الشباب العربي .. بين الإغتراب والثورة

الشباب العربي .. بين الإغتراب والثورة

الطيب الزين
[email protected]

الشباب العربي .. بين الإغتراب والثورة

خمسون عاماً أو أكثر، وليس أقل، مرت على أغلب دولنا العربية، ورآيات التحرير والإستقلال ترفرف فوق رؤوسنا الملىء بالهموم والأوهام والسموم، خمسون عاماً، تسربت من بين إيدينا، ومن تحت أرجلنا، دون أن تجد معاني الحرية ومضامين الإستقلال سبيلها الى عقولنا، الى بيوتنا، الى شوارعنا، الى مدارسنا، الى جامعاتنا، الى مستشفياتنا، الى حقولنا.. هكذا ظلت بعيدة نائية بنفسها عن حياتنا، لا أمن ، لا، خبز، لا حرية،، لا إبداع، لا إختراع! منذ أن رفعنا رآيات الإستقلال والحرية، او هكذا أوحى لنا من انزلوها عن اسطح بنياتنا في يوم ما، ورفعوا بدلاً عنها رآياتهم التي رأينا فيها تلطيخاً لسمعتنا وكبرياءنا الوطني والقومي. لكنهم تماشياً مع سياق الاحداث، أنزلوها ورفعوا سواها، وسواها هذه المرة، كانت رآياتنا، ليس تعبيراً عن حبهم لها، أو على الأقل احتراماً لنا، بل تكيفاً مع متغيرات عصرهم وتحدياته، لذلك إذنوا لقادتنا وأوحوا لهم بمختلف القابهم ومسمياتهم من ملوك وسلاطين ورؤساء، وثوار وثائرين، وقادة جيوش، ورؤساء أحزاب، ورعاة طوائف، وزعماء قبائل، الخ قائمة عناونين ذواتهم المبجلة، أن يفسروا رفرفت تلك الرآيات على رؤوسنا، على إنها دليلاً على النضج العقلي والفكري والنفسي الذي بلغته أمتنا وقادتها العظام.. بهذه البداية المتعسرة، أو الولادة المشوهة إن صح التعيبر، تهنا وتأهت خطانا.. حيث قدمنا ما محله التأخير، وآخرنا ما محله التقديم.. البعض، أو الأغلب إن يكن الكل، طرح من نفسه قائداً للوطن أو زعيماً للشعب والأمة، لكن بلا مستويات فكرية وعقلية ونفسية واخلاقية، وإن كان منها ثمة شيء، فهو، في الحضيض، بل هو، غارق في أوحال الهزيمة، والأمية، والجهل، والتخلف والنرجسية، والأنتهازية. هكذا جاءنا قادتنا من حيث لا ندري، جاؤونا عبر النوافذ الصغيرة وليس الأبواب الكبيرة. جاؤونا عراة، حفاة ، بلا قيم، بلا علم، بلا أخلاق، أو شرعية، جاؤونا في الظلام .. جاؤونا عبر التآمر والخيانة والصفقات.. جاؤونا عبر الإنقلابات العسكرية، تحت رآيات الوطن والدين، أستولوا على الحكم وعلى قرارنا، وحقنا في ان نحيا بآدامية كغيرنا من البشر، جاؤونا تحت ذرائع وحوافز شتى، لكنها كلها كذابة وزائفة.. لذا ضللنا طريقنا منذ البدء، لأن قادتنا ضللونا بدعاياتهم السافرة وأكاذيبهم الفاجرة، تفاهاتهم التي كانت وما زالت تحاصرنا إينما ذهبنا، جعلتنا نطلق العنان لمخيلاتنا لتغرق في محيطات السراب، وليس بحوره فحسب، بل جعلونا نشطح بأوهامنا، ننسج منها جسوراً الى ذرى أحلامنا الخائبة، في هذه الأجواء المشحونة بالكذب والنفاق والرياء والخديعة، نشأنا وترعرعنا وكبرنا، وهكذا ظللنا نبيع ونشتري الأكاذيب من بعض، ولبعض صباح ومساء، في السوق والشارع والحارة، بل في كل المنابر .. وهكذا إلفنا وأدمنا هذا الواقع الفاضح المفضوح، هذا الواقع الغائب عن الوعي والحقيقة، الذي هو بدوره غيب الكلمة الصادقة، بأن جعل منها عدواً، يترصده في أي وقت وفي أي مكان.. حاربها بكل ما لديه من أسلحة القتل والفتك، أسلحة الكذب والتسطيح والشعوذة والغباء والهمجية، حاربها بكل أشكال وأساليب الخداع والمزورين، حاربها بالقمع وبالرشوة، حاربها ، بالشرطي وشيوخ النفاق، حاربها بالسيف والقلم والدبابة. حاربها بوفرة الصحف الصفراء، التي تطفح صفحاتها بمقالات الكتاب المنافقين الدجالين، كٌتاب السلطة الذين يدبجون مقالات الكذب تغييباً للوعي، وتشهويهاً للواقع، وطمساً للحقائق والوقائع، ليس حباً في الحاكم بل نفاقاً ورياءاً من أجل المال والجاه، والشهرة، والمنفعة الخاصة، للكتاب لسان قادتنا خلال الخمسون عاماً وأكثر، إنهم عيونهم التي بها علينا يتلصصون، ولسانهم الذي به يزرعون في دواخلنا الخوف واليأس والرهبة من البحث عن الحرية والشمس والكرامة، أؤلئك الكُتاب هم سبب خراب واقعنا وتأخر امتنا، لأنهم بارعون في فن المديح والتدليس والتزوير، بارعون في فنون القتل والدعاية والاشاعة والحرب النفسية، التي يشنونها على الشعب عبر الصحف والإذاعات والفضائيات، تثبيتاً، ودفاعاً عن الأمن والإستقرار الذي هو، ليس أكثر من أمن وأستقرار النظام القائم، سواء كان ملكياً او اميرياً .او رئاسياً، المهم أن يبقى النظام وتستمر المصالح.

هذا هو واقعنا الذي طارت وما زالت تطير ألباب زعمائه وراء الأماجد الملطخة بدماء الشهداء، الذين كتبوا بدمائهم الطاهرة،هذا العام، نهاية أنظمة حكم قاهرة، كتبوها في تونس والقاهرة، إذن على باقي شباب الأمة إن إرادوا الخروج من ظروف الغربة والأغتراب، فلابد من مواصلة مشوار النضال، النضال الذي يجعل واقعنا خالياً من هؤلاء الديناصورات، هؤلاء الوحوش، هؤلاء اللصوص، هؤلاء القتله، لأنهم لن يجدوا بعد الآن، من بيننا العبيد الأذلاء، والجنود الاغبياء، والظروف السخفية، التي يطلقون فيها، على عقولنا ونفوسنا أسلحتهم الكاسدة، أسلحة الخديعة والنفاق.. لذا دعونا نجعل من هذا العام، نهاية لحكم الطغاة في كل الوطن العربي بلا إستثناء.. وكم أتمنى أن يكون هذا القول ليس مجرد أمنية من الأماني السعيدة .. بل طريقاً نحو الحرية والأمل، لأن التجربة أثبتت ان لا سبيل إلى التقدم والتطور والريادة الحضارية بين الشعوب صانعة الحضارة في هذا العصر، سوى الكفاح والنضال اللذان يقودهما عقل وضمير حيين !

الطيب الزين

تعليق واحد

  1. الاستاذ الطيب
    لك التحية
    نعم النضال والتضحية والمواصلة فى الكفاح لاظهار الحقيقة—الكل يساهم فى ذلك حتى ولو كان الصوت خافتا فالله سيظهر الحق زيزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا…
    ان من الاهم الاسباب التى ترجعنا عدم قول الحق والتخلى عنه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..