في سيرة الجمارك: لو لحمك جد مر ما حتجيك عوجة‏

جاء في الصحف ؛ ان وزير الداخلية برأ مكتب مدير الجمارك الذي يتبع له اداريا من تهمة الفساد التي انتشرت في الصحف والأسافير في الأيام السّابقة. وبرر الوزير احالة مدير الجمارك ومدير مكتبه الي المعاش ؛ بأنه أجراء روتيني بحت لا علاقة له بالفساد المزعوم!.

للأسف كل القرائن تشير الي ان احالة مدير الجمارك ومدير مكتبه للمعاش ليس بأمرا روتينيا على الإطلاق كما ادعى الوزير ، نعم “الشك دائما في صالح المتهم ، لكن تبقى القرائن والأدلة في صالح الإتهام ايضا “. بقراءة سريعة لمجريات الأحداث في الأيام السابقة يمكننا تفنيد مزاعم الوزير بكل سهولة ويسر ..

أولا : تناقلت الوسائط ان مدير مكتب مدير الجمارك السبد طارق محجوب هو الذي اصدر خطابات إيقاف ضابطي الجمارك في حادثة تفتيش زوجة الوزير والتي عرفت لاحقا ب (كركار قيت). وقع مدير مكتب مدير الجمارك الخطاب باسم مديره ، الذي اتضح انه كان خارج السودان وقت اصدار الخطاب المزيل بتوقيعه. بالله كيف يتم ذلك لولا الصلاحية الواسعة وربما المطلقة التي يتمتع بها السيد طارق محجوب مدير المكتب..؟!

ثانيا : تمت احالة مدير الجمارك ومدير مكتبه (المتهمان بالفساد عند الصحف والمواطنين) للمعاش في يوم واحد وبقرار واحد ، دون ان يكون معهما أي ضابط آخر في المكتب او في الجمارك عموما ، مما يعضد الأخبار التي انتشرت بالفساد الحاصل في مكتبيهما.

ثالثا : تمت احالة مدير الجمارك الحالي بصورة مفاجئة وقبل ان يكمل الفترة التي قضاها جل اسلافه في هذا الموقع ، وهي ثمانية اعوام حسومات ؛ حيث لم تتجاوز فترته الست سنوات الا بشهور قليلة ، مما يؤكد بأن هنالك مشكلة حقيقية ، وان الإحالة غير طبيعية يا سعادة وزير الداخلية.

رابعا : اذا افترضنا جدلا بأن مدير الجمارك يستحق الاحالة للمعاش بوصوله رتبة اللواء ، فما هو المسوغ المنطقي لإحالة مدير مكتبه الذي كان في رتبة الرائد حتى وقت قريب قبل ترقيته الي مقدم واحالته؟. لماذا لم تشمل الإحالة اي شخص آخر من دفعته او حتي أيا من زملائه بعموم الجمارك في هذا التوقيت تحديدا؟. لتتم احالته مع رئيسه المباشر في يوم واحد وبقرار واحد!! مع علمنا ان كشوفات التنقلات والإحالات الروتينية في الشرطة تصدر بصورة دورية وشاملة.

خامسا : لماذا تأخر رد وزارة الداخلية ونفي التهمة بالرغم من انتشارها في الاسافير قبل أيام؟.. وقد تناولت الخبر كل الصحف اليومية! اين كانت ادارة الإعلام بوزارة الداخلية خلال كل تلك الفترة ، وانتظرت استدعاء البرلمان للوزير لينفي هو شخصيا الخبر؟

سادسا : لم نسمع حتي الأن ان وزارة الداخلية او ادارة الجمارك او المتهمين قد رفعوا دعاوى قضائية علي الصحف الداخلية التي تناولت (شائعة) الفساد ونشرته بصورة واسعة وفي عناوينها الرئيسيّة!!

سابعا ، وثامنا ، وتاسعا … وكما اسلفنا ان هنالك قرائن قوية تشير وتؤكد ما ذهبت اليه الأخبار من وجود رائحة فساد نتنة في رئاسة جمارك السودان ، ولكن لن يتم التعرف علي حجم هذه النتانة المزكمة ، دون اجراء تحريات واسعة من النيابات المختصّة.

كلّ القرائن الجلية ناسفة لادعاء وزارة الداخلية بتبرئة رئاسة الجمارك زورا من الفَسَاد. وانه لأمر مؤسف ان يكون ممثلي الشعب السوداني في البرلمان بالسذاجة والغباء اللذين يجعلهم يقبلون بإدعاء وزير الداخلية المشكوك.

الفساد في اوساط المسئولين والموظفين اصبح ثقافة عامة حسب ما ذكره القيادي بالمؤتمر الوطني قطبي المهدي في لقاء له مع طلابهم. والفساد الآن لا يحتاج الي ذكاء او عدسات مكبرة لمعرفة أماكنه بالدولة بقدر ما يحتاج الي ارادة قویة لمحاربته وبتره من اصله.

الكثيرون تنبأوا بتلاشي هذه القضية مثلها مثل القضايا الاخرى المتشابهة ؛ وغالبا ما تنتهي بالتحلل ، خصوصا بعد التصريحات التي تناولتها الأسافير عن بطل القضية ؛ سيادة المقدم ؛ والذي قال فيها ان لحمه مرا ، وانه ليس كالمرحوم غسان ، ولن يكون كبش فداء للكبار الذين يخبطون خبطتهم ويتوارون خلف الكواليس الحصينة ، وانه يمتلك مستندات وأوراق تدين الكثيرين ان تمت اي محاولة لمحاسبته. بعد هذه التصريحات والتهديدات الصريحة والجريئة ؛ انا اشك ان يقدم هذا المقدم ذُو(اللحم المر) الى اي محاكمة او مساءلة طالما بيده أوراق بهذا القدر من الخطورة ( وبلغة الكوتشينة ، في يده الأتو والآسات ).. وما ادعاء الوزير ببراءتهم الا بداية لتلاشي قضيتهم مع الأوكسجين في هواء الله.

حتي الآن لم يصدر أي بيان من رئاسة الجمهوریة لتطمين الجمهور والمواطنيين للتحري حول هذه القضية الداوية ، والتي وصفها الوزير بأنها اشاعات واقاويل . عفوا يا السيد الوزير فلا يمكن تأكيد ذلك او نفيه دون اجراء تحريات توضح الأمر.

من المؤلم والمحبط جدا أن رئاسة الجمهورية ظلت تنفي وجود فساد بالصورة التي يتحدث بها المواطنين والمعارضين للنظام (حسب وصفهم)، باعتبار انه مبالغ فيها! مما جعل رئيس الجمهوریة يطلب من المواطنين جادا طلبه المضحك ذاك ؛ حين طلب من اي مواطن لديه ادلة بالفساد ان يقوم بفتح بلاغ بذلك ، وهو شخصيا سيقوم بمتابعته!. انا اسميته طلبا مضحكا لأن الادلة والبراهين غير معروضة للبيع والشراء في الأسواق يا السيد الرئيس ، والمسئولين والموظفين الفاسدين ليسوا بهذه السذاجة والكياشة (كما قال المتعافى ذات مرة في التلفزيون وعلى الهواء مباشرة) ليعرضوا معروضات مسروقاتهم ومفاسدهم علي قارعات الطرق وامام اعين المواطنيين ، انما يتم الفساد والاجرام تحت الترابيز داخل الحجرات المغلفة وفي جنح الليالي المظلمة.. لذا ليس بإمكان المواطن ايجاد هذه الأدلة ، فكان الأحري بالرئيس طلبها من الشرطة أو النيابة او رجال الأمن الذين توجه لهم غالبية ميزانية الدولة ، ويستطيعون رصد انفاس المواطنين وتحركاتهم ، فهل تغلبهم ادلة الفساد الظاهرة للجميع في القصور الشاهقات والمركبات الفارهات.

ما هي الادلة التي ينتظرها الرئيس اكثر من هذه القصور والسيارات والشركات والأرصدة في الداخل والخارج ؛ والتي يمتلكها كبار المسئولين وصغار الموظفين علي حد سواء؟ وليس هناك اكبر دليل او بينة علي الفساد منها ، وضبطها لا يحتاج اكثر من اطلاق يد القانون المغلولة لتطول أصحابها من المفسدين واللصوص ، حينها سيعرف الجميع كيف حصل هؤلاء علي هذه الممتلكات التي تفوق مرتباتهم لأكثر من مئات الاعوام ، لان مرتب اكبر أعلي مسئول لا يتجاوز العشرة آلاف جنيها ، حسب تصريح سابق للنائب الاول السابق علي عثمان بأن مرتبه لا يتجاوز العشرة آلاف!!. فاذا كان هذا هو مرتب نائب الرئيس فكيف بباقي الوزراء والمسئوليين ومدراء مكاتبهم؟!

علي أعضاء البرلمان البحث عن (الأتو) في اوراق مدير مكتب مدير الجمارك السابق ، لانه حينها لن يحتاج لنفي او اثبات وزير الداخلية … لأن المواطنين سيعرفون الحقائق وقتها مجردة ، ( وسيدكون الورق ) وكل الفاسدين سيكونون (بايظ).

سالم الأمين بشير

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. * لا اعتقد ان المقدم طارق سيعيش طويلا حتى يثبت انه “لحمه مر”!!
    * فله الرحمه..و نسأل الله ان يتقبل المقدم طارق قبولا طيبا!! بقدر ما “قدم” المقدم!

  2. اتفق مع كاتب المقال ان الفساد لم يعد امرا مخفيا بل هو جزء من سلوك رجالات الحزب الحاكم وكبار موظفي الدولة اهل التمكين.

    الرئيس غير جاد في محاربة الفساد كما هو جاد في محاربة معارضيه. لقد كمم الرئيس افواه الشعب واطلق لانصاره صلاحية الفساد دون محاسبة.

    في بلاد الكفر و أيضا إسرائيل لا يمن السكوت على الفساد وان قل، بينما الدولة التي تتشدق بالإسلام و تتظاهر بالتدين صار الفساد سلوكا اجتماعيا مرضيا عنه.

    كيف لمواطن ان يثبت ان طارق لديه 85 مليار جنيه في البنوك؟ هذه مسئولية الدولة ودليلي ان الدولة يوم غضبت على طارق أظهرت المخبؤ.

    شكرا لكاتب المقال الذي احسن و افاض.

  3. يحكى ان والي إحدى الولايات السودانية زاره احد اقاربه في مكتبه شاكيا له ظروفه المالية طلبا للعون والمساعدة ووعده خيرا وقال له زرني غدا بمكتبي هذا
    قريب الوالي ما كضب قام بدري وذهب الى مكتب قريبه الوالي واذنت له السكرتيرة بالخول علي قريبه وجلسا يتجازبان اطراف الحديث عن بعض اقاربهم وين فلان ووين علان وأثناء حديثهم دخل عليهم احد رجال الاعمال المعروفين يسأل عن اخبار العطاء فرد عليه الوالي والله العطاء وقع للزول القدامك دافقال له رجل الاعمال ياسيادتك انت وعدتنا بأن هذا العطاء لا يمكن ان يكون لغيرنا فرد الوالي لرجل الاعمال اسي ما فاتت حاجة ممكن تقعد مع الزول دا علي طربيزة الاجتماعات ديك وتتفاهموا مع بعض وطبعا قريب الوالي مافاهم اي حاجة وبعد غمزة من الوالي جلس مع رجل الاعمال
    التاجر أسمع يا اخونا انا بديك (200) مليون وتتنازل لي من العطاء دا وقريب الوالي طوالي وافق بالتنازل عن العطاء لرجل الاعمال واستلم الشيك بالمبلغ المذكور وجو راجعين للوالي وقالو ا ليه المسألة خلصت بينا واستلم الوالي الشيك وختاهو في درجو وكتب لقريبو شيك بي (20) مليون وقال ليه اظن كدى ماقصرنا معاك وعملنا معاك الواجب . اخونا استلم الشيك واخوانو كانوا منتظرين بالخارج وسألوه اول ماشافوه اها الوالي حل ليك مشكلتك قال ليهم والله الوالي اكل قروشي
    والي السرور ماقالو كيشة

  4. يا ابو لحما مر ان كنت وسط الذئاب فما عليك الا بالعواء
    ولا يفل الحديد الا الحديد
    ونحنا مركبين قنابير
    وملعون ابوكي بلد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..