هل هناك متسع من الوقت للمراجعة

هناك نبض جماهيري حي ومتصاعد في السودان، وقد بدأت الأدخنة تتصاعد من فوهة البركان الذي أصبحت ثورته وشيكة، وعندما تتفجر الحمم النارية وتتدفق في الشوارع والأزقة فإنها تحرق كل قوة تقف في طريقها. المتأمل لأرض السودان الآن يشعر بأن الأرض بدأت تهتز تحت أقدام حكومة المؤتمر الوطني التي بدأت قبضتها الأمنية الباطشة ترتخي بعد أن فقدت روح المبادرة وقريباً ستفقد ذمام الأمور. والسؤال الذي يطرح نفسه هل ما زال هناك متسع من الوقت لحكومة المؤتمر الوطني لمراجعة سياساتها وتصحيح قرارتها ومصالحة الشعب قبل أن يقع الفأس في الرأس؟ وفي المقابل هل النجاح النسبي للعصيان المدني في التجربة الأولى في 27 نوفمبر دليلاً على نجاحه بصورة أفضل في 19 ديسمبر وما يليه؟ وهل ستسقط الحكومة في حال نجاح العصيان المدني؟
للإحابة على هذه الأسئلة علينا قراءة تجارب الشعب السوداني السابقة كشعب قائد ورائد وملهم ومعلم لشعوب المنطقة، كما علينا قراءة تجارب غيرنا من الشعوب في مصر وليبيا وتونس. لقد تعلمنا خلال 27 سنة أن هذه الحكومة بطيئة في الإصلاح ولكنها سريعة في البطش وفي اتخاذ القرارات الكارثية التي أفقرت الشعب، وهذا دليل على أن هؤلاء تعلموا وتدربوا على التدمير والتخريب ولم يتدربوا ويتعلمواالإصلاح، ولذا حتى إذا منحهم الشعب السوداني ربع قرن آخر لن ينصلح الحال وإنما سيصبح أسوأ من اليوم. أما الأمر الآخر الذي يستبعد أي فرصة للاصلاح ومراجعة النفس، ما قاله رئيس النظام بعظمة لسانه أنه لن يترك السلطة للخونة من مناضلي الكيبورد ونزلاء الفنادق، بل ذهب أكثر من ذلك وتجدى الشعب أن يوجهه في الشوارع إن كان يريد إسقاط الحكومة. وهو يريد تخويف الناس خاصةً أنهم ذاقوا يده الباطشة وقتل المئات ولم يحاسبه أحد، وبالتالي سيقتل كل من يخرج للشارع ولن يحاسبه أحد.
إذا نظرنا إلى ردود أفعال حسني مبارك والقذافي وبن علي في بداية الثورة من استهزاء واستخفاف بشعوبهم ندرك أن البشير يسير في نفس الطريق. أما سؤال هل ينجح عصيان 19 ديسمبر نقول نعم وبكل تأكيد وسيرسل رسالة أقوى نظراً لانضمام الأحزاب والحركات والنقابات وقطاعات واسعة من السعب السوداني لشباب الثورة، ولذا فإن الحركة ستستمر وفي تصاعد مستمر إلى أن يأت اليوم الذي سنفجر فيه البركان. وكما يقول المثل السوداني (السايقة واصلة)وحتماً ستصل وتقتلع الكيزان من أرض السودان.
إن الذين يراهنون على أن تراجع الحكومة خياراتها واهمون لأنها ستظل سادرة في غيها حتى يأتيها الطوفان بغتة. والذين يقللون من فعالية العصيان المدني أيضاً واهمون، فإذا قلنا أن فقط ألف شخص اعتصموا في 27 نوفمبر فسيكون العدد ألفين في 19 ديسمبر، وبعده أربعة ثم خمسة ثم ستة ثم ملايين ثم كل السودانيين، هذا أمر حتمي ولكنه يسير بخطى متسارعة ولن يستغرق شهور وإنما أسابيع وهذا ما تظهره كل الدلائل من تفاعل متزايد مع دعوات الشباب، ولا أرى أن الحكومة سيكون لديها متسع من الوقت لمراجعة سياساتها وتحديد خياراتها، بل لن تجد الوقت للهروب ولن تجد الوقت لالتقاط أنفاسها.
سقوط النظام أصبح وشيكاً وحتمياً في ظل توحد معظم السودانيين على خيار إسقاطه، ومن الواجب أن تبدأ من الآن الترتيبات بين كل الأحزاب والحركات والنقابات وقوى المجتمع المدني والشباب الثائر على حكومة مؤقتة تتولى مقاليد السلطة لتجنب الفراغ الدستوري، ويجب أن تشمل هذه الترتيبات شرفاء الجيش والشرطة لحفظ الأمن والإستقرار خلال الأيام الأولى من سقوط النظام. والشيء المبشر أن الجميع أدرك ذلك وبدأت الترتيبات مع التزام الحركات المسلحة بوقف الحرب والمشاركة في بناء السلام ووطن يسع الجميع ويتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..