عقد الجلاد.. عبقرية الاستمرار والعطاء..!!

ظلت فرقة عقد الجلاد الغنائية تنثر الفرح في كل مكان لتعطر ربوع الوطن المختلفة ابداعاً وسحراً، فلم تحصر نشاطها الإبداعي والإنساني في الخرطوم، بل انتقلت بمهرجاناتها منذ أكثر من اربع سنوات الى ولايات البلاد الدانية والقصية، لتلتقي بجمهورها ومحبيها، وواصلت عطاءها لتحتفي بالنازحين في معسكرات «كلمة، وعطاش» لتخفف معاناتهم وتزرع في شفاههم ابتسامة رغم واقع المعسكرات البائس.
وظلت فرقة عقد الجلاد حية ومتمسكة بروح البقاء، لتكون الخلافات التي أضحت تطارد واقع الفرق مجرد رياح عابرة، ليستمر عطاؤها المتجدد لمدة «25» عاماً متواصلة، مما يعد إنجازاً عريضاً يحسب لها مقارنةً بتاريخ المجموعات الغنائية المختلفة التي غالباً ما تستمر لفترات محدودة ومن ثم يتوقف نشاطها، ويتجمد ويعود مرة أخرى ويتوقف، وهكذا الحال في الفرق الغنائية والمسرحية بصورة عامة التي تصبح عرضة للخلافات والشقاق الذي يؤدي الى زوالها في نهاية الامر.
و «العقد» كما يحلو لجمهورها، قدمت العديد من المفاهيم والأساليب الغنائية التي جعلتها أكثر التصاقاً بالجمهور الذي ظل يتمثل عقد الجلاد في جودة الغناء وتنسيق التفاصيل في العمل الفني، بجانب انها قدمت أعمالاً ناقشت موضوعاتها تفاصيل الحياة السودانية وكل الإشكالات التي تخص المجتمع، واذا استصحبنا تاريخ بعض الفرق العالمية مثل «الاسبايس» و«البيتلز» و«الفور كاتس»، نجدها لم تعمر طويلاً، رغم الضجة الكبيرة التي أحدثتها، ولكن في الآخر عجزت عن التماسك.
ويمكن أن نقول إن الوصفة السحرية «لعبقرية الاستمرارية والعطاء» التي أسهمت في نجاح عقد الجلاد طوال مسيرتهم التي امتدت لربع قرن من الزمان، تتمثل في اختيار العناصر القوية والجادة، والقانون الفعال والمنهج الملتزم لضبط عمل الأعضاء، ومن ثم تنفيذ المخططات التي تغوص وترتكز على التراث السوداني الخالص والغناء للمجتمع من خلال الغناء الجماعي المتأصل في السودان، إلى جانب فهم الأعضاء لرسالتهم الفنية وقناعتهم بها، وما تمر به الفرقة الآن من صراعات يمثل في نهايته موقفاً عابراً مثل الكثير من الأحداث والمواقف التي تبدلت فيها العضوية إحلالا وإبدالاً، لكن تظل القيمة الحقيقية في كون المجموعة استمرت تعطي لربع قرن من الزمان.
وفي حديثة لـ «أبواب» قال المرهف والعضو المؤثر في الفرقة شمت محمد نور، إن العلاقة بينهم والجمهور علاقة متميزة وجميلة، وترجع الى ان أفراد «العقد» متاحون ولا توجد حواجز بينهم والجمهور، ولذلك تأتي معظم الأعمال من واقع الناس، متمثلاً في أشيائهم وافراحهم وأحزانهم وطموحاتهم وإحباطاتهم وقضاياهم، إضافة الى أن الفرقة لم تتوقف عند فكرة شعرية محددة ولونية غنائية ولحنية ثابتة، ونحن نغني لكي يسمعنا أي شخص، ولا نغني لجغرافية المفردة والسمع والجمهور، فأعمالنا متنوعة بتنوع البلاد شرقها وغربها وسطها وشمالها وجنوبها، فالتنوع في المفردة والفكرة الموسيقية والإيقاع لكي يسمعنا كل الناس، ويعتبر هذا واحداً من اسرار البقاء لعقد الجلاد.
وأضاف شمت قائلاً إن المجموعة ارتبطت بالجمهور، فتناولت قضاياه فغنت للأطفال والمسنين، وغنت لدعم المشاريع الإنسانية «الكلى والقلب والسرطان»، ويمكن أن نقول إن عقد الجلاد كائن خرج من رحم المجتمع، وستظل مادام المجتمع موجوداً.
وعقد الجلاد بدأت نشاطها الغنائي في عام 1984م بمحاولات لجمع النصوص وتلحينها، والالتزام بفكرة الغناء الجماعي بوصفه صيغة متأصلة في المجتمع السوداني، ومن ثم بدأ الالتقاء والتشاور، وكان للموسيقار عثمان النوّ فضل المبادرة وروح الاجتهاد في خلق الفكرة وتدعيمها بالألحان والنصوص التي طالما وجدت القبول، ومن ثم بدأ التجمع حول الفكرة في معسكرات للبروفات التي استغرقت وقتاً طويلا، إلى أن أصبحت للمجموعة أعمال مكنتها من وضع برنامج كامل خاص بأعمالها، وعقد الجلاد ليست تمرداً على الشكل الدائري الذي ساد الأغنية السودانية لزمان طويل، لكنها محاولة منها لإخراج السلم الخماسي وتهجينه وإثرائه بالمعاصر من علوم وفنون الغناء. ونجحت المجموعة في الخروج من هذه الدائرة بقطاع عريض من المستمعين من كل الأعمار، وتناولت المجموعة نصوصاً شعرية لشعراء شباب وبرؤى جديدة، حيث عالجت نصوصاً شعرية لشعراء عرب وسودانيين كبار، منهم القطري خليفة جمعان السويدي، والمصريون صلاح عبد الصبور، أمل دنقل وفاروق جويدة، إضافة إلى السودانيين محمد المكي إبراهيم، محجوب شريف، هاشم صديق، محمد طه القدال، محمود محمد مدني ومحمد الحسن سالم حميد، بجانب الأغنيات التراثية، والأناشيد الدينية من مؤلفات الشيخ عبد الرحيم البرعي وعالجتها برؤية موسيقية معاصرة.
وتستخدم عقد الجلاد من الآلات، الأورغ، العود، الباص جيتار، الجيتار، الطبول والآلات الإيقاعية.
وتعتبر عقد الجلاد من أوائل الفرق التي أنتجت الكاسيت بالاستفادة من التقنيات الحديثة، وتحركت وفق المواكبة. كما أنتجت أول فيديو كليب في السودان بالشكل الرقمي لأغنية «يا شمس رغم الشمس».
واستخدمت عقد الجلاد العديد من الإيقاعات المعروفة وغير المعروفة في السودان مثل إيقاع الدليب والإيقاعات المركبة والبسيطة، حيث قامت بعمل «أوركسترايشن» يشبه الشكل السوداني، محاولين الابتعاد عن تقليد الغرب أو الكوريين الذين كانوا يدرسون الموسيقى بمعهد الموسيقى، متجهين إلى شكل يشبه السودانيين، وهو ما أدى إلى قبول السودانيين لما تقدمه الفرقة، مع الاستفادة من التنغيم البشري، وعندما خرجت المجموعة إلى خارج السودان قدمت نموذجاً جيداً عن نوع جديد يمثل شباب السودان، في وقت كان التمثيل فيه لكبار الفنانين بخبراتهم وعلاقاتهم التي تسمح بذلك، ومثلوا جيل الستينيات والسبعينيات إلى الثمانينيات تقريباً، لكن عقد الجلاد قدمت نموذجاً للسودان في التسعينيات وما بعدها.
ومن أهم الإنجازات التي حققتها المجموعة خلال تاريخها الطويل، الاحتفال بمهرجانات متتابعة، تحققت وفق منهج اختطه المجموعة وسارت عليه، وفي نهاية هذا التطواف كان لا بد أن نشير الى ان اسم الفرقة أتي من«الجلاد» هو نوع خاص من الجلد له رائحة زكية، قيل انه من جلد الغزال، أو القط البري تلبسه النساء في «الجرتق». وجاء استلهام الاسم لارتباطه بالعادات السودانية الأصيلة، ويعرف الجلاد بخصوصيته وطيب رائحته، إذ أنه يزيد طيباً كلما زاد في القدم، وها هي مجموعة عقد الجلاد تزداد في سنوات عطائها الإبداعي قدماً وتعتقاً وإبداعاً.

الخرطوم: محمد جادين:
الصحافة

تعليق واحد

  1. كفيت ووفيت يا محمد جادين
    و الحاصل الان لي عقدالجلاد نفس الحاصل للسودان ( توترات و تهديد بالانفصال )
    و هذا يعكس لنا مدي ارتباط الفرقة بالانسان و الاحساس السودانى ونتمنى من المولي عز وحل ان يخرج الاثنان الى بر الامان من هذ النفق المظلم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..