طماطمايتين ودكوة

بسم الله الرحمن الرحيم

هل أن المسألة لا تعدو أن تكون حالة فقر مدقع تلازمت مع ضعف الثقافة الغذائية ، أم وضعاً أجبر الناس على البقاء فيه بفعل فاعل جراء حقائق الواقع الاقتصادي الاجتماعي والفرز الطبقي المستمر ؟ ذلك الذي جعل أنواعاً من الغذاء البسيط الخالي من الخضر والفاكهة تسيطر على غذاء السودانيين على مر أزمان كثيرة..فصار الاهتمام بكمية الكسرة والقراصة ولاحقاً الرغيف لمن تمدن ، دون بقية المواد الغذائية هو السائد في أنماطنا الغذائية؟ وكيف لنا أن نفسر أن طبيخنا في غالبة اعتمد على صنفين هما البامية والملوخية ومجففاتها؟ذلك في حال وجوده من الأساس ، وإلا فكسرتنا ( بالموية) وكم تغنينا لها.وحتى حين دخول الثقافة الغذائية التركية والمصرية بفعل الاستعمار في الغذاء ودخول الخضروات والفول المصري، ظل ذلك مقصوراً في المدن ولدي العاملين بالدولة ، حتى إذا انهارت أوضاعهم تدريجياً عمدنا إلى الاستعاضة بالبوش تنقلاً بمقدار يسير عن الكسرة بالموية . وتم التنازل عن الموائد للموسرين وذوي الدخول الطفيلية ،رغم برامج طبق اليوم في مجمل قنواتنا الفضائية.وقد أبدع الممثل جمال حسين سعيد مرة في السخرية من البرامج عندما لبس لبس الشيف لعمل البوش ، دلالة على مستوانا الغذائي المحكوم بظروفنا.
بيد أن الفقر قد قاد إلى انحراف مهم في المدن باعتماد الطماطم والدكوة كغموس وحيد. وما نتج ذلك إلا للهروب من تكاليف حلة الطبيخ من زيت وبصل ولحم وتكلفة غاز وفحم.وربما كان ذلك ناتجاً عن قلة تكلفة المكونين باعتبار ان انتاج الفول السوداني وفر الدكوة، والتي لا تدخل بكمية كبيرة تقليلاً للتكلفة. إضافة إلى انتاج الطماطم من المزارعين ورخصها في موسم الشتاء باعتبارها قابلة للتلف السريع.
ربما يكون ذلك ما دعا المستثمرين في فقر الشعب السوداني إلى التوجه لكيفية توفير الطماطم على مدار العام ، أكثر من كون أن في الأمر تطوراً زراعياً مع عدم إنكار وجوده.فدخلت الطماطم الخريفية على الخط في المشاريع الزراعية وبقية المناطق التي تحظى بفصل مطير. لكن مع كلفة عالية على صحة المواطن . فمن يتابع زراعتها ، سيلاحظ كمية المبيدات التي تستخدم في انتاجها. حيث أن طلمبة الرش لا تتوقف عن العمل طوال وجود النبتة على الأرض . ولك ان تتخيل دخول كل هذه في السلسلة الغذائية ومدى تاثيره ، وتترك التعجب من انتشار السرطانات والفشل الكلوي وغيرهما.
ولم تعد الطماطم محصولاً في مقدور المزارع التقليدي، بل استثماراً تضخ فيه أموال ضخمة ، رغم حجم المخاطرة ،فقبل سنوات ، كانت زراعة فدان واحد تكلف خمسة ملايين من الجنيهات . فأصبحت زراعة كبار التجار الذين يستأجرون نمراً بحالها في المشاريع الزراعية وإقامة الرواكيب للعمال والصرف الضخم عليهم. ويقومون بدفع رسوم المياه مقدماً .وتقابل الادارات الزراعية ذلك بإعطائهم حق التصرف في أبواب الكباري للمنافسة على مياه الري مع بقية المزارعين.
وبعد، فإن تحسرت على عدم التمكن من تناول وجبة الطماطم بالدكوة لظروف الكوليرا.فتحسر أكثر على العودة إلى تناولها عند زوال موجتها.فهي تعبر لك بالكامل عن كيفية الاستثمار في دواعي فقرنا ومرضنا.
الرد على المرسل تحويل إلى خبر تحويل إلى مقال حذف
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..