وهل يدور الإليكترون في فلك الكرتون

لن نماري ولن نكابر ولن نغالط في أهمية أي مسعى لتحديث أداء الحكومة عبر توطين التقانة في أجهزتها كافة وتدعيمها بأحدث ما توصلت اليه تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ، ولن نطعن في سلامة مثل هذا المسعى الذي ان وجد الأساس الصالح الذي سيقوم عليه فإنه أتوماتيكيا سينتهي الى تطوير شامل يؤدي بدوره الى تقديم الخدمات الحكومية للمواطن في زمن قياسي وبأقل جهد ممكن وبمستوى عال من الكفاءة والاجادة ، وسينعكس ذلك بشكل ايجابي على المواطنين والمستثمرين وشركات قطاع الأعمال التي تتعامل مع الجهات الحكومية المختلفة ..ولكننا لن نعدم المجادلة بالحجة ولن يعوزنا ما ننتقص به من شأن مسعى كهذا ان كان مجرد محاولة لمسايرة ومواكبة ما يجري في العالم في هذا الخصوص دون أن تتوفر له مقوماته الأساسية التي لا يصلح الا بإصلاحها أولا ونعني مؤسسات الخدمة المدنية المتهالكة التي تحتاج بداية لعملية انهاض تنتشلها من عصر ما قبل الحداثة الذي وقفت عنده بفعل فاعلين حتى تكون بعد ذلك مؤهلة ولو بالحد الأدنى لاستقبال عصر الحداثة ثم الولوج فيه ، وأيما محاولة غير ذلك لا تعدو بنظرنا أن تكون محض ترف عولمي لن يتعدى عتبة النقاش النظري وستبقى الحلول الاليكترونية المتكاملة مجرد أمنية عصية المنال ..
الأجدر من ذلك برأيي أن يتم البحث بتعمق في شؤون الخدمة المدنية التي لن نتجنى عليها ان وصفناها ب ( الكرتونية ) ، قبل أن نشطح بطموحاتنا الى مستوى الحكومة الاليكترونية ، ولكن مادام أن الأمر يمضي الآن في هذا الاتجاه فقد بدا لنا شكلا ومضمونا مثل الشخص الذي حاول أن يبدو حضاريا وحداثيا في ملبسه فكابد وعانى حتى امتلك بدلة افرنجية فاخرة وربطة عنق فرنسية انيقة ، ولكنه نسى في أول ظهور له بشكله الحداثي الجديد أن يستبدل السروال أبوتكة ، ولن نذهب بعيدا أو نجتهد كثيرا لاثبات هذه المفارقة على كثرة ما تعانيه الخدمة المدنية من مفارقات، بل نمد يدنا بكل سهولة لنستل احداها من سلة المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي حول مردود العامل في الخدمة المدنية ، ولكم أن تتصوروا هذا المردود وفقا لتقييم المجلس الذي يقول إن الزمن الفعلي الذي ينفقه العامل المحلي في عمله لا يتجاوز التسعين دقيقة مقارنة بثماني ساعات ( 480) دقيقة هي الوقت المطلوب في اليوم ، فهل تبقت بعد ذلك أي فرصة لحديث عن حلول اليكترونية وحكومة اليكترونية .. لا أظن بل أكاد اجزم بأن الاليكترون لن يدور في فلك الكرتون ، ليس قياسا على الحقيقة الفيزيائية المثبتة التي تقول ( لمعرفة عمل الاليكترون لابد أولا من معرفة مكونات الذرة ) ، ولكن بالتطبيق على حال الخدمة المدنية الراهن التي نعلم جميعا مكوناتها الآنية التي تتناسب عكسيا وتتنافر كليا مع الطفرة الاليكترونية ، ولهذا لن تنجح معها أية محاولات لحلول اليكترونية متكاملة قبل أن تنجح هذه المحاولات في اصلاح مكونات الخدمة المدنية واستعدال اعوجاجها وتقويم انحرافاتها وهي معلومة للكافة ..

الصحافة

تعليق واحد

  1. نحن في القرن 21 و لسة لعنة الكراتين لا افترقنا. فعلا ذات مرة في الاجازة السنوية زرت لحدي المؤسسات التي يشار إليها بالبنان وجت الكراتين مرصوصة عند موظف الاستقبال. ايقنت جليا لن يحل الإلكترون ما دام الكرتون.

    عزالدين عباس الفحل
    ابوظبي

  2. نحن في القرن 21 و لسة لعنة الكراتين لا افترقنا. فعلا ذات مرة في الاجازة السنوية زرت لحدي المؤسسات التي يشار إليها بالبنان وجت الكراتين مرصوصة عند موظف الاستقبال. ايقنت جليا لن يحل الإلكترون ما دام الكرتون.

    عزالدين عباس الفحل
    ابوظبي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..