إعدام مؤسسات الخدمة المدنية التي تحكم المال العام حوله لمال سايب

تناولت في المقالة السابقة أهم المستعيرات التي أصابت المال العام في مقتل وهو التجنيب هذا المصطلح الجديد الذي وفد فجأة على المال العام والذي تسبب في أن يصبح الجزء الأكبر من المال العام تحت قبضة المسئولين بالوزارات والمؤسسات والمصالح التي تملك التجنيب والتصرف في ما تجنبه بل بعيدا عن وزارة المالية التي ظلت منذ أن أسسها الانجليز تمثل الضمان لترشيد أوجه صرف المال ا لعام تحت ضوابط صارمة لا تسمح لجنيه واحد أن يفلت منها ولا يأخذ طريقا آخر بعيدا عن رقابة وزارة المالية والتي تحكمها الميزانية التي تجيزها اعلي مؤسسات السلطة التشريعية والتنفيذية التي تحكم أوجه صرفها مما مثل واحدا من اكبر عوامل الانهيار الاقتصادي لأنه افقد الدولة السيطرة على موارد المال وأوجه صرفه تحت الرقابة المالية الصارمة لهذا فان أول خطوات الإصلاح الاقتصادي هو أن يعود المال العام لمكانه الطبيعي تحت الرقابة الصارمة للميزانية وللمراجع العام وهو ما تشككت في قدرات وزير المالية أن يعيد هذا المال لمكانه الطبيعي كنقطة أولية وجوهرية لأي إصلاح اقتصادى حتى تحكم الميزانية كل أوجه المال العام وارداً وصادراً

ومع هذا فان الضربات القاضية للسيطرة على المال العام لم تقف عند التجنيب ومضاره وحده فلقد اتسعت دائرة الفوضى المالية للعديد من المؤسسات الرسمية التي كانت تتولى بمهنية عالية التحكم في أوجه صرف المال العام بما تحققه من هيمنة مركزية على أوجه صرفه وفق الأوليات والضروريات بما يصب لصالح السودان الوطن وللمواطن وليس لصالح طبقة معينة من المسئولين في بعض المؤسسات الرسمية
ولعل اخطر ما عرض المال العام للانفلات يتمثل في مظاهر عديدة لابد لوزير المالية وللدولة في أعلى مستوياتها أن تعيد النظر فيه إن كانت حقا بصدد إعادة الهيبة للمال العام

-وأول هذه الإصلاحات إلغاء بدعة العقودات الخاصة التي أصبحت مصدرا لتميز بعض الموظفين كطبقة خاصة في الدولة لا تخضع شروط خدماتهم وتوظيفهم كمسئولين عن إدارة إي مرفق من مرافق الدولة للائحة العامة وإنما باتفاقات خاصة تبرم مع شخوصهم بما يسمى العقد الخاص والمعنى به إن مرتبات ومخصصات المميزين بهذه لعقود لا يخضعون للائحة الخدمة المدنية العامة التي ظلت تحكم مرتبات ومخصصات العاملين في جهاز الدولة على كل المستويات بنظام عادل ومحكم تتساوى فيه كل الدرجات الوظيفية التي تحكم كل العاملين في الدولة تحت سيطرة الميزانية

لهذا فلقد أدت هذه البدعة إلى أن تفقد عقودات العاملين تحت العقودات الخاصة لما يتعدى عشرات الملايين من الجنيهات شهريا وهو ما لا تسمح به لوائح الخدمة المدنية التي كانت تحكم وتساوى بين كل موظفي الدولة ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحد فلقد تبع العقود الخاصة بجانب المرتبات التي تفوق عشرات الملايين بل قد تقارب المائة مزايا ومخصصات إضافية لم تكن تسمح بها لوائح الخدمة العامة عندما كانت تحكم الجميع والتي تضمن مساواة كل العاملين في الدولة حسب الدرجة الوظيفية لهذا لابد أن يصحب إلغاء التجنيب إلغاء العقودات الخاصة لعدم وجود أي مبرر لها حتى يخضع العاملون في الدولة لنظام واحد عادل يساوى بين الجميع في الدولة ليكتبوا نهاية التميز لموظفين ربما يكونوا من ذوى كفاءات ادني من زملائهم الأعلى مسؤولية منهم
ثانيا بجانب ما أوردته في المقالة السابقة عن دور إدارة المشتريات بالمالية عن ضبط كل مشتروات الدولة فان هناك مصالح كومية ظلت
قبل إعدامها تلعب دورا جوهريا في التحكم في أوجه التصرف في المال العام تحت ظل الميزانيات مما يستدعى الوقوف في معالجتها بجدية لتعود لممارسة مهامها

ولقد حملتني الصدف أن الطالع أول أمس خبرا عن قرار أصدره والى الجزيرة السيد إيلا وتوقفت فيه كثيرا قرر فيه إيقاف شراء أي أثاثات لمكاتب الولاية ومنازل الموظفين ولاشك انه اكتشف ما تستنزفه هذه التصرفات من إهدار لمال الولاية وهى في اشد الحاجة إليه وتوقفت بشكل خاص عند هذا القرار لأنه ما كان ليحدث لولا إن مصلحة المخازن والمهمات التي كانت تتحكم في كل احتياجات أجهزة الدولة أعدمت بين المصالح الحارسة للمال العام التي وادت.

فمصلحة المخازن ظلت هى المسئولة عن سد احتياجات كل الهيئات الحكومية من صناعتها المحلية أو بشرائها تحت ضوابط لائحة المشتروات الرسمية تحت وزارة المالية لهذا كانت المخازن بجانب استيعابها لعشرات المئات من الفنيين العاملين في تصنيع احتياجات الدولة من نجارين وحدادين وترزية تضمن توفيرها من الصناعة المحلية وبأيدي سودانية لهذا جاء إلغاء هذه المؤسسة الهامة كارثة بكل المقاييس على المال العام بعد أن انفرط العقد وأصبح المسئولين يؤسسون مكاتب الدولة من محلات الأثاثات الفاخرة التي انتشرت والمستوردة من الخارج دون أي ضوايط فنية ولعلني بهذه المناسبة أحكى لكم يوم تمت ترقيتي لمفتش في الدرجة دى اس بوزارة التجارة فلقد تقدم نحوى باشكاتب الإدارة وطلب منى أن اخلي الغرفة وعجبت لتصرفه ولكنى رايته يحمل (الطاولة الخشبية) التي كنتا اجلس عليها بصفتي مساعد مفتش ولم يكن بها غير درج واحد ومصنوعة من الخشب بأيدي نجارين سودانيين يعملون في المخازن واستبدلها بطاولة خشبية من المخازن أضيف لها قطعة قطيفة لتجمل شكلها مع إضافة درج خشبي ثاني وقال لي هذه هي الطاولة التي استخقيتها من المخازن للدرجة دى اس

انظروا اليوم مكاتب السكرتيرات مفروشة بأفخم الأثاثات المستوردة والتي تستبدل كل سنة بما هو أفخم منها ولا داعي للحديث عن ما في مكاتب المسئولين من أثاثات بملايين الجنيهات تشتريها المؤسسات بطريقتها الخاصة من المال العام بعد أن أعدمت مصلحة المخازن وإدارة المشتروات التي ما كانت تسمح للوزارات بشراء م ورقة أو قلم من السوق قبل إلغاء المخازن والمهمات؟

وهذا قليل من كثير وكونوا معي لتقفوا على ما ترتب على إعدام النقل الميكانيكي ومصلحة الأشغال وغيرهم من المؤسسات الرقابية على المال العام.

تعليق واحد

  1. تأكيدا لمقال السيد/ النعمان انه كانت حتى أزيار ماء الشرب قبل أن تحل محلها البرادات , تطلب من مصلحة المخازن والمهمات فى الخرطوم بحرى التى كانت مسؤلة عن امداد كل الوزارات والمصالح حتى فى الأقاليم باحتياجاتها . وبمناسبة اراضى المخازن والمهمات والنقل الميكانيكى والنقل البحرى اين هى الآن ؟ سمعنا بأنها تم بيعها فمن اشتراها وكيف تمت عملية البيع ؟ وهل تم توريد ثمنها الى الخزينة العامة ؟ الخ …..

  2. كان كل شئي متين الصنعة فهو صنع في إنجلترا Made in England. كانت هذه العبارة جواز المرور و الضمان لأي منتج صنع في إنجلترا و معروض في السوق.
    الطاولة, أي التربيزة التي جلست عليها عندما إلتحقت بوظيفة مساعد مفتش في حكومة السودان في عام 1985م, جلس عليها العشرات قبلي و كانت بحالها حتي إغتربت في منتصف التسعينات.
    كانت الرقابة مفروضة علي صرف المال العام و بالتالي كان كل شئي في مكانه.
    أما اليوم فقد إنعدمت الرقابة و إنفرط العقد.و بالتالي يمكن لوكيل أول الوزارة أو مدير الإدارة أن يصدق لسكرتيرته بتجديد الثاث أو إستغلال السيارة الفلانية,إذ رغب أن يتزوج هذه السكرتيرة أو رغب إبنه أن يناسب هذه الأسرة أو تلك التي تنتمي إليها سكرتيرته الحسناء!!!!
    لقد لخص الشاعر مفهوم الرقابة في بيت واحد من الشعر فصيح:
    ما ضاع قط درهم بحسا +++++ و ألوف بلا حساب تضيع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..