إتكاءة على جدار الغربة

يعتبر المهاجر والمهاجرة السودانية الوحيدين دون غيرهم من الجاليات الاخرى التي تتواجد بالمهجر اللذين لايحسنان تدبير حالهما وتنظيم امورهما ، والوحيدان اللذان لايعرفان قيمة التخطيط السليم والتنظيم الجيد للوقت والموارد، ولايعرفون في الوقت نفسه قيمة واهمية الحذر والاحتياط والتدبر ، وبالطبع لا أعمم ولكن اقول ان هذا هو حال السواد الاعظم من المهاجرين السودانيين .

بعضهم قضى في الغربة مايقارب الاربعون عاما ،والبعض الاخر يخطو نحو الثلاثون سنة ، والبعض في حدود 18 سنة وهم الغالبية والبعض لايزال حديث عهد بالمهاجر وهولاء من فئة خمس سنوات فمافوق ، بعضهم التهمتهم الغربة بالكامل ولم يعد يفكر في العودة للوطن ، والبعض الاخر له من الوطن زهاء الخمسة عشرة سنة فمادون ، والبعض يحلم بالعودة الا انه يخشى الشماتة والعودة بخفي حنين ، والبعض لايمتلك تذكرة العودة حتى ، والبعض مثقل بغرامات مخالفة نظام الاقامة وترك ابنائه الدراسة ولم يعد يفكر في العودة حتى .

نحن الجالية الوحيدة في المهجر التي تمتد مسئوليتها لتشمل الجيران والاقرباء والاصدقاء وعموم الاهل -الوحيدون الذين يحملون الحقائب المنتفخة بالهدايا وماتعرضه محلات ابوعشرة وخمسة ريال والحليب والصابون والمعجون واحيانا دجاج كنتاكي والبيك

الوحيدين الذين تستفيد من رسوم وزنهم الزائد خطوط الطيران الاقتصادية وخلافها -الجالية الوحيدة التي تستجدي موظفي وزن الامتعة في المطارات بالسماح لهم ببضعة كيلوهات زائدة عن الوزن المقرر -الوحيدون الذي نزاحم سكان البلد المضيف في الاسواق والهايبر ماركت والبقالات الكبيرة ومحلات بيع اللحوم والاسماك والدواجن وسيتي ماكس وسنتر بوينت وايكيا.

نحن جاليات سودانية محترمة بالفعل منتشرة في جميع بقاع المعمورة ولكننا للاسف الشديد لانعرف كيف نخطط لحياتنا ومستقبلنا ومستقبل ابنائنا نتعامل فقط بمنطق اللحظة مهما كانت فداحة الثمن وفظاعة التكلفة تحتوينا المهاجر وارصفتها الباردة بكل صخبها وضجيجها نجيد ممارسة لعب الكوتشينة في الحدائق العامة وفي بيوت العزابة والجمعيات يومي الخميس والجمعة ونعزم العزابة على موائد الغداء في ايام الجمع المباركة ونتداعى في المناسبات العامة كالاحتفال بالاستقلال مثلا او عند حضور فنان مميز من الوطن نتبادل الزيارات في المناسبات والاعياد والمناسبات الاجتماعية او في حالة الوفاة أو الفرح .

نحن جالية متميزة بالفعل في تقدير الدول المضيفة واهلها الا اننا للاسف الشديد فشلنا فشلا ذريعا في التخطيط لمستقبلنا ومستقبل ابنائنا فالالاف منا لايمتلكون حتى اللحظة قطعة ارض تأويهم عند العودة النهائية للوطن والاف آخرىن عجزوا عن تكملة بناء وتشطيب ماابتدأوه قبل سنوات ، وبعضنا غادر الدنيا قبل ان يشاهد الحلم والفيلا التي طالما حلم باقتنائها والسكن فيها هو وابنائه

اغلبنا لايملك مايعينه عند العودة النهائية للوطن ، وبعضنا يستدين تذكرة العودة عند انتهاء ايام اجازته السنوية ورغما عن ذلك يتكرم باهداء جواله الحديث وساعته الثمينة لأحد الاصدقاء او الاقارب -اغلبنا لايخطط جيدا لكيفية سداد قسط الايجار المستحق أو قسط السسيارة وفواتير الكهرباء والهاتف ورسوم التاشيرات ورسوم الجامعات والمنصرفات الدراسية –

نحن جاليات تجامل على حساب ابنائها ومستقبلهم وتعيش اللحظة فقط -نحن جاليات سودانية عيبها الوحيد العشوائية والفوضى المفرطة ، وعدم الترتيب والتنظيم الجيد للوقت واهدار الموارد والصرف البذخي الاستهلاكي وعدم النظرة الى المستقبل نظرة و اقعية شمولية واعية ومدركة بالاضافة لاسرافنا في البذخ والتبذير والاستهلاك ابتداء من رب الاسرة حتى آخر طفل فيها

لقد تغيرت ظروف وبيئة الاغتراب ولم تعد كالسابق بالاضافة لتغير وحدوث الكثير من المستجدات الاقتصادية في دول المهجر علاوة على ندرة الوظائف وشبح التوطين وانه من ابسط واسهل الاشياء ان نذهب الى اعمالنا صباحا لنفاجأ بقرار انهاء خدماتنا واو خفض الراتب او حجب بعض البدلات المقررة بالاضافة لصدور الكثير من الانظمة في بلاد المهجر تلقي علينا بالعديد من الاعباء الاقتصادية المرهقة وغير المحتملة

ومن هذا المنبر وقبل فوات الاوان اوجه نداء استغاثة عاجل لكل المهاجرين السودانيين على امتداد المعمورة بأن يتقوا الله في انفسهم اولا وفي ابنائهم واسرهم ثانيا وان يستيقظوا من هذا الحلم العابر ومن هذا السبات العميق وان يفيقوا وينتبهوا لانفسهم وللواقع المعاش وان يعملوا منذ اللحظة بكل جد واجتهاد وعزيمةوصبر لتغيير واقعهم المؤلم البائس ونظرتهم السلبية المتشائمة والنظر الى الامور بحكمة وعمق وتعقل وضرورة تجاوز الرؤى الرمادية التي يختلط فيها الابيض بالازرق ومجابهة الحقيقة الماثلة في ضرورة الاعداد والتخطيط الجيد للمستقبل ولما تبقى من عمر ان اراد الله ذلك

أوصي المهاجر السوداني بأن ينتبه لاسرته وابنائه وان يشرك الزوجة والابناء في التخطيط والتنظيم الجيد لأمور حياتهم وان يتركوا ذر الرماد في العيون ويعرفوا اهمية التخطيط الامن السليم للمستقبل وتوفير وادخار القرش الابيض لليوم الاسود فعجلة الحياة ماضية والزمن لايتوقف ولايرجع للوراء

تعلموا سياسة الادخار والتخطيط والتنظيم والترتيب الجيد وان يكون كل شي مدروسا بعناية فائقة بدءا من اصغر الاشياء انتهاء باكبرها ينبغي على الجميع تبني اسلوب تخطيط وتنظيم وتدبير سليم جيد مدروس بحكمة وعناية فائقة ابتداء كما ذكرت من ترتيب الاحتياجات اليومية مرورا بالفواتير مثل الكهرباء والتلفونات والجوالات والايجار والاقساط الشهرية والديون الحالة والمستحقة ومستلزمات العطل السنوية والاجازات والمناسبابت الرسمية والخاصة والاحتياجات داخل الوطن وكل ذلك بالطبع في حدود الامكانات المتاحة انتهاء بلبن الاطفال والبامبرز.

على نساؤنا المهاجرات تحمل جزء ضخم وكبير من هذه المسئولية العظيمة الكبيرة ومعاونة الازواج والاباء والاخوان في المحافظة على مستوى تنظيم وتخطيط وترتيب جيد داخل الاسرة وعلى كل مغترب سوداني ان يسعى جاهدا لامتلاك منزل او قطعة ارض تأويه وابنائه مهما كلفه ذلك من ثمن وعلى كل من لم يكمل بناء وتشطيب منزله السعي بقوة لذلك من الان ولو بتخصيص مبلغ شهري ثابت لهذا الغرض وعلى كل من يرتبك آخر الشهر في دفع الاجرة السنوية والفواتير عمل اعادة تقييم لموقفه المالي ومعالجة اوجه القصور والاخفاق واعادة ترتيب وتنظيم الاولويات من جديد -على كل منا ان يسعى لادخار مبلغ 500 ريال او درهم أو دولار على الاقل من راتبه بصورة شهرية ثابتة وان لاتمتد يده لهذا المبلغ مهما بلغت الحاجة والشدة

قد يقول قائل واين هو ذلك الراتب الذي يسمح بكل ماذكرت ؟ فهو بالكاد يكفي المعيشة ولايستوعب ماذكرت واقول لهذا المتشائم صاحب النظرة السلبية ابدأ وتوكل واعقلها على الله سبحانه تعالى وستجد ان هناك متفيرات اقتصادية كبيرة طرأت على وضعك المالي والاقتصادي والاجتماعي المهم لاتياس ولاتتشائم

وفي الوقت نفسه أحذر كافة المهاجرين السودانيين من البوبار والفشخرة والتقليد والمحاكاة العمياء والمظاهر الكاذبة وأعني بهذا الحديث تحديدا نساء المغتربين ويجب ان يتعامل الجميع في حدود امكاناتهم المتاحة فقط ورحم الله أمري عرف قدر نفسه والقناعة كنز لايفنى.

إن لم نفعل ذلك وبالسرعة المرجوة فهذا او الطوفان وعلى مهاجري وطني السلام.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..