معركة زعيم الصين الجديد ضد الفساد.. حقيقية ونزيهة أم ذريعة للتطهير السياسي؟

بكين – بيل سميث – شن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين حملة واسعة ضد الفساد منذ خلف شى جينبينج هو جينتاو رئيسا للحزب الشهر الماضي، مما سمح في بعض الأحيان بانتشار تفاصيل عن أفعال طائشة لمسؤولين محليين على مواقع الكترونية تتمتع بالشعبية.

ويعد أرفع مسؤول يسقط حتى الآن هو لى تشونشينج، نائب رئيس الحزب عن مقاطعة سيشوان في جنوب غرب البلاد، الذي تم التحقيق معه في “انتهاكات خطيرة لقواعد السلوك”.

كما طالت الحملة العديد من المسؤولين الأقل مكانة، مما أحدث اثارة كبيرة على مواقع الأخبار الصينية والمدونات الصغيرة مثل موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.

واعتقل لى يون ون،/ 43 عاما/ وهو عمدة قرية بإقليم شانشي شمالي البلاد، في قضية تزوير شهادات زواج وغيرها من الوثائق حيث كان بإمكان أطفاله العشرة من أربع نساء الالتحاق بالمدرسة والحصول على مزايا أخرى.

وقالت وسائل إعلام حكومية إن أربعة عشر شخصا عوقبوا لمساعدتهم لى يون ون، بينهم رئيس محلي للحزب الشيوعي وقائد شرطة ومسؤولو تنظيم الأسرة.

وفي قضية أخرى، أقيل لى تشنج فو، وهو مسؤول بالحزب في منطقة تشونجينج في جنوب غرب الصين، من منصبه بعد تداول لقطات فيديو له على الإنترنت وهو عار بصحبة عاهرات.

وكان قائد في الشرطة المحلية بمنطقة شينجيانج في أقصى غرب البلاد أقيل هو الآخر لاحتفاظه بشقيقتين عشيقتين، في حين أقال مسؤولون في شانشي قائد شرطة آخر لتستره على قيام ابنه بالقيادة وهو في حالة سكر واعتدائه على أحد ضباط شرطة المرور.

وقد تم الإبلاغ عن معظم الحالات الأخيرة عبر مدونات صغيرة أو مواقع إلكترونية محلية، ويتوقع ظهور المزيد من المخالفات خلال الأشهر المقبلة.

وحذر هو في كلمته الأخيرة كزعيم للحزب من أن قلة فقط هي التي تشكك في ضرورة التصدي للفساد المستشري والذي من الممكن أن “يتسبب حتى في انهيار الحزب وسقوط الدولة”.

وفي تقرير مؤشر الفساد العالمي السنوي الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية، ومقرها برلين، في وقت سابق الشهر الجاري، حلت الصين في المرتبة رقم 80 من بين 174 دولة.

وجاءت الصين بعد سريلانكا وليبيريا وجنوب أفريقيا ورواندا، ولكن قبل تايلاند واليونان والهند وروسيا.

وقد تعهد هو وسلفه جيانج زيمين، اللذين وصلت فترة حكمهما معا للصين إلى 20 عاما، بمحاربة الفساد. وحذر الحزب في عام 2005 من أن كبح جماح الفساد مسألة “حياة أو موت”.

وكان للحملات التي شنت في وقت سابق تأثير محدود، رغم القضايا البارزة ضد مسؤولين كبار مثل رئيس بلدية بكين السابق تشن شيتونج الذي حكم عليه بالسجن لـ16 عاما في عام 1995، والرئيس السابق للحزب في شانغهاى تشن ليانج يو الذي حكم عليه بالسجن 18 عاما في عام 2008.

وخلال الحملة الأخيرة، شعر بعض المعارضين بالانزعاج نتيجة الفضح المفاجئ لعمليات الفساد وغيرها من الجرائم التي ارتكبها مسؤولون والتي كانت على ما يبدو معروفة للمطلعين على بواطن الأمور لسنوات عديدة.

ويتساءل آخرون عما إذا كانت تلك الحملة ستؤدي حقا إلي كبح الفساد أم فقط مجرد إخفائه. ويخشى البعض من أن تكون هذه الحملة، على الأقل ولو بصورة جزئية، ذريعة لعمليات تطهير سياسي وتغييرات جذرية لزعماء محليين أصبحوا كبش فداء.

ولكن الحملة الجديدة هي، على الأقل، مختلفة فيما يتعلق بعدد عمليات تشويه السمعة والتسريبات التي تمت عبر الإنترنت، حتى أن وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” أعدت تقريرا تحت عنوان “هوس الصين بمكافحة الفساد على الإنترنت”.

وكتب هي بيرونج، وهو ناشط حقوقي معروف، على موقع التواصل الاجتماعي تويتر يقول: “إذا ما أردنا أن نتحدث بصدق، الحملة الحالية لمكافحة الفساد على مواقع المدونات الصغيرة تماثل الحركات الجماهيرية التي انطلقت في فترة الثورة الثقافية (1966-1976)”.

وأضاف: “استغلال مكافحة الفساد من أجل الصراع على السلطة لا علاقة له بترسيخ سيادة القانون والديمقراطية وغيرها من الأمور”.

ويتفق تشانج ليفان، وهو محلل سياسي في بكين، في أن الحملة “صارت أداة للصراع على السلطة”.

وقال تشانج لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): “ما من مسؤول إلا وقد ارتكب أعمالا تنال من السمعة، ويمكن للمرء أن يجد فسادا إذا ما حقق في أي منها”.

وقال تشانج إنه يعتقد أن هناك “أهدافا وراء القضية” ضد لى تشانتشنج، وسط تقارير عن أنه كان مقربا من تشو يونجكانج، رئيس متشدد للأمن في الصين، حتى الشهر الماضي.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادر أن تشو كان هو العضو الوحيد في اللجنة الدائمة المشكلة آنذاك والمؤلفة من تسعة أعضاء للمكتب السياسي للحزب، الذي عارض الإطاحة بالزعيم الشعبوي الإقليمي بو شى لاى في آذار/مارس.

واتهم بو بالتستر على جريمة قتل ارتكبتها زوجته، وأيضا إساءة استخدام السلطة، وقبول “رشى ضخمة سواء بصفته الشخصية أو من خلال عائلته”.

وألقت الفضيحة المحيطة ببو، الذي يتمتع بدعم قوي من فصائل داخل الحزب، بظلالها على الاشهر الثمانية الأخيرة قبل تغيير القيادة الصينية.

وقال تشانج مينج، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشعب ببكين، إن التغيير الناجح مكن شي وقادة آخرين جدد من شن الحملة الجديدة، لكنها لم تكن “حقيقية أو منهجية ضد الفساد”.

وأضاف: “إنها فترة انتقالية (من هو إلى شي) حيث يشعرون أنه يمكنهم شن حملة ضد الفساد، لذلك فهم فقط يخففون الرقابة على المدونات الصغيرة”.

وقال وو كيانج، وهو خبير في السياسة بجامعة تسينجوا في بكين، إن تغيير الكثير من المسؤولين الإقليميين والمسؤولين ذوي المناصب المتوسطة، قبل مؤتمر الحزب الشهر الماضي الذي وافق على تغيير القيادة، ترك الكثير من الأشخاص في “موقف غير مؤكد” وبدون حلفائهم السابقين.

وقال وو إن حملة مكافحة الفساد برمتها تستند على “إرضاء الجمهور” من خلال “أداء يتسم بالشعبوية” من قبل قادة الحزب.

وكالات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..