حركة (حق) تمشي طريق الآلام بحثـاً عن النضج أم الصلب؟ا

حركة (حق) تمشي طريق الآلام بحثـاً عن النضج أم الصلب؟

إسماعيل الـتـاج مصطـفى
[email protected]

إلى أين تتجة حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) في ظل الصراعات المحتدمة بين القيادات؟ منذ بداية تأسيسها بدأت حركة (حق) مختلفة تمامـاً في سياق العمل السياسي السوداني الحديث من حيث التوجه السياسي والقيادة الشبابية المتاحة لمنتسبي الحركة مما يعني تمزيق فاتورة الولاء العمري وتفريخ أجيال جديدة شابة قادرة على استيعاب تحديات العصر الحديث والتعايش معه في انفتاح غير مسبوق على خلاف كل الأحزاب السياسية السودانية المنكفئة على ذاتها وعلى مزاعم خصوصية غير مفيدة وغير مجدية في عالم يزداد اقتراباً من بعضه، وأصبحت القيادات الشابة هي التي تقود الأحزاب والسياسات في كثيرٍ من أنحاء العالم.

إذاً حركة (حق) كانت تمثل ولا زالت تمثل نفـاجـاً ? رغم تضيـيـقه كل يوم – في متاهة السياسة السودانية الملتبسة بإشكاليات عميقة ومتجذرة. وقد يكون هذا هو الإطار الذي جعل مسألة تأسيسها قائمة على قراءة واضحة وعلمية لواقع السياسة في اليوم والخروج ببرامج عملية. ولكن كيف ولماذا تاهت حركة (حق) بعد أكثر من 15 عاماً من تأسيسها و ستة أعوام من رحيل مؤسسها وقائدها الخاتم عدلان؟ وهل تستطيع حركة (حق) انقاذ ما يمكن انقاذه في ظل صراعات على القيادة تبدو غير مفيدة للشأن السوداني وما يعتوره من إشكالات كثيرة؟

بإقصاء حركة (حق) لرئيسة الحركة وإبدالها بأخرى، تكتسب حركة (حق) صفة التنظيم – ربما الوحيد في العالم – الذي يطيح بزعيمه قبل انعقاد المؤتمر العام، عادياً كان أمْ طارئـاً. فالشاهد أنَّ كل التنظيمات السياسية (المكتملة النضج) تنتظر مؤتمرها العام لإحداث التغييرات المطللوبة سواء كان على مستوى الأهداف السياسية والاستراتيجية أم على على المستوى التنظيمي وتغيير القيادات. وهذا التحرك الاستباقي كما تسميه المجموعة التي قامت بالإقالة هـو نهج لا يصب في مصلحة ديمقراطية الحركة وتطورها كما أنه مؤشر على أنه لم يعد هنالك الآن أي ضمان بعدم تكرار هذا السيناريو مع أي رئيس قادم. ويعني آيضاً أنَّ سيف الإقالة سيكون مسلطاً على أي رئيس لحركة (حق) بالأغلبية البسيطة للمجلس القيادي للحركة (تمت إقالة الرئيسة الخارجة بـ 11 صوتاً فقط مقابل 9 أصوات ضد القرار!!). وهكذا يتضج عدم وجود إجماع أو غالبية كبيرة تقف مع الإقالة مما يعني استمرار احتدام الصراع وحسمه بوسائل تعيد حركة (حق) لمربع الانشقاقات. ويتضح أيضاً أنَّ هذه الآلية التنظيمية بها خلل يُـفرغ المؤتمر العام من دوره في هذا المجال. ويبدو للمراقب للأوضاع داخل حركة (حق) أنَّ أزمات حركة (حق) لـن تـنتهي في ظل غياب ثـقافة المباديء التنظيمية الجلية شاملة شروط الانضمام للحركة نفسها والتدرج في السلم القيادي، إضافة لإيلاء دور حقيقي وفاعل للمؤتمر العام في اختيار الرئيس وعزله. وستبقى علة/مشكلة حركة (حق) باقية في الإطار التنظيمي الذي أدى إلى إقالة الرئيسة الخارجة، وللمفارقة، هـو نفس الإطار التنظيمي الذي أتى بها، مما يعني هشاشة هذا النظام والحاجة لتعديله.
صراع حول الإرث الفكري للخاتم عدلان، وحول مركز الخاتم عدلان:
يدور الحديث عن صراع خفي لجهة ?المفكر? الذي هو أحق بالجلوس على كرسي الراحل الخاتم عدلان. ولا يغيب هذا الأمر عن فطنة المتابع لمجريات الأحداث داخل حركة (حق). وهو الصراع الذي لم يتفجر علانية ولكنه يتـخـذ أشكالاً عدة وسط بعض قياديي حركة (حق). ولا يستطيع أحد منهم الجهر بذلك لأنَّ ذلك سوف يفتح عليه أبواب جحيم فكرية وتنطيمية لا طاقة له بها، كما أنها خطوة غير محسوبة العواقب إذ أنَّ الكل يتربص بالكل للإنقضاض عليه. في مثل هذه الحالة، يبدو انسحاب الحاج وراق من المشهد (الحقاني) نبلاً ما بعده نبل ونتاج قراءة سليمة وتحرك احترازي درءاً للشبهات رغم إمكانيات وراق الفكرية. ولكن الشاهد أنَّ بعض القيادات في حركة (حق) تتستر اليوم تحت لبوس أخرى في محاولتها التأكيد على أنها الورثة الفكرية وحاملة مشعل الفكر المستقبلي للحركة لأنها لا تستطيع أنْ تفعل ذلك علناً. وهذه أكبر نقمات تركة الراحل الخاتم عدلان بدلاً من تحويل تلك التركة كمحفز للحركة كـكل. وفي خضم الصراع في هذا المجال يتم استدعاء مواقف الخاتم عدلان في استشهاد مخل لا يخفي الغرض من ورائه، مثل التأكيد على الشفافية في التعاطي مع إدارة مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية والتأكيد على أنَّ الخاتم نفسه ما كان ليحظى بموقع داخل المركز أكثر من كونه عضواً. وكلما أقرأ حديثـاً تحاول المجموعات المتصارعة في حركة (حق) الاستشهاد فيه بمواقف الخاتم عدلان لحسم الصراع حول المركز لصالحها، كلما أدركت حجم المأساة التي تعيشها الحركة وكلما أشفقت على المتحدثين. فبالنسبة لاقحام مواقف الراحل الخاتم ومحاولة مقاربتها بما يجري في مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، تبدو مقاربات مخلة ومبتسرة. فالخاتم نفسه كان ينأى بنفسه عن صراعات منظمات المجتمع المدني بلندن مثل الجالية السودانية والمنظمة السودانية لحقوق الإنسان ليس ترفعـاً أو زهـداً في الأمر ولكن كرسالة بعدم جدوى الصراع حول تلك المسائل وإفـحام الطابع السياسي حولها حتى ولو بمجرد إشارات قد تفهم خطأ. فهل درى المزايدون على مركز الخاتم عدلان بهذه الحقيقة حتى يتسنى لهم الاستشهاد بفكر وثقافة وإرث الخاتم في مثل هذه الأمور؟ نقولها ولسنا أعضاء بالحركة ولم ننتسب إليها ولكن شهادة للتاريخ حيث كنا هناك حين مولد الحركة وإنبثاقها للوجود. وما لم تعمد عضوية حركة (حق) إلى تجاوز هذا الملف والبناء على ما تركه الراحل الخاتم في تراكمية ترفـد الحركة بوهج فكري متجدد لا ينضب ويستصحب الحاضر فإنَّ الحركة ستقع في ذات الدائرة التي لم تبارحها أحزاب أخرى من حيث تكـلــُّـس ونضوب المرجعية الفكرية. في ظل هذا الصراع، جـاء الخطـأ الأكبر في محاولات الهيمنة على مركز الخاتم عدلان وتصييره وتصويره كآلية لحركة (حق)، وهذا يعني أنَّ حركة (حق) بعد هذه السنوات الطوال ليس لها انجاز آخر تباهي به. وربما يكون مفيداً الإشارة – من موقع محايد تماماً – إلى أنَّ مجهودات إنشاء مركز الخاتم عدلان كانت فردية وذات طابع شخصي قام به الباقر العفيف اعترافاً بأفضال وعطاء الراحل الخاتم عدلان وتخليداً لمسيرته، ولم يكن نتاج حركة (حق). وقد يكون قد آن الأوان لفض أي شبهة تفضي إلى فهم خاطيء في هذا الشأن وبصورة لا لبس فيها.
أما ما يلي حركة (حق)، تحاول بعض قيادات حركة (حق) الآن تصوير وتسويق الصراع/الاختلاف الجاري حالياً بأنه عبارة عن ممارسة ديمقراطية وحراك يدور حول مفهوم التسيير الداخلي الديمقراطي للحركة. وهذا تصوير خاطيء ومعيب ويجانب الصواب كما لا يحترم عقلية المتابع للأحداث لأنَّ ما يحدث داخل حركة (حق) ليس له علاقة بالممارسة الديمقراطية أولاً نسبة لجهة التوقيت في إقالة الرئيسة الخارجة، وثانياً لجهة الخصومة القاتلة التي صاحبت عملية الإقالة. فالاشتطاط والفجور في الخصومة وإضفاء الطابع الشخصي على الاختلافات ليس من الممارسة الديمقراطية بشيء.
غياب الوعي التنظيمي:
يرفد الصراع داخل حركة (حق) افـتـقاد الحركة للوعي التنظيمي حتى في ظل وجود لوائح تنطيمية. وينسحب غياب الوعي التنظيمي على القيادات أيضاً حيث يبدو واضحاً أنَّ كل قيادة في حركة (حق) تحمل ذات جرثومة السياسة السودانية المتمركزة حول الفرد والذات وأوهام التفرد الذاتي دونما تسجيل لانجازات واضحة أو تحويل هذا التفرد إلى قوة دافعة للكيان.
طريق الآلام:
يبقى القول أنَّ حركة (حق) تمشي في طريق آلام من صنعها وحدها. طريق آلام مليء بالإحن والضغائن وصغائر الأمور والرغبة الجامحة في الانتصار للذات في وطن يرجو الخلاص كل يوم وتثخنـه الجراح وينتظر مسيحاً مُـخلـِّصـاً عند انبثاق كل كيان سياسي جديد. طريق آلام ذاتي تعمل فيه حركة (حق) على تـنفـير الكثير من المتعاطفين والداعمين للحركة. فهل يؤدي ذلك الطريق إلى صلب الحركة على صليب مماحكات القيادات ومن ثـمَّ التلاشي أمْ أنه سيقودها إلى قيامة جديدة تستبشر فيها خلاص نفسها من أمراض وعلل القيادات غير الناضجة والعضوية غير المنضبطة؟ وهل تنتصر الحركة ? أخيراً جداً ? للمباديء والأهداف التي قامت من أجلها، أمْ يبقى المنتصر الوحيد في هذا المسار هم الذين راهنوا على نهاية حركة (حق) برحيل الخاتم عدلان؟

إسماعيل الـتـاج مصطفى

تعليق واحد

  1. أ.اسماعيل لك تحياتى واكيد مساهمة ممتازة فى ظل متغيرات الساحة السياسية والفكرية….ولا شك ان الانقسامات فى الاخزاب السياسية السودانية شئ مقلق للغاية وكان الامل فى القوى الحديثة ان تلعب دورا محوريا فى قادمات الايام لكن وضح ان لا فرق بين تقليدى وتقدمى فى السودان….حركة حق تواجه مرحلة انتقال صعبة للغاية وكانت تحتاج لجهود الحاج وراق ابن رفاعة الذى صادم الخاتم عدلان فى مشروعه لينسحب بصورة درامية…انسحاب الحاج وراق يظل علامة فارقة وسؤال مستمر…هالة تجتهد والباقر مجتهد يحتاجون فقط لوضع اسبقيات لنشاطهم وقبول بعضهم وتحديد دور كل منهم هالة فى حق والباقر فى المجنمع المدنى ,,,,والمشروع الوطنى يستمر…لكن توجيه اسنة الرماح لصدور بعض مرفوض ايا كان مصدره…على ألأستاذة هالة ود.ألباقر ايقاف الحرب ألأعلامية….هذه مناشدة من هذا المنبر وسوف اخاطبهم مباشرة…ارجو ان تضم صوتك الى وكل الوطنييين من بنى وطنى.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..