لو تقدر يا مكاوي.!ا

حاطب ليل

لو تقدر يا مكاوي!!

عبد اللطيف البوني

في كل زحمة التشكيلات المشكّلة والتعيينات المعينة لم يستوقفني إلاّ تعيين واحد وهو تعيين الباشمهندس مكاوي محمد أحمد مديراً عاماً لسكك حديد السودان، وحمدت الله أنه لم يعيّن وزيراً للسكة الحديد فـ (البلد اليومين ديل راكبها) جن اسمه الاستوزار، فقد أصبح للكهرباء وزير وللخزانات وزير وللسدود وزير وللطرق وزير والاتصالات وزير.. فالشخص يكون موظفاً مدنياً بـ (الكاد) تجد عنده سكرتيرة.. يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.. ويسوق السيارة بنفسه ويستمع لترباس وهو يغني (ست اللهيج السكري)، ويكابس في العلاوات وبدل السفرية، فجأةً يعيّن وزيراً وتصبح لديه رتل من السيارات وحوله عدد من موظفي المراسم، هذا يفتح باب السيارة وذاك باب المكتب وثالث يحمل مناديل الورق والنوتة ورابع مُكلف بشؤون البيت وعدد من السكرتيرات، وسواق بلبس خاص ويستمع لأشرطة المدائح بالأورغن، وقبل (الترطيبة) كانت أناشيد الدفاع الشعبي..! عودة الى موضوعنا، فتعيين مكاوي يعني أنّ الدولة بدأت تهتم بهذا المرفق الذي بهلاكه أهلك الاقتصاد السوداني وأدخل العناية المكثفة، فمكاوي أثبت نجاحاً مقدراً في إدارته للكهرباء وقفز بها قفزات كبيرة للأمام، كما أنّ طريقة عزله وتوقيتها أكسبه تعاطفاً شعبياً عاماً، وقد وقفت معه الصحافة (وقفة جَد) رغم أنّه كان لا يحب الصحافة ولا الصحفيين، وقد أظهر تبرمه من نقدهم للكهرباء كثيراً، فالآن في موقعه الجديد لن يتبرم منهم لسبب بسيط لأنّ السكة الحديد ماتت وشبعت موتاً، فإن أعاد لها مكاوي بعون الله شوية روح سوف نغني له قائلين: (من بف نفسك يا قطر مكاوي/ يا جايي من بيت الكلاوي/ أنا عندي ليك حكاوي/ بالكيلة والملاوي)، أما إذا فشل لا سمح له فلن يغني له أحد: (القطر الشالك إنت يدشدش حتة حتة)، لأن الموت هو الحالة الطبيعية. ترك الانجليز ثلاثة معالم يضرب بها المثل في تطور الخدمة المدنية ورقيّها وهي مشروع الجزيرة (لاحظ أننا لم نضعه في خانة الاقتصاد بل في خانة الإدارة وهذه قصة أخرى)، وسكك حديد السودان ثم جامعة الخرطوم والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه الثلاث (لحقن أمّات طه) ولم يعد منهن إلاّ الذكريات خاصة السكة الحديد، لأن الأغاني خلدته (القطر القطر نويت السفر) و(وينو الحبيب إنت شلتو جيبو يا القطار) و(القطار المَرّ فيهو مَرّ حبيبي) و(قطاره إتحرّك شوية شوية) و(قطار الشوق متين ترحل).. إنّ تدهور هذه المرافق يثبت فشلنا نحن السودانيون في إدارة الدولة وقدرتنا على تحطيم مؤسسات الحداثة بما لدينا من موروثات بالية. السكة الحديد قتلها نظام نميري قتلاً عمداً مع سبق الإصرار والترصد ولأسباب سياسية وهذه قصة معروفة للجميع، ولكن كان في مقدور الإنقاذ إنقاذها لو أنّها فقط أعطتها عطاء نقل مواسير خط أنابيب النفط من بورتسودان للأماكن التي تصلها ولكن سامحها الله لم تفعل، كما أنها بخلت عليها بجزءٍ من عائدات النفط ذات البخل الذي مارسته مع مشروع الجزيرة والجامعات ومراكز البحث العلمي ثم مارست فيها ضروباً من الإدارة تتراوح بين الخصخصة والملكية العامة، فالآن يشكو العاملون فيها لطوب الأرض من هضم حقوقهم ومعاشاتهم، لا أدري ماذا سيفعل مكاوي بجنازة البحر التي أصبحت لا سكة ولا حديد..؟ ولكنني أجبر نفسي على التفاؤل فـ (سيد الرايحة يفتح خشم البقرة)، فأنا من الجيل الذي له سكة حديد (رايحة)، فقد عاصرت مجدها وركبت المحلي والكليتون ورايت كيف تنقل البضائع بربع قيمة النقل بالعربات ورايت كيف يضبط الناس ساعاتهم على صفارة قطاراتها.. (فهل من عودة تاني أم هي مستحيلة)..؟

التيار

تعليق واحد

  1. عودة مستحيلة جدا وكذلك مشروع الجزيرة وكذلك الجميلة ومستحيلة ولكن نتفاءل عسى ولعل
    والله اعلم .. بلد فيها 77 وزير من غير المستشارين وبرضو تقول لى عودة يادكتور

  2. لايبدل الله مابقوم حتى تتطهر نفوسهم وتصفى وفى حالتنا لايتغير السودان ويرجع لعافيته لو ماغيرنا الانقاذ

  3. يا دكتور السكة حديد اين هي التي تحكي عنها القضبان سقفوا بيها البيوت والفلنكات عملوها فحم، ومشروع الجزيرة الله اطراهوا بالخير وجامعة الخرطوم طلابها ما عارفين الشهيد القرشي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..