من الذي اغتصب الطفلة “مي”… ؟؟

كانت هناك طفلةٌ اسمها “مي” .. عاشت “مي” في الخرطوم.. ذات يومٍ قالت لها أمها جدك مات ..سنسافر إلى “البسابير” .. فرحت “مي” .. هللت “مي” .. الموت شنو ما عارفة بس أنا ماشة “البسابير” .. ماشة أتفسح .. ماشة ألعب مع اصحاب جُدَاد .. وذهبت “مي” .. ولعبت .. ولَهَت .. وانبسطت .. ثم اغتُصِبَت .. اغتصبها ذئبٌ .. ثم قُتِلَت .. قتلها وحشٌ “خالها ابن عم أمها” .. واستقر الجسد الصغير في قاع البئر. قُتِلَت “مي” .. قتلها حيوان .. قتلها في رمضان .. قتل فرحة العيد في رمضان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

مثل نَبتٍ شيطاني ظهروا فجأة .. من جوفِ الظلام أتوا .. دقوا الأجراس ففزع الناس في مراقدهم .. دقوا الأجراس ففرك الصغار أعيناً كانت لا تزال تحمل بقايا أطياف حُلمٍ جميل لم يكتمل.
جاء هؤلاء باسم الإسلام يزعمون أن لديهم تلك الوصفة السحرية التي ستعيد صياغة إنسان السودان بعد أن غاصت قدماه لسنينَ عديدة في وحْل الكفر والرذيلة وفساد الذمة…تلك الرزايا التي قعدت بالدولة عن اللحاق بركب الدول المتقدمة.
مثل عمال شركات النظافة عكَف أولئك “المنقذون” على تفريغ وتطهير الدوائر الحكومية والجيش والشرطة من شاغليها. وفي أيامٍ قلائل استوعبت تلك المؤسسات الحكومية طائفة ممن يُصنّفون بأنهم من ” الأطهار الأخيار” الذين يرفعون راية الإسلام … وبالإسلام سوف يرتقون بالبلاد والعباد.

ومنذ ذلك الوقت هام “المفصولون” وغيرهم من جيوش العاطلين في الشوارع والأرصفة والطرقات … ومنذ ذلك الوقت تيقَّن أولئك البؤساء أن كفاءتهم ليس لها مكان في سوق اللِحى والجباه المختومة بحبر التقوى والإيمان .. فكان العجز وقلة الحيلة أمام أسرٍ تتطلَّع إلى الغذاء .. والدواء .. والكساء .. و مصاريف مدارس الأبناء و .. ما أصعب الحياة.
مجالات التجارة والأعمال الحرة والشركات غير الحكومية أبوابها مُشرعة أمام المستثمرين الأجانب وأصحاب الحظوة والمحاسيب.. أصحاب المشاريع الصغيرة “تتكفل” الضرائب بإعاقة خطواتهم .. أصحاب المشاريع الصغيرة “تتكفل” الضرائب بوأد مصادر رزق متواضعة تقيل عثرتهم … وما أصعب الحياة.

الجوع أصبح سيد الموقف .. والجوع إذا حلَّ بأمةٍ أفسدها .. الغبن أصبح سيد الموقف .. والغبن إذا حلَّ بأمة فتكت بها الضغوط والعلل النفسية فتصبح ماعوناً “لكافة أنواع الجرائم” التي يعزِّز منها تعاطي المخدِّرات.
الفقر .. والغُبن .. والحقد .. هذا الثالوث كبر ونما وترعرع وأصبح غولاً .. غولٌ ابتلع في جوفه “الموروث” .. والهوية .. والسودان الذي كان .. فقد اغتصب وحش ٌ طفلةً اسمها “مي”..

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..