ساعدونا بالسكات والموية الباردة

ميكانيكي قهران وزهجان وغلبان، بعد أن شبع من الكلام المعسول والأماني الخلب التي ظل يسمعها مبثوثة على الشاشات أو مكتوبة على الصحف، يطلقها مسؤولون كبار عن تحسن الأداء والوضع الاقتصادي، قال هذا الميكانيكي متضجراً من هذا الحديث الذي لم يغير من واقعه المعيش حبة خردل (مرة يقولوا ليك أن نسبة التضخم قد سجلت انخفاضاً بنسبة كذا، ومرة الأورنيك الإلكتروني فعل كيت والبتاع داك ومش عارف ايه عمل ايه وبرضو الحال في حالو وأسوأ).. الحقيقة أن هذا الميكانيكي ليس وحده في الذي ذهب اليه، وإنما هو لسان حال ومقال كل الغبش الذين لا يفقهون في أحاديث الساسة والاقتصاديين حول التضخم وعرض النقود والأداء الكلي للاقتصاد والسياق التاريخي لظهور العولمة والميل الحدي للاستيراد والبضائع المثلية والبطالة الاحتكاكية والناتج المحلي والدخل القومي والميزان التجاري وميزان المدفوعات وهلمجرا من كلام كبار كبار لا يأبهون له، كما يعرفون ويأبهون للميزان أبو كفتين عند أصحاب التشاشات والرواكيب والدكاكين والكناتين والبقالات والكيلة والملوة والمد عند باعة البصل والفحم وما شاكلهما، والرُبطة والكوم عند الخضرجية وغير ذلك من مقاييس ومكاييل تشكل مدار حياتهم اليومية، ولا تثريب عليهم فليس شغلهم أن يشتغلوا على نظريات الاقتصاد وبدائله، فهذه يكفيهم منها أنهم ربّوا وعلموا وبذلوا وما استبقوا شيئاً ليخرّجوا هؤلاء السياسيين والاقتصاديين المطلوب منهم أن يعكسوا أثر هذا العلم على حياة أهلهم بياناً بالعمل، تؤكده قفة الملاح وليس بالأحاديث مهما كانت حلاوتها على الورق والألسنة، فإن لم تلامس قفة الملاح سيبقى عندهم قائلها مجرد (حلو لسان وقليل إحسان)، فنظرة للقفة وجولة في السوق تقطع قول كل خطيب.
الواقع وليس الأقوال يقول إن الأسعار كل يوم هي في شأن تمسي على شيء وتصبح على آخر، ولا تزال تصدق عليها النكتة المشهورة (يعني ما ننوم ولا شنو)، أي شيء في ارتفاع مستمر لا شيء يهبط أبداً حتى لو لم تكن له علاقة بالدولار والاستيراد، حتى لكأن تلك النكتة الشهيرة الأخرى (هو في تين) صالحة لكل زمان، والنكتة تقول إن بائع الأزيار الفخارية المصنوعة من الطين عندما وجد أن الأسواق قد تحررت من أي رقيب والأسعار من أي ضابط، لم يتخلف عن ركب هوشة التحرير وزاد السعر بلا مبرر، وعندما سئل عن السبب لم يحر جواباً ورد ببديهة حاضرة استمدها من الحضور الطاغي لسياسة التحرير وقال إجابته التي جرت مثلاً (هو في تين).. والحال هذا فلا أقل من أن يساعد مطلقي الأماني السندسية المواطنين على تحمل الشظف بــ(السكات والموية الباردة) على قول طرفة ثالثة شهيرة مؤداها أن رجلاً عطشاناً شرب بالخطأ من قارورة ممتلئة بالجازولين، فالتهبت أحشاؤه ورقد يتقلب على الأرض وهو يصرخ، والتف الناس حوله يفتون وينظرون في علاجه، ولما تكاثرت عليه الفتاوى والتنظيرات دون فائدة، هب فيهم صارخاً (ساعدونا بالسكات والموية الباردة).

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..