حفار قبور السياب وحفار قبور السودان

بدر شاكر السياب شاعر عراقي راحل، وهو أحد رواد الشعر الحديث بل هو عظيمهم الذي علمهم الشعر الحديث . وللسياب قصيدة طويلة تسمي حفار القبور، وهي روائع شعره وتحكي عن تعارض المصالح بين شخص فرد ومجتمع عريض بالآلاف حوله يدعون لأنفسهم بالصحة وطول العمر ويدعو عليهم بالمرض وعاجل الوفاة .يتمنون أن يرفلوا في ثياب الصحة ويتمني أن تفتك بهم الأوبئة . ففي موتهم حياته وبدونه مماته، فإن لم يموتوا إنقطع عمله فلم يجد ما ينفقه علي طعامه وملذاته من الخمور والنساء، وحين يفرغ جيبه، ويكسد سوقه، فلا يجد ميتاً يتكسب بدفنه، يتمني أن تفتك الأوبئة بالناس وتطحنهم الحروب، فحياته عنده أهم من حياة الآلاف سواه، بل أهم من حياة الملايين، وسلامته ومباهجه تهون في سبيلها نفوس غيره وإن تعددت .والصور في القصيدة كثيرة ومتعددة ولكن موضوعها واحد رغم طولها، وهو تعارض مصلحة فرد مع مصلحة جماعة فيختار مصلحته .وسبب عرضي لموضوع قصيدة السياب أني أجد في المشهد السياسي السوداني لها شبيه ،فلو أحسنا الظن في أهل الإنقاذ الوطني و مؤتمرهم الوطني، بأنهم لم يريدوا إلا إصلاحاً ،ولم يريدوا علواً في الأرض ولا فساداً ،فقد ثبت لهم فشل سعيهم في إصلاح حياتنا وتحسينها بل خربوها، واليوم بعد ستةً وعشرون عاما بالحكم، أسكتوا فيها كل صوت عداهم، وطردوا كل ذو رأي سواهم، وذلك في أحسن الأحوال مالم يناله ما هو أقسي، وبعد كل هذه السنين ليس لدينا سوي حصاد زهيد، وضاع من أعمارنا وعمر بلادنا ستة وعشرون عاماً، يزيد فيها ما خسرناه عن ما كسبناه، وإزددنا فقراً ومرضاً، زاد ما تأخذه الدولة وقل ما تعطيه، وكل يوم يسوء حالنا عن الذي قبله، وتتعاظم مصيبتنا في الذي يليه، وبعد أن كنا نكرم ضيفنا بنحر العشار، عزّ علينا شراء كيلو لحم لإطعام الصغار، فلزنا بالفول ولكن حتي الفول أضحي صعباً مناله لا يستطيع كثيرون إليه سبيل، وإكتفي سواد الناس بمائه، ولتألفه بطونهم ونفوسهم أسموه بوش، وربما أرادوا بيش فأخطاؤها، وحتي الطماطم التي كانت حاضرة في كل الموائد حتي البوش كانت تخالطه لتجمله وتكمل بعض نواقصه، أضحت شيئا عزيزا وطعاما نفيسا لا يطاله الا ذوي الحظ العظيم، وبات وليس لمعظم الناس إليه سبيل، ورغم تضاعف كل شيء أضعافا عديدة إلا المرتبات، فلسان حال الدولة يقول العين بصيرة واليد قصيرة، ويقسمون ما يجبون ويجمعون ثلثا لغدائهم وثلثا لعشائهم والباقي لفطارهم، أما الشعب فيكفيه التمسك بفضيلة الصبر، وإحتساب البلاء وإنتظار الأجر، ولا أمل في إنفراج علي يديهم، فكثير من دول العالم تحاربهم في العلن أو الخفاء، بمنع المساعدات والبضائع والإستثمار عنهم، فقد إبتدروا الناس بالعداوة القريب قبل الغريب، فكلنا يذكر المؤتمر الشعبي قبل أن يصير حزبا،ً ومن يزرع الشوك لن يحصد العنب. والآن إنكشف وبان أن صلاح الحال علي يديكم أيها الأخوان أصبح من المحال، فليس بيدكم ما يعين في صلاح، والعالم يمنع عنكم كل عون، والموارد علي قلتها يذهب معظمها في الصرف عليكم وبطانتكم وحمايتكم، ولم يعد صالح البلاد والعباد يشغل بالكم، وإنما فقط مصالحكم وأمنكم، وخلاف ذلك لم يعد يهمكم . ولكنكم تخاطرون، تخاطرون بتمزيق بلادكم، وموت شعبكم، وحفظ سلامتكم، فأشراط الطوفان حاضرة، وأسباب الإنفجار كثيرة، ففاوضوا علي خروجكم وسلامتكم ودعوها ليجرب سواكم، ربما يفتح الله علي يديه، وكفاكم أن حاولتم وما كسبتم، وكفانا ما نالنا منكم، ولا تكونوا حفار قبور تعنيه فقط حياته وإن ثمنها ثمنها موت شعب وتمزيق وطن والسلام

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..