مازال على بريطانيا توضيح وتحمل مسئوليتها في إجهاض انقلاب 19 يوليو 1971م

القضية التي رفعها مؤخراً الناشط في مجال حقوق الإنسان الأستاذ علي العجب ضد الحكومة البريطانية بسبب دعمها لحكومة البشير ونظامه المعروف بانتهاكاته الفظيعة والمتواصلة لحقوق الإنسان خاصة في مناطق الحروب، هذه القضية تثير مجدداً الأسئلة حول الدور البريطاني في دعم الأنظمة الشمولية في السودان والذي يأتي كامتداد لدور بريطانيا كمستعمر سابق، اختلفت أدوات وأشكال هذا الدور لكن جوهره ظل ثابتاً وهو الإبقاء على السودان تابعاً وقابعاً لبريطانيا وحلفائها في المعسكر الرأسمالي. فالهلع الذي أصاب الاستخبارات البريطانية ومثيلاتها عشية 19 يوليو 1971 عقب نجاح انقلاب الشهيد هاشم العطا ورفاقه قد دفع بهم لارتكاب أقبح أنواع التدخل في شأن دولة مستقلة. فالاستخبارات البريطانية وبالتعاون مع الحكومتين المصرية والليبية تدخلت وبصورة مباشرة لعودة السفاح نميري ونظامه للحكم وإغراق السودان في بحر من الدماء ودعم النظام الشمولي ضد مصلحة شعب السودان حتى أطيح به في انتفاضة مارس/أبريل 1985م. حاولت الحكومة البريطانية التنصل والتنكر لدورها في يوليو 1971 وذلك بإخفاء الحقائق ومحاولات تصوير ليبيا بانها المسئول الوحيد عن القرصنة الجوية التي تمت وإجبار الطائرة البريطانية التي كانت تُقل الشهيدين بابكر النور وفاروق حمدالله للهبوط في مطار بنينة قرب بنغازي في ليبيا واعتقالهما ثم تسليمهما للسفاح نميري الذي قام بإعدامهما. أن الوثائق التي تم الكشف عنها حتى الآن وأقوال بعض الشهود العيان تؤكد أن ما تم مسئولية الاستخبارات البريطانية في المقام الأول من حيث التخطيط والتنفيذ. وللتأريخ وللأجيال الجديدة نكرر أنه وبعد نجاح انقلاب 19 يوليو في السودان، عقد الشهيدان بابكر النور وفاروق حمدالله الموجودان بلندن حينها مؤتمراً صحفياً حول المتغيرات في السودان وأعلنا أنهما سيغادران للخرطوم مساء نفس اليوم 21 يوليو 1971م، وكان ذلك على متن طائرة الخطوط البريطانية BOAC.DC10 وهي الطائرة الوحيدة المغادرة للخرطوم في ذلك اليوم عبر مطار روما. لكن حدث مالم يكن في الحسبان، بعد مغادرتهما لمطار روما أجبرت الطائرة على الهبوط في مطار بنينة الذي يبعد بضع كيلومترات من بنغازي في ليبيا واقتيد الشهيدين من مدخل الطائرة بحجة أن القذافي يود الاجتماع بهما. أي أنه تم اختطافهما في الوقت الذي كان يجري فيه التخطيط للتدخل العسكري لإجهاض الانقلاب ولم تكن بريطانيا بعيدة عنه. إذ تمَّ ترحيل اللواء خالد حسن عباس وزير دفاع نميري الذي كان في زيارة إلى يوغسلافيا ترحيله للقاهرة بالطائرة الخاصة بعميل الاستخبارات البريطانية تايني رولاند مدير شركة لونرو المتعاونة مع نظام نميري، وتنفيذ التدخل العسكري المصري الذي كان له دور أساسي في عودة نميري ونظامه والمجازر التي ارتكبها. ما نحن بصدده الآن هو الدور البريطاني في تلك الأحداث. أن محاولات بريطانيا المستميتة لإخفاء دورها وتدخلها السافر في الشأن السوداني وانتهاك السيادة الوطنية للسودان تدحضها حقائق ما حدث في يوليو 1971م.فالطائرة التي كان على متنها الشهيدان بابكر النور وفاروق حمدالله تتبع لشركة الطيران البريطانية BOAC.DC10 رقم 045. ولم تكشف هذه الشركة أو المخابرات البريطانية أو الحكومة عن قائمة المسافرين في تلك الرحلة بحجة أن الشركة لا يسمح لها الإعلان عن قائمة المسافرين إلا في حالة وقوع حادث، وأي حادث أكثر من إجبار الطائرة على الهبوط واختطاف أثنين من ركابها أحدهم رئيس دولة. الحقيقة أنه لم يكشف عن أسماء المسافرين على متن تلك الطائرة لإخفاء عملاء الاستخبارات والذين شاركوا في تلك القرصنة الجوية من داخل الطائرة سواء أولئك الذين استغلوا الطائرة من مطار هيثرو بلندن أو أولئك الذين لحقوا بهم في مطار روما. دليل آخر على الدور البريطاني في عملية الكاوبويات تلك هي مسألة السماح بهبوط الطائرة في مطار لوقا في مالطا بدلاً عن الهبوط الإجباري في مطار بنينة في ليبيا كما طلبت السلطات الليبية، ثم سحب ذلك الإذن من مطار لوقا رغم أن مطار لوقا كان على بعد دقائق معدودات. الحقيقة أصبحت واضحة عندما تأكد أن شركة الطيران البريطانية نفسها كانت هي المسئولة عن المراقبة الجوية في مطار مالطا. وتدخلت بسحب الإذن بالهبوط في مطار لوقا. ولا يفوتنا الدور الكبير الذي لعبه رجل الأعمال والعميل الاستخباراتي البريطاني تايني رولاند مدير شركة لونرو التي كانت تعمل بالسودان. وكما ورد في كتاب (3 أيام هزت العالم لطارق أحمد أبو بكر) أن تايني رولاند أرسل أحد رجاله المدعو نيكولاس إليوت للتنسيق مع المخابرات البريطانية لمنع بابكر النور وفاروق حمدالله من الوصول للخرطوم. بل أن شركة لونرو قامت بمهمة ترحيل الشهيدين من ليبيا على طائرتها الخاصة حتى تسليمهما لسلطة نميري في الخرطوم. ونال رولاند وشركته مكافأة من حكومة نميري على فعلته تلك بمنحه المزيد من الفرص في الاستثمارات في السودان بما فيها البترول وتم تعيين شركته الوكيل الوحيد لمشتريات السودان من المملكة المتحدة، بل وتمدد تأثيره في السياسة السودانية إذ أن نشاط شركة لونرو ودورها في تلك الفترة هو جزء من النشاط الاستخباراتي البريطاني في السودان بأذرعه الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية. لقد قدم الشهيدان بابكر النور وفاروق حمدالله تجربة فريدة في الشجاعة ونكران الذات في مواجهة تآمر المخابرات البريطانية وذرائعها. فقد ذكر الشهيد بابكر النور لكابتن الطائرة أنه لا يرغب في الخروج من الطائرة كما طلب منه، ولكنه ومن أجل سلامة الركاب والطائرة وافق على النزول حسب رغبة السلطات الليبية (كتاب 3 أيام هزت العالم) ثم اقلعت طائرة الخطوط البريطانية عائدة إلى لندن؟ لقد شكلت أحداث تلك الأيام وما يتبعها معالم بارزة في تأريخ السودان وأحدثت تحولات عميقة في مجمل مسيرته حتى الآن. لذلك ستظل الأسئلة الشائكة تطارد كل الأطراف بما فيها الحكومة والاستخبارات البريطانية في ضرورة الكشف عن تفاصيل دورها وأسماء المشاركين في تلك الأحداث المشينة. ذاكرة الشعب مازالت حية ومتقدة وكل يوم تتجمع المزيد من الحقائق، يحق لشعب السودان معرفة ما تمَّ ومحاسبة من شاركوا في تلك الجريمة البشعة بحق وطن كامل وليس فردين كما أنه من حق أسرة الشهيدين بابكر النور وفاروق حمدالله أن يروا العدالة. إن الحكومة البريطانية ورغم نظامها الديمقراطي الليبرالي وادعاء الدفاع عن حقوق الإنسان في كل العالم وإرساء دولة القانون إلا انها ضالعة في التدخل في شئون الدول الأخرى وفي نهب ثروات الشعوب ورمي الحطب على الحروب المستعرة بمساندة بعض الأطراف وتشجيع تجارة السلاح. ورغم ذلك فإن الحكومة البريطانية واستخباراتها أمام المحك العملي مطالبة بالكشف عن دورها والحقائق في هزيمة 19 يوليو وعودة نظام الردة الدموي كما أنها مطالبة بالكف عن دعم الأنظمة الشمولية والديكتاتورية التي تقهر شعوبها وبناء علاقات مع شعب السودان بما تحقق العلاقات الوطيدة والمصالح المشتركة للشعبين وذلك يتطلب الوضوح والشفافية ودعم نضال شعب السودان وحقه المشروع في بناء دولة المواطنة ومن أجل الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
+++++
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. نظريا يجب شكر بريطانيا على كونها اجهضت انقلاب عسكري “كما سمته الكاتبة”، وهذا يحسب لبريطانيا كدولة ديمقراطية، هذا بالطبع بغض النظر عن انه انقلاب ضد انقلاب وبغض النظر عن المؤامرات الاستخباراتية والمصالح الدولية.
    عوضاً عن التأسي النرجسي على انقلاب فاشل ضد انقلاب أقشل وبدلاً عن التمرغ الرومانسي الحزين في ذكريات غامضة وبعيداً عن تأليه أو شيطنة رجال انقلاب يوليو، حقو الحزب الشيوعي، بوصفه حزب علماني مؤسس على نظرية علمية، يخرج على الشعب السوداني بتقييم موضوعي شامل يوضح فيه دوره كحزب في الانقلاب وموقفه منه “إن لم يكن له دور فيه” ولماذا فشل الإنقلاب “إن كان لهم دور فيه”، وينسونا من حكاية ” شرف لا ندعيه وتهمة لاننكرها” و” يا هاشم الصاح يا خطأ”

  2. للمعلومية الطائرة ليست !( DC 10) انما ( VC 10) طائرة من طراز
    وهي طائرة بريطانية الصنع VISCOUNT كانت تسخدمها الخطوط البريطانية لما وراء البحار اختصارا( BOAC) احيلت الان للتقاعد بينما الأولي امريكية الصنع احيلت للتقاعد بسبب حوادثها الكثيرة وتنتجها شركة ماكدونيل دوقلاس صانعة مقاتلات اف 15 الشهيرة الغريبة ان المقاتلات ناجحة لكن الطائرات المدنية خلاف ذلك….

  3. مسئولية بريطانيا لا تنحصر علي تلك الجريمة و لكن علي مذابح السودانيين في كرري و في إستباحة أمدرمان لمدة ثلاثة أيام بعد هزيمة الخليفة و عقب ذلك في إغتيال الخليفة بدلاً من الإمساك به – خاصة و قد إستسلم و بعد ذلك في إغتيال أبناء المهدي و في الكشات التي قامت بها السلطات البريطانية في أم درمان لأخذ الشباب و تسخيرهم في الزراعة و في حصاد المحاصيل لدعم المجهود الحربي خلال الأربعينيات.ربمابعضهم أطفال !!و في إتفاقية مشروع الجزيرة و التي ما زال يعاني منها الكثير من السودانيين- إنتشار أمراض مثل البلهارسيا و الملاريا و عمل في التنمية فاشل بشهادة البريطانيين Gezira Project

    The Illusion of Development
    للكاتب بارنابي .
    إذا عندنا محامين جيدين و بعرفوا يشتغلوا كل هذه قضايا يمكن للسودان أن يحصل علي تعويض في مقابلها.تماماً مثلما عوضت إيطاليا ليبيا !!

  4. نفخ فى قربه مقدوده من عبدت الماضى .وعقول عاجزة غير مواكبت الحاضر .هاشم .نميرى .المهدى. انتقل جميهم للرفيق الاعلى ونحن احياء نرزق قذفت بناء كل الحكومات الى قاع الامم .فلما لا نعمل للوطن والاجيال القادمه.اليابان كاد ان تتلاشى بفضل هيراشيما فقامت بعزيمه ابناها مرة اخرى ….عليه اناشدكم الكف عن الاحاجى والخرافات.

  5. كل ما نعيش اكتر نعرف اكتر عن النظام المايوي البشع والي بسببه نعيش الان في مستنقع لا يمكننا الخروج منه

  6. منوره يا دكتوره امال وننتظر الكثير منك عن فترة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ونضالك من خلاله ابان فترة نميري في تلك الفترة العصيبة
    كما نتمنى ان تكتبي عن تصفية الدكتور جون قرنق دي مبيور لأننا لم نعرف الكثير عنها وهل لامريكا وبريطانيا دور في التخلص منه ودفن مشروع السودان الجديد؟

  7. الأسئلة الحيرى:
    هل شارك أو ايدالحزب الشيوعي في انقلاب النميري في 25 مايو 1969؟
    هل شارك أو أيد الحزب الشيوعي انقلاب يوليو 1971؟
    إذا كانت الإجابة على السؤالين بنعم فلماذا يستنكر الحزب الشيوعي اليوم انقلاب الانقاذ 1989؟ فهذا انقلاب وذاك انقلاب؟ والبخلي دي رجل ودي كراع شنو؟
    وإذا كانت الاجابة على السؤالين بلا فلماذا دائما ما نستبين من خلال كتابات الشيوعين دفاعاً عن الانقلابين مايو 1969 ويوليو 1971؟
    فهم تارة يقولون إن انقلاب يوليو 1971 تم دون موافقة الحزب الشيوعي وأنا أميل لتصديق ذلك ولكن لماذا الدفاع عن من قاموا به إذا كانوا هم أعضاء في الحزب ولكنهم خرجوا عن توجيهاته في أمر مهم وحساس مثل هذا؟
    والسؤال المطروح اليوم هل يؤيد الحزب الشيوعي الانقلابات العسكرية أم لا؟ وهنا أعني كل الانقلابات العسكرية وكل من شارك فيها أو خطط لها أو حتى رواده الحلم من العسكريين بالقيام بانقلاب عسكري… والاجابة الواضحة والصريحة على هذا السؤال تشكل مربط الفرس الذي يجعل كل من يعارض الانقاذ يشعر بالإضمئنان على نوايا الحزب الشيوعي وكل قبائل اليسار وهو يضع يده في أيديهم.
    يا عالم أكبر أخطاء سياسية أدت ببلادنا إلى الهاوية التي تعيش فيها اليوم هي الانقلابات العسكرية بغض النظر عن من قام بها.
    فالسرقة سرقة بغض النظر عن من ارتكبها.

  8. و الله دى مشكلة كلو زول شتت من السودان و يلقا ساعتين تلاتة فضا ينظر عن التاريخ و المسؤلية …نحن اسا فى الكارثة العايشنها اما انقلاب 71 فعيب بعد كل السنين دى نجيب كلمة انقلاب لانو ما كان جاب خير و هو ليس بافضل من منقستو ولا اى شمولية تزامنت معه من القذافى الى الاسد و ولا حتى ارتريا و لا تشاد فما فى داعى ينط كا زول و يسمى من ينتمون لى فكره شهداء نحن هرمنا من هذه الخرافات يا ريت كان السودان دا كان مملكة على الاقل كان عرف موقعو السياسى بس كل ما يجى درويش احفادو يبقوا امراء و كل ما يظهر رافض للدراويش يبقوا هم مناضلين..الافضل التركوا السودان يساعدونا بى عدم زيادة القرف و يشوفوا مستقبل ابناءهم الذين لن يعرفوا حتى شارع الجمهورية و حتى ابناء ضحايا انقلاب 71 هم ابعد عن الوطنية اللهم الا من رحم ربى و حتى هذه الوطنية تنبع من فقدانهم اباءهم فى لحظات ظلم و صراع سلطة..هذا ليس تبخيسا لدور بعض المناضلين..لكن نحن فى البحلنا الليلة من الطامة دى شنو و ليس فى دور بريطانيا سابقا و لكن فى دور امريكا حاليا و اعوانها لتمديد هذا الكابوس حتى تحقق اجندتها

  9. هذه قضية واضحة المعالم ضد السيادة الوطنية السودانية وقرصنة دولية ضدمواطنين سودانيين فأين نقابات المحامين وأين حقوق الإنسان كان من المفروض أن ترفع قضايا ضد المخابرات البريطانية وضد الخطوط البريطانية حسب القانون الدولي وأيضاً ترفع قضية في محكمة لاهاي .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..