تخفيف العقوبات علاج مفاجئ دون تشخيص سليم

نقطة نظام حول الهتاف و حلم الناس بنهاية الازمة الاقتصادية في السودان مع رفع العقوبات الاقتصادية الامريكية جزئيا, اليوم الموافق 13 يناير 2017.
نسال الله العليم ان ياتي بنتائج ايجابية للمواطن السوداني .لكن للاسف حسب التجربة هذا الحدث يستفيد منه تجار العملة و السماسرة لتاثير على سعر الصرف بدعاية رخيصة و شراء اكبر كمية من العملات و تخزينها و نتفاجئ بعد اسبوعبن بارتفاع متوالي للاسعار و انهيار مستمر للعملة الوطنية وبالتالي ارتفاع الاسعار وهطول امطار البؤس و الشقاء في حياتنا. اذا رجعنا لثلاث سنين الماضية نلاحظ حدوث احداث مشابهة كبيرة, فرحت الناس ودخلت فيهم الامل و التفاعل, مثلا بمجرد التوقيع على اتفاقية المصفوفة مع جنوب السودان او الحصول على القروض من دولة قطر و السعودية عبر المشاركة في عاصفة الحزم او توقيع شراكة مع شركات اماراتية, كل هذه كانت احداث تفاعلت الناس به خيرا ولكن سرعان ما تحول الي كابوس مع ارتفاع سعر الصرف و جنون الاسعار.
هنالك تسرع وسذاجة لتحكيم الاثار المتوقعة على رفع العقوبات و كذلك مشكلة كبيرة و خلط لفهم و تشخيص مشكلة الاقتصاد السوداني اصلا. ربما يصفني البعض بالمتشائم لكنني احاول تفادي السطحية و العاطفية في التحليل, انا شخصي الضعيف لدي مصلحة كبيرة في الاستقرار الاقتصادي لكن يجب ان اكون موضوعي في تناولي للاحداث.
اولا ما هي مشكلة الاقتصاد اليوم؟
# قبل انفصال الجنوب, كان البترول يشكل العمود الفقري لصادرات السودان, و لكن بعد الانفصال في 2011 بحثنا عن البدائل لتعويض الصادرات البترولية, فلن نجد مع انهيار الانتاج الزراعي, كما ان ظهور الذهب لن يخطي الفجوة و لن يستطيع من رفع العبء على الاقتصاد, و نتيجة لذلك بدا الهبوط التدريجي نحو الهاوية مع ازمة جنون الاسعار.
# الان هنالك خلل كبير في ميزان التجاري و هو الفرق بين الصادرات و الواردات….بمعني ان السودان يستهلك كمية كبيرة من المواد المنتجة من خارج السودان و تسمى بالواردات و بالتالي تحتاج لدولار لدفع الثمن, وفي المقابل لا يوجد صادرات كافية لمواجهة تكلفة الاستيراد وهذا الفارق بين الصادر و الوارد يترجم في شكل زيادة في الطلب على العملات الصعبة مع انعدام الاحتياطات النقدية وبالتالي ارتفاع لسعر صرف الدولار و انخفاض للعملة الوطنية و بالتالي ينشا جنون الاسعار لمواكبة ارتفاع سعر الصرف. منذ 2012 بعد خروج البترول اتخذت الحكومة اجراءات مثل منع استيراد العربات و المواد الغير ضرورية ومنع تمويل العقارات و السيارات عبر البنوك و لكن كل هذه الاجراءات لن تغيير كثيرا على ارض الواقع وكان لها اثر ضئيل جدا, لكنها لحد ما ساهمت لوقف الانهيار السريع.
هل العقوبات الامريكية هي السبب الاساسي في الازمة الراهنة في الاقتصاد السوداني؟
الاجابة لا. الحقيقية هي ان العقوبات لها تاثير محدود جدا لانها تخص التحويلات المالية و المعاملات الاقتصادية ومثلا الحصول على بعض قطع الغيار من امريكا, ولكنها ليست اساس الازمة الاقتصادية الحالية في السودان. اذا رجعنا قليلا الي 2005 و حتى فترة 2010 كان الاقتصاد السوداني في حالة انتعاش و استقرار تام على المستوي الاقليمي وكان الدولار بتراوح بين 2 جنيه و نصف و 3 جنيه, رغم وجود العقوبات الامريكية انذاك و هي مفروضة منذ 1997. اذن المشكلة ليست في العقوبات, المشكلة في فقدان الصادرات وقلة الانتاج المحلي.
# السؤال هو : اذا افترضنا ان امريكا رفع الحصار بصورة كاملة, ماذا يستفيد السودان من ذلك حالا؟, مالم تمتلك الدولة قدرات انتاج محلي لتحقيق تصدير والمساهمة في خلق توازن بين الصادر و الوارد, لن يحصل اي تاثير في واقع الاقتصاد السوداني و الواقع المعيشي اليومي وسوف نظل في حالنا. رفع العقوبات يسهل التحويلات من البنوك السودانية الي امريكا والعكس, وهذا يتم اذا توفر اموال اصلا. ننوه كذلك ان قوانين الاستثمار الموجودة في السودان اليوم قوانين مشوهة ومرتبطة بازمات فساد اداري ولن تجذب المستثمرين مقارنة بدول اخرى في المحيط الاقليمي مثل اثيوبيا و مصر و كينيا.
# النقطة الايجابية الوحيدة و هي مرتبطة بعدد من القيود و بفترة زمنية لا يستهان بها: اذا استمر السودان في التعاون و تبنى قوانين صادقة وجاذبة للاستثمار الاجنبي و حارب الفساد و المحسوبية يمكن ان يستفيد من تحويلات المغتربين عبر القنوات الرئيسية و تشجيع الانتاج الزراعي والصادر و وضع قوانين تسمح بعودة القطاع الصناعي و سوف ينتعش السوق تدريجيا مع توفر فرص العمل اولا, و بالتالي زيادة دخل الفرد و زيادة الناتج المحلي و التصدير و خلق توازن في الميزان التجاري و ميزان المدفوعات و اخيرا يودي ذلك الي استقرار سعر الصرف و ثبات الاسعار و اصلاح المعاش اليومي للمواطن, لكن كل هذه تحتاج لخطة سياسية اقتصادية ادناها 5 سنوات, ولابد من توفر ارادة لاجراء اصلاحات سياسية, لان التوترات السياسية و الحروبات تزيد من الانفاق الحكومي و تودي الي زيادة العجز في الميزانية وبالتالي استحالة تحقيق الهدف.
# علينا ان نكون واقعين و موضوعين, و نعترف ان العلاقة الطيبة مع امريكا لا تعني نهاية المعاناة والازمات, اذا لم نمتلك انتاج, والامثلة امامنا كثيرة: هنالك دول لن تفرض عليها اي عقوبات لا امريكية لا غيرها, بل تستفيد من اعانات مالية امريكية سنويا بما يقارب المليار دولار مجانا, و لكنها تعاني اليوم من ازمات اقتصادية طاحنة, كما هو حال جمهورية مصر و باكستان و افغنستان والعراق و اليمن و تشاد و نيجريا, ومثال اخر رفعت العقوبات عن ايران في 2016 ولا جديد في الواقع المعيشي. نسال الله السلامة ونرجوا ان لا نفرح كثيرا ثم نصتدم بعقبة جديدة و نفقد الامل و نصبح متشائمين للابد.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..