الأسرة الحاكمة في قطر تحقق توازنا مستمرا بين سياسات التحديث وتقديم تنازلات للمحافظين

تنفق قطر بسخاء على تحديث عاصمتها قبل نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 مما دفع القطريين المحافظين إلى الشعور بالقلق من كيفية تأثير هذا على الطابع الإسلامي للبلاد.
ويمكن مشاهدة شاحنات تسرع في أنحاء الحي التجاري بالدوحة وهي تحمل مواد بناء لتنفيذ مشروعات التطوير التي تتكلف 150 مليار دولار وتشمل مد شبكة مترو واقامة مطار وميناء وطرق جديدة.

وفي السنوات التي تسبق كأس العالم لكرة القدم ستشهد الدوحة تدفقا للشركات والمهنيين والعمال الأجانب سيجلبون معهم طوفانا من الثقافات الأجنبية وأنماط الحياة الغريبة وهذا يسبب قلقا.

وقال عبد الرحمن البالغ من العمر 33 عاما “هذا هو التحدي الحقيقي بالنسبة لنا.. الحفاظ على ثقافتنا بينما نحن نبني البلد الجديد.”

وساعد استغلال ثروة الغاز الطبيعي الهائلة التي تمتلكها قطر في تحويل البلاد خلال 15 سنة فقط إلى واحدة من أكثر دول العالم ثراء إذ يبلغ نصيب الفرد من الدخل السنوي أكثر من 90 ألف دولار في البلد الذي يبلغ عدد القطريين فيه 250 ألف نسمة.

ورغم أن قطر تحكمها عائلة ينظر لها على أنها تقدمية جدا بالمقاييس الخليجية فإن أغلب القطريين ما زالوا محافظين ويتبع أغلبهم المذهب الوهابي.

وبالنسبة لهم فإن القلق من اختراق الثقافة الغربية لمجتمعهم واقع مستمر وملح خاصة في ظل أنهم يمثلون أقلية صغيرة للغاية في بلدهم الذي يسكنه نحو 1.7 مليون نسمة الكثير منهم عمال من جنوب آسيا.

وقالت سلمى التي تبلغ من العمر 25 عاما “نرحب بالأجانب ونريدهم هنا. لكننا لن نسمح بأي استخفاف بديننا أو ثقافتنا”.

وأضافت “هذا بلدكم للفترة الحالية. لكنه بلدنا للأبد ولن نذعن لأساليبكم”.

تولى أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني (60 عاما) السلطة خلفا لوالده في انقلاب أبيض عام 1995. واكتسب هو وزوجته الثانية الشيخة موزة سمعة باعتبارهما من دعاة التحديث في السنوات القليلة الماضية ورفعا من مكانة بلدهما بصورة كبيرة مع إطلاق قناة الجزيرة واستضافة دورة الألعاب الآسيوية عام 2006 وكذلك دورهما في حصول البلاد على استضافة بطولة كأس العالم.

ولم تشهد قطر احتجاجات الشوارع التي أطاحت بأربعة من رؤساء الدول منذ أوائل العام الماضي ودفعت الاسلاميين في أنحاء الشرق الأوسط لتصدر المشهد السياسي ومن أسباب ذلك الثروة الكبيرة للبلاد وكذلك سياستها الخارجية لأن قطر ساعدت بشدة مقاتلي المعارضة الليبيين لذلك أصبح ينظر للحكومة على أنها “على الجانب الصحيح” من الربيع العربي.

لكن لا يمكن للحكومة تجاهل كون أن أغلب السكان في قطر ربما يقاومون التغييرات التي يحدثها التوسع السريع.

وقال محلل متخصص في الشؤون الأمنية طلب عدم نشر اسمه بسبب الحساسية السياسية للموضوع “إنه خط دقيق للغاية يتعين عليهم العمل على توازنه. لكن الأمر الوحيد الذي لا يمكن للحكومة القيام به هو أن تبدو في مظهر مناف للإسلام. لو فعلوا هذا لانتهى الأمر”.

وحتى الآن تبلي هذه السياسة بلاء حسنا.

وقال خبير اقتصادي مقيم في الدوحة “خطى التوسع الاقتصادي في قطر على مدى العقد الماضي غير مسبوقة تقريبا. إنه لامر ملفت للنظر أن المجتمع المحافظ بشكل تقليدي تعامل مع هذه التغييرات بمثل هذه السلاسة التي تعامل بها”.

وبدأت بالفعل مساع لمحاربة ما ينظر له على أنه زحف النفوذ الغربي. وفي وقت سابق من العام الجاري جعلت جامعة قطر التدريس باللغة العربية بدلا من الانجليزية لازما في الكثير من التخصصات.

وكما هي الحال في الإمارات العربية المتحدة أطلقت حملة ضد الملابس الكاشفة عبر ملصقات ومنشورات توزع في المراكز التجارية والأسواق الكبيرة وغيرها من الأماكن العامة. وتهدف هذه الحملة التي تنظمها جماعة ثقافية إسلامية ان تشرح للأجنبيات أن التقاليد الإسلامية تلزمهن بالزي المحتشم في الأماكن العامة.

وقال مايكل ستيفنز الباحث في المعهد الملكي للدراسات الدفاعية في الدوحة “القطريون لا يريدون تسليم ثقافة بلادهم للأجانب. سيظهر غضب بالغ إذا حدث هذا على الإطلاق. كما أن القيادة حساسة جدا ازاء هذه المسألة”.

وأضاف “تقول الحكومة بوضوح تام … لا نريد أن نكون (متحررين مثل) دبي. لن نصبح دبي، وحتى إذا كانوا يرغبون في ذلك فلا يمكنهم القيام به هنا. المواطنون لن يقبلوا هذا”.

ونتيجة لذلك يتعين على الأسرة الحاكمة في قطر تحقيق توازن مستمر بين سياسات التحديث وبين تقديم تنازلات للمحافظين.

وشهد العام الماضي خطوات تحررية مثل السماح ببيع لحم الخنزير للأجانب وخطوات في الاتجاه الآخر مثل سحب تراخيص بيع الكحوليات من المطاعم في جزيرة اللؤلؤة وهي جزيرة صناعية بها مطاعم دولية ويرتادها الأجانب.

ومن أسباب تمكن قطر من الاحتفاظ بطبيعتها المحافظة هو انها عكس دبي لا تحتاج الاعتماد على السياحة وتركز بدلا من ذلك على إقامة المنشآت الفاخرة لتصبح معروفة باعتبارها مركزا ثقافيا ومركزا للمؤتمرات في المنطقة.

وقال رئيس الهيئة العامة للسياحة في قطر أحمد عبد الله النعيمي لرويترز في العام الماضي إن بلاده لا تريد أن يحضر الناس للحصول على غرفة مقابل 50 دولارا في الليلة للرقاد على الشواطئ طوال اليوم والتجول بحقيبة على الظهر وسراويل قصيرة مضيفا أن هذه النوعية ليست المستهدفة.

وقال إن قطر استثمرت خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة في الفنادق والمنشآت الفاخرة ومراكز المؤتمرات الفاخرة والمتاحف لكنها لا تعتبر السياحة نشاطا أساسيا مدرا للدخل على البلاد.

وأضاف أنه في حالة انهيار السياحة فإن هذا لن يحدث فارقا بالنسبة لهم.

وقال رجل أعمال أجنبي في الدوحة “هناك طريقتان أساسيتان يمكن الحفاظ بهما على رضا السكان وفي الوقت ذاته الاستمرار في تنمية البلاد وهما الحفاظ على ثراء الناس وتوفير وظائف لهم والتأكد من الحفاظ على الهوية الإسلامية للبلاد.”

وفي العام الماضي أصدر الامير الشيخ حمد مرسوما بزيادة الرواتب الأساسية والمزايا الاجتماعية لموظفي الحكومة من المدنيين بواقع 60 في المئة أي بزيادة عشرة مليارات ريال (2.75 مليار دولار).

ونجحت الحكومة بالفعل في إدخال بعض الإصلاحات الليبرالية الحساسة مثل منح غير المسلمين حريات أكبر في ممارسة شعائر أديانهم في البلاد.

وأقيمت أول كنيسة في قطر عام 2008 على أرض تبرع بها الامير مما دعا إلى ورود مكالمات للبرامج الإذاعية وكتابة مقالات في الصحف القطرية للتعبير عن الغضب.

وقال المحلل الأمني “أقر رئيس الوزراء علانية بأنهم استمعوا للشكاوى وبحثوها. بعد ذلك قال للمعارضين إن الوقت حان كي يهدأوا… انتهت المعارضة تقريبا بين عشية وضحاها”.

وأضاف “في هذا الصدد ستنفذ الدولة إرداتها عندما تريد ذلك. وسيجري إدخال التغيير من خلال المراسيم إذا لزم الأمر”.

وكانت تسمية أكبر مساجد قطر وأبرزها عام 2011 باسم ابن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية مثالا للخطوات التي يتوقع القطريون اتخاذها في المقابل.

وذكر المصدر المقيم في الدوحة “هناك سبب يجعل عدد المساجد نسبة لعدد الافراد في قطر يزيد عن الكثير من الدول الإسلامية الأخرى. من أسباب ذلك أن الناس يمكن ان يدفعوا تكلفة بنائها لكن من الأسباب الأخرى أيضا أنها تسترضي السكان”.

ومضى المصدر يقول “ليس كل القطريين سيتفقون مع التغيير الذي سيحدث هنا لا محالة. لكنهم سيحصلون على أشياء مقابل إذعانهم. سنشهد بناء المزيد من المساجد”. (رويترز)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..