بين التبذير والتقتير

كثيرون هم الذين يسعون للتوفير والادخار من دخلهم لتأمين أنفسهم وأبنائهم من أي طارئ في المستقبل واتقاء لتقلبات الحياة وضرباتها المفاجئة عملاً بالقاعدة الشهيرة (قرشك الأبيض لليوم الأسود)، وهم محقون في ذلك، وكثيرون أيضا الذين يرفعون شعار (أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) وربما مخطئون في ذلك، وكثيرون أيضاً الذين لا يستطيعون في رحلة ادخار أموالهم أن يضبطوا الأمر، فقد يتعدى حدود التوفير ليدخل حيز التبذير وقد يتعدى حدود الادخار ليدخل في حيز البخل وما بين هذا وذاك بون شاسع.
فإن كانت خطة ادخارك تعتمد على تخفيض نفقاتك بالأساس فراجع نفسك فقد تكون إما موفراً أو بخيلاً .. وتأمل الفارق بين الاثنين .. فالموفر يكون حذراً قبل الإقدام على صرف ماله إلى أن يتأكد من صحة قراره، أما البخيل فانه لا يريد أن ينفق من الأساس.
فالكرم والبخل صفتان متناقضتان يتصف بالأولى كريم العرب حاتم الطائي ويتصف بالثانية قارون بن يصهر من قوم موسى، الذي قال الله في شأنه: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ …الآية) القصص (76).
وقد وروى الجاحظ في كتابه (البخلاء) الكثير من القصص والنوادر للبخلاء تستحق القراءة والاطلاع، كما أن العديد من الكتاب كتبوا عن البخل باعتباره صفة ذميمة لكن يظل الجاحظ أبرز من كتب عن البخلاء والمقترين في كتابه الرائع الذي أماط اللثام فيه عن البخلاء وأظهر دمامة تلك الصفة التي يتبرأ منها الجميع قولاً و يتصف بها العديد فعلاً، وكثيرة هي الأقوال المأثورة التي قيلت في البخل لعل من أبرزها الجملة التي قالها أحدهم:”البخيل يتضور جوعاً في حياته لتنعم أسرته بالثراء بعد مماته ”
وفي كل الأحوال فإن المطلوب هو الاعتدال والتوسط بين الإسراف والإمساك وإن شئت قل بين التبذير والتقتير.

قال عبد العزيز الدميري:
اقْـتَـصِـدْ فِـي كُـلِّ حَـالٍ *** وَاجْـتَـنِـبْ شُـحًّا وَغُـرْمَا
لا تَـكُـنْ حُـلْـوًا فَـتُـؤْكَل *** لا وَلا مُــرًّا فَـتُــرْمَــى

د. محمد آدم عثمان
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. عن أى تبذير تتحدث …. وهل مقالك دة فعلاً موجة لقراء سودانيين … أم أنك تخاطب شعوب أخرى …. لا أنكر أحتمال وجود نسبة من السودانين ممن أنعم اللة عليهم بدخل شهرى مجزى من وظيفة أو مردود من أرباح تجارة واستثمارات أخرى تمكنهم من الموازانة بين النمصرفات والدخول وهى فئة معروفة لدى الجميع وهم الاقلية ,,, فأذا كان مقالك موجة لهؤلاء أقول ما أعتقد أنهم بحوجة لمثل توجيهاتك فلديهم من يقومون بأمر التدبر والانفاق والاهم هو أنهم متاكون من أن أنفاقهم مهما بلغ سيكون العائد اكبر بكثير (عشان البلد ما عندها وجيع) … أما اذا كان المقال موجة للغالبية العظمى من ابناء الشعب السودانى فأ قول لك كان من باب اولى أن تكتب عن معاناة الناس فى الحصول على ضروريات الحياة اليومية أكتب عن الجدب والشح والندرة …. واللة ماعرف لية اتخيلت صاحب المقال وكأنما يحاول أن يعلم أحدهم كيفية ارتداء ربطة العنق فى حين أن هذا الشخص عريان تماماً.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..