خربشة على جدار الوطن 5

سحنات مختلفة ومتنوعة من البشر أمام صالة القدوم في استقبال أحبة عربدت الاشواق في مسارب روحهم وجوه لفحتها شمس بلادي الحارقة الا انهم لايزالوا صامدين- تنوع وتعدد جميل يحتاج لمن يحسن ادارته وتوظيفه وتوجيهه لاتفرقته وتمكينه سعيا لوطن مثالي
نحيب وبكاء والفاتحة من مستقبلين لعائدين فقدوا الوالد او الوالدة أو عزيز لديهم عناق دافئ حار وسلام عميق من القلب للقلب (نلقى وين طيبة أهلنا أو وطن يشبه وطننا) ( ورجعنالك وكيف تعشق رجوع القمرة لي وطن القماري) وجد وشجن وعاطفة جياشة وحنين دافق هذا هو السودان الذي نعرفه وهولاء هم ابنائه الكرام المميزين مكانهم الثريا وهامات السحب وليس القهر والاذلال والجوع والمذلة والمسقبة شعب صامد صابر يستحق كل الخير ورغد العيش والحياة الكريمة بينما العكس صحيح تماما
نتوسط الان قلب مقرن النيلين والزحمة قد بلغت اشدها زحمة سير خانقة ورجال المرور يبذلون قصارى جهدهم بظروف وامكانات شحيحة للغاية بزيهم الابيض المميز لتنظيم وانسياب حركة السير والمرور
الحافلات والامجادات تتسابق في فوضى وعشوائية غريبة وكذلك باصات المواصلات الكبيرة ومايسمى بص الوالي قمة الفوضى والعشوائية وعدم احترام قواعد السير واشارات المرور فوضى ضاربة اطنابها بحق وحقيقة والطرق لاتزال كما هي رغم الاعداد المهولة من البشر والسيارات بعضهم ينظر اليك شذرا بمعنى لماذا تجاوزتني أو اخذت مساري؟البعض اغلق نوافذ مركبته وسمح لهواء التكييف البارد بدغدغة كيانه في زحمة مرور تصيبك بارتفاع الضغط وهيجان القولون ونغم عذب ينساب من احدى السيارات المجاورة وفنان الاجيال الذري الراحل المقيم ابراهيم عوض في رائعته(ليه بنهرب من مصيرنا)
كان شارع القيادة العامة بمبانيها الفخمة التي برع معالي وزير الدفاع وقتها الفريق عبدالرحيم محمد حسين في تشييدها واقامتها في هذه المساحة من الارض هي الشاهد الوحيد على الاهتمام بقواتنا المسلحة الباسلة رغم الانتقادات الحادة التي وجهت له وقتها وانه كان الاولى دعم وتطوير وتسليح الجيش بها وان الوضع كان سيكون افضل مما كان لو استقلت هذه الموارد والامكانيات استقلالا سليما وتم تسخيرها لحماية وطننا واجهزته الامنية لاسيما وبلادنا تدخل عصر ومرحلة تصنيع الصواريخ الحربية والطائرات بدون طيار كما صرح فخامة الرئيس مؤخرا
الشوارع ملاى عن بكرة ابيها ببشر ذوي سحنات مختلفة ومتنوعة اتو من كل بقاع الوطن نتيجة التوزيع غير العادل للثروة وهجر الريف والمدن والولايات صارت الخرطوم هي السودان شرقه وغربه شماله وجنوبه هناك في الاطراف النائية وعند مخارج المدن واقتربت مدينة امدرمان البقعة كما يحلو لسكانها الاصليين مناداتها من دنقلا وانتشرت الجريمة والفساد والمخدرات ومواخير البغاء والرذيلة والبنقو والشاشمندي بين شباب الوطن – كثر الباعة المتجولين والبسطات العشوائية -الكل يبحث عن الرزق في الخرطوم هنا حيث ينام الرئيس وتقوم الطائرات وتقف جامعة الخرطوم شاهقة منتصبة
نتجاوز الان بصعوبة متناهية كبري بري في الطريق الى مدينة بحري الجميلة ولولا مهارة شقيقي ناصر في القيادة لما تمكنا من الوصول الى هذه النقطة المحورية – ومن على البعد بدت جميلة ومستحيلة قلعة العلم والصمود والحضارة ومنبع تفريغ العلماء والمفكرين الذين يفتخر بهم الوطن – مهد العلم وشرارة النضال والثورة – هنا كانت البركس داخليات الطلاب وقتها قبل ان تحول لصندوق دعم الطلاب وماادراك ماهذا الصندوق ؟-كنا نفد الى البركس من جامعة القاهرة الفرع وقتها لنستمتع مع اصدقائنا الذين حباهم الحظ بالانتماء لهذا الصرح العلمي العريق بالذ واشهى واطيب وجبات الطعام واللبن الصافي من النوع الذي لايتوفر حاليا في ارقى مطاعم وفنادق المدينة -كانت البيئة التعليمية والمدرسية وقتها يضرب بها المثل في الانضباط والسلوك القويم والتقيد بالنظم واللوائح – كان المعلم والاستاذ الجامعي وقتها شامخا ومهابا ويحتل راس الرمح في تركيبة مجتمعنا -كانت الخدمة المدنية في اوج نضارها وتفوقها وازدهارها -الكل كان عفيف اليد طاهر القلب واللسان-كان الجميع مفعمين بالوطنية والصدق والاخلاص -كانت الحركة الطلابية الظافرة المنتصرة هي الملهم لنضال شعبنا ووقود ثوراته ومساعي انعتاقه –
كانت جامعة الخرطوم وقتها هي حصن النضال ومأوى الاحرار وقلعة الشرفاء عبرت بصدق عن مراحل تطور الوطن ونضاله الشرس من اجل الاستقلال- مثلت جل امنيات الامة وطموحاتها ووثباتها الهادرة نحو البناء والتنمية المستدامة- وان انسى لاانسى ميدانها الشرقي والعملاق وردي طيب الله ثراه يغني ونحن نردد معه (ياشعبا لهبك ثوريتك تلقى مرادك والفي نيتك) كان هذا في ايام انتفاضة رجب ابريل المجيدة.
جميلة ومستحيلة كانت حلما بعيد المنال وامنية قصية ولايرتادها سوى العباقرة والمتفوقين والاذكياء ونحمد لها انها استطاعت ان ترفد الوطن والمهاجر القصية بنموذج مشرف للكفاءة والعلم والخبرة السودانية المميزة والمتفردة والتحية من هذا المنبر لجامعة الخرطوم ولخريجي جامعة الخرطوم ولكل شرفاء وأحرار وطني في نضالهم المقدس
نتجه الان نحو كبري النيل الازرق العتيق وبعضهم يطلق عليه كوبري الحديد ولهذا الكوبري قصة يقال ان المستعمر الانجليزي جلبه بوضعه الراهن من احدى مستعمراته الهندية ومنذ ذلك الوقت لايزال كما هو عليه الان صامدا شامخا منتصبا بذات وضعه الاول لم تطاله اي حداثة او تغيير ولاحتى مجرد بوهية وصبغ – تعاقبت عليه حضارات واجيال وحكومات وازمان وحكايات وابسط مايستحقه اعادة تأهيل تذكرنا بايامنا الخوالي على الاقل ، وتخليدا لدوره المميز الرابط بين موقعين استراتيجيين للغاية بين مدينيتي الخرطوم والخرطوم بحري.
مطبات وحفر قاسية بالكوبري تئن من وطأتها السيارات الحديثة وقد صارت الخرطوم اشبه بسيول العاصمة الكوريةوسيارات الهونداي والكيا تجوب شوارعا- كوبري ضيق للغاية يكاد يسع سيارتين في اتجاه واحد- ظلام دامس ليلا الا من بعض الانوار المتقطعة البعيدة عن بعضها والتعليمات تقضي باطفاء مصابيح السيارات لحظة المرور فيه الى متى هذا الوضع ؟؟ سؤال لم نجد له إجابة حتى اللحظة
ندخل الان الى قلب مدينةالخرطوم بحري الجميلة وأهل هذه المدينة يعشقونها لدرجة الثمالة ويجري حبها في وجدانهم كمجرى الدم في الشرايين -يحسون بالراحة والهدؤ والانتعاش والنشوة بمجرد عبورهم الكوبري العتيق – ينسون احزانهم ورهقهم ومعاناتهم ماان يستنشقوا هوائها البارد العليل
يقول ظرفائهم (السكن بحري والعمل في الخرطوم والونسة والسواليف في امدرمان) -هذه المدينة تحتضن ذكريات واماكن عزيزة الى القلب والاماكن كلها مشتاقة لك وفنان العرب محمد عبده ، وذكرت مكانا عزيزا لدي وصوتك ينساب منه الخفر في حبيبة قلبي رائعة الراحل المقيم الحسين الحسن اداء فنان الاجيال عبدالكريم الكابلي متعه الله بالصحة والعافية
احياء الخرطوم بحري العريقة (الوابورات والاملاك) وسينما بحري والبوستة وحلواني بحري وشارع المزاد وصندل الكيف -بحري تستقبلنا بحفاوة بكل الوان طيفها المميز في تلك الساعة من ذلك اليوم وبكل كرم وترحاب دافق-
سوق بحري العتيق لايزال كما هو وقد فاض وامتلأ بخيرات وطن الجدود في هذا الموسم من العام والطماطم الحمراء تملأ البسطات والفراشات بلونها الاحمر الزاهي الذي تكاد تجزم انه لم يتدخل اي سماد او كيماويات في إظهاره -خيرات واصناف متعددة من الفاكهة والخضر وأكوام من القريب فروت الكسلاوي المذاق والنكهة وبلح بركاوي معتق من مزارع ونخيل كريمة وقنديلا شهية من دنقلا وجوافة طاعمة من الكدرو وسمك بلطي من جبل اولياء وخزان مروي – وكبروس كبير طاعم من النيل الابيض والجبلين وكوستي – هذا هو وطن الشموخ والعزة وطن الخير والجمال والتفرد – فبأي حق يهان ويذل وياتي في نهاية قوائم الفقر والفساد وانعدام الضمير والشفافية؟
سوق بحري رغم اطنان القاذورات والاوساخ التي تزكم الانف لايزال يحتفظ بنكهته المميزة ورغم العشوائية والفوضى الضاربة اطنابها في اسعار السلع والمواد الاستهلاكية للمواطن البسيط الا انه لايزال يعشم في مبادرات وطنية مخلصة تصلح الحال وتعيد الامور لسابق عهدها ونظرة الى ركن قصي من ذلك السوق العريق بائعات الدكوة والفسيخ لايزلنّ في مكانهنّ المعهود مع انتشار واسع لبائعات الشاي واطفال الدرداقات
شارع البلدية وكبري الملك نمر الجديد وسينما الحلفايا والمسجد الكبير وحلتي حمد وخوجلي وشارع المعونة والدناقلة وديوم بحري والمزاد والمغتربين والصافية والشعبية وسوق سعد قشرة الذي اصبح من اشهر واميز اسواق الموضة في بلادنا وفيه تجد المرأة تحديدا كافة مايتعلق بها (حتى البيع بنظام قدر ظروفك بالملعقة بالنسبة لكريم ديانا) – يتبارى تجاره في استيراد البضائع المختلفة من الصين ودبي والمملكة وعلى جانبيه قامت محلات سميت باسماء محلات مشهورة في الخليج في قرينة واضحة الى ان اصحابها كانوا يوما من رواد المهجر وقاطنيه — نواصل

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ما شاء وصف دقيق وسرد تاريخي واجتماعي ممتاز .. تخيل ان احدا يقرأ هذا الكلام بعد مائة عام ؟؟ لذلك تعود اهمية مثل هذه الكلمات والخربشات في جدار الوطن..

    ولكن بصراحة فإن الوطن تخربش بما فيه الكفاية من الذين لا يحسنون ادارة التنوع والذين يعملون من اجل حياتهم الحالية ويريدون ان يأكلوا حقهم وحق غيرهم بل وحق الاجيال القادمة.

  2. ما شاء وصف دقيق وسرد تاريخي واجتماعي ممتاز .. تخيل ان احدا يقرأ هذا الكلام بعد مائة عام ؟؟ لذلك تعود اهمية مثل هذه الكلمات والخربشات في جدار الوطن..

    ولكن بصراحة فإن الوطن تخربش بما فيه الكفاية من الذين لا يحسنون ادارة التنوع والذين يعملون من اجل حياتهم الحالية ويريدون ان يأكلوا حقهم وحق غيرهم بل وحق الاجيال القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..