المدارس الخاصة.. تجربة تحتاج إلى التقييم والتقويم

بقلم: علي صالح طمبل
إلى عهدٍ قريب كان الطلاب الذين يلتحقون بالمدارس الخاصة يُعدُّون من ذوي المستويات المتدنية من حيث التحصيل الأكاديمي، بينما أولئك الذين يلتحقون بالمدارس الحكومية هم الأميز أكاديمياً وثقافياً وسلوكياً، ولكن الواقع اليوم يعكس وضعاً مغايراً.

وآلت الغلبة للمدارس الخاصة التي احتكرت، في الغالب، الأساتذة المتميزين والبيئة الملائمة والتحصيل الأكاديمي الأعلى، وأصبح المقتدرون فقط هم الذين يلحقون أبناءهم بالمدارس الخاصة، فيدفعون مبالغ طائلة -قد يصل في بعضها إلى ألاف الدولارات- في سبيل تعليم أبنائهم تعليماً يبشِّر بمستقبل واعد.

في بداية التجربة كانت هنالك نماذج متفرِّدة لمدارس استطاعت أن تجد موطئ قدم في التنافس الأكاديمي مع المدارس الحكومية، ولكن بمرور السنوات وكثرة المدارس تخللت التجربة سلبيات عدة، تعكس في مجملها وضعاً متفاقماً يجدر تنبيه المسؤولين إلى الإسراع في معالجته وتقويمه.

سوء إدارة
كثير من المدارس الخاصة تعاني من سوء الإدارة ونقص الخبرة الإدارية، ففي كثير من الأحيان تدار هذه المدارس بواسطة أشخاص يفتقدون إلى الخبرة الكافية في الإدارة المدرسية ووسائل التربية والتعليم، فتجد فيها اضطراباً في الرؤية والأهداف والسياسات المتبعة ناجماً عن الافتقاد إلى المؤسسية والنظام.

كما تجد في كثير من المدارس الخاصة ضعفاً في رقابة الطلاب من حيث التحصيل الأكاديمي والحضور والانصراف ومتابعة السلوك؛ مما يفضي إلى ضعف الأداء الأكاديمي وتراجع الانضباط الأخلاقي والتسيب وسط الطلاب.

وينعكس ذلك بالتالي على مستوى هذه المدارس التي قد تجد بعضها يبدأ بداية قوية، ثم يبدأ في التراجع إلى أن تسوء سمعته فيحوّل أولياء الأمور أبناءهم إلى مدارس أخرى.

تردٍ مُريع
يفترض في المدارس الخاصة أن تكون مثالاً يُحتذى من حيث توفر المعينات التي تهيئ للأساتذة والطلاب على السواء القيام بالدور المناط بهم، ما دام أولياء الأمور يدفعون مبالغ كبيرة للحصول على تعليم متميِّز، ولكن الواقع في كثير من المدارس الخاصة على النقيض من ذلك؛ فلا يجد الأستاذ ولا الطالب المعينات اللازمة ولا البيئة المهيأة التي تنعكس إيجاباً على الأداء الأكاديمي والتربوي والثقافي لهذه المدارس.

وفي المقابل، تعاني المباني التي اُختيرت لكثير من المدارس الخاصة من ضيق المساحة وضعف التهوية وتردي الأثاثات، مع كثرة عدد الطلاب في الفصل الواحد؛ وبشكل عام: عدم مراعاة المواصفات والشروط المطلوبة لإقامة مدرسة خاصة بشكل نموذجي.

غياب الرضى الوظيفي
يشكو كثير من الأساتذة في المدارس الخاصة من ضعف الرواتب؛ مما يضطرهم للبحث عن مدارس أخرى تقدم عروضاً أفضل، أو الاعتماد على دروس خصوصية تسد الفجوة الكبيرة التي تركتها الرواتب الضعيفة.

ونتيجة لغياب الرضى الوظيفي تنتشر ظاهرة استقالة الأساتذة، أو اتفاق طائفة منهم على إنشاء مدرسة جديدة، لتفقد المدرسة الأولى كثيراً من طلابها الذين ينضمون إلى المدرسة المنشأة حديثاً؛ مما يؤدي إلى عدم استقرار هذه المدارس.

فما هي إلا أيام حتى نسمع بمدرسة جديدة تنشأ ونرى إعلاناتها تملأ الشوارع تتصدرها أسماء الأساتذة المشاهير.

بل إن بعض هذه المدارس يفشل في حي من الأحياء فينتقل ليعمل في حيٍّ آخرَ بعيدٍ عن الحيِّ الأول!

تصديق رغم مخالفة الضوابط
هذه الأوضاع التي تعاني منها المدارس الخاصة تدفع بتساؤلات للقائمين على أمر التعليم: لماذا يتم التصديق لكثير من المدارس على الرغم من افتقادها لأقل المقومات المطلوبة؟ هل الأمر مجرد جباية أو تحصيل رسوم إلى خزينة الدولة؟ أم أن هنالك أهدافاً ومرامي لا نعرفها يرمي إليها القائمون على الأمر؟!

هنالك مدارس خاصة لا تملك العدد الكافي من الفصول لإقامة مدرسة، بل بعضهم يعلن عن قيام مدرستين، واحدة للبنين وأخرى للبنات، ثم يدرِّس البنين والبنات في فصول مختلطة، بحجة أنه سيفصل بين الجنسين مستقبلاً، وتمر السنوات فإذا بالاختلاط يستمر حتى في الفصول المتقدمة! وكل ذلك في غياب تام من رقابة الجهات المسؤولة!

استمرار أم إلغاء؟
يتوقّع في التعليم الخاص أن يكون داعماً ومطوِّراً للتعليم الحكومي؛ مما يؤدي إلى خلق نوع من المنافسة بين الاثنين، ولكن الواقع يشي بغير ذلك.

فكثير من المدارس الحكومية ما زالت تعاني من تردي الأوضاع، حتى إن بعضها يحصِّل رسوماً أسبوعية من الطلاب لشراء الكهرباء والطباشير، وغير ذلك من المقومات الأساسية التي يفترض أن تكون مسؤولية الجهات الحكومية! خاصة مع إعلانها مجانية التعليم الأساسي وإلزاميته وتحصيلها الرسوم والضرائب من المدارس الخاصة.

صفوة القول، إن تجربة المدارس الخاصة تحتاج إلى كثير من التقييم والتقويم والتقنين، حتى يصل المسؤولون إلى قناعة: إما استمرار هذه التجربة وتقويمها، أو إلغاءها لعدم جدوى استمرارها وصعوبة تقويمها.

شبكة الشروق

تعليق واحد

  1. و الله تدفع قرابة ال4 مليون في السنة وبعد دا جايب مدرسين في البيت الاغرب من كده ما بتعرف الجمع ولا الطرح وفي كراسة المدرسة ما عندها اي غلطة وفي الامتحانات تقديرها 99.1% وبالكاد تقدر تقرأ ليها كلمة واحدة ( قال القبس قال)

  2. هل تصدقوا ان مدرسةنادر عطا بالكلاكلة اللفةان فصل الاحياء
    بهااكثر من ثمانون (80) طالب ومدير المرحلة الثانوية
    بالمحلية علي بعد 200 متر من المدرسة

  3. يا اخوان ليه الناس ما تحاول تشد حيله وتعيد للتعليم الحكومه مكانه وهو شئ ملزم نحن نعرف من قديم الزمان ان المدارس والمستشفيات اقيمت بالعون الذاتى والطبول والنحاس وقيام مدارس خاصه على مساحات ضيقه ليست فيها مساحه عشرين متر فقط سلالم وممرات وفصول صغيره تنعدم فيها التهويه الطبيعيه رغم بما فيها من تكيف
    الغريب فى الامر هنالك مدارس وجامعات الحكومه هى التى منحت الارض للبنائها فمثل هذه المدارس والجامعات هى ملك للشعب لانها اراضى حكوميه منحت للمساعده اهل المدارس والجامعات الخاصه ومن حقنا نحن كمواطنين ان نكون نشركاء فهذه الاراضى لانها منحت برضائنا واذا لم نكن شركاء يجب ان نعترض على هذه الاستثمارات التى وقعت على كاهل المواطن
    فكيف لاحياء شعبيه ان تكون بها مدارسه خاصه ومعظم سكانها من العمال والمزارعين
    كيف للبعد المجمعات التى منحت للبعض المساجد ان تكون مدارس خاصه
    والله البحصل هذا حرام لماذا يدرس الطالب فى الاساس باكثر من 3مليون وفى الثانوى يقارب ال 6مليون
    ما هذا يا حكومه السجم والرماد
    والله فى السودان فى مدارس خاصه وجامعات خاصه رسومها اكثر من جامعات ومدارس خاصه بالخليج
    اعيدوا التعليم الحكومى الى سابق عهده منه تخرج اعظم علمائنا الابرار

  4. أقترح اغلاق جميع المدارس الخاصة أو اغلاق جزء منها وتوزيع طلابها و أساتذتها
    على المدارس الحكومية ووضع ميزانية للتعليم العام بنسبة 30%..ولكن لن يحدث
    هذا مالم يتغير نظام اللصوص الذي يحكم السودان اليوم …

  5. بصرف النظر عن الاخطاء التربوية التى لاحصر لها هنالك خطا قاتل تورطت فيه بعض اداراة المدارس الخاصة و هو ان يرجى ترحيل اطفال الرياض و الحلقة الاولى حتى نهاية اليوم الدراسى و من نتاج ذلك ان طفلة نسيها الجميع وه مقفول عليها فى الحمامات و مر عليها يومى الجمعة و السبت و طبعا ماتت الى رحمة مولاها و هنالك احد السواقين الذين يرحلون التلاميذ بعد ان انتهى من عملة ذهب لاصلاح عربتة و كانت المفاجاة ان المكنيكى و جد طفلة نايمه تحت المقعد

  6. اولا السلام عليكم ثانيا اما بالنسبه للتعليم بصراحه بقي في السودان مافي تعليم في حاجه اسمها بوبار ناس قروشا كتيره وما عارفين يسو بيها شنو يعني اذا رجعت للاب حتلقاه درس في مدرسه حكوميه والام نفس الحكايه طيب اذا نظرنا للموضوع بمنطق اذا كانت المدارس الحكوميه طلعت مثل الاب والام ما حتقدر تطلع اولادم ولا دا مركب نقص وبقينا نتفاجا بتقدير 99.9٪يعني شنو زمان كان البجيب 89 دا اول السودان وبيكون واحد الحين الكل عايز يركب ويدلدل

  7. يا اخي المنظور التجاري و التعامل مع التعليم كسلعة ادى الى دمار التربية و التعليم فلم تعد هنالك تربية لان الاخلاق هي اساس بقاء الامم و لا تعليم الذي هو اساس تقدم الامم للاسف ان الخراب الذي حدث للتعليم في هذا العهد المشؤوم اشد من خراب سوبا التي لم تقم لها قائمة حتى الآن منذ خرابها. و للاسف لن يجد كلامك اذنا صاغية لانه القصة جاطت بالبلدي كده.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..