وزارة للسعادة و سعادة بلا وزارة

تداول السودانيون مؤخرا بكثير من الفخر و الاعتزاز و التباهي صور إدارييهم ومهندسيهم الذي وضعوا اللبنات الأولي للنهضة الإدارية و التنموية بدولة الإمارات العربية المتحدة بُعيد استقلال هذه الدولة الفتية عام 1971م ، أمثال كمال حمزة الذي كان مديرا لبلدية دبي لمدة 24 عاما ، وكان الخليفة مختار مكي مديرا لبلدية عجمان ومختار التوم مديرا لبلدية الشارقة و السنى بانقا أول مدير لبلدية أبوظبي و عبد الشكور عمر مديرا للأشغال بإمارة أبو ظبي وآخرون غيرهم في مناصب مختلفة . كان كل هؤلاء مثالا للسوداني الأصيل المنضبط و المتعلم و المثقف المدرك لمهام عمله ومسؤولياته على افضل وجه فاصبحوا مضربا للأمثال و فخرا للوطن بما حققوه من إنجازات رائعة لم تخف على احد وجلبت لهم و لبلادنا سمعة طيبة لم تُعرف لغيرنا من الجنسيات الكثيرة المقيمة بدولة الإمارات. هذا خلاف ما يحمله أبناء الأمارات ومسؤولوها من تقدير كبير لرياضي السودان و صحافييهم الذين كان و ما يزال لهم دور كبير في نهضة الرياضة و الصحافة بهذا البلد المضياف .
مضت السنوات و الإمارات تعمل في صمت و همة مذهلين ثم لم تلبث هذه الدولة أن طارت بأجنحة غلاظ شداد وبلغت من النهوض شأوا لا يماثلها فيه غير قليل من دول المنطقة ، فالإماراتيون لم يضيعوا وقتهم في جدالات بيزنطية ومداولات غير مجدية في كل ما من شأنه النهوض ببلدهم فحددوا أهدافهم بوضوح شديد مستعينين في ذلك بأرقى بيوت الخبرة في العالم ثم عقدوا العزم متوكلين على الله لتنفيذ ما خططوا له على افضل وجه فشيدوا من الصروح و الطرق و الجسور والجزر الصناعية والأسواق الحرة والمطارات و الجامعات وغيرها مما جعل بلادهم قبلة العالم في كثير من المجالات ساحبة البساط من نمور آسيا و غيرها فهي تُقصد الآن للتجارة و السياحة و العلاج والعمل و التعليم وغير ذلك أيضا.
ما كدنا نفيق من حالة الزهو التي انتابتنا بعد نشر أسماء ما ذكرنا من إداريين وغيرهم و إيضاح دورهم في نهضة دولة الأمارات العربية المتحدة حتى فاجأتنا هذه الدولة باستحداث وزارة للسعادة وهي وزارة يشي اسمها بعدة دلالات لعل آكدها هو حالة الاستقرار التي تعيشها هذه الدولة فالاستقرار قرين السعادة و لا سعادة لمن تنتابه حالة الاضطراب والقلق بشرا كان أم دولة .ويرى الصحافي المشهور تاج الدين عبد الحق تعليقا على استحداث هذه الوزارة أن الأمن الذي تعيشه دولة الإمارات، وينعم به مواطنوها والمقيمون فيها و زائروها هو وجه من وجوه السعادة كما أن نظافتها التي يحس بها القاصي والداني في مؤسساتها ومبانيها وشوارعها تعد مظهرا من مظاهر السعادة. يضاف الي كل هذا الوفرة التي تشهدها كل أوجه الحياة بالدولة مقرونة بمستويات راقية من الخدمات الصحية والتعليمية والعمرانية التي تضاف إلى مصادر السعادة أيضا. ما الذي يجعل أهل الإمارات لا يشعرون بالسعادة في بلد يندر فيه الفساد و تكاد تنعدم فيه الرشوة و المحسوبية ويعلو فيه القانون و لا يعلى عليه و يخلص الأستاذ تاج الدين إلى أن الإمارات بإعلانها إنشاء وزارة للسعادة، لا تبحث عن مدينة أفلاطون الفاضلة، بل تحاول تطوير مقومات السعادة التي وفرتها بالفعل لساكنيها، بحيث تتحول من بلدٍ يبحث عن السعادة، إلى بلدٍ ينتجها ويصبح نموذجا لها ومقياسا ينسج الآخرون على منواله.
تلك كانت صورة السعادة كما نراها نحن وفق مقاييس حضارتنا المادية أو كما نتصورها بمعايير اليوم ولكن احد علماء الأنثروبولوجيا رأى صورة مغايرة تماما حينما قادته قدماه إلى دولة جنوب أفريقيا التي لا تزال تعيش فيها بعض القبائل البدائية فأراد أن يختبر السلوك الجمعي لأطفالهم فعرض عليهم لعبة و أشار إلى انه وضع سلة من الفواكه اللذيذة قرب جذع إحدى الأشجار المجاورة ثم شرح لهم أن أول من يصل منهم إلى تلك الشجرة سيحصل على محتويات تلك السلة كاملة و كم كانت دهشته كبيرة حينما أعطاهم إشارة الانطلاق (إلى ما كان يتصور انه كنز مغرٍ) عندما لاحظ انهم بدأوا في السير مجتمعين و ممسكين بأيدي بعضهم حتى وصلوا الشجرة وتقاسموا الفاكهة بالتساوي و حينما استفسر منهم لماذا فعلوا ذلك بينما كان بإمكان احدهم الحصول على سلة الفواكه لوحده فأجابوه مندهشين أيضا : اوبونتو Ubuntu و هي عبارة تعني بلغتهم أن احدهم لا يمكن أن يكون سعيدا بينما يشعر بقية زملائه بالتعاسة فهذه العبارة في حضارة قبيلة كوسا Xhosa التي تعتبر احدى بطون مجموعة البانتو الجنوب أفريقية تعني (أنا أكون لأننا نكون ) فهذه سعادة الجماعة ” نحن ” التي عرفتها تلك القبيلة البدائية بالفطرة لا سعادة الفرد “أنا” التي أصبحت سمة الأنسان المتحضر و هي تأكيد على أن الإسلام دين الفطرة لأن هذا السلوك الفطري ورد ما يعززه في قول الرسول صلى الله عليه و سلم ” ليس منا من بات شبعان وجاره جائع ” و هذا ما توصلت اليه هذه القبيلة دون أن يصلها الإسلام.
و بعيدا عن الخلط بين معنى السعادة واللذة والقناعة فقد وضعت بعض الجهات الدولية سُلَّمًا اسمه سُلَّم السعادة بين الشعوب، وأرادت أن تعرف أي الشعوب اكثر سعادة بمعايير هذا السلم ، وأعطت درجات لهذا السلم وقامت باستقراءات مختلفة ؛ لكن النتيجة التي تم التوصل اليها كانت مفاجئة للجميع؛ فقد كان سكان الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الناس بؤسًا وليس أكثرهم سعادة كما تصور الكثيرون حيث لم يحصلوا إلا على درجات متدنية من علامات هذا السلم رغم ما نعرفه من وسائل الرفاهية الموفرة للفرد الأمريكي في بلده ، والغريب جدًّا أن شعب نيجيريا هو الذي نال أكبر درجة من العلامات وكان هو أسعد الشعوب بالرغم من الفقر المدقع و البؤس الذي يعانيه.
يحيى حسين قدال
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقايس السعادة التي لديناببلادنا الحبيبة (الجداد سهرو ولا منامو)..وتحقيق الربط المقدر بأي طريقة ما دام هنالك حافز هو سعادة الجباة …والسعادة لدينا مقصورة على البيوت التي لا تريد مغادرة رغبة الحكم…والمتأسلمين والتمكين لرفاهيتهم ومن والاهم…. (الله غالب).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..