات تاريخية وقفنا أمامها طويلا، و هي مشكلة في الجانبين السلطة و المعارضة، و كان المؤمل أن تبرز نخب جديدة من وسط هذا الحطام، أجيال مبدعة، قادرة علي تجاوز الحواجز التي شيدناها بأنفسنا، لكي تعيق مسيرتنا نحو السلام و التنمية، و العيد يجب أن يكون بداية لمراجعة الذات بتجرد، و ندرس تاريخ الشعوب التي وضعت رجلها في سلم الحضارة، كيف استطاعت أن تتغلب علي مشاكلها، و تتجاوز عقباتها.
في خطاب الرئيس عمر البشير بمناسبة العيد، دعا إلي حوار، و حوار مجتمعي بين القوي السياسية، و الحوار المجتمعي كان من المفترض، إن يكون هو الأساس الذي يراهن عليه الجميع، و لكن ليس بالطريقة التي تريد السلطة أن يسير عليها، لأنه سوف يتحول إلي حوار نخبوي، خاصة إن السلطة تحاول أن تختار الذين يشاركون فيه، و هذا التصور سوف يخل بمبدأ الحوار المجتمعي، و يحصره في عدد محدود، و كان من المفترض، إن يتم الاستفادة من الأندية و الدور في الأحياء لخدمة الحوار المجتمعي، و أن ينظم الحوار في الأحياء، لكي يتحول الحوار من حوار نخبوي إلي حوار جماهيري، تشارك فيه قطاعات واسعة من الجماهير، علي مختلف ألوانها و مدارسها الفكرية، باعتبار إن المشكلة تكمن أيضا في الجمود، الذي حدث للقوي السياسية، التي سدت منافذ التقدم لقمة الهرم الذي بات محتكرا لقيادات تاريخية، نضب خيالها، و فقدت القدرة علي الإبداع، و لكنها لا تريد أن تغادر مواقعها، لكي تفتح الطريق للأجيال الجديدة، هذه الإشكالية، يمكن أن تتم معالجتها من خلال الحوار المجتمعي المفتوح، و ليس الحوار المجتمعي بتصور السلطة، الذي يتحول لحوار نخبوي، لا يستطيع أن يتجاوز عقلية النخبة، التي تعاني من حالة من الضمور.
فإذا أردنا أن يكون العيد بداية تصور جديد للحياة، من خلال فتح نوافذ الأمل المشرعة التي ترحب بالأجيال الجديدة و الأفكار الجديدة، و هذه يمكن أن تتم من خلال الحوار المجتمعي، إذا شاركت فيه قطاعات الجماهير في الأحياء، و دفع بقيادات جديدة من الأجيال التي تحمل تصورات جديدة، تتجاوز التاريخ بكل معاناته، و تتجاوز الإرث السياسي المليء بإخفاقات، و هي أجيال تتجاوز الضغائن و المؤامرات التي صنعتها القيادات التاريخية ، و نسأل الله البصر و البصيرة.
نشر في جريدة الصيحة بالخرطوم
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..