ما أهمله التاريخ: 70 عاماً على إضراب مزارعي الجزيرة في 1946

مرت بالأمس الذكرى السبعون لرفع الإضراب الطويل لمزارعي الجزيرة الذي بدأ في 10 يوليو 1946 وانتهى في 2 أغسطس منه. وبذرة الإضراب كانت في اجتماع لمجلس قرية الطلحة ود الطريفي تعرض لمعاناة المزارعين بإثر الغلاء الذي وقع بنهاية الحرب العالمية الثانية. وسبق للإضراب من نير ذلك الغلاء في الجزيرة عمال محالج الحصاحيصا ( 1938)، وعمال الشحن (1938)، وعمال المحاريث (1943)، وعمال الورش (1946).

كان عظمة النزاع بين المزارعين والشركة الزراعية (قبل أن تؤمم في 1950 بانتهاء عقدها) هو المال المعروف بمال الاحتياط. وهو مال تقتطع فيه الشركة 2% من دخل المزارع ليسدد منها ديون الشركة عليه متى نشأت. وناقش اجتماع قرية الطلحة وجوب أن تصرف الشركة عليهم من ذلك المال لتلافي معاناة المزارعين التي أثقلت كاهلهم. وحملوا قناعتهم تلك إلى قرى مهلة وبورتبيل. وتناصرت القرى في تكوين وفد بمذكرة تطلب صرف مال الاحتياط مرفوعة إلى مدير الشركة وهو مستر جيتسكل. ولم يلق الوفد أذناً صاغية من جيتسكل فعبأ المزارعين (26878) للحشد في مدني في 10 يونيو للضغط من أجل المطلب.

وكان في اجتماع الطلحة ود الطريفي زعيم كامن هو مبارك أحمد دفع الله الذي لعب دوراً قيادياً في تلك التطورات. فهو الذي اشترى المصحف من مكتبة مضوي بمدني فأقسم عليه حشد المزارعين في المدينة بألا يرجعوا عن إضرابهم جتى تتحقق المطالب. وكانت الحكومة والشركة ملتزمتين بذلك القسم العظيم في مفاوضاتهما اللاحقة مع لجنة المزارعين حتى أدخلا مفتي الديار في هذا السياق. وستبدأ الدورة الجديدة لحركة المزارعين من قرية معيجنة ومن اجتماع عقد بها في 1953 وكان رأسه المدبر الأمين محمد الأمين. يا للقرى المظلمة المضيئة كما قرأت عن أحدهم.

تفاصيل هذا الإضراب مثيرة وتجدها في كتاب المحقق الضَرب صديق البادي (حركة مزارعي الجزيرة وامتداد المناقل) (طبعتان 1985 و1999). وتوسع في تاريخ الإضراب الدكتور البوني في رسالة ماجستير من جامعة الخرطوم. ولكن من أوضح جوانبه الصراع الذي اكتنفه ودار بين الزعامات الدينية الطائفية ومؤتمر الخريجين (الذي صار وحزب الأشقاء بزعامة الأزهري وجهين لعملة واحدة). ولم أعرف قبلاً أن المؤتمر قد سعى لبلوغ بعض جماهير الريف متخذاً خطاً مستقلاً عن تلك الزعامات. فلم يكن مع الإضراب خطوة فخطوة فحسب (بما في ذلك رصد شيء من ميزانيته لدعم وفد المزارعين بالخرطوم) بل كان واعياً بالمنافسة مع تلك الزعامات وساعياً لكسر شوكتهم. ففي الصدد طلب من لجنة لمزارعين جمع توقيعات منهم تفوضه كالوكيل عنهم. وكان يضغط لاستمرار الإضراب حتى بلوغ كل المطالب بينما كان السادة (عبد الرحمن، الميرغني، الهندي، والعركي) يتحينون فرص المساومات والحلول الوسط لإنهائه بتشجيع من الإنجليز بالطبع. وسيكون مثيراً أن نعرف كيف ومتى كف أعضاء المؤتمر-الأشقاء عن تقحم الريف مستقلين مزاحمين السادة ليقبلوا بالانطواء تحت أجنحتهم الحزبية: الأمة ولوطني الاتحادي. وساق التطرف المؤتمر-الأشقاء إلى خسارة المعركة فرجع المزارعون عن الإضراب بتحريض من السادة ونزولاً عند ما اتفق لهم من كسب في المفاوضات.

ومن نتائج الإضراب قيام هيئة تمثيلية للمزارعين أحست الشركة بضرورتها حتى لا تعيش بمعزل عن المزارعين فتفاجئ بالصدام معهم. وكانت هيئة هيمنت عليها الشركة بصورة كبيرة. ثم قررت الشركة في 1952 أن تمنح المزارعين، وقد لمست نضجهم، هيئة لهم فيها شيء من السيطرة. فقامت هيئة المزارعين. وفي كلا الهيئتين كان للشيخين أحمد بابكر الإزيرق ومحمد عبد الله الوالي أدوار قيادية واصلاحية. ونشأ اتحاد المزارعين في 1953 بقيادة الأمين احتجاجاً على تقاعس الهيئة دون ما استجد من معاناة المزارعين. وفرض الاتحاد نفسه على الحكومة بموكبه الشهير بميدان عبد المنعم (الأسرة) الذي توافد إليه المزارعون من أصقاع الجزيرة. وانفض المزارعون عن الهيئة واستقال أكثر أعضاء لجنتها. وما جرت الانتخابات حتى فاز الطاقم اليساري بأمانة الاتحاد: الأمين محمد الأمين ويوسف أحمد المصطفي وأحمد على الحاج، وعباس حمد دفع الله، وأحمد حاج مصطفى فارس.

وصدقت المغنية الرحمة حين قالت في الأمين:

اللمينو غنيلو الدقدق مساميرو

ودقها الأمين في معيجنة كما دقها بابكر أحمد دفع الله في الطلحة ود الطريفي.

يا للقرى المظلمة المضيئة
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرا أستاذنا وأنت تسعى لتسليط الضوء على أحداث كثيرة مرت على سوداننا تناوشتها تغبيشات كثيرة إما لأغراض حزبية آنية أو شخصية لا تنظر لمصلحة الوطن والعتب على عقلية الساسة السودانيين منذ الاستقلال ،،، أرى أن الساسة العسكريين والمدنيين والاحزاب السودانية هم من أضروا بمشروع الجزيرة (عمل الانجليز) وهم من أضروا بالسكة حديد (عمل الانجليز) السودان الى الآن ماشي بنفس Breath الانجليز ،، لماذا فشل السودانيون في إقامة مشاريع كبيرة من الكراشبوينت الى مرحلة الانتاج والتسيير ؟ هذا سؤال يستحق المراجعة نطرحه نحن الاجيال التي فتحت عيونها ووجدت حكومة مايو ،،، تاريخ الصراع الحزبي وصراع العسكر في السودان شيء مريع قضى على ديمومة وتطوير المشاريع الكبيرة والبناء عليها ،،، هل الشخصية السودانية شخصية مكاجرة Opinionated for nothing لذلك تنعدم ثقافة الشراكة حتى بين أصحاب الكناتين حيث الكل يتمسك برأيه مكاجرة وإن ظهر له خطأئه ،، ،،،

  2. ذلك الذى يعشق القرى المظلمة المضيئة هو القامة الخاتم عدلان ابن تلكم القرى .لقد ترك الحزب مغاضبالكى يكون امينا للضوء.

  3. و يا للمدن المضيئة المظلمة بفعل خيانة امثالك لماضىيهم ثم تباكيهم على قِيَم ذبحوها بسكاكينٍ حِداد

  4. استاذنا بروفسر عبدالله علي ابراهيم تحياتي وودي لك ايها النبيل لقد كتب ومتعتنا بتاريخ الجبهة المعادية للاستعمار بقيادة استاذك واستاذنا عبدالخالق محجوب اريد منك استفسار بسيط عن دور الاستاذ الشاعر محمد عبدالرحمن شيبون في الحزب الشيوعي هل من اوائل الذين انشئو خلية شيوعية في حنتوب نقد وصلاح احمد ابراهيم واسباب طرد الشاعر صلاح احمد ابراهيم من الحزب سبق لك ان كتبت عن محمد عبدالرحمن شيبون واسباب انتحاره ياريت تورينا الاسباب باظبط هل هم الرفاق ولا حاجة تانية

  5. بالمراجعة اتضح لي أني استفدت عبارة “القرى المظلمة المضيئة” من كلمة صديق عبد الهادي من قولة للخاتم عدلان. وهذا من باب العرفان في النقل. والخير أردنا.

  6. ما يعجبني في البروف – ( وانا اسميه الشايب ) وللاسم دلالة … كان الرفاق البعثيين يسمون البكر بالشايب – انك لن تخرج بغير فائدة من كتابته اقلها فائدة لغوية …. يكتب لغة قوية والفاظ فصيحة .

  7. شكرا أستاذنا وأنت تسعى لتسليط الضوء على أحداث كثيرة مرت على سوداننا تناوشتها تغبيشات كثيرة إما لأغراض حزبية آنية أو شخصية لا تنظر لمصلحة الوطن والعتب على عقلية الساسة السودانيين منذ الاستقلال ،،، أرى أن الساسة العسكريين والمدنيين والاحزاب السودانية هم من أضروا بمشروع الجزيرة (عمل الانجليز) وهم من أضروا بالسكة حديد (عمل الانجليز) السودان الى الآن ماشي بنفس Breath الانجليز ،، لماذا فشل السودانيون في إقامة مشاريع كبيرة من الكراشبوينت الى مرحلة الانتاج والتسيير ؟ هذا سؤال يستحق المراجعة نطرحه نحن الاجيال التي فتحت عيونها ووجدت حكومة مايو ،،، تاريخ الصراع الحزبي وصراع العسكر في السودان شيء مريع قضى على ديمومة وتطوير المشاريع الكبيرة والبناء عليها ،،، هل الشخصية السودانية شخصية مكاجرة Opinionated for nothing لذلك تنعدم ثقافة الشراكة حتى بين أصحاب الكناتين حيث الكل يتمسك برأيه مكاجرة وإن ظهر له خطأئه ،، ،،،

  8. ذلك الذى يعشق القرى المظلمة المضيئة هو القامة الخاتم عدلان ابن تلكم القرى .لقد ترك الحزب مغاضبالكى يكون امينا للضوء.

  9. و يا للمدن المضيئة المظلمة بفعل خيانة امثالك لماضىيهم ثم تباكيهم على قِيَم ذبحوها بسكاكينٍ حِداد

  10. استاذنا بروفسر عبدالله علي ابراهيم تحياتي وودي لك ايها النبيل لقد كتب ومتعتنا بتاريخ الجبهة المعادية للاستعمار بقيادة استاذك واستاذنا عبدالخالق محجوب اريد منك استفسار بسيط عن دور الاستاذ الشاعر محمد عبدالرحمن شيبون في الحزب الشيوعي هل من اوائل الذين انشئو خلية شيوعية في حنتوب نقد وصلاح احمد ابراهيم واسباب طرد الشاعر صلاح احمد ابراهيم من الحزب سبق لك ان كتبت عن محمد عبدالرحمن شيبون واسباب انتحاره ياريت تورينا الاسباب باظبط هل هم الرفاق ولا حاجة تانية

  11. بالمراجعة اتضح لي أني استفدت عبارة “القرى المظلمة المضيئة” من كلمة صديق عبد الهادي من قولة للخاتم عدلان. وهذا من باب العرفان في النقل. والخير أردنا.

  12. ما يعجبني في البروف – ( وانا اسميه الشايب ) وللاسم دلالة … كان الرفاق البعثيين يسمون البكر بالشايب – انك لن تخرج بغير فائدة من كتابته اقلها فائدة لغوية …. يكتب لغة قوية والفاظ فصيحة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..