السكري… أسبابه والمعتقدات الخاطئة عنه

رغم الأبحاث المضنية خلال سنوات طويلة، لم يستطع العلماء التوصل إلى الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى الإصابة بداء السكري. ويعتبر قدماء المصريين أول من سجل وصفاً موجزاً منذ ألف وخمسمئة سنة قبل الميلاد عن هذا الداء.

كتب الخبر: د. رباح النجاده

وصف المصريون القدماء داء السكري في بردية شهيرة تحتوي على وصف لأمراض عدة، ويطلق عليها بردية «ابرز» نسبة إلى عالم المصريات الإنكليزي «جورج ابرز» الذي اكتشفها سنة 1862 في إحدى المقابر في البر الغربي في مدينة الأقصر.
وظل هذا المرض لغزاً محيراً حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي عندما تمكن العلماء من اكتشاف أن السكري ينتج من نقص هرمون الأنسولين الذي تفرزه غدة البنكرياس. في سنة 1922، تمكن اثنان من العلماء، كان أحدهما طالباً في كلية الطب من اكتشاف طريقة تحضير الأنسولين الفاعل من بنكرياس الحيوانات واستعماله في علاج الإنسان. وأدى هذا الاكتشاف إلى ثورة في علاج مرض السكري وإطالة عمر المريض.
وبدأت تواجه العلماء مشكلة أخرى وهي ظهور المضاعفات المزمنة وما يقابلها من مشاكل صحية أخرى وإحباط نفسي شديد وتكاليف باهظة في العلاج واستنزاف اقتصادي لكثير من الدول. وقد نشط العلماء للبحث عن كيفية تقليل أو منع هذه المضاعفات. وقد أثبتت الأبحاث الحديثة كافة أن الطريق الوحيد هو ضبط مستوى السكر واتباع نظام غذائي صحي سليم. ولا يمكن الوصول إلى هذا الهدف إلا بتثقيف المريض تثقيفاً كاملا بكل ما يحيط بهذا المرض، خصوصاً طرق العلاج، كي يصبح المريض طبيب نفسه.

تعريفه

يطلق داء السكري على حالة ارتفاع مستوى نسبة السكر في الدم عن المعدل الطبيعي. لدى الإنسان السليم، يحتفظ الجسم بنسبة سكر الدم شبه ثابتة رغم ما يتناوله من مواد سكرية أو نشوية وبغض النظر عن الكمية التي يتناولها.

التحكم بمستوى السكر

يتم التحكم بمستوى سكر الدم بمنتهى الدقة بواسطة مجموعة من المواد الكيماوية يطلق عليها اسم الهرمونات، التي يتم إفرازها بواسطة مجموعة من الغدد الصغيرة يطلق عليها اسم الغدد الصماء. وأهم هرمون مسؤول عن تنظيم مستوى سكر الدم هو الأنسولين الذي تفرزه خلايا خاصة موجودة في غدة البنكرياس على هيئة تجمعات ميكروسكوبية يطلق عليها اسم جزر «لانغرهانز» نسبة إلى العالم الذي تعرف عليها ووصفها بدقة سنة 1869. والدكتور لانغرهانز طبيب ألماني وصف هذه الخلايا أثناء إعداده رسالة الدكتوراه في خصائص التشريح الميكروسكوبي لغدة البنكرياس. ويوجد البنكرياس في أعلى تجويف البطن خلف المعدة مباشرة.
تتغير نسبة السكر في الدم لدى الشخص الطبيعي السليم من وقت الى آخر حسب المواد الغذائية والمشروبات التي يستهلكها، ووفقاً لحركته وما يبذله من نشاط عضلي. وبغض النظر عن هذه العوامل كافة، تتغير نسبة السكر عادة ارتفاعاً وانخفاضاً في حدود معينة لا تتعدى مستوى سكر الدم الطبيعي. ومستوى سكر الدم الطبيعي:
? في حالة الصيام يتراوح بين 70 إلى 110 مليغرامات/100 مليليتر دم.
? بعد الأكل بساعتين يتراوح بين 110 إلى 140 مليغراماً/100 مليليتر دم.

أنواعه

يشتمل داء السكري على ثلاثة أنواع كالتالي:

? النوع الأول: يصيب المراهقين غالباً، لكنه قد يصيبنا في أي سن من الطفولة المبكرة إلى الكهولة المتقدمة. وتكون الأعراض في معظم الحالات سريعة ومتلاحقة ويحتاج العلاج إلى الحقن بالأنسولين.
? النوع الثاني: وهو النوع الشائع، إذ يُصاب به أكثر من 90% من مجموع مرضى السكري وغالبا ما يحدث بعد سن الثلاثين وتكون الأعراض بسيطة أو غير واضحة، ودائماً يتم تشخيصه بمحض الصدفة أو بعد سنوات عدة قد تصل إلى سبع سنوات عندما تصبح الأعراض شديدة.
? النوع الثالث: وهو سكري الحمل ويطلق هذا النوع على السكري الذي يتم تشخيصه للمرة الأولى أثناء الحمل.

أعراضه وعلاماته

تختلف الأعراض من مريض الى آخر بحسب نوع السكري:

النوع الأول:
? عطش شديد.
? كثرة شرب الماء.
? كثرة التبول.
? نقص الوزن المستمر.
? ارتفاع درجة حرارة الأطفال.

النوع الثاني:
? إحساس بالإعياء بعد بذل مجهود طبيعي.
? اضطراب في الرؤية (زغللة في العينين).
? كثرة التبول.
? نقص مستمر في الوزن من دون سبب واضح.
? قد يحدث بعض المضاعفات مثل الالتهابات البكتيرية المتكررة، خصوصاً في الجلد (خراج) أو التهابات فطرية (التينيا). والأماكن التي تكثر فيها الالتهابات الفطرية هي الإبط والعانة وتحت الثدي عند النساء.

ملاحظة: تُشخَّص حالات كثيرة من السكري لدى النساء بواسطة طبيب النساء لحدوث التهاب فطري شديد في منطقة العانة مصحوب بحكة.

معتقدات خاطئة

? يعتقد البعض أن داء السكري قد ينشأ من كثرة تناول المواد السكرية أو النشوية. لتصحيح هذه المعلومة ننبه بأن البنكرياس السليم يستطيع التعامل بمنتهى الدقة مع أي كمية يتناولها الشخص من هذه المواد فيحافظ على مستوى سكر الدم. ولكن في الوقت نفسه نحذر من كثرة تناول هذه المواد بما يزيد عن حاجة الجسم لأن هرمون الأنسولين يحولها إلى مواد دهنية تتراكم في الجسم ومع مرور الأيام تؤدي إلى السمنة التي هي في حد ذاتها أحد أقوى العوامل المسببة لحدوث داء السكري.

? هل أعاني سكري الدم أم سكري البول؟ كثيراً ما يتردد هذا السؤال، فيعتقد بعض المرضى أن سكري الدم أخطر فيما يقول البعض الآخر إن سكري البول أكثر خطورة. للتوضيح، ننبه بأن السكري يعني ارتفاع نسبة السكر في الدم وعندما تزيد هذه النسبة عن حد معين (حوالى 180 مليغرامًا/100 مليليتر دم) يبدأ ظهور السكر في البول. فداء السكري يعني فقط ارتفاع نسبة سكر الدم. لدى بعض النساء الحوامل، قد يظهر السكر في البول بينما يكون مستوى سكر الدم طبيعياً. وهذه الظاهرة لا ينبغي أن تؤدي إلى أي نوع من القلق ولا تحتاج إلى أي علاج أو احتياطات في النظام الغذائي.

? هل أعاني السكري العصبي؟ في حالات كثيرة، قد تبدأ ظهور أعراض السكري بعد التعرض لضغط عصبي أو هزة نفسية شديدة، خصوصاً في حالة السكر من النوع الثاني. ويعتقد المريض أن هذا النوع من السكر عصبي أو موقت ويمكن زواله باستقرار الحالة النفسية. هذا اعتقاد خاطئ تماماً فالحالة النفسية تتسبب فحسب في ارتفاع مستوى سكر الدم في الأشخاص المهيئين لحدوث السكر أو المصابين فعلا بمرض السكر ولم يتم تشخيصه. وغالباً ما يكون السكر موجوداً منذ سنوات عدة لذلك يعامل الشخص كمريض سكري.

? هل ثمة ما يسمى بالسكري الموقت؟ فكرة شائعة يعتقدها الناس إذا ظهرت أعراض السكري بالتحليل صدفة عند التعرض لحادث أو بعد الخضوع لجراحة أو بعد تناول بعض العقاقير التي تزيد من نسبة سكر الدم. أي شخص في هذه الظروف يرتفع لديه مستوى سكر الدم، أو يكون أصلاً مصاباً بالسكري ولم يتم تشخيصه، أو أنه يحمل أحد العوامل المهيئة لحدوث سكري الدم, ويعامل الشخص المصاب كمريض سكري كالحالة السابقة.

[email][email protected][/email] Twitter: @PROF_RN
Facebook: Rabah AL-najadah

تعليق واحد

  1. مقال رائع يا دكتور ونتمنى الاكثار من هذه المقالات الطبية الرائعة لتثقيف القارىء – الشكر لكم

  2. الميكانيزم بتاع حدوث السكري واضح بس الغريبة انو ما في علاج نهائي له حتى الآن، فهل صحيح ان مافيا الأدوية تقف وراء تأخر الاعلان عن حلول نهائية.. نظرية المؤامرة وكده.. ها ها ها..أهو قلنا نفتح نفاج فرعي للنقاش..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..