اركماني !!

يرقد اليوم بسلام في قبره بالبجراوية بعد أن أنجز ما يمكن أن يقال واحدا من أعظم الإنجازات السياسية التي شهدها السودان في عصره القديم . أركماني ? قو ? ارقمانس الملك المروي المنحدر من صلب ملوك كوش العظام ، الممتليء علما وحكمة والذي لا تنقصه الجرأة والإقدام عند الشدائد . قبل مجيئة إلى السلطة في عام 270 ق م ، كانت مروي تعيش أسوأ عهودها حينما أحكم كهنة معبد آمون قبضتهم على مقاليد الأمور في البلاد وجمعوا السلطة الدينية والدنيوية في أيديهم ثم أطلقوا أيديهم ومارسوا أبشع أنواع الإرهاب في حق الملوك والرعية. جمعوا الذهب والمجوهرات والغلال وكل ملكية يمكن إقتناؤها لتجير زورا وبهتانا إلى المعبد ثم إنتفعوا بها . هددوا الملوك بالذبح الطقسي وفقا لشرائع المعبد كما يدعون ، إذا ما تجرأ أحدهم ليتحدث عن التجاوزات التي يرتكبونها أو ينبس ببنت شفه في ذلك . عندها خشي الملوك على حياتهم من المصير المحتوم فآثروا الصمت .

لكن أركماني كان من طينة أخرى وهو الذي تعلم أن قيّم العدالة يجب أن تسود وأن الليل الذي أناخ بكلكله عليه أن يرحل . لذلك صمم على خطته فباغت الكهنة في معبدهم بعد أن أوعز لقواته بذلك فدمر معبدهم في مروي وأبادهم عن بكرة أبيهم لينكشف عن مروي ذلك الليل البهيم ويعود الإشراق إلى إهراماتها والفرحة إلى أهلها والنيل شاهد . عادت إلى مروي حيويتها وروحها الوفية . لم يكتف أركماني بإزالة الظلم والجور ، بل بدأ عهدا جديدا أنجز فيه الكثير إذ طوّر من الأساليب الفنية والمعمارية للبناء بشكل يختلف عن الأنماط المصرية وأنتعشت الحياة ودار دولابها على النحو المطلوب وفي عهده أخترعت اللغة المروية وبعد تدميره معبد آمون أنشأ معبدا أخر هو معبد الإله (ابادماك) المستمد قوته من الإله (امون) ليمنح فسحة لممارسة الدور الديني دون تدخل في الشئون الدنيوية .

لقد كان لا بد لاركماني أن يأتي لأن ذلك هو شأن الأمم الضارب جذورها في التاريخ ، تضعف لكنها لا تموت ، تصطلي بعذاباتها لكنها تخرج أقوى مما كان وهنا يكمن سرها في الحياة والبقاء وهكذا فعل اركماني لأنه إستقى تعاليمه من الإسلاف العظام من أمثال خاليوت بن بعانخي في ندائه الشهير الذي لخص فيه كل قيم العدالة والخيرية التي يطمح إليها كل إنسان سوّي : إنني لا أكذب .. ولا اعتدي على ملكية غيري .. ولا ارتكب الخطيئة .. وقلبي ينفطر لمعاناة الفقراء .. إنني لا اقتل شخصا دون جرم يستحق القتل .. ولا أقبل رشوة لأداء عمل غير شرعي .. ولا أدفع بخادم استجارني إلى صاحبه .. ولا أعاشر امرأة متزوجة .. ولا انطق بحكم دون سند .. ولا انصب الشراك للطيور المقدسة .. أو اقتل حيوانا” مقدسا” .. إنني لا اعتدي على ممتلكات المعبد ?الدولة.. أقدم العطايا للمعبد .. إنني أقدم الخبز للجياع .. والماء للعطشى والملبس للعري .. افعل هذا في الحياة الدنيا .. وأسير في طريق الخالق .. مبتعدا عن كل ما يغضب المعبود .. لكي ارسم الطريق للأحفاد الذين يأتون بعدي في هذه الدنيا والى الذين يخلفونهم والى الأبد .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..