أبو زعيّطان الزّهجان

*(إذا شئت أن تقتاس أمر قبيلة،
وأحلامها، فانظر إلى مَنْ يقودها..).
– عمرو الطائي-
.. تروي جدتي التي شبعت موتاً بعد أن شبعت من أوهام الدنيا، أنّ رجلاً من بطانة أحد الولاة يلقّب بأبي زعيّطان الزّهجان، كان نموذجاً إرهابياً في قبيلته، حيث كان يمارس أشنع العقوبات، وأكثرها إيلاماً للنفس، ولا سيما تلك التي تنصبّ على حكمائها من ذوي العقل الراجح، حتى حمل بعضهم على التصريح أمام القوم بأنه غبيّ، ولا يفهم أكثر مما تفهم عنزة جرباء في قطيع شارد.‏
وتضيف جدتي رحمها اللّه، أن أبا زعيّطان كان إذا رأى حكيماً على دابته أسقطه عنها، وأهال على رأسه التراب، وأوسعه ركلاً ممزوجاً بأقذع الشتائم، ثم كان يطلب من ضحيته أن يشكره، لأنه تنازل عن وقاره وأهانه، إذ يرى أبو زعيطان أن تحقيره للآخرين ما هو إلاّ تكريم لا يناله إلاّ ذو الحظ العظيم. أما من يتكلّم في المجلس الشيوخ ويبدي حكمة نافعة أو رأياً مصيباً، فليس أقلّ على أبي زعيطان من نتف شاربه الأيمن مع جانب لحيته الأيسر أو بالعكس، بعد أن يستعين على الأشعار التي لا تنتف بشيء من بصاقه السميك، وأحياناً كان يطرح الشيخ الوقور ويكشف سوءته أمام الملأ، وهو يطلب من الشيخ أن يضحك على نفسه شاكراً أبا زعيّطان على نعمة الإهانة.‏
لكنّ ما حيّر أبناء القبيلة – والرواية لجدتي- أنّ أبا زعيّطان لم يوفر حتى والده بعد أن عاقب عقلاء القبيلة جميعهم. وتروي أم أبي، أن والد أبي زعيّطان تحدّث ذات يوم في مجلس القبيلة منتقداً سلوك ابنه أبي زعيّطان، لأن الأخير لا يستعمل غير يده في التعامل مع الناس، وإن لجأ إلى عقله تحدث حديث المجانين والحمقى. وقد اعترف أبو زعيّطان بأن يده (فاكة) ولكنه أكثر أبناء القبيلة حكمة واتزاناً، إذ لا يقول في المجلس إلا الحكمة، ولا ينطق إلا بأحسن القول، وقد نشبت مشادّة بين أبي زعيّطان ووالده، فتشدّد الأب، وراهن القوم على أن ابنه لا يستطيع أن ينطق إلا حماقة وتفاهة، فاسترخى أبو زعيطان، وقال لوالده: إنني مستعد لأن تمتحنني في حسن منطقي ورجاحة عقلي.‏
اعتدل والد أبي زعيّطان في جلسته، وقال: لك ما تريد، والامتحان سؤال واحد توجهه للقوم، ويحتاج جوابه إلى كدّ الذهن وإعمال العقل، فقال أبو زعيّطان: أنا جاهز.‏
وتقول جدتي – رحمة الله عليها- إن القوم حدقوا، وفتحوا آذانهم، لعل الواحد منهم يحظى بشرف الجواب على سؤال اللغز الكبير، وبعد حين ابتسم أبو زعيطان وقال:‏
لا تتعبوا أنفسكم إن سؤالي موجه إلى والدي حصراً، فإن كان حكيماً حاضر البديهة أجاب بسرعة، وإلاّ فإنني سيد المعرفة في القبيلة بلا منازع.‏
ابتسم والد أبي زعيّطان، وقال: هات سؤالك. فاندفعت الكلمات متقطعة واضحة على لسان أبي زعيّطان: “يا أبي شاربك أطول أم ذيل جحشتنا؟”‏
قهقه القوم حتى سقطوا على ظهورهم، وفيما هم في هرجهم دخل الوالي المجلس، فذهل لطرافة المشهد، وقهقه هو الآخر دون أن يعرف السبب.. ثم هدّأ الجميع وقال يا قوم: لقد سمعت من هنا وهناك أن أبا زعيّطان يهين شيوخكم الحكماء، وإن من واجبي أن أقف على الحقيقة ليكون العقاب على قدر الإهانات.. نظر القوم المهانون في بعضهم، وجاءت الإجابة نسخة واحدة: إنّ أبا زعيطان سيّد الديار وحكيمها الجليل الذي يقدر كل ذي عقل، وإن ما شاع تلفيق وكذب.‏
ثم التفت الوالي إلى والد أبي زعيّطان وقال له: إنك أصدق هؤلاء جميعاً، وأريد جوابك الأكيد، فردّ الوالد: إن ابني يعلّم أفلاطون المنطق والأخلاق، ويدرّس سقراط أصول احترام العقل والفكر الجميل.‏
ووسط ذهول القوم، ركض أبو زعيّطان إلى الوالي، فتعانقا طويلاً.‏
ثم لم يلبث الوالي أن قال للناس: لقد أنقذتكم العناية الإلهية، فو اللهِ لو أن أحداً منكم تحدّث عن أبي زعيطان سوءاً لنجست به كلاب القبيلة، انصرفوا.‏
تذكرت الحكاية بعد زمان من رواية جدتي حين قرأت في جريدة أن أبا زعيّطان قد تم استنساخه، وأنه موجود في الشوارع والمؤسسات والدوائر الكيزانية جميعاً، منذ ربع قرن ونيف، وهو يتراءى على صورة ناقد أدبي حيناً وحيناً على هيئة مفكر انتهازي، وتارة يظهر على شكل طفيلي يطرح نفسه لكل المواقع التي تنمو فيها الطحالب والأشنيات، وأنّه يعانق الولاة المنتشرين في كل الأرجاء بعد أن يشبع الناس إهانة وعسفاً في العقول، وعلمت أيضاً أن الشيوخ الذين يهانون يومياً يفضلون الصمت طمعاً برضا سيد أبي زعيّطان الذي – كما يقول لسان حال جدتي وهي في قبرها- لم يكن يرضى إلاّ بأبي زعيّطان قمعياً يمثل عقليته التي تفوح رائحتها النتنة من كل مكان.‏
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. دمك بارد وكلامك سخيف و سمج و ما عندو معنى…. حقيقة مستوى هابط و درجه طيش…. يعنى تقراء الاقتباس تقول الدكتور حينثر ذهبا لكن كما قال تالا تالا (يتبرز بعض الناس ويظنون انهم يكتبون) اوووووف

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..