المصالح تعيد الوحدة والبنادق تعمق الانفصال

سيبقى هذا الحلم نابضاً ويظل الأمل باقياً بعودة أرض المليون ميل مربع في يوم من الأيام.. أرض السودان الواحد الموحد، هذا ليس مستحيلاً والفرق بين أنصار الوحدة وبين الانفصاليين هو فرق كبير فالانفصاليون في الجنوب أو الشمال.. أي من قرروا الانفصال ومن باركوه وشجعوا وحرضوا على الانفصال وقدموا قدور (المديدة الحارة) لتغذية الغبن وسوق الأمور للنهايات التي آلت اليها هؤلاء كانوا أصحاب فكر (نزواتي) يريد تلبية شهوات نفسية ورغبات وقتية وهم يقطعون باستحالة حدوث اندماج وتصاهر اجتماعي وثقافي وسياسي بين جنوب السودان وشماله، لأنهم يريدون اختزال عمر الوطن في سنوات عمرهم التي يعيشونها هم فقط ولا يمتلكون الوعي الذي يجعلهم يفهمون أنه ليس بالضرورة أن تتم كل الأمور وتحدث كل المتغيرات في الفترة الزمنية التي يقضونها هم في هذه الحياة.. لا يفهمون أن علينا كمثقفين فقط أن نقدم سهمنا في إحداث وإنجاز هذه الصيرورة وهذا الاندماج الاجتماعي والثقافي لكن ليس بالضرورة أن نشهد ونحضر النتائج ..
أما الوحدويون فلا ييأسون من استمرار هذه الصيرورة حتى بعد الانفصال ولا ييأسون من عودة الوحدة في يوم من الأيام فهم يمتلكون ما يكفي من الوعي الذي يمتعهم بالصبر والتروِّي وتقديم ما عندهم من سهم إيجابي في طريق بناء المستقبل مع إدراكهم بأن النتائج ستأتي لاحقاً جداً وبعد سنوات أو عقود.. يفهمون أن مستقبل السودان ليس محدوداً بعمرهم الزمني الذي يعيشونه في هذه الأرض .
لذلك سنظل نتنغى بالوحدة الغائبة في الواقع والحاضرة في أحلامنا.. الوحدة التي نؤمن بها وسنظل على إيماننا الكامل بها مهما بدا هذا الحلم غريباً عند البعض أو رومانسياً في نظر الكثيرين .
قرار البشير بفتح الحدود مع جنوب السودان، ينسجم مع توجهات وأهداف القرار السابق له بمراجعة رسوم عبور نفط الجنوب استجابة لطلب الجنوب واستجابة لمنطق الأمور وكنا قبل يومين قد علقنا على قرار مراجعة الرسوم ووصفناه بأنه قرار حكيم وقرار دولة محترمة لا تبتز ولا تستغل ظروف الآخرين، مع علمنا بأن قرار البشير الأول صدر في وقت لم تكن حكومة جنوب السودان تقدم لنا فيه ما يكافئ مواقفنا ونحن نحتضن مئات الآلاف من شعب الجنوب داخل حدود السودان، لكن القرار محترم وكبير، لأنه يتخير الاستمرار في مداخل حسن النوايا وحسن العمل لهذه العلاقات الخاصة بين شعبين هما في الأصل شعب واحد فلا ندم حتى ولو لم تقدر حكومة الجنوب الموقف فشعبها سيقدر الموقف وقلنا بالحرف الواحد (إن قرار البشير وموقفه الكبير مع الجنوب الآن يحرج دولة الجنوب كثيراً ويعلمها و(يوريها) إلى أي مدى هي محتاجة للسودان، وأن عليها أن تحرص عملياً على علاقاتها بالسودان، الذي يقف بجانبها وينظر لمصلحة شعب الجنوب في مثل هذه الظروف والأزمات) .
وبالفعل حاولت حكومة الجنوب التعبير عن امتنانها وتقديرها لهذا الموقف، وهذا وحده يكفي.. فنحن لا نريد أكثر من حفظ المواقف وتقديرها، والانتقال من (خنادق) المواجهة والتوتر إلى (بينشات) الصداقة والتعاون..
القرار ليس عاطفياً أو تجارياً فقط بل هو قرار استراتيجي متقدم لأن السيطرة على الحدود بين البلدين أمر صعب ومعقد حالياً ولن يصيبنا منها في حالة فتحها أذى أكبر من الذي يأتينا منها في حالة إغلاقها وبالتالي أفضل لنا وللجنوب أن نجعل في هذه الحدود مصلحة تجارية مشتركة هي التي ستحرسها، فحراسة الحدود.. بالمصالح وليس بالبنادق .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..