يا وزارة العدل: كيف إذا فقد الناس الثقة في مَن يحقق العدل ؟

يا وزارة العدل: كيف إذا فقد الناس الثقة في مَن يحقق العدل ؟
تابع كثير من أهل السودان بدهشة ما نقلته صحف الخرطوم الصادرة اليوم الإثنين 14/11/2016م، رفض وزير العدل عوض حسن النور الرد على أسئلة الصحفيين الذين حاصروه بالأسئلة بالبرلمان يوم الأحد بشأن المعتقلين السياسيين، وكذا قول وزير الدولة بوزارة العدل تهاني تور الدبة في تصريحات صحفية ” لا علم لي بوجود معتقلين سياسيين”، كما نُقلَ عن المدعي العام صلاح عبد الله إن علاقتهم بالمعتقلين السياسيين تبدأ بمجرد فتح بلاغات ضدهم بيد أنه أوضح أنه لم يتم هذا الأمر حتى الآن.
أقول معلقاً على ما سبق أعلاه من تصريحات غريبة عجيبة، إن الله تعالى عدلٌ سمى أسمه العدل، وأمر بالعدل، وحرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرماً، قال تعالى في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا…)؛ فكان حري بمن يُسمى بهذا الإسم الكريم أن يأخذه بحقه ومستحقه؛ ومن حقه أن لا يُظلم أحدٌ بأن يُعتقل دون أن توجه له تهمة، أو دون أن يقدم لمحاكمة، ومن مستحقه ألا يعاقب أحدٌ بلا جريرة.

وقد ذهب الإسلام أكثر من ذلك فأمر بتحقيق العدل حتى مع الأعداء قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)المائدة.
وحتى لا يصبح الظلم عُرفاً يسكت الناس عنه، ويخافوا من مواجهته، بيَّن الله للعباد حقوقهم، التي لا يحق لأحد، كائناً من كان، أن يسلبها منهم، ولا يعتبر المطالبة بهذه الحقوق جريمة ولا جناية؛ فمن هذا كله هل يكون إبداء الناس لآرائهم فيما يمس معاشهم جريمة ؟ وهل التظلم من سياسات فاشة ظالمة تضيق عليهم كسب أرزاقهم جناية وجريرة ؟ وهل الشكوى من أخطاء الدولة المتكررة في حق الناس جريمة ؟
وهل مطالبة الناس بحقوقهم المكفولة لهم التي أعطاها لهم ربهم و خالقهم بالوسائل السلمية هل يعتبر ذلك جريمة ؟ فإن كان كل ذلك جريمة فأيِّ شيءٍ بعد ذلك لا يكون جريمة؟
وما مهمة وزارة العدل إن لم تكن تحقيق العدل، والعمل على حماية حقوق المواطنين من الإنتهاك، من أي جهة كانت حتى وإن كانت هذه الجهة هي رئاسة الدولة.
في كل الشرائع عندما يتعرض أحدٌ للإعتقال الأصل أن يعرف جرمه، وتحفظ حقوقه ،ويقدم للمحاكمة ليفصل القضاء في شأنه، فإن لم يحدث ذلك أُنتهك حق الإنسان وسُلبت حريته، فكيف إذا تعرض هذا الشخص للشتم والسب والضرب دون محاكمة ودون أن يعرض للقضاء فمن المسؤول عن كل ذلك ؟ أليس من العار والعيب أن تقول وزارة العدل أنها ليس لديها علم بالمعتقلين السياسيين، وأخبار المعتقليين تملأ الأسافير والصحف وأحاديث الناس ومجالسهم تفضح هذا الإدعاء. فإن لم تكن وزارة العدل مع الناس وبين الناس فكيف تعرف الظالم و المظلوم، والقاهر والمقهور، والجناة والمجني عليهم ؟.
أما إذا كانت وزارة العدل ووزراؤها يخشون ويخافون من نتيجة رعاية الحقوق والزود عن المظلومين ومحاسبة الظالمين؛ فساعتئذٍ سيُكبِّرُ الناس أربعاً على وفاة العدل في هذا البلد، وبعد ذلك لن ينصلح شأن ولا حال.
والناظر في العُرف الإنساني يعلم أنَّ المواطن في أيِّ مكان في العالم إذا فقد الثقة في أجهزة تحقيق العدل فستكون ردة فعله غير متوقعة، لا تمنعها الإستعدادات، ولا الدبابات المجنزرات، ولا المدافع الرشاشات، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة وحسبك بلاد الشام الحبيبة المنكوبة.
من هذا الباب أحذر وزارة العدل من أن تمتليء قلوب الناس بالغبن، إذا فقدت الأمل فيمن يحقق العدل، فيسعى كل طالب حق فيطالب بحقه بكل وسيلة ملائكية كانت أو شيطانية، بما تمليه عليه نفسه، وبناء على هذا يحق لكل صاحب عقل أن يسأل كم من الناس سيكون لقمةً سائقةً لتجار الحروب وسماسرة السياسة؟.
إنَّ تعامل الدولة وأجهزتها التنفيذية ببرود مع حقوق المواطنين والتزام الصمت ضد اعتقالهم، وحبسهم وتعذيبهم، كل ذلك لا محالة يُطلق رصاصة الرحمة على العمل السلمي للمطالبة بالحقوق، ويفتح الباب واسعاً أمام أصحاب الحقوق الشرعية ليعملوا يائسين لرد حقوقهم بأيديهم، وبذلك تعم الفوضى، وتهدر الحقوق، وليس لأحد على ذلك صلاح.
الأصل في الجهات العدلية والأمنية تحقيق العدل والأمن للناس،هذان الأمران يتمناها أيُّ بشر ويرجو تحقيقهما، العدل والأمن؛ مطلوبان في الأصل أن يطمئنُ الناس الى حملتهم ودعاتهم وإلى العاملين في حقولهم ومجالاتهم، فكيف إذا ضاع العدل مِن مَن يدعيه ؟ وكيف إذا فُقد الأمن مِن مَن أقسم على تحقيقه للناس وحمايته؟ مالكم كيف تحكمون؟؟
ومن هنا يجب على الدولة أن تتقي الله في المعتقلين السياسيين فتطلق سراحهم، أو تقدمهم لمحاكماتٍ إن كانوا مجرمين، وإلا فليتأمل الجميع قول الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ…).
والله من وراء القصد
محمد جامع (أبوأيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير/ ولاية السودان

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..