لمن تقرع أجراس وزارة الزراعة في ميناء عثمان دقنة ؟

إذا كانت مصر هبة النيل فإن سواكن المدينة العريقة الضاربة بعروقها في عمق التاريخ هى هبة ميناء الأمير عثمان دقنة فلولاه ما ظلت على قيد الحياة منذ أن تدهورت حالتها وتآكل دورها وأنفض سامرها وكادت أن تكون نسيا منسيا مع انتقال الميناء الى بورتسودان عام 1905..ولكن عادت الحياة الى شرايين المدينة المتيبسة بعد افتتاح الميناء حيث أصبحت قبلة يحج إليها الناس من كل فج عميق ..تزدحم داخل ساحاتها المسماة مجازا صالات ومستودعات أشبه بخلية النحل أشباح بشر يركضون في كل الاتجاهات بعضهم لأعمال العتالة والبعض الآخر لتخليص حاجياته التي عصر عليها دم القلب لبيعها لمواجهة متطلبات الغلاء الفاحش الذي يعتصر دائما قدرات الناس في أدنى احتياجاتهم الضرورية ..الإشكالية هنا إن القضية لا تقتصر فقط على سلحفائية الأداء ولكن ضخامة حجم المهام المطلوب تنفيذها مع محدودية قوة ضباط الجمارك التي والحق يقال تقوم رغم النقص الحاد في قوتها بجهود جبارة مقدرة فوق طاقتها وحتى خارج الدوام .
(2)
ولكن ليس هذا ما يعنيه المقال فقضية الساعة التي باتت كابوسا وسببا مباشرا لقطع أرزاق المتزاحمون في الميناء وجلهم شرائح مستضعفة من الأحياء الطرفية في سواكن وبورتسودان ابتلاهم الله أن جعل قوت أبنائهم وذويهم في هذا الميناء لأن الواقع الذي يعيشه هؤلاء مربك وصادم ومحزن ..فلا اعتقد بوجود ميناء بحري آخر في العالم يتكالب عليه مثل هذا الكم الهائل من الهيئات والإدارات والمرافق منها الحكومي ومنها المحلى ومنها الولائي ومنها الخاطف لونين ليكون لها قضمة من كيكة إيرادات الميناء .
(3)
والمستهدفون فئات متباينة منهم مغتربون قادمون لقضاء إجازة ومنهم تجار ووسطهم شريحة من قاع المجتمع تعمل رزق اليوم باليوم ولكن الذي يجمعهم هي الجبايات والضرائب والرسوم التي تتوالي بمتتاليات هندسية وبصورة مفاجئة ..ولكل له وسائله في للخروج من المعمعة بأقل قدر من الجراح ..المغتربون زهدوا في الإجازات رغم الظروف والمستجدات التي تعصف بواقعهم في دول الخليج والتي يعرفها الجميع والتجار استنجدوا بجيوبهم وتخارجوا .. ليبقى في الصقيعة أصحاب الوجعة وسلعهم محدودة لأنها لا تتجاوز قدراتهم .. تمويلها يتم عبر شراكات لأسر مستضعفة من أهل الهامش و مغتربون يعيشون في الاغتراب على باب كريم ..إذا وفر الفرد منهم مائة ريال يشتري بها سلعا بسيطة كالحلويات والتمور والملابس ويرسلها غالبا لأم العيال لتدبر مستلزمات المعيشة .
(4)
يواجه هؤلاء كم هائل من الجبايات لإخراج ممتلكاتهم فالإضافة الى الجمارك يدفعون رسوما كثيرة تحت مسميات مختلفة منها الجودة ومنها للصحة مع إتاوة ثالثة أطلقوا عليه اسم الإشعاع الذرى ..لا أدرى كيف أفلتت منها الحاويات الحاملة للمخدرات والتي تسللت أكثر من مرة ..هذه الجبايات تنتهى دائما لمزيد من عصر الغلابا والمساكين الذين ليست لهم مصادر رزق أخرى .
(5)
الجديد هنا أن مصارعا من الوزن الثقيل أسمه وزارة الزراعة دخل حلبة الجبانة الهايصة تحت قانون اسمه الحجر الزراعي ..وفي زمن وجيز تحدد حجم الدمار الذي حدث والضحايا الذي سقطوا بالضربة القاضية بعد منع خروج السلع والبضائع والأسباب ليست معلومة ولكن أغلب الظن إن وراء الإجراء الجديد فرض إتاوات إضافية ..نحن نفهم ان يكون هذا القانون الجديد لحماية المواطن من السلع غير الصالحة للاستخدام الآدمي مثل السلع الزراعية المصرية التي تم ريها بمياه المجاري الملوثة ..وربما تستهدف منع دخول سلع فاسدة كفسائل النخل الزراعية التي دخلت السودان وتم حرقها لاحقا ..كل هذا قابل للاستيعاب أما أن يتم منع تمور تحمل ديباجة بتأريخ الإنتاج ونهايته فهذه الغاز تحتاج الى تفسير سيما فإن قانون الحجر لا ينطبق على سلعة مثل الزيتون .
(6)
يتحدث الضحايا وشهود العيان عن صور قاتمة لتكدس سلع وبضائع أحدثت فوضى عارمة داخل حوش الميناء وستنتهي قطع شك الى نتائج كارثية فلو تبرع مسئولو وزارة الزراعة بإنذار الجميع مسبقا بالقوانين الجديدة التي سيتم إصدارها اعتبارا من تاريخ كذا وكذا فربما سارع الجميع للمخارجة قبل أن يقع الفاس على الراس ..أما أن تنهال هذه القوانين فوق الرؤوس كالصاعقة بصورة مفاجئة بدون احم أو دستور فهو فعل أحمق غير مدروس يتنافى مع أبسط معايير العدل والعقلانية والرحمة ..ولا يفهم منها إلا استغلالا للسلطة بصورة بشعة للتحكم في أرزاق الناس وستظل علامة الاستفهام الحائرة منصوبة فوق الرؤوس ريثما يتم سحب هذه القوانين التي لا ندري أصلا لمصلحة من صدرت ؟
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..