أزمة ثوار أم أزمة أجيال

لم يكن المفكر السوداني العظيم محمد أبوالقاسم حاج حمد محقاً عندما ارتأى أن جيل السبيعينيات أو ما وصفه بجيل (الفراغ الأيدولوجي) هو المنوط به قيادة السودان,لأنه جيل العولمة صاحب النزعة النقدية التفكيكية المميزة القائمة على نهج (التفكيك المعرفي) .
لقد خذل جيل السبعينيات تطلعات المفكرين السودانيين إذ غرق في لجج الأيدولوجيات يمينها ويسارها,وسار معظمه في ركاب الشمولية المتدثرة بالتأسلم السياسي, والتزم الآخر بكفاح اليسار, وتزمل من بقي بالسلبية والنقد النائم.
ارتبط جيل الستينيات مع جيل السبعينيات بشريان ثورتي أكتوبر وأبريل , وترسخت في العقل الجمعي لهذين الجيلين أشراط الثورة ومراحل نضجها, وارتباطها بتحرك النقابات والحزبين الكبيرين , وحركة اليسار الدائبة وسط الجماهير, وتدافع طلاب الجامعات ثم انحياز الجيش للشعب, هذه المراحل هي ما رسخ في أذهان الجيلين الناضجين ويتضح كذلك أن هذه الأشراط ما هي إلا متاريس وقيود وسلاسل وهمية أقعدت بالفعل الثوري لإزالة طغمة حاكمة في أضعف حالاتها.
لقد اشترط محمد أبو القاسم حاج حمد للجيل الناهض ان يصل مرحلة العدمية الأيدلوجية إذ ارتأى أنها الطريق للحرية والليبرالية المؤدية إلى فهم جذور وأصول المشكل السوداني ثقافياً وفكرياً , وهذا ما لم يتوفر لجيل السبعينيات ولكنه توفر لجيل التسعينيات وجيل العقد الأول من الألفية الثالثة إذْ أدَّت انتهازية السلطة الحاكمة إلى انهيار أيدلوجية الإسلام السياسي, وغاب اليسار عن لعب دوره وسط الأجيال الجديدة لأسباب انهيار الاتحاد السوفيتي وانشاقاق الحزب المناضل والتضييق الذي مارسته حكومة الجبهة الإسلامية على أعدائها التقليديين والبعبع الذي يقض مضاجع المتأسلمين , فوجد هذان الجيلان الباب مفتوحاً على مصراعيه ليشكلوا حيواتهم الخاصة وفكرهم المنسجم مع تطورهم الفكري واندماجهم في العالم الواسع مفتوح المصادر ومتعدد المشارب والمناهل , ولسان حالهم يردد أبيات العقاد ( خذوا دنياكموا هذي فدنياواتنا كثرُ) .
لا أعتقد أنَّ مشكلة الثورة في السودان هي أزمة ثوار بل هي أزمة التلاقح بين أجيال تختلف أشراط الثورة عندها, كما تختلف الأدوات فإذا نظرنا إلى ثورة سبتمبر2013م نجد أنَّ الشهداء الأبرار هم أبناؤنا من جيل أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات, هذا الجيل الذي لم تثقله أوزار العنصرية ولا تركات التاريخ بل هو جيل وطني وثوري حقيقي تنقصه الخبرات والتجارب ولكنه يخلق أدوات الفعل الثوري ويبتدع الأساليب , هو جيل ذو نظرة عملية لا تأبه للتنظير ولا النواح , جيل يحس بآلام شعبه لذا تجده في شوارع الحوادث وردهات المستشفيات يسعى لجلب الدواء وإنشاء المستشفيات هو جيل مبادر لا ينتظر عطاء من أحد , ولا منحة من ممتن, هو جيل يعترف بأصحاب الفضل ويعرفهم فهم يقدمون امهاتهم (ستات الشاي) لاففتتاح مشروعاتهم ويتشرفون بتقديمهم وتكريمهم, هو جيل لا يتزلف لسلطان, ولا يأبه لكهنوت,جيل يعرف مصلحته تماماً ويدرك أسباب الوصول, جيلٌ يبادر ويسعى , يبتكر ويفكر, جيل تعلم ويبحث عن منح الماجستير والدكتوراه في السويد وإيطاليا وكندا, جيل لا يعرف المستحيل .
نصيحتي لأجيال السبعينيات والستينيات دعوا هذا الجيل يعمل لا تغرقوه في الفشل وصراع الإثنيات والجهويات, لا تشغلوه بالغابة والصحراء والهوية والجندر فقد تجاوز أصنام المثقفاتية والمدعين, هو هو جيل التقانة والعلم والفكر, هو الجيل الذي سيصنع السودان الذي يريد,هو جيل لا يزال يطرب لأبو عركي البخيت وكورال معهد الموسيقى والمسرح ويردد اغاني الحقيبة بطريقته ونكهته, هو الجيل الذي أعاد أغاني(الخال) محمد أحمد عوض وتمايل معه طرباً, هو الجيل الذي سيأتي بالنصر قريباً جداً, وبطريقته هو وأسلوبه هو, هو الجيل الذي ستكتمل عنده ساعة النصر , علينا ألّا نجزع حين تقيم الأيام حائط العصابة الحاكمة كلما كاد ينقض فسيكسر هذا الجيل(اليتيم) حائط السجن ليجد تحته كنز السودان ومستقبله الوضئ دثاراً من حرير ليس فيه من فتقٍ ولا رتقٍ, وأياماً بالخير حبالى , حفظك الله أيُّهذا الجيل فتقدم.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لا نعلم هل انت متفائل زيادة عن اللزوم ام عايز تكسر تلج للجماعة ديل عشان يتحامقوا ويقفوا في وش المدفع والهوا جيل التسعينات الذي تتحدث عنه اصابه عبث الحكومات المتعاقبة ووعثاء الكهولة في مقتل وكثير منهم غرق في الفساد وصار بعضا منه او مطبلا له اما جيل الالفية الثانية فهم حقا لا في العير ولا في النفير يعيشون لانفسهم وما ملكت ايمانها صدقا وحقا هذه البلد ليس لها الا اطفالها ليشهدوا علي ما تلبسه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..