جيل دولوز

أسس الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز تقاليد جديدة في الفلسفة، ويعتبر واحداً من أميز مجدديها، طرق بها وفيها أماكن جديدة فكان له موقفه الخاص الذي ينطلق فيه من كون الفلسفة ليست إبلاغية، وتأملية، ولا استبطانية، وإنما هي خلاقة، بل ثورية بطبيعتها، لأنها لا تنقطع أبداً عن ابتكار مفاهيم جديدة، والمفهوم بالنسبة لدولوز هو الذي يمنع الفكرة من أن تكون مجرد رأي، ونقاش، وثرثرة.
ولد دولوز في باريس في العام 1925وتوفي في العام 1995، وأسهم إسهاماً كبيراً في مجال الفلسفة إضافة إلى كونه ناقداً أدبياً وسينمائياً، وقام بتأليف العديد من الكتب التي تتناول الفلسفة وعلم الاجتماع، غير أن المجال الذي شغف به وأخذ كثيرا من وقته، هو دراسة تاريخ الفلسفة، وتأويل نماذج متعددة منها، يعتبرها في غاية الأهمية، فدولوز وفي سبيل مشروعه الفلسفي قام باستدعاء كثير من الفلاسفة البارزين، درس نصوصهم وعمل على تأويلها، وأبرز هذه النصوص الفلسفية كانت ل كانط ونيتشه وبرجسون وسبينوزا. فدولوز مثل منعطفاً جديداً في تاريخ الفلسفة أراد لها أن تقطع مع الهيجيلية والماركسية والبنيوية، وهي مهمة اضطلع بها إلى جانبه جيل جديد من الفلاسفة يمتلكون ذات الرؤية والموقف مثل ميشيل فوكو وجاك دريدا، لذلك يعتبر مشروعه الفلسفي بمثابة بذل تجديدي في مجال الفلسفة، ويقول دولوز عما تعنيه له الفلسفة: «الفلسفة تعني دائماً استكشاف مفاهيم جديدة، وأنا لم أشعر أبدا بأيّ نوع من القلق بخصوص تجاوز الميتافيزيقا، وموت الفلسفة، وأعتقد أن للفلسفة وظيفة تظلّ دائماً فاعلة في الحاضر، وتتمثّل في ابتداع مفاهيم جديدة، ولا أحد يمكنه أن يقوم بذلك مكانها».
ولج دولوز المجال العملي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، عندما عمل أستاذا للفلسفة في المعاهد الثانوية، ثم أستاذا مساعدا في جامعة «السّوربون»، ثمّ باحثاً في «مركز البحوث والدراسات الاجتماعيّة» الذي ظلّ فيه حتى عام 1964. وفي عام 1962 تعرّف على ميشال فوكو، وأعجب فوكو بدولوز أيما إعجاب حتى إنه قال بعد أن أصدر مؤلّفيه: «الاختلاف والتّكرار» و «منطق المعنى» بأن القرن العشرين سيكون قرناً دولوزياً نسبة إلى دولوز، ومن المراحل المهمة في حياة دولوز كانت لحظة لقائه بفيليكس غيتاري حيث عملا معا في مجال البحوث الفلسفية وكان لهما مؤلفات مشتركة أبرزها «ما الفلسفة»، ويقول دولوز عن تلك التجربة: «فيليكس غيتاري وأنا لم نتعاون مثلما يتعاون شخصان. كنا بالأحرى مثل جدولين يلتقيان ليكونا معا جدولًا ثالثاً الذي هو نحن».
وتأثر دولوز كثيرا بعدد من الفلاسفة كان أبرزهم سبينوزا و سارتر، وألف كتابا حول فلسفة سبينوزا، وكذلك قام بتأليف كتب عن فلاسفة آخرين بغرض تأويل نصوصهم الفلسفية، خاصة الذين كان لهم تأثير كبير في الفكر الإنساني مثل لايبتنز، وهيوم، وفي إحدى المقابلات تحدث عن ماركس وذكر أنه لم يكن ماركسيا قبل سنوات الستين، مبررا ذلك بما يقوم به الشيوعيون تجاه مثقفيهم، لكن نيتشه بدأ بقراءة ماركس ويقول عن هذه التجربة: «وجدته عبقرياً. وأعتقد أن المفاهيم التي ابتكرها ماركس لا تزال حية ومناسبة. في كتاباته هناك نقد جذريّ. وثمّة كتب لم أبدُ فيها متأثراً بماركس كثيراً. واليوم بإمكاني أن أقول إنني أشعر بأنني ماركسيّ تماماً، وأنا لا أفهم أولئك الذين يقولون بأنه مات. ثمّة أعمال يتحتم القيام بها الآن: علينا أن نحلّل وضع السّوق العالميّة، وتحوّلاتها. وإذا ما نحن سعينا إلى القيام بمثل هذا العمل، فإنّه يتوجب علينا عندئذ أن نرتكز على ماركس بالأساس»
في العام 1995 رحل دولوز وخلف في المكتبة الفلسفية الكثير من الأعمال المهمة التي جعلته من أهم فلاسفة القرن الماضي.
صحيفة الخليج الاماراتية

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..