وعد النوار .. عيد أخر مع الموسيقار / محمد الأمين

تنطلق منه الآهات، آهة تتبعها آهة و من ثم أهاتٍ أخرى كثر لتخرج معه آهاتنا بعد أن نكون قد تعلمنا منه ومن الأيام أو أعيتنا مراكب الشوق أو غادرنا محبوب، لنبكي الحب والظروف التي باعدت بيننا و بينه.. نجد عنده ذاد الشجون التي لدينا بعد أن إنتظرنا نترقب معه أربعة سنين، لا بل خمسة سنين ، فكانت زينة الأيام تلك مثل أحلام صبية ندية.. و كان قبلها قد بشرنا أن المعشوق سوف يأتي باسم الثغر وملوحاً بالأماني دون أن يمل الإنتظار حتى أنه سبقه الشوق قبل العينين عند وشوشة الرِيح للباب أثناء إنتظاره لها عند عيد و مُراعياً للقاءٍ و عهد و مقسماً بابتسامتها ومُمنياً النفس أن يلقى السعادة في قربها..
ما أبرع أن توصف شوقك للقاء شخص بشوق عُمُر لا نام و لا مدوا إنحسر حتى و إن بدأ حديثك و كأنه (كلام زعل)..!! و الموسيقار لا يكتفي بهذا، فهو يُوصف كل ملامح الشوق للمعشوق، و يهجُد سهر عينيه عندما يرى عينيها التي يرى فيها ديار وعده و يقرأ في ذات العيون حتى (الجريدة)..!!بجانب أنها عيون تعني له نجدة غريق و منار يرجع التائهين لديارهم الطيبة.. طيبين و مرتاحين..!َ! و تغزل حتى في حروف إسمها و (قدلتها) و جعلنا نسرح معه فيها و هي (قادلة) مثل ملائكة علينا نازلة..!! فما أبلغه من (كلام للحلوة).. و يأتيه طيفها طائف.. كيف لا وهي عنده مُلهم العواطف و مُهدل المعاطف و أسمر جميل فتان، طائر الأحلام، بدور القلعة و حُلم الأماسي..!! و لدقة وصفه و بثه لوجده متغنياً بعشقها، أصبح جمالها (سابينا) مثله،لأنه يناديها يا نرجسة، يا جميل يا رائع و ست البنات الأغلى من عينيه لديه.. و زهرة في كل المواسم ..كل يوم بتزيد نضار، بل و كامل الأوصاف من خلال (شوفة) عبر (الشباك) ..!!
و إن غاب العشق عن عينيه و تلهف ل(شوفة) ، يجد مخرجاً في ألحانه و تغنيه بولهه بها رغم الجور و الصدود من قِبل المعشوق التي كان يعتقد أن الريد مستحيل قبل (شوفتها) و يتذكرها عندما (يشوف) لارنجا تتحدى الرياح، عز السموم و صدر الشتاء..تمد ظلالها على الهجير تفرح ….تفرِح في الرياح و توسوِسا..!! و عندما ينادي همس الشوق، يريد الموسيقار أن يتوقف كل الزمن و يسمع على أمل أن (يشوف) المعشوق في (الموعد) عند غدٍ يترقبه متحفزاً بعيداً عن أعين الحاسدين لغرامه ليقولوا و يرددوا ما يقولوا دوماً..!!

و من بعد غربة و شوق، يُغالبه و يغلبنا، يعو د متغنياً بإسم موطنه الأصل (ود مدني) دار أبويه و متعته و عجنه.. إلا أن موطنه الكبير ، السودان، يستحوذ على مساحة مقدرة من أغنياته.. و السودان في أغنياته هو (الوطن الواحد) الذي غنى له أروع ما تم التغني به من ولاء لوطن، فكانت قصة ثورة (الملحمة) و التي لا زالت مرجع غنائي تقارن به الأخريات عند ذكر أغاني الوطن.. و ثورة الشعب و ضجره و تململه و سخطه على من يحكمه ، يجسدها لنا في رائعاته أكتوبر (الممهور بالدم) و شهر عشرة (حبابوا عشرة) موصياً هذا الشعب المثابر الخلاق أن (يبقوا عشرة) على المبادئ.. و للوطن و تراثه و موروثات شعبه فسيح مكان في ألحانه.. جديات العسين، العجكو، عيال أبو جويلي و مناحته تلك التي تقطع نياط القلوب و تفيض المآقي كمداً عند الإستماع لها أو حتى تذكرها عند تلبد غيوم الفراق و الحزن.
الباشكاتب/ الأستاذ/ الموسيقار أو العملاق محمد الأمين.. قمة شاهقة غير أيله للسقوط (فنياً) في سماوات الفن السوداني الأصيل.. تأتيك ألحانه و موسيقاه و كلماته كتناغم صهيل الخيل مع صوت حوافرها وهي تركض عند حرب..!! كما أن الإستماع له حرب أخرى مع الذات لتعمقها في الإستماع ما بين المفردة و النغم و المضمون، فلا تدري بأيهما تستمتع..!! مبدع تهرع له الأحاسيس السليمة و الأذواق الرفيعة.. لا تمله أذن و لا تشبع منه الأنفس المُلهمة بقدرته الفائقة على الإستحواذ على الإنتباه و تمحور البصيرة فيما يؤدي..
كان عيداً أخر عندما إستضافه الأستاذ / حسين خوجلي بقناة أمدرمان الفضائية أمسية ثاني أيام هذا العيد المبارك في سهرة بعنوان (وعد النوار)، ليبدع الموسيقار و يقتع و يمتع كالعهد به دوماً.. حيث كانت حقاً وعد النوار مع أحد (نوارات) البلد و مدها و ألقها الثقافي و الفني الذي أتمنى أن لن ينقطع ما بقي الدهر..
متعه الله و إياكم بالصحة و العافية..
و دمتم

الرشيد حبيب الله التوم نمر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..