هكذا حسم الاستاذ جدل الجبر والاختيار – الانسان مسير وليس مخير

نواصل الحلقة الاخيرة من مناقشة الاستاذ محمود لكتاب الدكتور مصطفى محمود حول مسألة الجبر والاختيار تحت عنوان ( الانسان مسير وليس مخيرا ) يقول الاستاذ ( فى القران حل مشكلة الجبر والاختيار ، ما فى ذلك أدنى ريب ؟؟ ولكن القران لا تفهمه الا العقول التى تأدبت بأدب القران ? أدب شريعته ، وأدب حقيقته ? وكون الانسان مسيرا هو أصل التوحيد .. فأنه ، ان يكن مخيرا ، فأن أختياره ، اما أن يكون نافذا ، فى جميع الحالات ، فيكون ، بذلك ، مشاركا للخالق فى فعله ، أو يكون معطلا ، فى بعض الحالات ، فيكون ، بذلك التعطيل ، مسيرا الى أمر لم يختره ، فهو ، بذلك ، وفى نهاية المطاف ، مسير .. ان الخالق لواحد .. وان الفاعل ، وراء كل فاعل لواحد .. والوهم هو الذى طوع لانفسنا نسبة الافعال لغير الفاعل الاصلى .. قال تعالى فى ذلك : ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ، فتشابه الخلق عليهم ؟؟ قل الله خالق كل شىء .. وهو الواحد القهار ) قوله : خلقوا كخلفه أ فتشابه الخلق عليهم ..) هذا هو موطن الداء ، ومجال التلبيث .. والتوحيد انما هو وضوح الرؤيا التى بها يقع التمييز بين المتشابهات .. وعن هذا الوهم الذى تورطنا فيه ، فزعمنا لانفسنا ارادة مستقلة عن ارادته ، حرة ، متفردة ، بالعمل ، أو بالترك ، يحدثنا تعالى فى هاتين الايتين اللتين هما أية فى دقة كشف حجاب الوهم ، قال تعالى : ( هو الذى يسيركم فى ، البر، والبحر حتى اذا كنتم فى الفلك ، وجرين بهم ، بريح ، طيبة ، وفرحوا بها ، جاءتها ريح عاصف ، وجاءهم الموت من كل مكان ، وظنوا أنهم احيط بهم ، دعوا الله مخلصين له الدين ، لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين .. * فلما أنجاهم اذا هم يبغون فى الارض بغير الحق .. يأ أيها الناس !! انما بغيكم على أنفسكم .. متاع الحياة الدنيا ، ثم الينا مرجعكم ، فننبئكم بما كنتم تعملون ) وسبب الغفلة ، سعة الحيلة ، والشعور بالاستغناء : ( كلا !! ان الانسان ليطغى ، أن راه استغنى ) وحيلتنا فى البر أوسع من حيلتنا فى البحر ، وبخاصة اذا هاجت العواصف على البحر .. ( جائتها ريح عاصف ، وجاءهم الموج من كل مكان ، وظنوا أنهم أحيط بهم ) .. ها هنا تنفد الحيلة ويكون اللجأ الى الله ، ويعرفه من كان قبلا من الجاحدين ويتوجه اليه من كان قبلا من الغافلبن : ( دعوا الله ، مخلصين له الدين ، لائن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ) .. هذا هو حال من تقطعت به الاسباب ، وقعدت به الحيلة ، وافاق من غفلته بأستشعاره الحاجة الملجئة .. هذا هو حالى ، وحالك ، عندما يلح علينا الوهم ثم انه ، سبحانه ، وتعالى ، يحكى حالة اخرى : ( فلما انجاهم اذا هم يبغون فى الارض بغير الحق ) .. فعندما وطئوا البر استشعروا القدرة على الحيلة ، والتدبير فعاودتهم الغفلة من جديد .. فورد الخطاب من الحق : ( يا ايها الناس انما بغيكم على أنفسكم ، متاع الحياة الدنيا .. ) يعنى ان غفلتكم لن تجد فرصتها الا خلال الحياة الدنيا .. أما فى الحياة الاخرى فأنكم تواجهون مشكلتكم ، كل لحظة .. فهى تلح عليكم الحاحا ، وتسلط عليكم تسليطا ، فلا تجدوا فرصة للغفلة .. وهذا هو معنى قوله تعالى : ( ثم الينا مرجعكم ، فننبئكم بما كنتم تعملون ) .. يومئذ لن تكون هناك فرصة لتوهم التخيير ، وانما هو التسيير .. لا لبس فيه ولا غموض .. والله ، تبارك ، وتعالى ، يريد لنا أن نستيقن هذا التسيير ، منذ اليوم ، ولذلك هو يعلمنا ان الذى يسيرنا فى البحر حيث لا حيلة لنا ، هو نفسه الذى يسيرنا فى البر حيث نتوهم الحيلة .. قال تعالى : ( هو الذى يسيركم فى البر، والبحر ) ثم اسمعه فى موضع اخر وهو يسوق الحجج الدوامغ ضد وهمنا ، ابتغاء تخليصنا منه : ( واذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون الا اياه ، فلما نجاكم الى البر أعرضتم .. وكان الانسان كفورا * أفأ منتم أن يخسف بكم جانب البر، أو يرسل عليكم حاصبا ، ثم لا تجدوا لكم وكيلا ؟؟ * أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة اخرى ، فيرسل عليكم قاصفا من الريح ، فيغرقكم بما كفرتم ، ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ؟؟ ) .. هذه حجج ، فى غاية القوة ، ضد الغفلة التى تستولى علينا عندما نستشعر القدرة ..
الانسان بين التسيير والحرية
ان التسيير هو مذهب التوحيد .. وسوق الانسان الى استيقان ذلك التسيير هو وظيفة الكلمة : ( لا اله الا الله ) التى هى روح الاسلام .. والاسلام يقررهذا بصورة لا تدع مجالا للشك ، قال تعالى ، فى ذلك : ( أفغير دين الله يبغون وله اسلم من فى السماوات ، والارض ، طوعا ، وكرها ، واليه يرجعون ؟ ) .. ولقد سير الانسان فى مراتب ثلاث ، بوسائل ثلاث .. سير وهو فى مرتبة المادة غير العضوية ، وذلك منذ ان كان ذرة هايدروجين ، والى ان أصبح خلية حية ، تسييرا مباشرا بواسطة الارادة الالهية المسيطرة ، والهادية ، ثم سير فى مرتبة المادة العضوية ، منذ أن كان خلية حية ، والى ان أصبح حيوانا سويا ، تسييرا شبه مباشر ، وذلك بأرادة الحياة .. ثم سير تسييرا غير مباشر ، منذ أن اصبح انسانا بدائيا ، والى يوم الناس هذا ، وذلك عن طريق ارادة الحرية .. وارادة الحرية معنى زايد عن ارادة الحياة .. ارادة الحرية قيمة ، وهى قد دخلت ، بدخول العقل فى المسرح .. وفى هذه المرحلة أصبح التسيير من وراء حجاب العقل هذا ما عنيناه بقولنا ان التسيير ، ها هنا ، قد اصبح غير مباشر .. ولقد تحدثنا ، أنفا ، عن لطف تدخل الارادة الالهية فى الارادة الانسانية ، حتى انها لم تنزعج ، ولم تستشعر سلبا لحريتها .. وانما كان ذلك كذلك لان الارادة الالهية انما تتدخل فى الارادة البشرية عن طريق العقل .. وهو تدخل من اللطف بحيث يشعر العقل البشرى انه صاحب المبادرة ، فيما يأتى ، وما يدع ، من الامور .. فهو ، ان ضل ، فانما هو اختار ان يضل .. وهو لا يرى الضلال فى ذلك ،وانما يرى انه مهتد .. قال تعالى فى ذلك : أفمن زين له سوء عمله فراه حسنا ؟؟ فأن الله يضل من يشاء ، ويهدى من يشاء ، .. فلا تذهب نفسك عليهم حسرات .. ان الله عليم بما يصنعون .. ) فهو قد ( زين له سوء عمله فراه حسنا ) .. والحكمة ، كل الحكمة فى دقة التسيير وردت فى عبارة (فراه حسنا ) وهو ، ان اهتدى ، فأنما هو صاحب المبادرة فى الهداية .. ولا يرى لغيره فضلا فى هدايته ، الا قليلا ..ويذهل عن الحقيقة التى تشتمل عليها هاتان الايتان : ( وأعلموا أن فيكم رسول الله ، لو يطيعكم فى كثير من الامر لعنتم .. ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه فى قلوبكم .. وكره اليكم الكفر ، والفسوق والعصيان ,, أولئك هم الراشدون * فضلا من الله ، ونعمة .. والله عليم حكيم ) فقد يبدو ، اذن ، ان التسيير لا ينافى الحرية لان عنصر الاختيار فى العمل قائم .. والحرية ، فى أبسط صورها ، هى مسئوليه ، والتزام ، وتصرف وفق شريعة يكافأ قيها المحسن بأحسانه ، ويجازى فيها المسىء بأساءته .. وهذا هو ما عليه الامر فى التسيير ، فأنه يقع على مستويين : مستوى القانون العام ، ومستوى القانون الخاص .. فاما القانون العام فأن به تم تسيير المادة غير العضوية ، وتسيير المادة العضوية ، الى ان بلغت هذه ادنى منازل العقول : والقاعدة القانونية فيها قوامها : ( فمن يعمل مثال ذرة خيرا ، يره * ومن يعمل مثقال ذرة شر يره ) وأما القانون الخاص فقد دخل مسرح الحياة بعيد ظهور العقل .. والقاعدة القانونية فيه قوامها ( الحلال ، والحرام ) وهو محاكاة محكمة للقانون العام ، فأنه فى مقابلة : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ، يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قد جاء بقوله : ( وكتبنا عليهم فيها : ان النفس بالنفس .. والعين بالعين .. والانف بالانف . والاذن بالاذن .. والسن بالسن .. والجروح قصاص .. فمن تصدق به فهو كفارة له .. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) والقانون الخاص نفسه يقع على مستويين : مستوى الشريعة العامة ، ومستوى الشريعة الخاصة .. فأما الشريعة العامة فهى للمجتمع .. وأما الشريعة الخاصة فهى للافراد .. وهذه الاخيرة أدخل فى القواعد الخلقية ، منها فى القواعد القانونية .. وهى بذلك ، تتسامى ، وتوكل بالتجويد ، والاحسان .. والتسيير فيها ، من ثم ، ينفتح على التخيير ، وذلك بقضل الله ، ثم بفضل العلم الذى عصم الافراد الذين يعيشون فى مستواها ، (الاخلاق) عن التورط فى مخالفة القواعد القانونية التى ترعى حقوق الجماعة فى مضمار الشريعة العامة .. ولتوضيح مقام الشريعة الخاصة ، من الشريعة العامة ، يحسن أن نضرب مثلا بسنة النبى فى خاصة نفسه ، وشريعته ، لعامة أمته .. فأنه كنبى ، قد كان فردا .. مستوى تكليفه أعلى من مستوى تكليف أمته ، وذلك لمكان علمه بالله .. وهو ، لما كان مجاله مجال الشريعة الفردية ، قد كان أدخل فى منطقة التخيير ، منه فى منطقة التسيير .. نخرج من هذا التقرير الى أن التسيير أنما هو بالقانون ، والقاعدة فيه ان تعامل الناس كما تحب ان يعاملوك ، .. ( كما تدين تدان ) .. والحكمة وراءه أن يسلمك الى التخيير ، حين تحسن التصرف فى حريتك الفردية .. وكلما زاد احسانك فى التصرف ، كلما زادت حريتك اتساعا ، وعمقا .. والقاعدة فى ذلك : ( هل جزاء الاحسان ، الا الاحسان ؟؟ )

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الانسان مسير في كل شيء ما عدا الأوامر والنواهي الدينية فهو مخير فيها مما يتطلب الثواب والعقاب…فانت مختار في عباداتك وقبول الأوامر واجتناب النواهي وفق المنهج الرباني بافعل ولا تفعل فانت حر في ايمانك او كفرك وحر في صلاتك او عدم صلاتك وحر في مناسكك والمنهج هنا واضح (لا إكراه في الدين)غير ذلك نحن مسيرون حتى الثمالة.

  2. يوجد في المقال سوء فهم من الناحية اللغوية فكلمتا مسير او مخير كلاهما اسم مفعول و في هذا دلالة واضحة على انه لو كان الانسان مخيرا لما جاز لنا أن نقول (( فأن أختياره ، اما أن يكون نافذا ، فى جميع الحالات ، فيكون ، بذلك ، مشاركا للخالق فى فعله )) لأنه في الاساس موجه اي يقع عليه فعل الفاعل!!!

    عموما حسب العقيدة الاسلامية فإن الانسان مخير في اتخاذ قراراته لانه مسؤول عنها و محاسب و الله سبحانه و تعالى لا يعذب المخلوق اذا لم يكن لديه حرية في قراره
    قال الله تعالى : ” سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) ” الانعام
    و لكن الانسان مسير في محدودية الخيارات فهو عنده خيارات محددة يختار فيها ما يريد , مثلا أمام الانسان في هذه الحياة خياران للحصول على الرزق : اما بالحلال و هو المطلوب او بالحرام و لا يستطيع ان يعيش من دون أكل و شرب فله الحرية ان يختار بين الخيارين .

  3. أكرر ملاحظتي السابقة على الأخطاء اللغوية مثل (التلبيث) وخلافها في هذه الحلقة بدلاً من (التلبيس). أبدأ فأقول كلام الأستاذ هو جملة من التلبيس والتخليط وعدم التمييز بين نسبة الخلق جميعا لخالقهم جماداً وحيواناً وهذه لا يشك فيها عاقل والكافر بنسبة الخلق إلى الخالق ليس عاقلاً بهذا المستوى ولو كان بروفسيرا في العلوم الكونية أو رجلاً عادياً حكيماً في سلوكه وتصرفه البشري مع ما حوله من بيئته. فكل عاقل يعلم أن الخالق مسير للمخلوق بما حدد له من حدود خلقية في قدرته على الحياة والعيش مع البيئة المخلوقة والمسيرة بما وضع الخالق من قوانين فيزيائة ذاتية أو بتأثير غيرها عليها ولا يخرج على ذلك خارج إلا بسلطان (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)(الرحمن). فالأستاذ يخلط بين هذا المستوى من التسيير وبين التخيير الضروري لحركة وسكون الكائنات والأشياء كما في الحالات التي تتحرر فيها هذه الأشياء من تأثيرات غيرها فيقع التداخل والتفاعل ومن هذا تعلم البروفسير الكافر علاقة الأشياء وتفاعلها مع بعضها وجهل عن واضع نواميس هذه العلاقة والتأثيرات بين الأشياء. وهذه العلاقات يقرها عقل كل عاقل والصوفية يفعلون فوق ذلك بالحضور الشعوري والمعايشة الروحية لهذه العلاقة بين الخالق ومخلوقاته فهم في شهود دائم لهذه العلاقة فينسون ولا يكادوا يشعرون بفكاك من هذه العلاقة حتى فيما خير فيه الخالق مخلوقاته ورخص لهم فيه. وهم إذ هم يتصرفون في كل الأحوال إنما يعتقدون بنسبة تصرفهم مباشرة للخالق حتى قال قائلهم ما في الجبة إلا الله! فهم قد انطمس عندهم الفرق بين التخيير والتسيير ولايرون مساحة التخيير التي منحهم الخالق إياها أو يتجاهلونها فراراً من تحمل تبعية حرية التصرف في هذه المساحة ومسئولية الحساب بالثواب والعقاب عليها فتركوها وفروا إلى الخالق نجاة بأرواحهم أو حباً في الخالق كما يزعمون. غير أن موقف الصوفية هو موقف فرداني قد يسلكه البعض ولكنه بالتأكيد ليس مطلوباً من كل فرد إنسان من عباد الله المكلفين. فالقانون العام أن الخالق قد منح عباده التخيير بقدر ما منحهم من عقول يميزون بها ما خيرهم فيه، ومنحهم حرية التصرف بقدر ما تسمح به مقدراتهم الفيزيائية المدعومة بقوة العقل ومقدراته على توظيف علاقة الأشياء وتأثيراتها أي نواميس الكون التي وضعها لها الخالق. ومن ثم رتب على هذه الحرية في التصرف (حرية الإرادة أو المشيئة والقدرة على الإنفاذ) مسئولية الجزاء بالثواب إن كان خيراً والعقاب إن كان شراً. ولهذا خلق الله تعالى الإنسان وسخر له الكون وجعله خليفة في الأرض. قال تعالى ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)) الآية 7 من سورة هود. فالبلاء من أجل الثواب أو العقاب هو الحكمة من الخلق والعدل يقتضي أن يقع البلاء على مختارين وليس على مسيرين. فعندما نتكلم عن التسيير والتخيير فإنما نتحدث عن حكمة الخلق وليس نسبة الخلق إلى الخالق فهذا أمر مفروغ منه لدى كل عاقل مكلف. أما غير المكلفين من الخلق جماداً وحيواناً فتكفيها نسبتها لخالقها وهي مسيرة بالقانون العام لخالقها وخليفته في الأرض ألا وهو الإنسان. إن عدم التمييز بين هذا القانون العام والفرداني الخاص بالمتصوفة هو الذي يجعل الأستاذ يحاول الحط من قدر وتدين الدكتور مصطفى محمود ويتنطع عليه بعدم المعرفة العرفانية والتأدب بأدب القرءان.

  4. الانسان مسير في كل شيء ما عدا الأوامر والنواهي الدينية فهو مخير فيها مما يتطلب الثواب والعقاب…فانت مختار في عباداتك وقبول الأوامر واجتناب النواهي وفق المنهج الرباني بافعل ولا تفعل فانت حر في ايمانك او كفرك وحر في صلاتك او عدم صلاتك وحر في مناسكك والمنهج هنا واضح (لا إكراه في الدين)غير ذلك نحن مسيرون حتى الثمالة.

  5. يوجد في المقال سوء فهم من الناحية اللغوية فكلمتا مسير او مخير كلاهما اسم مفعول و في هذا دلالة واضحة على انه لو كان الانسان مخيرا لما جاز لنا أن نقول (( فأن أختياره ، اما أن يكون نافذا ، فى جميع الحالات ، فيكون ، بذلك ، مشاركا للخالق فى فعله )) لأنه في الاساس موجه اي يقع عليه فعل الفاعل!!!

    عموما حسب العقيدة الاسلامية فإن الانسان مخير في اتخاذ قراراته لانه مسؤول عنها و محاسب و الله سبحانه و تعالى لا يعذب المخلوق اذا لم يكن لديه حرية في قراره
    قال الله تعالى : ” سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) ” الانعام
    و لكن الانسان مسير في محدودية الخيارات فهو عنده خيارات محددة يختار فيها ما يريد , مثلا أمام الانسان في هذه الحياة خياران للحصول على الرزق : اما بالحلال و هو المطلوب او بالحرام و لا يستطيع ان يعيش من دون أكل و شرب فله الحرية ان يختار بين الخيارين .

  6. أكرر ملاحظتي السابقة على الأخطاء اللغوية مثل (التلبيث) وخلافها في هذه الحلقة بدلاً من (التلبيس). أبدأ فأقول كلام الأستاذ هو جملة من التلبيس والتخليط وعدم التمييز بين نسبة الخلق جميعا لخالقهم جماداً وحيواناً وهذه لا يشك فيها عاقل والكافر بنسبة الخلق إلى الخالق ليس عاقلاً بهذا المستوى ولو كان بروفسيرا في العلوم الكونية أو رجلاً عادياً حكيماً في سلوكه وتصرفه البشري مع ما حوله من بيئته. فكل عاقل يعلم أن الخالق مسير للمخلوق بما حدد له من حدود خلقية في قدرته على الحياة والعيش مع البيئة المخلوقة والمسيرة بما وضع الخالق من قوانين فيزيائة ذاتية أو بتأثير غيرها عليها ولا يخرج على ذلك خارج إلا بسلطان (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)(الرحمن). فالأستاذ يخلط بين هذا المستوى من التسيير وبين التخيير الضروري لحركة وسكون الكائنات والأشياء كما في الحالات التي تتحرر فيها هذه الأشياء من تأثيرات غيرها فيقع التداخل والتفاعل ومن هذا تعلم البروفسير الكافر علاقة الأشياء وتفاعلها مع بعضها وجهل عن واضع نواميس هذه العلاقة والتأثيرات بين الأشياء. وهذه العلاقات يقرها عقل كل عاقل والصوفية يفعلون فوق ذلك بالحضور الشعوري والمعايشة الروحية لهذه العلاقة بين الخالق ومخلوقاته فهم في شهود دائم لهذه العلاقة فينسون ولا يكادوا يشعرون بفكاك من هذه العلاقة حتى فيما خير فيه الخالق مخلوقاته ورخص لهم فيه. وهم إذ هم يتصرفون في كل الأحوال إنما يعتقدون بنسبة تصرفهم مباشرة للخالق حتى قال قائلهم ما في الجبة إلا الله! فهم قد انطمس عندهم الفرق بين التخيير والتسيير ولايرون مساحة التخيير التي منحهم الخالق إياها أو يتجاهلونها فراراً من تحمل تبعية حرية التصرف في هذه المساحة ومسئولية الحساب بالثواب والعقاب عليها فتركوها وفروا إلى الخالق نجاة بأرواحهم أو حباً في الخالق كما يزعمون. غير أن موقف الصوفية هو موقف فرداني قد يسلكه البعض ولكنه بالتأكيد ليس مطلوباً من كل فرد إنسان من عباد الله المكلفين. فالقانون العام أن الخالق قد منح عباده التخيير بقدر ما منحهم من عقول يميزون بها ما خيرهم فيه، ومنحهم حرية التصرف بقدر ما تسمح به مقدراتهم الفيزيائية المدعومة بقوة العقل ومقدراته على توظيف علاقة الأشياء وتأثيراتها أي نواميس الكون التي وضعها لها الخالق. ومن ثم رتب على هذه الحرية في التصرف (حرية الإرادة أو المشيئة والقدرة على الإنفاذ) مسئولية الجزاء بالثواب إن كان خيراً والعقاب إن كان شراً. ولهذا خلق الله تعالى الإنسان وسخر له الكون وجعله خليفة في الأرض. قال تعالى ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)) الآية 7 من سورة هود. فالبلاء من أجل الثواب أو العقاب هو الحكمة من الخلق والعدل يقتضي أن يقع البلاء على مختارين وليس على مسيرين. فعندما نتكلم عن التسيير والتخيير فإنما نتحدث عن حكمة الخلق وليس نسبة الخلق إلى الخالق فهذا أمر مفروغ منه لدى كل عاقل مكلف. أما غير المكلفين من الخلق جماداً وحيواناً فتكفيها نسبتها لخالقها وهي مسيرة بالقانون العام لخالقها وخليفته في الأرض ألا وهو الإنسان. إن عدم التمييز بين هذا القانون العام والفرداني الخاص بالمتصوفة هو الذي يجعل الأستاذ يحاول الحط من قدر وتدين الدكتور مصطفى محمود ويتنطع عليه بعدم المعرفة العرفانية والتأدب بأدب القرءان.

  7. الكاتبين (الأول والمعلق) اختارا من الآيات ما يناسب دعواهما، وهذا أبعد ما يكون عن البحث العلمي الذي يشترط أن يحيط الباحث بكل الأدلة ويأتي بها قبل أن يستنبط الأحكام. فالشواهد التي قاداها لا تدلل على خلاصة ما ذهبا اليه، وإضافة لذلك فقد تجاهلا آيات عديدة تشير الى تخيير الخلق في الإختيار بين الخير والشر، وإلا فان الله هو العدل ولا يمكن أن يحاسب البشر على ما لم يخيرهم فيه.
    يقول سبحانه وتعالى }إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا{ (الإنسان- 3) و}وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{ (البلد -10)
    }ويقول وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي{(24) (الفجر)
    } وكذلك تقول الآية فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } (الليل-5-7)
    فهل في تخيير الإنسان شك بعد قول الله سبحانه وتعالى؟

  8. الكاتبين (الأول والمعلق) اختارا من الآيات ما يناسب دعواهما، وهذا أبعد ما يكون عن البحث العلمي الذي يشترط أن يحيط الباحث بكل الأدلة ويأتي بها قبل أن يستنبط الأحكام. فالشواهد التي قاداها لا تدلل على خلاصة ما ذهبا اليه، وإضافة لذلك فقد تجاهلا آيات عديدة تشير الى تخيير الخلق في الإختيار بين الخير والشر، وإلا فان الله هو العدل ولا يمكن أن يحاسب البشر على ما لم يخيرهم فيه.
    يقول سبحانه وتعالى }إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا{ (الإنسان- 3) و}وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{ (البلد -10)
    }ويقول وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي{(24) (الفجر)
    } وكذلك تقول الآية فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } (الليل-5-7)
    فهل في تخيير الإنسان شك بعد قول الله سبحانه وتعالى؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..