مقالات سياسية

تتعدد الاسباب والنتيجة اسهالات

تتعدد الاسباب والنتيجة اسهالات

أمس حملت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي أخبارا تفيد باتساع نطاق الإسهالات المائية في النيل الأبيض، وقد شملت مدنا في الولاية، وقيل إن هناك حالات في الخرطوم، وزارة الصحة أنكرت الأمر وبررت له على لسان البروفيسور مامون حميدة الذي أوضح أن الإسهالات المائية تختلف، وأن هناك 14 سببا لها، لم يذكر الأسباب لأنها مخجلة، وأكيد لها علاقة بالتلوث والنفايات وتردي البيئة والصحة عموما، وأنكر مامون حميدة وجود مصابين، وأن كل العدد الموجود 18 مريضا- فقط- بالمستشفىات، ولديه عنبر مجهز في التميز يسع 50 مريضا، وطمأن المواطنين بولاية الخرطوم بوجود تحوطات كبيرة للوزارة مع توفر الامكانات اللازمة، وكأنه يقول لكم الإسهالات (راقدة) ولو سلم أحدكم من سبب فلا بد أن يقع في الآخر، وكل الأسباب الـ 14 متوفرة في الخرطوم بكثرة خاصة هذه الأيام والأيام القادمة.

الإسهالات المائية لها سنوات طويلة لم تنقطع عن السودان، وكلما اختفت في منطقة ظهرت في الأخرى أو تكررت في نفس المنطقة، أحيانا لا تعلن عنها الحكومة، حتى العام الماضي كانت تعدّها ظاهرة عادية ضمن ما أسمته بأمراض الخريف، ولكن يبدو أنها أرادت أن تؤكد للحكومة ألا علاقة لها بالخريف، وأنها يمكن أن تأتي في أي وقت ما دامت البيئة مناسبة لظهورها، وما دامت البلد كلها تواجه إهمالا رسميا فيما يتعلق بأمر الصحة والبيئة عموما، فمنذ 28 سنة ظل المواطن- وحده- يتحمل مسؤولية النظافة دون تدخل من الدولة، والآن خارت قواه ولم تعد جهوده البدائية ذات جدوى في مدن تكبر، وعدد سكانها يزداد، لدرجة أن أصبح السودان اليوم من الإهمال يشبه صورة كلومبيا في ثلاثينيات القرن الماضي التي صورها ماركيز روايته الشهيرة الحب في زمن الكوليرا، فالرواية تحتاج- فقط- إلى تغير المسميات لتتوافق تماما مع واقع السودان اليوم.

السؤال الذي يُطرح إلى متى سيظل السودان في هذه الدوامة؟، ولماذا لا تعالج الحكومة أسباب الإسهالات المائية الـ 14 ما دامت هي على علم بها؟، وإلى متى ستظل تتجاهل الأمر وتتاجر بأرواح المواطنين؟، فإن قامت بعلاج سبب واحد تكون قد حلت جزءا كبيرا من المشكلة، وهذه المشكلة بالذات لم يعد للمواطنين القدرة على تجاوزها وحدهم، ولا بد من تدخل الدولة بسياسات عاجلة، لكن أين هي الدولة؟.

كل عام يتكرر ظهور الإسهالات المائية كما تحب الحكومة أن تسميها ولنفس الأسباب التي تعرفها جيدا، فهل يعقل أنها عاجزة عن فعل شيء حيالها؟، وإذا كانت لا تستطيع أن تقوم بعلاج هذه المشكلة البدائية التي تجاوزتها كل دول العالم منذ وقت طويل، فماذا يمكنها أن تفعل إذن؟.

في خمسينيات القرن الماضي أصيبت مدينة لندن بوباء الكلورا، واكتشفت الحكومة- حينها- أن السبب تلوث المياه، حينها قام مهندس بدعم من الحكومة ببناء مصارف لمدينة لندن تستوعب تطورها لمدة مئة سنة مستقبلا لم تكتمل بعد، أؤكد أن السودان يملك مهندسين يمكنهم أن يفعلوا ما هو أعظم من ذلك لكن يحتاج إلى حكومة بتلك العقلية.

أسماء محمد جمعة
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..